<
p align="justify">
بقلم: نور الدين رزيق-
<
p align="justify">
كلّ أصيل يجد نفسه بين خيارين وطريقتين: إما أن يكون عابدا أو يكون عالما.
<
p align="justify">
العُباد في ذاك العصر كثر وما خلا منهم زمان ولا مكان ولكن لم يغيروا في أحوال الناس = الاستعمار والأمية والجهل والدجل.
<
p align="justify">
الشيخ مبارك الميلي الشاب اختار طريق العلم والعلماء من أجل التغيير والتحرر من بوتقة الاستعمار، وللعلم فالشيخ يعد فحلا من فحول علماء الجزائر وهو أحد أعضاء اللجنة الرباعية للفتوى بجمعية العلماء المسلمين الجزائريين.
<
p align="justify">
<
p align="justify">
الشيخ مبارك بن محمد الابراهيمي من صناع المرجعية الفكرية لجمعية العلماء بعد ابن باديس والإبراهيمي، ورجل له باع في أصول الفقه ومقاصده مما سهل عليه الأخذ بالإصلاح السلفي الذي أخذه من فكر الشيخ عبد الحميد بن باديس (فترة الحجاز) فعمل الشيخ على عملية إصلاحية للعقيدة في الجزائر، وفق المنهج الأصولي المقاصدي الذي تمتد جذوره إلى فترة علماء المغرب الإسلامي ابن حزم وابن العربي وابن رشد والشاطبي وهو واضح لمن تمعن في رسالته المشهورة: «الشرك ومظاهره».
<
p align="justify">
وقد فهم جيدا أنّ المشكلة في عدم تحرر العالم الإسلامي والجزائر بالخصوص هو مشكل العقيدة حيث قال رحمه الله تعالى: «أفضت أمة خاتم النبيين إلى ما أفضت إليه أمم الأنبياء الأولين فكانوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم».
<
p align="justify">
ثمّ يوجهنا إلى ضرورة الابتعاد وتجاوز القضايا العقدية والآراء الكلامية وإنزالها إلى العامة حيث يقول: «ويا ليتنا تركنا كتب المتكلمين للخاصة يستعينون بها في مواطن الجدال مع الخصوم، ووضعنا للعامة كتبا في العقائد على أسلوب الكتاب المجيد، فيكون بذلك رياضة للعقول وحماية للحق، ومن هذه طهارة للقلوب وهداية للخير.. كلّهم في حاجة إلى تطهير البواطن ومعرفة الهدى، فعمت الحاجة إلى معرفة الشرك ومظاهره، ولهذا عرف جميع الأنبياء بحكم الشرك».
<
p align="justify">
وقد استخلص الشيخ -رحمة الله عليه – أن مصدر انتشار التصوف الطرقي والبدع والمحدثات في الدين راجع إلى تركة وآثار المذهب الشيعي الباطني فالروافض هم الذين مكنوا من فكرة علم علي -رضي الله عنه – بالغيب وظهور فكرة المهدي المنتظر، فأصبح عقيدة لدى الصوفية على الخصوص والمعتقد في شيخ الطريقة أمور غيبية وعلاقته بالسماء.
<
p align="justify">
وقد نبه الميلي إلى أن التصوف كان على السّكة ومحمودا في البداية، لكن تلبس ببدعة الروافض فأفسدوا الدين لمطامع سياسية -ولا زالوا إلى اليوم – بقول -رحمه الله- تعالى-: «فسال لعاب المتبدعين المنبوذين من هذه الثقة التي نعم بها المتصوفون، فاندسوا تحت هذا العنوان لاسيما الرافضة التي كانت لها مطامع سياسية».
<
p align="justify">
والحل عند الشيخ الميلي -رحمه الله – أن نترك هذه الطرق ونعمل بميزان الشرع ومنهج الأنبياء في الدعوة إلى التوحيد والعقيدة الصحيحة.
<
p align="justify">
•كما عالج الشيخ مسألة الزهد والتصوف.
<
p align="justify">
•الولاية والكرامة وغيرها من القضايا التي تهم الأمة.
<
p align="justify">
تأصيل التاريخ:
<
p align="justify">
ومن فقه الرّجل أنه ربط العقيدة بتاريخ الأمة في كتابه تاريخ الجزائر العام في قراءة نقض فيها محاولة ربط تاريخ الجزائر بتاريخ فرنسا الاستعمارية.
حيث تصدى للمدرسة الفرنسية الكولونيالية الاستعمارية التي شككت في تاريخ الجزائر وقامت بتزويره.
فألف كتابه: (تاريخ الجزائر في القديم والحديث) في فترة التحضيرات لاحتفالات المائة سنة لاحتلال الجزائر، حيث أنجز الجزء الأول منه عام 1928 عندما كان يقيم بمدينة الأغواط.
<
p align="justify">
حيث قال عنه الشيخ أبو يعلى الزواوي -رحمه الله -: «صديقنا العلامة المؤرخ، ابن تيمية عصره، محارب الإشراك والبدع».
<
p align="justify">
أما العلامة عبد الحميد بن باديس -رحمه الله تعالى – فقال: «أخي مبارك، من أحيا نفسا واحدة فكأنما أحيا الناس جميعا» فكيف بمن أحيا أمة كاملة؟ أحيا ماضيها وحاضرها». وقال العلامة عبد الحميد بن باديس: «وقفت على الجزء الأول من كتابك: تاريخ الجزائر في القديم والحديث فقلت: لو سميته: حياة الجزائر».
وقال عنه الشيخ العربي التبسي رحمه الله تعالى: «فنهض بهذا الفرض الكفائي الأستاذ المحقق مؤرخ الجزائريين الشيخ مبارك الميلي، أمين مال جمعية العلماء، وجمع رسالة تحت عنوان الشرك ومظاهره خدم بها الإسلام ونصر بها السنة وقاوم بها العوائد الضالة والخرافات المفسدة للعقول».
أما شهادة غير الجزائريين فمنها ما قاله أمير البيان شكيب أرسلان -رحمه الله تعالى – بعدما اطّلع على كتاب الشيخ الميلي: تاريخ الجزائر، قال في رسالة وجهها إلى الشيخ الطيب العقبي: «أما تاريخ الجزائر للشيخ مبارك الميلي فوالله ما كنت أظن في الجزائر من يفري هذا الفري، ولقد أعجبت به كثيرا».
<
p align="justify">
فهو أول كتاب صوّر الجزائر في لغة الضاد صورة تامة سويّة بعدما كانت تلك الصورة أشلاء متفرقة هنا وهناك.
<
p align="justify">
يقول أحمد توفيق المدني: «فمبارك الميلي سلك في تدوين تاريخه مسلك التحليل العصري، فلم يكن يكتفي باستجلاء الحقائق، وإثباتها مجردة، بل كان يمعن النظر في الأسباب والنتائج، ويثبت أحكاما هي عصارة فكره، وخلاصة رأيه، ونتيجة بحثه واستقرائه.
<
p align="justify">
فتاريخ الجزائر في القديم والحديث، لم يكن من تلك الكتب الجافة الجامدة، المملة المضنية، بل كان إلى جانب التحقيق التاريخي كتابا طريفا حيا، تتراءى لك فيه شخصية مؤلفه العظيمة.. شخصية الوطني الصادق، شخصية المسلم الصحيح، شخصية العربي المتفاني في سبيل عروبته، شخصية الرجل المثالي الذي يدأب سعيا لإدراك غايته، والبلوغ بأمته، إلى ذروة المجد والعزة والكرامة.
<
p align="justify">
إنّ الشيخ مبارك الميلي، يبدو الشخصية الأكثر احتشاما وتواضعا في المجموعة الإصلاحية الجزائرية، لكنه كان أكثرهم عمقا وفعالية وامتاز أيضا بأنه المبشر الأساسي بالإصلاح الديني في الجنوب في منطقة لم تكن فقط ميدانا للطريقة التجانية القوية التي لم يكن لها منازع، فقدم ونجح في تقديم الإصلاح الديني، في صورة مذهب مسالم.
<
p align="justify">
رحم الله الشيخ مبارك الميلي وجعل ما قدمه مصباحا لهذه الامة وزاد له يوم القدوم عليه.
<
p align="justify">
* نص المداخلة التي قدمها الشيخ نورالدين رزيق في ملتقى مبارك الميلي السابع يوم 11 فيفري 2021
مرتبط