أبو القاسم سعد اللّه ورؤيته في كتابة تاريخ الثورة الجزائرية
أبو القاسم سعد الله

أبو القاسم سعد اللّه ورؤيته في كتابة تاريخ الثورة الجزائرية

بقلم: بلقاسم لبوخ-

تعتبر الثورة التحريرية الجزائرية معلما تاريخيا مهما في التاريخ المعاصر، إذ تعد من أعظم ثورات القرن العشرين وقد استلهمت بعض الثورات والحركات التحررية منها الدروس والعبر، نظرا للقيم والمبادئ الإنسانية التي قامت عليها ونادت بها، وقد أصبحت تدرَّس في الكليات الحربية وأهم المعاهد في العالم، وكانت الثورة الجزائرية في صلب اهتمام العديد من المؤرخين والفلاسفة والمفكرين، ومن أبرز الذين كتبوا عنها على المستوى الوطني على سبيل المثال لا الحصر نذكر: محمد العربي زبيري، محمد حربي، بومالي حسن، بن يوسف بن خدة، … وغيرهم، حيث أن لكل من هؤلاء رؤيته في كتابة تاريخ الثورة وطريقته الخاصة، لكن الذي كانت رؤيته ملفتة للانتباه حول كيفية التعامل مع تاريخ الثورة هو الدكتور أبو القاسم سعد الله رحمه الله، فقد كان تصوره مبنيا على نظرة استشرافية وبعد نظر وتثبتن وحكمة وبصيرة نافذة، هذه النظرة جعلت آراءه حول الموضوع ترقى إلى المستوى التنظيري أي كيف يمكن كتابة تاريخ الثورة على أسس صحيحة وقواعد متينة؟ ونعزو ذلك لكونه كان جزءا منها معايشا لأحداثها، وقد تميزت كتاباته بمنهج رصين ونظرة ثاقبة تنم عن وعي كبير بأهمية التاريخ في حياة الشعوب والأمم.

كتب الشيخ أبو القاسم سعد الله حول الجزائر وعلمائها،وفي الفكر والثقافة، وكتب حول تاريخ الثورة في أكثر من مناسبة مـحاولا الإسهام في تدوين تاريـخها، بعد أن ساهم فيها مناضلا في جبهة التحرير ومـجاهدا، فاجتمع له نضالاننضالهبالقاهرة طالبا وعضوا مناضلا في جبهة التحرير، ونضال القلم وأعظم به من نضال، فقد جاء في الحديث الشريف ” يوزن حبر العلماء بدم الشهداء “، فللرجل قلم سيال أبى أن لا يسخره إلا للدفاع عن الثوابت التي تعتبر عنده خطا أحمرا دونه خرط القتاد، ولسان حاله يقول:

ولي قلم آليت أن لا أخطه *** بختل موار وفتل موارب

وقد نظّر الراحل رحمة الله عليه لكيفية التعامل مع تاريخ الثورة، هذا التاريخ الذي لا يزال حيا، وقدّم المرحوم سعد الله طرقا لكتابته وترك أرضية خصبة للأجيال تستطيع الانطلاق منها في كيفية التعامل مع تاريخ الثورة، وبناء على ما ذكرنا جاء عنوان الموضوع محل الدراسة موسوما بـ:

- أبو القاسم سعد اللّـه ورؤيته فـي كتابة تاريخ الثورة الجزائرية

- "دراسة تحليلية على ضوء ما كتبه حول تاريخ الثورة”.

ولمعالجة هذا الموضوع يمكننا طرحإشكال رئيس:

- كيف كانت رؤية الدكتور أبو القاسم سعد الله لكيفية التعامل مع تاريخ الثورة؟

ومن رحم هذا الإشكال تبرز عدة تساؤلات:

- ماهي العوامل التي حدّت من توجهه نحو الأدب وتحوله لميدان التاريخ؟

- هل آن أوان كتابة تاريخ الثورة؟

أهمية الدراسة:

تكمن أهمية هذه الدراسة في كونها تلقي الضوء على موضوع هام وهو كيفية التعامل مع تاريخ الثورة لا سيما وأن هذا الموضوع كتب حوله الكثير، لكن قليلون من نظّروا له، ثم إن دراسة أفكار وآراء الدكتور المرحوم سعد الله تعتبر في حد ذاتها قيمة علمية نظرا لما تميز به الرجل من حصافة رأي ورجاحة عقل ونفاذ بصيرة، ونظرا لازدواجثقافته وموسوعيته، إضافة إلى البعد الاستشرافي والنظرة الثاقبة في طروحات الرجل.

سبب اختيار هذه الدراسة:

يعود سبب اختيارنا هذا الموضوع لرغبتنا في الإسهام في كتابة وتدوين تاريخ الثورة، وفي التعرف على منهج شيخ المؤرخين الجزائريين في التعامل مع تاريخ الثورة، وإبراز البعد الاستشرافي له في هذا الموضوع الحساس القديم الجديد في الآن نفسه نظرا لحيوية الموضوع، فتاريخ الثورة تاريخ حي.

من يكون أبو القاسم سعد الله؟

هو أبو القاسم “بلقاسم” بن أحمدبن علي الڤماري، من مواليد حوالي 1927م بالبدوع بالقرب من بلدة ڤمار بوادي سوف، وينتمي الراحل إلى عرش أولاد عبد القادر.نشأ الرجل في أسرة فقيرة، ويذكر رحمة الله عليه أنه كان وإخوته يقتاتون خمس حبات من التمر لكل واحد منهم في اليـوم!!!! .(1)

دخل كتّاب الجامع القبلي بالبدوع (نظرا لوجود الجامع الظهراوي) وعمره خمس سنوات، فحفظ القرآن الكريم على يد عدّة شيوخ أبرزهم الشيخ أبو القاسم بن البرية “الشيخ الزبيري”، وأمَّ الناس في صلاة التراويح بجامع البلدة، كما اشتغل بالفلاحة مع أهله، وعايش ظلم الشركات الفرنسية واحتكارها لموارد دخل الشعب، فعاش شظف العيش وصعوبته ورأى بأم عينه ما يفعل الجهل والفقر والمرض بالإنسان(2)، كانت والدته هالي العبيدية”أم الدكاترة” تدعوا الله أن يجعله من أهل العلم مثل خاله الشيخ الحفناوي هاليوهي من شجّعه للذهاب إلى تونس ليدرس بجامع الزيتونةكما حثّه على ذلك الشيخ محمد الطاهر التليلي”زوج خالته” وعليه قصد الرجل جامع الزيتونة سنة 1947م فتتلمذ على يد شيوخ نذكر منهم: الشيخ مصطفى المؤدّب والشيخ علي الأصرم، والشيخ بشير العربي، والشيخ الهادي حمّو، والأستاذ العروسي المطوي، … وغيرهم.

تحصّل على الشهادة الأهلية سنة 1951م، وشهادة التحصيل في شهر نوفمبر 1954م، كُلِّف برئاسة البعثة الزيتونية لجمعية العلماء من قبل العربي التبسي سنة 1952م، وقد كتب سعد الله مقالات وقصائد وأرسلها لجريدة البصائر، كما كتب في بعض الجرائد التونسية كجريدة الأسبوع، إضافة لعضويته في رابطة القلم الجديدة التونسية(3).

بعد عودته إلى الجزائر 19 نوفمبر 1954م عيِّن معلما بمدرسة الثبات بالحراش، ثم انتقل إلى مدرسة التهذيب بأعالي العاصمة في شهر مارس 1955م، بعد ذلك قرر استكمال دراسته بالقاهرة، لكنه لم يتحصّل على جواز السفر، ذلك أنه لا يمتلك شهادة إقامة، ولما استخرجها له الشيخ عبد اللطيف سلطاني، طلبت منه الإدارة الاستعمارية أداء الخدمة العسكرية أولا(4)، هنا يقول رحمه الله:»… فوجدت الباب مسدودا، لا أستطيع خدمة العلم الفرنسي!!، ولا أستطيع الخروج دون جواز سفر«.(5)

وبناء على ذلك سافر إلى تونس لمقابلة صديقه نور الدين بن محمود الذي وعده باستخراج جواز سفر له، بعدها غفل راجعا إلى الجزائر ليشارك في مناظرة التدريس التي تنظمها جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، وأُعلِمَ بصدور جواز السفر فقصد تونس ومنها سافر إلى القاهرة، ليحط الرحال بمكتب جمعية العلماء المسلمين فمكث مدّة خمسة عشر يوما، وبعد إجراء مسابقة الانتساب لدار العلوم بالقاهرة في 12 ديسمبر 1955م، استطاع ولوجها، وكرع أصنافا من العلوم: التفسير والحديث واللغة والأدب العربي والمنطق والفلسفة والتاريخ والتربية العلمية والتطبيقية واللغة الفرنسية والإنجليزية والفارسية وفن الخط …

كان من أكثر الطلبة حركية ونشاطا وحيوية، إذ كان يتردد يوميا على مكتب جمعية العلماء المسلمين بالقاهرة، حيث يلتقي أعلام الجمعية كالشيخ البشير الإبراهيمي، والعباس بن الشيخ الحسين، وعمر دردور، وإبراهيم مزهودي، وأحمد توفيق المدني، وممن كان يلتقيهم كذلك أعضاء الوفد الخارجي للثورة ومنهم: فرحات عبّاس، ومحمد الأمين دبّاغين، وأحمد فرنسيس، وأحمد بودة، وحامد روابحية، والتِّجاني هدّام، والعقيد أوعمران، وعبد الحفيظ بوصوف، وبن يوسف بن خدّة … إلخ.

وقد حضر سعد الله رحمه الله إعلان تشكيل الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية بفندق الكونتننتال بالقاهرة، واشتغل في مصالح جبهة التحرير بالقاهرة، فتولى الكتابة على الآلة الراقنة في مصالح وزارة الثقافة للحكومة المؤقتة، كما اشتغل في مكتبة وزارة الحكومة المؤقتة. كما التقى بشخصيات وأعلام من العالم العربي والإسلامي كالأمير عبد الكريم الخطّابي، وصالح بن يوسف، والحاج أمين الحسيني “مفتي القدس”، وأحمد الشرباصي، ومحمود شلتوت، ومحمد أبو زهرة، وعلي الخفيف، ومالك بن نبي، وطه حسين، ومحمود تيمور… وغيرهم.(6)

من نشاطاته كذلك ترأسه للجنة الثقافة لرابطة الطلبة الجزائريين، حيث شارك مع بعض الطلبة في جمع التبرعات للثورة التحريرية ضمن فعاليات أسبوع الجزائر الذي نظّمته الحكومة المصرية من 08 إلى 15 جويلية 1957م، كما كلّفه توفيق المدني بنظم نشيد الثورة التحريرية الجزائرية، وكان على اطلاع دائم بما تنشره الصحف المصرية وجريدة المقاومة الجزائرية من أخبار عن ثورة التحرير، ومن نشاطاته كذلك أنه كان يسجل كلمات في إذاعة صوت العرب بمعية بعض الطلبة الجزائريين، وقد طبع ديوانه النصر للجزائر سنة 1957م الذي تميّز بقصائده الثورية والوطنية.

كان الرجل من أنجب الطلبة وأفضلهم عملا وسلوكا بشهادة أساتذته وطلبته، حيث نال شهادة الليسانس في الأدب العربي والعلوم الإسلامية من دار العلوم بالقاهرة سنة 1959م، وبعدها بعام تحصّل منها على سنة أولى ماجيستير في النقد الأدبي.

قضى سعد الله رحـمه الله أسعد أيامه وأخصبها -من الناحية العلمية- بالقاهرة، حيث كان يطبخ طعامه ويغسل ثيابه، كباقي الطلبة، وربـّما تناول عشاءه مـما تبقى من فطوره، فالـمنحة الشهرية دراهم معــدودة، لكنه كرّس حياته للعلم، فتحصّل على منحة من الحكومة المؤقتة للدراسة بالولايات المتّحدة الأمريكية، فسافر إليها في 30 نوفمبر 1960م، وبعد سنوات من الكد والجدّ والحرص نال شهادة الدكتوراه في يوم الإثنين 20 سبتمبر 1965م في التاريخ الأوروبي الحديث والمعاصر، وقبلها شهادة الماجيستير، عيّن أستاذا بجامعة أوكلير بولاية ويسكنسن شهر أكتوبر 1965م، فدرّس بها مادة تاريخ الشرق الأدنى، ومكث بها سنتين تعرّف خلالهما على عدة أعلام كالمؤرخ البريطاني الشهير أرنولد توينبي، والمؤرخ فيليب حتي، والشاعر الأمريكي روبيرت فراست، ومحمد ظفر الله خان الدبلوماسي والمفكر الباكستاني، … وغيرهم، فكان دائب النشاط، يكتب المقالات ويحاضر ويتردد على المكتبات، ويتنقل كثيرا بين مدن الولايات المتحدة الأمريكية.

تم تعيينه سنة 1967م  أستاذا بجامعة الجزائر، وفي سنة 1993م حصل على منحة “فولبرايت” فقصد الولايات المتحدة الأمريكية وعكف على استكمال كتابة مؤلفه تاريخ الجزائر الثقافي، بعدها تم تعيينه سنة 1996م أستاذا لمادة التاريخ بجامعة آل البيت بالأردن حتى 2002م، وقد تم تعيينه أستاذا زائرا في عدّة جامعات عربية وأمريكية كجامعة متشيقن، الرياض، دمشق، عين شمس، القاهرة، … إلخ، ليعود سنة 2002م إلى جامعة الجزائر أستاذا متعاقدا، وقد تتلمذ على يديه آلاف الطلبة من مختلف الجنسيات، كما أشرف على العشرات من الرسائل والأطروحات الجامعية.(7)

رحل الرجل العلاّمة أبو القاسم سعد الله، ذات صباح السبت 14 ديسمبر 2014م، ودفن يوم الأحد الـ15 من ديسمبر ببلدة قمار كما أوصى بذلك قبل وفاته.

عُرِف عن الرجل ابتعاده عن حب الشهرة والأضواء،وعدم التكلف فـي القول والفعل، كان راجح العقل، ثاقب النظر، صائب الرأي، كما عُرف برحابة صدره، ومروءته وتواضعه، وعفته وعزة نفسه، فشهد له كل من عرفه بحسن السيرة وصفاء السريرة، كان صارما وحازما، زاهدا في الدنيا، تحمّل مشاق ومسؤولية التأريخ لبلده، فما وهن ولا استكان ولا رضخ للمثبِّطات ومنغّصات الحياة على كثرتها، وخير دليل على ذلك ضياع محفظته يوم27 أوت سنة 1988 بمطار هيثرو بلندن والتي احتوت جهدا كبيرا كما صرح عن ذلك (حوالي ثلاث سنوات من الأفكار والآراء)بنفسه وقد ترك ذلك أثرا سلبيا على حياته العلمية وجرحا عميقا لم يندمل بسهولة، وظل يتأمّل ظهور خبر عنهاإلا أن ذلك لم يحصل(8)، وتقدِّرون فتضحك الأقدار.

إن رحيل شيخ المؤرخين الدكتور أبو القاسم سعد الله قد ترك فراغا كبيرا في مجال الثقافة والفكر واللغة والتاريخ، لكنه حتى وإن رحل جسدا فهو باق بيننا روحا وعملا ومواقفا ثابتة لا تتزحزح.

من خيمة الأدب إلى حصن التاريخ:

اجتمعت عدّة عوامل أحاطت بحياة الشيخ أبو القاسم سعد اللّه العلمية جعلته ينتقل من خيمة الأدب ويحط الرحالبحصن التاريخ – كما عبّر هو نفسه عن ذلك – هذه العوامل حدّت من توجهه من عالم الأدب إلى عالم التاريخ.

استهل سعد اللّـه حياته الثقافية بكتابة الشعر، فكانت باكورة أعماله اثنتا عشرة قصيدة كتبها ما بين 1954 – 1956م، لتكوِّن ديوانه الصغير “النصر للجزائر”، ثم استمر في نَظم الشعر ليصل رصيده الشعري إلى خمسٍ وعشرين قصيدة ما بين 1954 – 1960م وقد جمعها في ديوانه “ثائر وحب”، وكانت والخطوة التي حدّت من توجّه سعد اللّه الشعري ودفعت به إلى ولوج ميدان الكتابة والتأليف، رسالته للماجيستير التي حضّرها في القاهرة في موضوع: “محمد العيد آل خليفة رائد الشعر الجزائري الحديث” سنة 1962م، والتي جعلت من فكره الأدبي ينضج ويبلغ حتى تبلور أسلوبه وطريقته في التعامل مع اللغة.

وبعد سفره إلى جامعة مينيسوتا التي حصل منها على شهادة دكتوراه في الدولة في التاريخ الحديث والمعاصر باللغة الإنجليزية سنة 1965م، وهنا نلاحظ أن الرجل دخل تخصصا جديدا وهو التاريخ، ويبرّر تلميذه ناصر الدين سعيدونـي ذلك بقوله:»… إذ سوف يـجد سعد الله نفسه بفعل ظروف الدراسة الـجامعية بـجامعة مينيسوتا بأمريكا، وبتأثير من حركة المد التحرري والزخم الثوري الذي أفرزته الثورة الجزائرية، يتحوّل من معالجة الأدب إلى بحث قضايا التاريخ، فكانت دراسته حول الحركة الوطنية الجزائرية منذ 1963م…«.(9)

وهنا نفسح المجال للرجل ليحدثنا عن هذه الخطوة في حياته العلمية، حيث يقول بشأنها:»…لا شكّ أن الثورة قد غيّرت “الــمَزَاج الأدبي” عند العديد من الـجزائريين، وأنا واحد منهم. ولكن الـميل إلى النقد بدأ مبكّرا عندي، ولعل ذلك كان وراء اتجاهي نحو حصن التاريخ بدل البقاء في خيمة الأدب «(10)، وهو ما يعبر عنه بقوله أيضا في معرض حديثه عن الأديب الكبير أبو العيد دودو الذي أصرّ عليه بعدم مغادرة الساحة الأدبية فيقول:»طالما قلت لدودو أنني قد انسحبت من نادي الأدب، ودخلت أسرة التاريخ ولكنه كان يرفض ذلك أو لا يصدقه …«(11)

ويمكن أن نجمل أسباب تفرغ سعد الله للتاريخ في ما يلي:

1- الميل إلى العقلنة إذ الأدب تعبير عاطفي، وحرارة العاطفة مرتبطة بالشباب وبمرحلة الوثوب والنشاط الجسماني، وكثيرا ما كان الأدباء يتوقفون عن الإنتاج بأنواعه في مرحلة متأخرة من حياتهم لهذا السبب، ويركنون إلى الهدوء والتعقل والميل إلى التفكر، وقد يتحول اهتمامهم وطاقاتهم إلى مجال معرفي آخر يتماشى والمرحلة الجديدة من حياتهم.

2- حب التأمل وعدم الاندفاع في الإحكام، والنظر إلى كل الأشياء على أنها خاضعة للنسبية، فسعد الله كان ميالا للعقلنة منذ شبابه، إذ كان أقاربه كانوا يصفونه بالهدوء وقلة الحديث والنطق بالحكمة.

3- وجوده في بيئة أمريكا البلاد المادية والصناعية الكبرى أدّى به إلى الخوض في التاريخ، إذ أنه أفضل ما يشبع نهمه المعرفي والعلمي وتطلعاته العقلية، »ففيه الشك قبل اليقين وفيه التريث والتثبت قبل إصدار الأحكام، وفيه الموضوعية والاحتكام إلى العلم والضمير، وكل هذه المعايير تستجيب لنوازعي الأولى التي تحدثت عنها«.(12)

4- انتقاله من بيئة شرقية إلى بيئة غربية، ومن لغة عربية في التعامل اليومي بكل إيحاءاتها الشعرية التراثية والثقافية، إلى لغة غربية (إنجليزية) تتمتع برصانتها العقلية ودلالتها العملية، وتحول من دراسة الأدب العربي وفروعه والإسلام وروحانيته إلى التاريخ والعلوم السياسية(13).

5- طبيعة التكوين الشمولي الذي تلقاه رحمه الله، وعصاميته إضافة لكونه مخضرم عايش مرحلتي الاحتلال والاستقلال، دفعته في المرحلة الثانية من حياته للميل إلى البحث التاريخي والفكري، وقضايا العصر، ومواجهة الغزو الأجنبي بكل أشكاله(14).

لقـدكــانت قضايــا التــاريخ فـي صلب اهتمــام الرجــل وطبعت تفكيـره بـاعتبـاره أستـاذا جـامعيا مشرفـا وموجِّهــا، فقد كان يرى أن الأمم تنقسم إلى أمة تصنع التاريخ، وأمة تكتب التاريخ، وأمة تقرأ التاريخ. وكان يرى أن “التاريخ الحقيقي هو الذي يكتبه أبناء البلد عن أنفسهم لأنه جزء منهم ولهم، أما وجهة النظر الأجنبية فتظل عملا مساعدا فقط”.(15)

للمرحوم سعد الله أسلوب مميز جدا في الكتابة، إنه لـمّا يكتب فإنه يكتب بلغة بسيطة، لكنه يضفي عليها أسلوبا ومسحة أدبية، ربّما لا أكون مبالغا إن قلت أنه لا يضاهيه فيهما أحد، فما أجمل أن يكون المرء أديبا وناقدا وشاعرا ومؤرخا في الوقت نفسه، ذلك أنه من يمتلك ناصية الأدب وروافده يسهل عليه التعامل مع قضايا التاريخ، فلإيصال الأفكار للمتلقي لا بد من لغة سليمة وراقية تخاطب عقل القارئ وذهنيته حتى يفهم وأعتقد أن الدكتور سعد الله عليه رحمة الله تربّع على عرش التاريخ من باب الأدب، فرُوح النقد التي تميّز بها وهو في ميدان الأدب سرعان ما جرفته إلى عوالم التاريخ ليجد نفسه في ميدان آخر.ثم إن له حسا مرهفا وذوقا مميزا في اختيار العناوين وطبعا العناوين المميزة توحي بالمضامين المميزة.

لقد كان رحمه الله حريصا أشد الحرص على كتابة تاريخ الثورة بطريقة علمية أكاديمية وبموضوعية، بعيدا عن كل التخرصات والانتماءات والديماغوجيا والجهوية الضيقة، ذلك أنه لا يمكن فهم التاريخ والاستفادة من تجاربه وتجنب تكرار مآسيه إلا بعد دراسته دراسة علمية أكاديمية أي دراسة تحليلية نقدية بعيدة عن العواطف والإيديولوجيا. فيقول في هذا المضمار:»إن بعض الناس اليوم يكتب التاريخ من وجهة نظر حزبية، وبعضهم يكتبه بمنظار الطرقية، وبعضهم يكتبه في ضوء الإيديولوجيات العالمية … وأود أن أقول هنا بأني، في اعتقادي لست من هؤلاء ولا من أولئك، والمؤرخ الحق، في نظري، هو الذي يفرق بين ميوله الشخصية ومهمته الوطنية والقومية والإنسانية. إننا لا نكتب التاريخ حسب أهوائنا وميولنا ولكن حسب منطوق ومفهوم الوثائق مع الأخذ بالاعتبار جميع معطيات القضية التي نعالجها.«(16)

الثورة توجه سعد الله إلى ميدان التاريخ:

لقد كانت الثورة التحريرية في صلب اهتمام سعد الله طالبا وأستاذا، فكان يتلقف أخبارها من هنا وهناك، من شتى الجرائد والمجلات وكذا إذاعة صوت العرب بالقاهرة، فكان لا يمر عليه يوم إلا وقد شنف أسماعه بأخبارها أو قرأ عنها في جريدة الجمهورية المصرية أو المجاهد لسان حال جبهة التحرير أو غيرهما وانعكس كل ذلك على مساره الدراسي ليتحول من ميدان الأدب إلى عالم التاريخ، ويومياته مسار قلم المكونة من سبعة أجزاء خير شاهد على ذلك، وها هو يقول في هذا الصدد: »ثم جاءت الثورة فأذكت في النفوس الرغبة في التعرف على الماضي، على أساس أن أي ثورة عظيمة لا يمكن أن تقوم بدون أبعاد تاريخية. وظلت نفس الفكرة تنعكس على انتاجي الأدبي. إلى أن لوّحت بي الأقدار في بلاد بعيدة عن الجزائر وعن مراكز الثقافة العربية الإسلامية التي كان المرء يحس بالانتماء إليها والدفء فيها. فازداد عندي الشعور بالغربة والحنين إلى الوطن. ونمت لدي المعارف التاريخية بالدراسة والمخالطة واتقان لغات أجنبية. والتعرف على أحوال الأمم الأخرى. وارتبط كل ذلك بما كان يجري عندئذ في الجزائر.«(17)

لقد تكلم عن دور الثورة التحريرية في توجيهه نحو ميدان التاريخ ويقول في شأنها: »أما ثورة الجزائر فقد أرغمتني على البحث وتطبيق التاريخ، أي جعلتني أدرس تاريخ بلادي الذي لم أدرسه من قبل في أي مدرسة أو جامعة، وأتحرّق إلى معرفة إنجازات الأجداد والآباء، وأقارن بين ما قدموا به وما أنجزه الآخرون في الحروب والعلوم والحضارة على العموم. وبواسطة ذلك درست أيضا تاريخ الدول والشعوب الأخرى… «(18)

كيف نظر سعد الله لكتابة تاريخ الثورة:

تردد الشيخ أبو القاسم سعد الله كثيرا في الخوض في تاريخ الثورة – عدا الملامح العامة منها – وقدّم جملة من الآراء والنصائح العلمية والمنهجية المبنية على أسس أكاديمية، وذلك لاعتبارات عدّة، فنجده يقول مثلا في هذا الصدد:»إن الكتابة في تاريخ الثورة محفوفة بالمخاطر«، نظرا لما يكتنف أحداثها من ضبابية أحيانا، ولـما تعرفه من حساسية مفرطة أحيانا أخرى، وهو يقول ذلك ليس مـجازفة وإنـما انطلاقا من وحي تـجربتـه واطـلاعه، فالرجـل عاصر الاستعمـار “ففتح عينـه على ويلات الاستعمار فـي آخر عمره مـن الوجود”،(19) وعايش الثورة ويعرف عنها الكثير، وكلامه هذا منطقي ومبرر إلى حد بعيد، لكن لا يجب أن نتخذ لأنفسنا من هذا الرأي عذرا واهيا، يجعلنا نتخلى بسهولة عن تاريخنا وماضينا، بل لا بد من تحمل المسؤولية وخوض غمار البحث ولكن بحذر.

ويقول في الباب نفسه في رده عن إحدى رسائل الدكتور لحسن بن علجية يشكره فيها عن معلومات أرسلها إليه حول الشهيد محمد الطاهر زعروري:»… كم من شاب طموح وعبقري مثله استشهدوا وهم يصعدون السلّم أثناء الثورة، بعضهم كان مجتهدا، وبعضهم كان ضحية انتقام أو حسد أو خوف منه.

ولذلك ابتعدت حتى الآن عن الخوض في تاريخ الثورة، عدا الملامح العامة منها، لأن المؤرخ إذا دخل في التفاصيل، قد يجد نفسه منحازا رغما عنه، لا سيما إذا كان ما يعالجه قد اشترك فيه أو قريبا منه«.(20)

ويردف معلقا عن الموضوع ذاته:»كل ذلك عشته ولي رأي فيه، وكلها قضايا تستحق تسليط الأضواء، ولكن الفرصة في نظري لم تحن بعد«.

مرة أخرى يتبين لنا بأن الرجل كان ينأى بنفسه عن الخوض في بعض المواضيع والقضايا ربما لحساسيتهاوحداثتها، أو لأن الوقت لم يحن بعد لتناولها لأنها لا تزيد الطين إلا بلة، كما أنها لا تفيد بل ربّما تضر أكثر مما تنفع، وتفرق أكثر مـما تجمعونـحن بحاجة لوحدة الصف ولـمِّ الشمل، ويقول الشيخ سعد اللــه رحـمة الله عليــه فـي السياق نفسه: »وتاريخ الثورة قطعـة من التـاريخ الوطنـي، ولحداثته، فهو أخطر مرحلة يكتب فيها وعنها، ذلك أن أدعياء الحقيقة أحياء يرزقون، وأن أولادهم وأحفادهم أحياء يرزقون أيضا، وأن خطواتهم ما تزال تسمع هنا وهناك، وهم بالطبيعة البشرية يريدون أن تكون لهم مكانة في التاريخ، وأن يُشكروا على ما فعلوا، ولو كانوا لم يفعلوا إلا القليل، أو لم يفعلوا شيئا على الإطلاق.

لذلك لم أكتب إلا هوامش على الثورة وتاريخها حتى الآن، وأعتبر من يكتب عنها الآن، إما راغبا في تقديم شهادة بريئة، وإما تقديم شهادة مغرضة يريد بها تسجيل موقف لم يفقهه، أو الإساءة إلى شخص من باب الانتقام.

ولكن هل ذلك يخدم تاريخ الوطن؟ طبعا لا، فالإساءة إلى الأفراد هي إساءة إلى العائلة والجهة والمدينة في نظر من يهمه الأمر، وفي الأخير ستكون إساءة إلى الوطن كله، لأن مشاعر الناس لا تحتمل حتى الآن نشر الأقاويل المزيفة والحكايات الملفقة، ولا تحملها على محمل السّخرية والعبث، وإنّما تحملها على محمل الجدِّ والدسِّ، فيكون مصير الكتابة من هذا النوع، هو إثارة الفتنة، وليس بناء الأمة ووحدة الشعب.

أليس من الأفضل ترك الفتنة نائمة في هذه الحالة؟.«

ويبحثرحمه الله عن حل لهذه الإشكالية العويصة، فيقول:»الـحل هو أن نكتب بدون تعميم، أو نكتب ولكن دون نشر في الوقت الراهن، أو نكتب عمّا يوحِّد لا على ما يفرّق، في انتظار نضج الرأي العام الوطني.

إذن فمن خلال ما سبق يتضح جليا موقف الرجل من مسألة مهمة وهي ما يمكننا اجماله في هذا التساؤل: كيف يمكننا التعامل مع تاريخ ثورتنا؟، هذا التاريخ الذي يعتبر تاريخا حيّا، ونظرا لطبيعته الحديثة يعتبر كذلك مهما وخطيرا، كما أن الفطرة البشريةتفرض على مدّعي الحقيقة، أن يكون لهم موطئ قدم في مركب التاريخ، وأن يُشكروا، سواء خدموا الوطن أو لم يخدموا، وسواء قدموا الكثير أو القليل، أو لم يقدموا أبدا.ومن هنا جاءإحجام الرجل عن الكتابة خوفا من السقوط في شرك الفتنة، وتغليبا لمصلحة الأمة،فتردد في مثل هذه المواقف، وهذا التردد راجع إلى بُعد نظر وتثبت وحكمة وحصافةرأي، لأن المؤرخ مؤتمن وعليه نقل الحقائق بصدق وبـموضوعية وإلا سيجرفه التاريخ إلـى مزبلته، وهو ما لم يهمله الراحل لأنه كان يعي بأن الخوض في بعض المتاهات مآلها الفتنة والـخراب، وهذا نابع من تكوينه الشخصي والديني، وهو ما يعبـر عنه  قائـلا:»وكل هذا أمر صعب على الـمرء، لأنه يلجم مشاعره ويعطّل غرائزه، ولكن الشفقة على الوطن والخوف من الله تحتّمان الخوف أيضا من التاريخ«،(21) "فنحن أحيانا نفضِّل أن نُهمل التاريخ أو نُقبر التاريخ حتى نرضي بعض النزعات الفردية في نفوسنا” – على حد تعبيره – (22) كما أن »… هذا الخوف من التاريخ والذي يعتبر من معوّقات الكتابة التاريخية، قد يمس صانع التاريخ والمؤرخ على السواء، فصانع التاريخ يخشى التاريخ إذا كانت صناعته للتاريخ غير وطنية أو غير أخلاقية أو حتى غير إنسانية … قد يكون زعيما سياسيا أو قائدا عسكريا، أو مفكرا أو رجل دين أو حتى إنسانا عاديا، فالخوف من أحكام التاريخ وكذا من الفضائح وذهاب المصالح قد يؤدي بأمثال هؤلاءإلى كبت التاريخ ومحاولة إخفائه بكل الطرق وشتى الوسائل، سواء بالتأجيل أو بالتخفيف أو بالإرهاب إذا لزم الأمر«.(23)

ولعل ما يدعم هذا التوجه لديه قوله مجيبا الإعلامي مراد وزناجي، في كتابه حديث صريح مع الأستاذ الدكتور أبو القاسم سعد الله (في الفكر والثقافة واللغة والتاريخ)، وذلك لما سأله عن الغموض الذي يلف بعض المواضيع في تاريخ الثورة: »لا يمكن طرح قضايا الثورة على طاولة البحث في هذه الفترة من حياتنا. فالتاريخ ينفع ولا يضر، فإن كان طرح قضايا حساسة يضر ولا ينفع فالأولى أن تبقى مؤقتا في الظل، حرصا على المصلحة العامة. وهذا التصرف ليس خاصا بالجزائريين، فالشعوب كلها لها أسرارها، وهي وحدها تعرف ما ينفعها أو يضرها، إما فـي وحدتها وإما فـي علاقاتها مع جيرانـها أو في سمعتها … ترى ما الفائدة أن يكشف الـجزائريون الآن عن تصفية الـحسابات وبعض التصرفات الرعناء التي قام بـها بعض الـمناضليـن أثناء الثورة؟…«(24)

أما عن طريقة كتابة تاريخ الثورة فإنه يرى بأن ذلك يتم عبر ثلاث سبل أو طرق:

الطريقة الأولى: هي الطريقة الرسمية، أي أن تتبنى الدولة نفسها الإشراف على هذا التاريخ وكتابته وتوفير الوثائق له وتعمل على نشره، ومثل هذا العمل يمكن البدء فيه فورا، أما الطريقة الثانية: فعن طريق الشعب بمشاركة مختلف فئاته في عملية الكتابة، من كتاب وصحفيين وأدباء وسياسيين وهواة للتاريخ، فهو يرى بأن التاريخ ملك للجميع وليس للمؤرخين وحدهم، والكل يدلوا بدلوه بطريقته، وأما ثالثا فعلميا (الطريقة العلمية

وهنا يأتي دور المؤرخين المتخصصين الموجودين على مستوى أقسام التاريخ في الجامعات الجزائرية، وإنما الشرط في مثل هذه الكتابة توفر المصادر والوثائق، ويعتقد أبو القاسم سعد الله أن زمن مثل هذه الكتابة لم يحن بعد.(25)

وأوضح في حوار مع جريدة الحقائق الأسبوعية في رده عن سؤال وجه له حول أسباب تحفظه عن الخوض في تاريخ الثورة قائلا:»التاريخ يجب أن يكتب من مسافة زمنية معقولة أي بعد انقراض الجيل الذي صنع أحداثه، وكلما ابتعدت المسافة كلما توفر التفسير الموضوعي ومعالجة الأحداث ببرودة علمية، أما إذا اقتربت المسافة فإن حرارة العاطفة هي التي ستطغى وتعطي للأحداث تفسيرا غير موضوعي يكون عادة خاضعا لنزوات الأشخاص الذين صنعوا الأحداث، ومن ثم كنت أعتقد أن تاريخ الثورة غير جاهز لتناوله في الكتابات التاريخية الأكاديمية.«(26)

ويشترط الرجل »شرطا أساسيا للوصول إلى الكتابة في تاريخ الثورة وهو توفر مَناخ الحرية – حرية التعبير والتفكير والرأي – وهو ما يستوجب وجود ضمير وطني حي عند الكاتب فالحرية في الكتابة لا تعني التمجيد والمدح والإشادة ولا تعني أيضا القدح والإساءة والقذف. وإنما تعني أحكاما متوازنة وموثقة بإشراف الضميـر الوطنـي الـحي والأخلاق والخوف من عقاب الله. وهذا الـحكم ينسحب على كل أنواع الكتابة والتعبيـر.«

وكتابة تاريخ الثورة يجب أن تشتمل على جوانب عدّة منها التاريخ السياسي والديبلوماسي والاقتصادي والعسكري، كما أن هذا المشروع بحاجة لمادة وتضحية وجهد، وهي بالدرجة الأولى مسؤولية وأخلاق وليست مثلما يصوِّرها »بعض الكسلاء والمثبطين وذوي الأغراض الخاصة الذين يتصورون كتابة تاريخ الثورة على أنها بيان سياسي يحكم على هذا بالوطنية وعلى ذاك بالخيانة«(27).

لم يتناه إلى أسماعنا – في حدود ما نعلمه – أن أحدا نظّر للثورة التحريرية الجزائرية كما نظّر لها الشيخ أبو القاسم سعد الله بهذه الطريقة، على الرغم من اهتمام المؤرخين بها، فقد تمتع رحمه الله تعالى بنظرة استشرافية ثاقبة مبنية على أسس علمية وتجربة وخبرة في ميدان التأريخ، فلم يكن يحكم على الأحداث والوقائع من نسج خياله أو من برج عاجي، بل كان يعالج القضايا ضمن نطاقها الاجتماعي والاقتصادي والثقافي والسياسي حتى يتسنى له إصدار أحكام منطقية ممنهجة، ويقول في هذا الصدد: » المؤرخ ليس مجرد حافظ أرقام سنوات وتاريخ دول ونحو ذلك، بل هو يستمد رؤياه ويستمد أحكامه من حصيلة وعصارة الفكر الإنساني المتمثل في التجربة الاقتصادية، التجربة الثقافية، التجربة العلمية والصراعات الحضارية التي وجدت عبر العصور، وهي عصارة الفكر الإنساني كله …«.(28)

هل آن أوان كتابة تاريخ الثورة؟

في سبعينات القرن الماضي كان الدكتور سعد الله يرى بأن الظروف ليست مواتية للخوض في تاريخ الثورة الجزائرية، وذلك نظرا للصعوبات التي تواجه المؤرخ، كحداثة وقرب الثورة ووقائعها منا، وغياب الوثائق الأرشيفية، علاوة على عدم قدرة المؤرخ على الصدح بكل الحقائق في قضايا مختلفة. واستقر على هذا الرأي لمدّة طويلة، وردد العوائق نفسها بعد مضي عشرين سنة، فالوثائق غير متوفرة – حسب رأيه – بشكل يمكِّننا من إصدار الأحكام بموضوعية ونزاهة، كما أن الزمن لم يحن بعد للكشف والبحث والتنقيب عن بعض الأحداث والوقائع، والتي يمكن أن تؤثر سلبا على الأحياء وحياة الناس داخل وخارج الوطن.

غير أنه عدَل عن هذا الرأي، بعد زوال بعض المعيقات – وعلى النقيض تماما -إذ يعتبر أن التعليلات أو الأعذار التي تطرح عند تناول إشكالية كتابة تاريخ الثورة من صنع الكسالى والمثبطين وذووا الأغراض الشخصية والخاصة الذين يضيرهم أن تظهر الحقائق.

إضافة للصعوبات السابقة، يقر الرجل رحـمه الله بعائق آخر لـم يكن يذكره من قبل ويتمثل هذا العائق في غياب الجو المساعد على الكتابة والبحث التاريخي العميق، فحرية التفكير والتعبير مازالت بعيدة عن المستوى المنشود، (29) ويعبر عن ذلك بقوله: »…إن الكتابـــة شهية تفتحها الآمال العريضة، والـمواقف الواضحة، والتفاؤل اللاّمـحدود. ولكن عندما تنحصر الآمال في لقمة العيش، وتتعتم المواقف فلا نرى منها إلا قدر خطوة، ويحل التشاؤم محل التفاؤل، فإن شهية الكتابة تنسد، والـمَزَاج يعتكر، والقلم يـحتبس…«(30)

فكل هذه الشروط ضرورية لأنها تشجع الـمرء على الإبداع والتفكيـر والتأمل، فنحن ربـما نفكر في الكتابة فـي موضوع ما، لكن عندما نفتقر إلى هذا الجو المناسب، والأفق الواسع، والفضاء الرحب للكتابة، نبقى نتقهقر في أماكننا، وتصبح أفكارنا مـجردة من كل قيمة، لأن الأفكـار تأخـذ قيمتها الـحقيقيــة عندمــا تتـرجــم أو تتحول إلـى أعمال وأفعال، فهل يمكن أن يتقهقر الباحثون في أماكنهم ويستسلموا متذّرعيـن بعدم ملاءمة الظروف بعد، أم يجتهدون ما أمكنهم فيلجون إلى تاريخ الثورة ليدرسوه من الزوايا الـمتاحة؟.

الجواب يكمن في أن الثورة ليست موضوعا تاريخيا من اهتمام المؤرخين وفقط، بل هي تـمثل أرضية خصبة للتخصصات الأخرى، من الأديب الذي يستلهم من بطولاتـها في كتاباته، إلى عالم الاجتماع الذي يدرس حياة الـمعتقلين في السجون والمحتشدات، إلى عالم الاقتصاد الذي يمكنه تناول مسألة التموين والتمويل وعِلاقة المجاهدين بالزراعة والتجارة … إلخ.(31)

وعليه وجب على كل باحث ومؤرخ، أن لا يتّخذ لنفسه عذرا واهيا، متذرّعا بأن الظروف غير مواتية بل يجب أن يأخذ زمام المبادرة، حتى نعطي هذا الحدث الجلل حقه ونكون في مستوى هذه الثورة المباركة التي اعترف بعظمتها العدو قبل الصديق والفضل ما شهد به الأعداء. ومن وجهة نظري المتواضعة التي قد يوافقني البعض فيها أو يخالفونني أرى بأنه كي يتم كتابة تاريخ الثورة بشكل لائق لا بدّ لنا من استرجاع أرشيفنا الأصلي المتعلق بثورتنا، وأقول الأصلي لأن العدو لا يؤتمن له جانب وهو لا يأل جهدا في دسّ السم الزعاف في شهد العسل، ولأن التجارب التاريخية علمتنا كيف يجب أن نتعامل مع خصومنا، “فالتاريخ يعلم الإنسان الدروس، ويجعله أكثر وعيا وأقدر على اتخاذ الخطوات المناسبة” كما يقول عبد الرحمن منيف.

إن البعضمن الأكاديميين وغير الأكاديميين يؤاخذون على الدكتور سعد الله عدم خوضه في تاريخ الثورة لكونه معاصرا لها وعلى دراية بكثير من خباياها، وهذا في اعتقادي راجع لكون الرجل نأى بنفسه عن ذلك قصدا لعدة اعتبارات:

أولها، أنه يعتبر أن الخوض في بعض المواضيع يجب أن تؤجل إلى زمن غير مسمّى حتى ينقشع الضباب وتتوضح الرؤية وتنكشف الحقائق وتخلوا الساحة من أدعياء الحقيقة.

ثانيا، لأنه يعتبر نفسه فاعلا في الثورة وقريبا من أحداثها والمعاصرة حجاب كما يقولون، فقد كان على صلةببعض رجالاتها ووقائعها، ومن المعروف عنه عدم المحاباة والنزاهة وقول الحق، ولذلك أعتقد انه كان يخشى أن يبادر في الكتابة في هذا الـمجال لأنه يعلم يقينا أنه سيصطدم بأدعياء البطولة والـحقيقة، وبالتالـي فضل عدم الـمغامرة، لذلك نـجده يقول: ” الكتابة في تاريخ الثورة محفوفة بالمخاطر”.

أما الاعتبار الثالث، فيتمثل في حرص الرجل على كتابة تاريخ الثورة بطريقة علمية أكاديمية بمنأى عن النرجسية والشوفينية والتحزبات، والدليل على ما أقول أنه راح إلى أبعد من ذلك، وهو ليس ضرورة كتابة تاريخ الثورة ولكن كيف يمكن أن نكتب تاريخ الثورة؟ أو ما هي الطرق والأساليب العلمية السليمة التي نستطيع أن نكتب بها تاريخ ثورتنا ؟ وقد وفق رحمه الله لكتابة الكثير في هذا الصدد ففي كتابه أبحاث وآراء في تاريخ الجزائر كتب مقالا بعنوان: من أجل أحفادنا يشرح فيه كيفية التعامل مع تاريخ الثورة، كما أشار إلى هذا الموضوع في أكثر من مناسبة، ومن يطالع مؤلفه “حوارات”، أو “قضايا شائكة” أو غيرها يقف على ذلك واضحا جليا.

وعموما يمكن إجمال العوامل التي جعلت الشيخ أبو القاسم سعد الله رحمة الله عليهيعزف عن الكتابة في تاريخ الثورة في مايلي:

أولا: عدم توفر الوثائق الخاصة بتاريخ الثورة: لكتابة تاريخ الثورة لا بد من توفر المادة العلمية الضرورية وجمع هذه المادة والحصول عليها من الصعوبة بـمكان نظرا لوجود معوقات وعراقيل حالت دون خوضه فـي تاريخ الثورة، فالـحقيقة على نسبيتها لا يـمكن بلوغها دون الإحاطة بالـمعلومات الكافية (وثائق، شهادات شفوية)، إضافة إلى صعوبة الاطلاع على الأرشيف الموجود داخل الوطن أو خارجه بمراكز عدة فيما وراء البحار. أما فيما يخص المصادر الشفوية رغم أهميتها في تدوين تاريخ الثورة إلا أنه لا يمكن الاعتماد عليها بصفة مطلقة لأنه يشوبها أحيانا نوع من الذاتية والمبالغة.

ثانيا: العامل الزمني: من العوامل التي أدت إلى عدم خوض سعد الله في تاريخ الثورة عامل الزمن إذ يرى أن التاريخ يجب أن يكتب من مسافة معقولة من انقراض الجيل الذي صنع أحداثه فكلما ابتعدت المسافة كلما زاد التفسير الموضوعي لأحداثه، حيث يقول في هذا الصدد:»إن المؤرخ الحقيقي يجب أن يترك الزمن يعمل عمله في الأحداث التاريخية قبل تناولها بالدرس والتحليل فالبعد الزمني عنصر أساسي للوصول إلى الـموضوعيةالـمنشودة، لاسيما إذا كانت من مواطن عاش الأحداث وشارك فيها، ستزج به في متاهات التفسير الشخصي والحكم الذاتي«.

ثالثا: طبيعة الأنظمة السياسية في بلدان العالم الثالث: حسب رأيه أن هذه البلدان تفتقر إلى عامل الاستقرار السياسي وإلى التقاليد العلمية والمنهجية التي تحمي الباحث التاريخي وتجعله في منأى عن الضغوطات التي قد تجبره على العزوف عن قول الحقيقة والصدح بها.

رابعا: الأسباب الذاتية: وتتمثل في انصباب اهتمامه لـمـشروعه الموسوعي الـموسوم بتاريخ الجزائر الثقافي واستكماله لأجزاء من كتابه تاريخ الحركة الوطنية الجزائرية، وبالتالي الخوض في تاريخ الثورة سيأخذ منه جهدا كبيرا، وسيأخذ من وقته الثمين، لأنه سيستغرق وقتا للقيام بعمل شامل لمختلف مراحل الثورة، بالإضافة لمعايشته أو معاصرته للثورة فهو يقول عن نفسه أنه عاش الثورة من أعماقه في أعماله وكتاباته وبالتالي كانت له مواقفه وآراؤه الذاتية وميولاته وهذا ماجعله ينأى بنفسه عنها خوفا من أن تطغى الذاتية على كتاباته.(32)

الشيخ البشير الإبراهيمي.. فراسة مؤمن:

عاش الشيخ محمد البشير الإبراهيمي حياته مناضلا ومجاهدا بفكره وقلمه، فسخّــر حياته للجزائر وللأمة العربية، وكان أنموذجا يحتذى به، لأنه كان رجلا أمة، كرّس حياته للإسلام والعروبة، مدافعا ومرافعا عن قضايا الأمة، فعاش بين المشرق والمغرب، وسمحت له علاقاته الواسعة واحتكاكه مع علماء العالم الإسلامي بلعب دور ريادي فـي التعريف بالثورة الجزائرية ودعمها والكتابة عنها والإشادة بـها ومباركتها، وله فيها صولات وجولات، ومواقف نبيلة وعبر جليلة، ومما قاله في هذا الشأن: »ليت شعري هل يقيِّض الله لثورة الـجزائر، بعد خـمود نارها، مؤرخا من أبناء الجزائر مستنير البصيرة، مسدّد الفكر والقلم، صحيح الاستنتاج، سديد الملاحظة، فقيها في ربط الأسباب بالمسبِّبات، فيؤرّخ لهذه الثورة … لا نخطط الـخطوط لذلك التاريخ الـمرتقب، ولا نحدد الحدود لذلك الـمؤرخ ولا نقدم له صورة هينة، فذلك الـمؤرخ الذي أعدّه الله لهذه الـمنقبة لعله لم يولد بعدُ، وإنّـما الشرط فيه أن يكون جزائريا، فإن كان مـمن لفظتهم الأرحام قبيل هذه الثورة فذلك أكمل له، لأنه يكون قد فتح عينه على ويلات الاستعمار فـي آخر عمره من الوجود، وذاق – مهما يكن عمره – علقم الاستعمار فـي طور كلبه وسعاره، والوحش الضاري أشد ما يكون عراما ووحشية وخبثا حينما يوقن بقرب انتزاع اللقمة من بين شدقيه.«(33)

أعتقد مخلصا بأن نبوءة الشيخ الإبراهيمي حول هذا المؤرخ قد تحققت (نسبيا على الأقل)، وهذا من فراسته وتوسمه الخير في أبناء بلده وفي هذا الشعب المبارك، لأن الفراسة نور يقذفه الله في قلوب عباده الصالحين، فقد جاء في الأثر: ” اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله “،فذلك المؤرخ المرتقب – حسب رأيي الشخصي – كان الراحل سعد الله، وهو من توفرت فيه جميع الشروط التي ذكرها الشيخ الإبراهيمي، فكأنه لما كان يتكلم عن هذا المؤرخ الموعود وهذا المشروع المنشود، كان يقصد سعد الله ذاته، بيد أن حديث الابراهيمي هذا يعود إلى الأشهر الأولى من السنة الخامسة للثورة التحريرية، وهي الفترة التي مازال  الدكتور سعد الله فيها يصول ويجول في خيمة الأدب – على حدّ تعبيره –  ولولا أن الأجل قد حان ورحل الشيخ أبو القاسم سعد الله، ربّما كنا أمام مشروع ضخم يكون مدعاة للفخر والاعتزاز بتاريخ ثورتنا المجيدة، فهو الذي نظّر وشجع على كتابة تاريخ الثورة، فكان يرى الأمور بمنطق العقل لا العاطفة، كان حصيف الرأي صاحب حكمة ونفاذ بصيرة، واعتقد أنه وضع بآرائه الرصينة وخبرته أرضية صلبة يمكن الانطلاق منها نحو أفق واسع في مجال كتابة تاريخ الثورة.

خاتمة:

جملة القول أن الدكتور أبو القاسم سعد الله تمكّن من تقديم خارطة طريق فيما يخص قضية غاية في الأهمية وهي مسألة الكتابة في التاريخ الثورة وكيفية التعامل معها، مُلقيا إياها إلى الطلبة والباحثين والمؤرخين، حتى يتمكنوا من حمل المشعل ومواصلة الطريق، وقد وضع – رحمه الله – أرضية صلبة في هذا الميدان بقطع الطريق على الانتهازيين والوصوليين الذين يسعون للنيل من تاريخنا الوطني من جهة، ووضع اللبنة الأولى ونواة كتابة تاريخ الثورة التحريرية المجيدة بين أيدينا فما على جيلنا والأجيال التي تليه إلا أخذ زمام المبادرة والإسهام في هذا الشرف الذي لا يجب أن نتوان فيه قيد أنملة.

لقد وضع الدكتور سعد الله الأساس لمشروع كبير وربما لو كان في العمر بقية لكنا أمام أعمال تدعوا للفخر والاعتزاز على غرار موسوعته الثقافية، وعموما يمكن أن نستخلص مما سبق عدة نقاط مهمة، منها:

1- لا بد من تظافر الجهود حول مسألة كتابة تاريخ الثورة التحريرية الجزائرية، فكتابة هذا التاريخ ليس حكرا على جهة دون أخرى، فليس حكرا على الجامعات أو الأكاديميين وحدهم، فالشاعر له نصيب من هذا التاريخ، وكذلك الروائي، والقاص، وكل منهم يدلي بدلوه بشرط الالتزام بالموضوعية والحياد.

2- ضرورة الأخذ بالأولوية في المواضيع التي نتناولها لاسيما الحساسة منها التي يجب أن تبقى في لظل لأن زمنها لم يحن بعد أو لأنها تضر أكثر مما تنفع، وتفرق أكثر مما تجمع.

3- الاحتكام إلى الموضوعية والتجرّد من الذاتية واتباع الهوى.

4- التاريخ عامل بناء وليس عامل هدم وبالتالي وجب الاستثمار في دروس التاريخ، ولكل أمة تاريخها كما أنه لكل دولة أسرارها.

5- تاريخ الثورة قطعة من التاريخ الوطني يجب أن يكتب حسب مفهوم ومنطوق الوثائق.

6- كتابة تاريخ الثورة عملية متجددة يمارسها كل جيل حسب ثقافته وقناعاته والوثائق المتوفرة لديه.

7- توفر المنَاخ الملائم للكتابة من مسكن وخدمات وهدوء ظروف ظروف تحفز وتشجع على البحث والتنقيب والكتابة.

8- تاريخ الثورة تاريخ حي لذا يجب التعامل مع احداثه وقضاياه بحذر، فالتاريخ ينفع ولا يضر، فإن كانت بعض القضايا تضر ولا تنفع، وتفرق ولا تجمع فالأفضل أن تبقى في الظل إلى أن يحين زمنها والزمن جزء من العلاج كما يقال.

9- المؤرخ الحق لا يلهث خلف المناصب والألقاب، ويفرق بين الحقيقة والصواب، ويميز بين أهوائه وميوله الذاتية ومصلحة الأمة، لا يداهن ويصدح بالحقيقة سواء أعجبت الناس أو أسخطتهم.يقف من جميع الأطراف من المسافة نفسها، فهو كالقاضي الذي يستمع لجميع الشهود ثم يختلي بنفسه ليصدر حكمه استنادا إلى أدلة وبراهين.

لقد عاش الدكتور أبو القاسم سعد الله حياته بين حضارتين مختلفتين، حضارة عربية إسلامية وحضارة غربية، وتأثر بكلاهما دون إفراط أو تفريط، ولم تجرفه الحياة الغربية ومغرياتها وهو في سن الزهور، لقد عاش تجربة فريدة في حياته جعلت منه مؤرخا استثنائيا، فنهل من الفكر الغربي وأخذ من كل بستان زهرة، إضافة إلى ثقافته العربية الإسلامية الموسوعية (جامع الزيتونة)، فشكلت منه هذه الازدواجية الثقافية مفكرا لامعا صاحب حكمة ونفاذ بصيرة، وجعلت منه ناقدا فذا منذ الصغر فلقب بالناقد الصغير، ثم لا ننسى أن البيئة التي يعيش فيها الإنسان لها دور في تكوينه وتفكيره، فالإنسان ابن بيئته، فطبيعة الإنسان الصحرواي تنم عن صفاء في الذهن وسلامة في التفكير وبعد في النظر، ويظهر ذلك جليا في مذكراته الموسومة بــ “حياتي”، وفي جل مؤلفاته.

لقد خطّ الرجل بـما كتبـــه حـــول كيفية التعـــامل مع تاريــخ الثورة وقضاياها منهجـــا ورؤية لـم يسبقه إليـــهما أحد، فوضع حجر الأساس لبناء تاريخ وطني على لبنة صلبة ومتينة، إذا قيّض الله له من يكمل المسيرة التي بدأها، فما على الجيل الحاضر والأجيال التي تليه إلى حمل المشعل والسير به نحو الأفق الذي بات جليا والطريق الذي صار معبّدا، وواضحا وضوح الشمس في كبد السماء، وساطعا سطوع البدر في اكتماله،

وليس يصح في الأفهام شيء ***

*** إذا احتاج النهار إلى دليل.


الهوامش:

(1) لحسن بن علجية، تصدير محمد الأمين بلغيث، طبعة 1436هـ – 2015م، دار قرطبة للنشر والتوزيع، باب الزوار – الجزائر، ص 27.

(2) أحمد بن نعمان، أبو القاسم سعد الله، حياة وآثار، شهادات ومواقف، ، دار النعمان للطباعة والنشر والتوزيع، برج الكيفان – الجزائر، ص 92.

(3) لحسن بن علجية، المرجع السابق، ص 28.

(4) لحسن بن علجية، المرجع السابق، ص 29.

(5) مراد وزناجي، حديث صريح مع أ. د. أبو القاسم سعد الله في الفكر والثقافة واللغة والتاريخ ، ط3 “منقحة”، دار الحبر، الجزائر، ص 41.

(6) لحسن بن علجية، المرجع السابق، ص 29-32.

(7) لحسن بن علجية، المرجع السابق، ص 32-38.

(8) أبو القاسم سعد الله مسار قلم ، مرجع سابق، ص- ص 94- 69، وهنا وهناك. [8]

(9) ناصر الدين سعيدوني، أبو القاسم سعد اللّه كلمة وفاء...، البصائرالجديدة للنشر والتوزيع، باب الزوار – الجزائر، ص – ص 14 – 16.

(10) مراد وزناجي مرجع سابق ، ص 229.

(11) محمد الأمين بلغيث رحيل شيخ المؤرخين الجزائريين الأستاذ الدكتور أبو القاسم سعد الله بأقلام أحبابه ، البصائر الجديدة للنشر والتوزيع، الجزائر 1436هـ/ 2014م، ص 341.

أبو القاسم سعد الله حوارات ، طبعة خاصة، 2015، عالم المعرفة، الجزائر، ص 154.[12]

نفســه ، ص 209.[13]

نفســه ، ، ص، ص 177، 178.[14]

ناصر الدين سعيدوني دراسات وشهادات مهداة إلى الأستاذ الدكتور أبو القاسم سعد الله ، دار الغرب الإسلامي، 2000، ص 582.[15]

أبو القاسم سعد الله أبحاث وآراء في تاريخ الجزائر ،ج2، ط خ، دار البصائر الجزائر 2007، ص، ص 5، 6.[16]

أبو القاسم سعد الله أبحاث وآراء في تاريخ الجزائر ،ج4، دار الغرب الإسلامي، 1996، ص 52.[17]

أبو القاسم سعد الله، حوارات مرجع سابق، ص 155.[18]

[19] آثار الإمام البشير الإبراهيمي ، جمع وتقديم نجله أحمد طالب الإبراهيمي، ج5 (1954 – 1964)،ط1،دار الغرب الإسلامي، القاهرة، ص، 251.

[20] لحسن بن علجية مرجع سابق ، ص 118.

[21] لحسن بن علجية مرجع سابق ، ص ص 121-124.

[22] حوار ،حصة متلفزة بُثَّت على التلفزيون الوطني يوم07 ديسمبر 1991، واللقاء موجود كاملا على اليوتيوب، الدقيقة الـ10، أنظر: أبو القاسم سعد الله، مسار قلم (يوميات) ، ج5، عالم المعرفة، الجزائر، ص 295.

محمد الأمين بلغيث، مرجع سابق ص، ص 151، 152.[23]

[24] مراد وزناجي مرجع سابق ، ص 132.

محمد رحّاي أبو القاسم سعد الله مؤرخا، مجلة أعلام ، جامعة سكيكدة – الجزائر ، ص 137.[25]

[26] محمد بليل الكتابة التاريخية عند شيخ المؤرخين أبو القاسم سعد اللّه، مجلة عصور الجديدة، ع 13، ربيع أفريل 1435هـ/2014م، ص 288.

حوارات مرجع سابق ، ص 31.[27]

حوار، مرجع سابق ، أنظر الدقيقة الـ26. [28]

مولود عويمر، الثورة الجزائرية في كتابات الدكتور أبي القاسم سعد الله ، جريدة البصائر، ع 785، 2015م، ص 16.[29]

[30] أبو القاسم سعد الله، أبحاث وآراء في تاريخ الجزائر،ج4، مرجع سابق، ص 11

[31] مولود عويمر المرجع السابق ، ص 16

[32] عائشة خالدي، مبروكة بن علي: أبو القاسم سعد الله ودوره في كتابة التاريخ الوطني ، مذكرة مكملة لمتطلبات شهادة الماستر في تخصص تاريخ المغرب العربي المعاصر في تخصص تاريخ المغرب العربي المعاصر، إشراف .د. مبارك جعفري،كلية العلوم الإنسانية والعلوم الإسلامية، جامعة أحمد دراية – أدرار، 2018 – 2019م، ص، ص 30، 31.

[33] آثار الإمام البشير الإبراهيمي، مرجع سابق ص، ص 250، 251.


المصدر: مجلة الربيئة

لا تعليقات

اترك تعليق

آخر التغريدات:

    Message: Invalid or expired token., Please check your Twitter Authentication Data or internet connection.