الشيخ الفضيل اسكندر
بقلم: أعمر عشاب-
هو فضيل بن حساين بن أحمد بن محمد بن رمضان، ولد بحي تاكبو بمدينة المدية في 1319هـ الموافق لـ03 ماي 1901م. نشأ وترعرع في أسرة محافظة على القيم الدينية والأخلاق الإسلامية، فقد كان جده إماما بالمسجد الحنفي بالمدية، وكان عم أبيه من حفاظ القرآن بالولاية، وهذا الوسط العلمي ساعده للتفتح على أبواب العلم والأخلاق والإلتزام منذ نعومة أظافره. ورغم مفارقة أمه للحياة وهو صغير ألا أنه تلقى الرعاية الكافية ولم يؤثر ذلك على قريحته العلمية .
طلبه للعلم :
وقد وهبه الله ذاكرة فذة فأكمل حفظ القرآن وعمره تسع سنوات عن عمه محمد بن رمضان الذي كان مؤذنا ومعلما للقرآن الكريم بالمسجد الحنفي. كما استفاد كثيرا من جانب اللغة من الشيخ "محمد بلحصيني" أحد أعلام اللغة العربية في ولاية المدية آن ذاك .
وقد مكنته حافطته القوية من تحصيل الكثير من العلوم خاصة مصطلح الحديث حيث كان ملما بالكتب الستة، فكان يحفظ ما يقارب 3500 حديث بسندها كاملة هذا ما جعل الشيخ الفحام عميد الجامع الأزهر عندما زاره سنة 1968 يطلق عليه اسم بصارالحديث أو سيار الحديث، وقبل رأسه اعترافا له بالعلم الوافر وسعة فكره وإطلاعه العميق .
وفضلا عن ذلك فقد كان له باع في اللغة والأدب وقد ذكر من لازمه أنه إذا مال بك في هذا المجال بدا لك أنه لا يعرف إلا سواه وله من الشعر ثلاثة قصائد :
الأولى في فضل العلم وقد ألقاها بمناسبة افتتاح أول نادي ثقافي بالمدية سنة 1926م.
الثانية كتبها في إطار نشاطه لجمعية العلماء المسلمين في التصدي لأهل البدع والخرافات سنة 1934م.
الثالثة جادت بها قريحته عندما حضر تهديم الكنيسة بساحة أول نوفمبر وحولت إلى مسجد وقد كتبت هذه الأبيات بمداد من ذهب على قطعة رخامية تتصدر مسجد النور وذلك سنة 1969م.
نشاطه الدعوي :
لقد قدم الشيخ الفضيل لمدينة المدية وللأمة الإسلامية ككل ما شاء الله تعال سواء في التفسير أو الفتوى أو الوعظ والإرشاد ...
غير أن آثاره المدونة قليلة جدا و ذلك القليل لا يزال حبيس المخازن والرفوف أو في صدور بعض من لازمه آن ذاك، في انتظار خروجها إلى النور لتنتفع بها الأمة الإسلامية جمعاء .
ومن بين أهم آثاره في علم الحديث أنه أخرج واحد وثمانين حديثا شريفا من الكتب الستة والمتفق عليها لفظا ومعنى .
وبعد تأسيس جمعية العلماء المسلمين، زار رئيسها الشيخ عبد الحميد ابن باديس مدينة المدية سنة 1933م وعين الشيخ الفضيل رئيسا لفرع المدية وعضوا في مجلس الفتوى، ونظرا لما لمسة الشيخ عبد الحميد ابن باديس من خصال الدعوة وأخلاق العلماء وبشهادة الشيخ محمد البشير الإبراهيمي حثه على تفسير القرآن الكريم .
فبدأ الشيخ رحمه الله في التفسير كل جمعة درسا بدون انقطاع حتى أتمه سنة 1969م، وكان منهجه في التفسير ينبني على قراءات مستفيضة للتفاسير السابقة فيذكرها على سبيل الأمانة العلمية والاستناد عليها ليطرح بعدها تفسيره معرجا على أسباب النزول والأحكام الفقهية وبلاغة القرآن وحكمه...
وكان يتخلل تفسيره صولات وجولات في العلم الشرعي فقها وحديثا وبالغة ولغة فأجاد وأفاد، ولكن للأسف لم يدون تفسيره هذا إلا بعض الأشرطة السمعية وبعض خطبه ودروسه المدونة.
وبعد 25 سنة كاملة أتم رحمه الله التفسير في يوم الجمعة بالمسجد الحنفي.
كما أنه كان المفتي العام للولاية، فلا يتجرأ غيره على الفتوى والشيخ الفضيل حاضر بل ويأتوه المستفتون من مختلف الولايات.
ومن خلال عضويته في جمعية العلماء المسلمين سخر جهده للدعوة إلى الله والتوعية الوطنية، يحمي حدود الله ويصحح المفاهيم الخاطئة ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وكان سيفا مسلولا على أهل البدع والخرافات سالكا منهج الجمعية في ذلك ومراعيا حبل الله المتين.
كما قام رحمه الله بالتدريس في كلية العلوم الإسلامية بجامعة الجزائر سنة 1948م.
ولم يدخر الشيخ رحمه الله أي جهد في الرد على الاستدمار الفرنسي، فقد سخر لسانه و قلمه لتحريض الشباب الجزائري على الجهاد والدعوة إليه بكل ما يملك، وهذا ما أدخله في الكثير من المواجهات مع الإدارة العسكرية الفرنسية بالولاية ومن أهم مواقفه أنه رفض الصلاة على الخونة الذين قتلهم المجاهدون ممتثلا لقوله تعالى ومن يتولاهم منكم فإنه منهم ما جعل السلطات العسكرية الفرنسية تضعه تحت الرقابة .
أما على المستوى العالم الإسلامي فكان يراسل مشايخ الأزهر والعلماء المسلمين ويتبادل معهم مناقشة المسائل الدينية والعلمية ويتواصل معهم في هموم الدين والأمة، وقد زاره شيخ الأزهر محمد الشعراوي وتناضر معه من صلاة العشاء إلى طلوع الفجر، وقد خرج منها الشيخ الشعراوي مبهوتا بسعة علمه وعمق اطلاعه.
كما زار رحمه الله جامع الزيتونة بتونس في أربعينيات القرن الماضي فأفاد واستفاد.
وأثناء زيارته البقاع المقدسة قصد الحج سنة 1967م كانت له لقاءات مع علماء مكة والمدينة وزار الطائف وسجل اسمه في السجل الذهبي المخصص للوفود الزائرة من رجال العلم والأدب، وحصل على رخصة الدخول إلى الكعبة المشرفة ولكن لم يتم له ذلك لمصادفة يوم الدخول بيوم العودة للجزائر.
وفاته رحمه الله :
وبعد مرض أقعده الفراش بضعة أشهر، توفي الشيخ رحمه الله في 14 أفريل 1982م بالمدية. وبذلك فقدت الولاية حبرا من أحبار الأمة وعالما فذا لا يزال الناس يتذاكرون أقواله وحكمه، وأصبح إطلاق اسم فضيل على المواليد منتشرا جدا في الولاية ككل، كما أن ولاية المدية وبفضل الله وثم بفضل الشيخ الفضيل رحمه الله ومعارضته ومحاربته للبدع والفساد وانتشار الحانات في فترة السبعينات والثمانينات، لا تزال طاهرة منها بحيث لا توجد فيها ولا حانة أو بيت دعارة أو مخمرة ولله الحمد في حين تنتشر بها المساجد العامرة، وهذا ما يحسب للشيخ الفضيل اسكندر عليه رحمة الله .
آثاره :
لقد كانت للشيخ الفضيل العديد من الأعمال الدعوية والآثار الكتابية والصوتية، ومن أهم آثاره في علم الحديث أنه أخرج واحد وثمانين حديثا شريفا من الكتب الستة والمتفق عليها لفظا ومعنى .
وأنه فسر القرآن الكريم، بالإضافة إلى دروس وخطب الوعظ والإرشاد، ولكن للأسف لم يتم تدوين أو تسجيل إلا القليل منها، نسعى جاهدين إلى البحث عنها وطبعها ونشرها للانتفاع بها إن شاء الله تعالى.
في إطار نشاطه لجمعية العلماء المسلمين في التصدي لأهل البدع والخرافات كتب الشيخ الفضيل اسكندر هته الأبيات سنة 1934م :
لقد حارب الدين قوما لا خلاق له ..... سيماهم الغش والتلبيس والخدع
فأوهموا الناس أن الدين بدعتهم ..... إلى أن أضحت كدين الله تتبع
صدوا ببدعنهم جمهور قومهم ..... عن دين ربهم فبئس ما صنعوا
شاب وشب عليها الناس فاستحكمت ...... جذورها فيهم فكيف تنقلع
قطاع طرق لكن لا سلاح ...... لهم إلا التملق والتميه والخدع
حادوا عن الدين والعقل معا ..... فالدين ما سلكوا والعقل ما تبعوا
لكنهم تبعوا هوى نفوسهم ..... حتى هووا في حضيض الشرك واندفعوا
ضنوا ضلالتهم تدوم دولتها ..... وأنها تزال الدهر تتبع
لكن رحمة ربي قضيت فئة..... قيادة هديها تخريب ما صنعوا
قد كشفت جهلهم للناس فافتضحوا ..... واقهار مجدهم الموهوم وانقلع