في ذكرى الرجل الوطني المتميز عبد الحميد مهري
بقلم: محمد الطيب-
سياسي جزائري يُعرف بميوله القومية العربية، قصته بين الكفاح والنضال من أجل جزائر حرة قوية..
فقد وُلِد سي عبد الحميد في 03 أفريل 1926 بالقرن الماضي بعد منتصف العشرينية، في الخروب بقسنطينة مدينة الجسور المعلقة الأسطورية، نشأ في وادي زناتي أين حفظ القرآن الكريم بإتقان وجودة عالية، هناك تلقى أول الدروس الفقهية، وأحسن تعلم اللغة العربية، وهو شاب في مقتبل العمر انخرط في صفوف حزب الشعب الجزائري ثم في حركة انتصار الحريات الديمقراطية، كان نشطا بينه بفعالية، نظرا لنشاطه الفعال اعتقل آنذاك من طرف السلطات الفرنسية بعد انطلاق الثورة التحريرية، حيث مكث في سجنهم السوداوي حتى أفريل منتصف الخمسينية، وبعد أشهر عُين ضمن وفد جبهة التحرير الوطني للعمل بالشؤون الخارجية، مثلَ ورفاقه الجزائر أين عرفوا بالثورة الجزائرية في الدول الأجنبية، كما شغل منصب عضو في المجلس الوطني للثورة الجزائرية، ثم في اللجنة التنفيذية، وعند تشكيل الحكومة المؤقتة عُين في منصب شؤون شمال إفريقية، بعده شغل منصب وزير الشؤون الاجتماعية والثقافية في التشكيلة الثانية، حينها عُرف بمشروع سمي بإسمه "مشروع مهري" للرد على مشروع ديغول رئيس فرنسا الاستدمارية.
مواقفه كانت واضحة بمعالم ومبادئ جزائرية، هكذا كافحوا جميعا كل بطريقته حتى استقلت الجزائر وتحققت السيادة الوطنية، بعدها تشكلت أول حكومة جزائرية، آنذاك عُين أمينا عاما لوزارة التعليم الثانوي من الخامسة والستين إلى بعد منتصف السبعينية، ثم وزيرا للإعلام والثقافة مع نهاية السبعينية، ثم سفيرا للجزائر بالدولة الفرنسية قبيل نهاية الثمانينية، وبعد ذلك مباشرة سفيرا بالمملكة المغربية، حتى تم استدعائه إلى الجزائر لتولي منصب الأمانة الدائمة للجنة المركزية، فأصبح أمينا عاما لحزب جبهة التحرير الوطني في عهد جديد تميز بالتعددية، الناتج عن أحداث أكتوبر أو الانتفاضة الشعبية إلى ما بعد منتصف التسعينية، هي مرحلة جِد حساسة حيث دخلت الجزائر التعددية السياسية، بعد سنوات طويلة من الأحادية الحزبية، والتي شهدت عبرها الجزائر الديمقراطية، تلتها الفوضى ثم السوداوية، كلها فترة انتقالية مفصلية، حتى رجعت الأمور إلى الشرعية، حيث كان وقتذاك من دعاة المصالحة في الجزائر خلال سنوات الإرهاب والهمجية، برز دوره من خلال مشاركته في المحاولات الأولى للمصالحة من خلال توقيعه على اتفاق سانت ايجيديو قبيل منتصف التسعينات بروما الإيطالية، مع زعيم جبهة القوى الاشتراكية والجبهة الإسلامية، وأول رئيس للدولة الجزائرية، وآخرون يقاسمونهم الهموم والنظرة المستقبلية، بعدها تم إزاحته من منصب الأمين العام للحزب بعد منتصف التسعينيات في ظروف استثنائية، قبل الأمر بكل روح رياضية، ومنذ ذاك انسحب من الساحة السياسية، وبقى يناضل ويقاوم من أجل التغيير إلى أخر أيام حياته عبر المحاضرات والملتقيات التي شارك فيها عبر المنابر في ربوع الولايات الجزائرية، وقد توجه برسالة إلى رئيس الجمهورية، دعاه من خلالها إلى تقييم حال البلاد والوضعية، من الاستقلال إلى أيامنا الحالية، كما دعا في رسالته إلى ترسيخ الديمقراطية الحقيقية، فتح النقاش والمساهمة في حل المشاكل التي تقف أمام التطور والتنمية، وإزالة كل القيود التي تحول دون حرية التعبير والمتعلق بالمسائل الإعلامية والاتصالية، كثير من القضايا والانشغالات الوطني..
ظل يناضل حتى وافته المنية، في 30 جانفي 2012 وهو في منتصف الثمانينية، بعد أسابيع من الصراع بمستشفى عين النعجة العسكري بالعاصمة الجزائرية، وورى الثرى في مقبرة سيدي يحي بالعاصمة في جو جنائزي مهيب بحضور قياسي للشخصيات السياسية والوطنية، التي جاءت لتوديع وهو إبن الثورة وفاعل متميز في الحياة السياسية، ذكراه لا تزال غالية كباقي الشخصيات الوطنية، نذكرهم بترحم وتدبر للأجيال الحالية والمستقبلية.