الشيخ محمد العزوزي حوحو 1904-1944
بقلم: بومعزة عبد القادر-
الشيخ محمد العزوزي حوحو علم من أعلام الجزائر وأحد أقطاب الإصلاح في الجنوب الجزائري، كرس حياته لخدمة المجتمع والدين والوطن، وعلى الرغم من شخصيته اللامعة والدور الذي لعبه في المجتمع إبان الحقبة الاستعمارية، إلا أنه يعتبر من الشخصيات التي لم تنل حظها من الاهتمام، وجدناه قد أُخمد ذكره ولم يجد من يهتم بآثاره فيجمعها وبأفكاره فيجليها وينشرها، فما سأقوم به في هذه الأسطر ما هو إلا محاولةُ جمعٍ لما تفرق من أخباره والقصد والغاية من وراء ذلك هو توجيه الباحثين إلى دراسة أدبائنا المغمورين الذين لم يكتب عن حياتهم حتى لا يبقوا في طي النسيان.
حياته:
ولد الشيخ يوم الأربعاء 26 جُمادى الآخرة 1322ه الموافق لـ 7سبتمبر 1904م ببلدة سيدي عقبة – ولاية بسكرة – من أسرة يعتبرها أهل المدينة من أعرق وأشرف عائلات سيدي عقبة، والده القاضي الصادق حوحو، يعد من أسرة العلم في المنطقة وكان شغوفا بالقراءة، فاضلا شجاعا محبا للخير، تولى القضاء ببلدة قمار بالوادي.
أما والدته فهي السيدة نجمة الدوبة من أسرة طيبة، فقد كانت رحمها الله ورعة وتقية شديدة التمسك بالدين محبة للعلم وذويه، فأورثت لابنها العزوزي هذه الصفات، فأيدت فيه وراثته الكريمة من أبيه.
نشأ محمد العزوزي بسيدي عقبة وتربي فيها وتلقى العلم والمبادئ الدينية الصحيحة عن مشايخ بلدته سيدي عقبة خاصة عن أبيه الصادق حوحوالعقبي، ثم واصل تعلّمه بقسنطينة على الإمام عبد الحميد بن باديس.
انتقل إلى تونس سنة 1921 وانظم إلى جامع الزيتونة وطوى فيه سنوات كان فيها – منذ البدء- مثال المثابرة والمواظبة والاجتهاد والحرص مضيفا إلى ذلك حفظ المتون والمصنفات العلمية.
وبعد تخرجه من الزيتونة بشهادة التطويع قفل راجعا إلى الجزائر ذكي الفؤاد، نير البصر والبصيرة، فسيح اللسان جريئا.
كان الشيخ محمد العزوزي حوحو ذا نزعة إصلاحية واضحة متأثرا بالشيخين ابن باديس والعقبي، وصفه الأستاذ أحمد توفيق المدني في القسم الثاني من مذكراته: بأنه كاتب ومفكر في قوله: “والكاتبين المفكرين إسماعيل بن المكي ومحمد العزوزي حوحو”
وقال عنه الشيخ أحمد حماني رحمه الله: “هوالأستاذ محمد العزوزي حوحو، وهوأديب كريم من آل حوحوالعقبيين، وهووالد وزيرنا للصحة اليوم(جمال حوحو)، ومن تلاميذ الشهاب ومدرسته، وهو أديب متأنق في أسلوبه، متين اللغة، فصيح العبارة، لم يروله كثير لأن المنية اختطفته وهوما يزال في عز شبابه، ولعل له آثارا أخرى، لم تنشر، فحبذا لوعمل نجله على نشرها فيسدي للأدب العرب الجزائري الحديث خدمة جليلة.”
يعد الشيخ محمد العزوزي حوحو، من الذين أثروا الصحافة العربية الجزائرية بمقالاته النثرية التي كانت تزدان بها (المنتقد، صدى الصحراء، البرق والشهاب).
كان ينشر مقالاته في جرائد وقته كجريدة صدى الصحراء والمنتقد والشهاب، والبرق، قال عنه أحمد حماني: “وهوأديب متأنق في أسلوبه، متين اللغة، فصيح العبارة وكانت هذه الكتابات تصب في الفكر الإصلاحي المتنور الذي قادته جمعية العلماء المسلمين”.
وقد كتب الشيخ محمد السعيد الزاهري عن محمد العزوزي حوحو وغيره في جريدة البرق القسنطينية بتاريخ 25/04/1927 بإمضاء ((جساس)) ما يلي:
”يا أعداء الشباب قد اتفق المؤمنون جماعة المصلين على أن يلقبوا الشيخ الطيب العقبي الأستاذ الإمام وعلى أن يلقبوا الكاتب الجري السيد حوحوبلقب (فاتح) ولكن حوحو اختار أن يجعل هذا اللقب هواسمه الشخصي عوض اسم (العزوزي) فأحب أن يكون اسمه هكذا (محمد فاتح حوحو) فأمضى المصلون ذلك ووافقوا عليه ”
وفاته:
توفي الأديب محمد العزوزي حوحوفي سكنه بالمنظر الجميل بقسنطينة وذلك يوم الاثنين الفاتح شوال 1363ه الموافق لـ 18 سبتمبر 1944م ، شيعت جنازته من مسكنه بقسنطينة إلى مقبرتها وشيع جنازته جمهور من العلماء والأدباء والأعيان في طالعتهم رجال الإصلاح من جمعية العلماء المسلمين الجزائريين وجمعية التربية والتعليم وأبنه بخطاب رائع الأستاذ عبد الحفيظ الجنان باسم جمعية التربية والتعليم.
الشيخ محمد العزوزي حوحوعندما توفي ترك خمسة أبناء وهم الأستاذ عبد العزيز فاتح – جمال الدين – فاروق – محي الدين وبنتا تسمى جميلة
أثاره:
امتاز الأديب الشيخ محمد العزوزي حوحوبالثورة على الأوضاع المتردية التي كانت سائدة في عصره فجادت قريحته بمجموعة من المقالات التي تنتقد هذه الظروف على جميع الأصعدة، فاحتضنته العديد من الصحف العربية الصادرة آنذاك، كما اعتاد إمضاء المقالات باسمه أوبأسماء مستعارة كـ(جساس) وصفه الدكتور محمد ناصر بالشاب المفكر والكاتب الجريء.
إن الآثار التي تركها الشيخ محمد العزوزي هي تتمثل في المقالات الجادة التي كتبها في الصحف والتي نقتطف منها مايلي:
“نشر مقالا في جريدة البرق للزاهري، عدد 11 بتاريخ 16 ماي 1927م بعنوان (ها هي أقلامنا وها نحن حاضرون) بقلم الكاتب الجريء –محمد فاتح حوحو- وهي أول مقالة هجومية وقد علقت جريدة البرق على هذا المقال بقولها “أشاع المغرضون، أن محمد الفاتح حوحوهذا قد منعه أبوه الماجد الشيخ الصادق حوحومن الكتابة والتفكير بتاتا فعزم المصلحون على مكاتبته في ذلك وعلى أن يعينوا مكانه واحدا من رجال القلم العمودي أوالزاهري أوالميلي على فرض أن يصح ما يشاع عن حوحوحتى جاءنا هذا المقال –تضيف البرق- الذي سيكون شديد الوقع على أهل الطرق الخرافيين.
استهل الكاتب هذا المقال بقوله: ” كثيرا ما هم سكوتي إخواني المصلحين وزاد في اهتمامهم إشاعة بعض الذين لا يتحرجون من الكذب أن من لا تسعني مخالفته –إشارة إلى والده- قد نهاني عن الكتابة في الجرائد والحقيقة أني سكت لا طاعة لأمره ولا عن حين كان سكوتي ولكن عن قلة اكتراث ومن يكترث بجهلة يكتبون وأميين يعلمون الدين سكت لأن المقام لا يستدعي السكوت وأي في غير السكوت وشوكة الضالين منكسرة وصحيفة الخاملين أعداء اللغة والدين منبوذة نبذ العراء.. وزمرة الطرقيين مرموقة بعين الازدراء، أما الآن فقد أنشئت صحيفة أخرى وتدلى إلى حركة التحرير بها قوم آخرون، فها هي أقلامنا وها نحن حاضرون ”
ونشر الأستاذ محمد العزوزي حوحو بمناسبة محاولة اغتيال الشيخ عبد الحميد بن باديس من طرف الطريقة في العدد 8 من الشهاب الصادر في 30 رجب 1345هـ الموافق لـ 3 فبراير 1928م يقول فيه: “سمعنا بالجمل استنوق، وبالبغاث استنسر، وباستحالة الإناثي إلى ذكر، ولكن ما سمعنا وما كنا نظن أن جماعة اللحى والقصع الثريدية.. أرباب الأحوال والنيات.. رجال الرقصات والشطحات.. الزاهدين القانعين يزهقون أرواح الذين يقفون عثرة في سبيل معايشهم…
بالأمس صرع النديم والأمس ضرب صاحب النجاح، واليوم يقع السطوعلى الأستاذ عبد الحميد بن باديس. لأنهم انتقدوا سلوك الطرق والطرقيين من نهب وسلب ودجل وضلالة وتضليل.
أعجوبة –وسيدي المربي- لا أعجب منها لانقياد هاته الأمة ولا انقياد الأعمى للبصير واستسلامها ولا استسلام المستضعفين لهؤلاء اللصوص المجرمين.. وأولياء الشياطين المفسدين…
مهلا رويدا شيخ المجرمين. إن كنت ريحا فقد لاقيت إعصارا. أرسلت منومك ليقضي على أستاذ المصلحين قضاء مبرما فتستريح من مر الانتقاد ويخلولك الجوفتبيض وتصفر وتنفر آمنا مطمئنا.
أرسلته وأوصيته بأن يشمر الذيل، ويدر الليل، ولكنه لم يحفظ تعاليمك.. ولم تنفعه بركاتك من بعيد؟ فأخفق في مسعاه جالبا عليك سبة الأبد، وعارا لا يمحى دهر الداهرين.. فتقلدها طوق الحمامة يا أيها المجرم الأفاك السفاك الأثيم.”
كما كتب بجريدة المنتقد للشيخ ابن باديس بعض المقالات كمقال (كيف نعيش سعداء) في عددها 7 الصادر يوم الخميس 23 محرم 1344هـ الموافق 13 أوت 1925م ومقال (أصحافي؟ أم صوفي؟) في عددها 10 الصادر يوم الخميس 14 صفر 1344هـ الموافق 3 سبتمبر 1925م ومقال (هل نحن للمنتقد الحر واجدون؟) ضمن العدد 17 الصادر بتاريخ الخميس 03 ربيع الثاني 1344هـ الموافق 22 أكتوبر 1925م وهذا ضمن ركنه القار (حديث الخميس) وكتب بجريدة (صدى الصحراء) مقالا في ثلاث حلقات بعنوان (الانتقاد الحر) نشر في العدد 7 الصادر يوم 18 جانفي 1926م والعدد 10 بتاريخ 8 فيفري 1926م وفي العدد 12 بتاريخ 15 مارس 1926م وهومقال قيم يتبين فيه المعركة العلمية الصادقة في ذلك الوقت.
ومقال (ومجرمون أيضا) بأسبوعية الشهاب في عددها 82 الصادر يوم الخميس 30 رجب 1345هـ الموافق 3 فيفري 1927م، ويمكن أن يكون قد كتب في صحف أخرى غير جريدة الشهاب والبرق وصدى الصحراء والمنتقد لم نطلع عليها. والبحث متواصل بإذن الله تعالى.