المولود ابن الموهوب الشيخ المفتي المصلح الموهوب
بقلم: محمد الطيب-
أحد أبرز الذين حملوا لواء التجربة الإصلاحية بالجزائر، ومن الذين مهدوا للدور الباديسي فيما بعد، فقد كانت لأسرته ذات الوزن الثقافي والسياسي ونشأته بقسنطينة ذات العبق التاريخي الأثر الحسن في ميله نحو هذا الاتجاه، جمع بين الثقافتين العربية والفرنسية انطلاقا من دراسته الفرانكو-إسلامية، فساعده ذلك للقيام بعمل اصلاحي خاصة وأنه كان أستاذا، خطيبا مفتيا وصحفيا.
ولد الشيخ بمدينة قسنطينة في 1866، وأصله من قرية "إيموله" بناحية صدوق ببجاية، وكان لأسرته زاوية علمية، ووالده محمد السعيد موظفا في سلك القضاء، كان وحيد أبويه، ولم تطل حياة والده بعد ميلاد ابنه، فكان محل عناية أمه، وحرصت على تعليم وحيدها، خاصة أن والده تركهم في وضع مريح، ولعب محمد المكب بن صحراوي وهو قريب له دورا في مواصلة التربية وإعداده لهذه المهمة، بعدما حفظ القرآن الكريم أقبل على التضلع من مختلف العلوم، وكان من شيوخه محمد الشاذلي القسنطيني، الذي تولى إدارة المدرسة العربية- الفرنسية، التي كانت تخرج موظفي السلك الديني، والشيخ عبد القادر المجاوي، الذي تأثر به كثيرا، والذي لازمه اثنتى عشرة سنة، وقد ساعده على الانضمام إلى هيأة التدريس في المدرسة الكتانية، وعندما توفى في 1914 ترك طالبين رموز الاصلاح حمدان لونيس أستاذ بن باديس، والشيخ بن الموهوب الذي ورثه حتى أطلق عليه لقبه "شيخ الجماعة"، خاصة أن الشيخ حمدان كان قد هاجر إلى الحجاز، وكان نجم الإمام ابن باديس لما يسطع بعد، ويذهب البعض إلى أن ابن الموهوب التقى بالإمام محمد عبده عندما زار قسنطينة في سبتمبر 1903، وظهر تأثره بأفكاره في دعوته إلى نبذ الخرافات، ومحاربة البدع، والدعوة إلى العلم ونشره، والابتعاد عن الخوض في الأمور السياسية، كان أستاذا للدراسات الإسلامية بالمدرسة الإسلامية، وعين مفتي المالكية بقسنطينة عام 1908، لقد لوحظ أن الإمام ابن باديس لم ينتقده في توجهه الفكري، ولكنه انتقده في مواقفه، عندما سعى إلى منعه من التدريس بالجامع الكبير بقسنطينة، وذلك قبل ظهور الدعوة الإصلاحية، كما سعى لمنع جمعية التربية والتعليم للإمام من إقامة احتفال للحجاج بالجامع الكبير في 1936، ولا يستبعد أن تكون للإدارة الفرنسية دخل بينه وبين الشيخ لتوقع بينهما "العداوة والبغضاء"، أما على المستوى العلمي فيظهر تقدير الرجلين لبعضهما، من ذلك ما كتبه في 1922 الشيخ المولود في تقريظ رسالة الإمام ابن باديس التي انتقد فيها الشيخ ابن عليوة تحت عنوان "رسالة جواب سؤال عن سوء مقال"، وقد وصفه بـ "الأخ في الله، العلامة، فرع الكمال، وزبدة الأصول، ذو الأنس والتأنيس السيد ابن باديس"، كما وصف الإمام الشيخ ابن الموهوب بـ "العلامة المتفنن، الألمعي، المفكر، الشيخ، المفتي المالكي بقسنطينة"، يُعد الشيخ واضع الأرضية للحركة الإصلاحية التي تزعمها بن باديس فيما بعد، وهناك تشابها بين الرجلين، فيكفي أن محاولاتهما لم تخرج عن السياق العام والمتجلي في الإصلاح الاجتماعي والثقافي، فقد حاول حتى ابن باديس تجاوز الطرح السياسي رغبة في التعايش والاستمرارية أكثر، وقد بقيت العلاقة باردة إلى آخر يوم في حياة الشيخ ابن الموهوب، وتجلت في عدم إشارة مجلة الشهاب لوفاته، وفي اختصار جريدة البصائر، حيث جاء في ما نصه: "توفي مفتي قسنطينة الشيخ المولود ابن الموهوب بعد أن توسط عشرة الثمانين من عمره، ودفن مساء الجمعة.."، ومن تلاميذه الأستاذ مالك ابن نبي والأستاذ محمود بوزوزو الذي كان رئيسا لجريدة "المنار" في أوائل الخمسينيات، كما ترك بعض التأليف منها "مختصر الكافي في العروض والقوافي، ونظم شرح الكافي المسمى التبر الصافي، ونظم الآجرومية، وشرح منظومة التوحيد لشيخه عبد القادر المجاوي.."، وله بعض الأشعار، أسماه بعضهم شعر الفقهاء، وأهمها قصيدته المعنونة بـ "المنصفة" التي مطلعها:
صعود الأسفلين به دهينا * لأنا للمعارف ما هدينا
أورد الأستاذ كمال لدرع في كتابه "الشيخ المولود ابن الموهوب- مفتي قسنطينة حياته وآثاره"، أن الشيخ تولى منصب الفتوى ومسجد باريس عند تدشينه، وأنه أول من خطب بهذا المسجد في أول صلاة جمعة، وكان عضوا في "جمعية أحباس الحرمين الشريفين" التي كان يرأسها قدور ابن غبريط، وكانت تشرف على مسجد باريس، لاشك أن فرنسا اختارت ابن غبريط، لأنه طيِع يفعل ما يأمر به، بينما كان ابن الموهوب يؤمن أنه بينه وبين الفرنسيين كما في قوله "حاجز لا أتخطاه سعيا إليهم، وحاولوا تخطيه سعيا إليّ فما نحجوا"، جاءت حركته في شكل تقويمي، فقد خاطب مجتمعه من المنابر المتاحة له بتذكيره بالواقع الذي وصل إليه وخطورته، وتبيان مواطن الداء، مقدما بعد ذلك وصفته الاصلاحية في الميدان التربوي، التعليمي والاجتماعي والديني، وقد أخرجها من القول إلى الفعل، مستغلا في ذلك وظائفه الرسمية، رغم المراقبة سار في برنامجه التقدمي، وتعامل بذكاء مع السلطة الفرنسية، إذ خاطب للإصلاح من على منبرها، فبرنامجه شعاره أن العلم السبيل الأمثل للخروج من المأزق الذي أوقع فيها المستعمر مجتمعه، فجعل من المدرسة طريقه في الإصلاح، فالأمر ظاهريا غير مقلق لها، لذلك لم تحل دون استمراريته، دعا إلى العلم والنهضة، والمحافظة على الهوية الجزائرية، دون أن يغفل عن الأخذ بمحاسن الحضارة الغربية الأوروبية، وهذا ما لم يحرج الفرنسيين، لكن الواقع أن ذلك له عظيم الأثر في خلق الوعي والاستعداد النفسي في صفوف الجزائريين تمهيدا لمرحلة أخرى من المقاومة لم يحن موعدها بعد، ظل نشطا فعالا يأمل في التغيير الإيجابي حتى وفاته ليلة 21 أفريل 1939 ودفن مساء الجمعة، عن عمر يناهز 73 سنة، فقد تميزت حركته الاصلاحية بالجرأة والواقعية، مما جعل الكثير من الباحثين وعلى رأسهم "أبو القاسم سعد الله" يعده زعيما لفئة المحافظين خلال تلك الفترة، رحمه الله.