المنشآت المعمارية في الجزائر خلال فترة حكم الأمير عبد القادر
بقلم: د. عبد القادر قرمان-
عرفت الجزائر خلال فترة حكم الأمير عبد القادر بناء وتجديد العديد من المنشآت المعمارية المختلفة سواء كانت دينية وتعليمية، أو مدنية وعسكرية، فقد ارتبطت عملية البناء والتشييد بسعي الأمير إلى بناء دولة مكتملة، تحتوي على مؤسسات تساهم في تنظيمها وتطويرها على أسس قوية ومتينة، الهدف منها هو الوقوف في وجه الحملات العسكرية الفرنسية، للسيطرة على مختلف أقاليم ومناطق الجزائر، وقد انتهج الأمير لتحقيق ذلك نهجا يعتمد على الاحتفاظ بالعمائر المشيّدة بالمدن الكبرى خلال العهد العثماني، وذلك بترميمها وتوسيعها حسب الوظيفة التي تؤدى فيها، بالإضافة إلى تغطية النقص الموجود في المدن الصغيرة من العمائر، وعند قيامنا بإحصاء المنشآت التي شيّدها الأمير توصلنا إلى أن أغلبها ذو نمط عسكري، وهو ما يرتبط أساسا بالوضع الأمني غير المستقر للجزائر، جراء الأعمال العسكرية الفرنسية، مما تطلب مجهودات كبيرة لتحصين معسكرات جيش الأمير وكذلك مراكزه الإدارية في الولايات المنضوية تحت حكمه، وعلى ضوء ما سبق سنقوم في بحثنا بجرد كل ما أنجزه الأمير في هذا الميدان انطلاقا من إشكالية تتمحور حول: ما هي المنشآت المعمارية التي بنيت خلال فترة حكم الأمير عبد القادر؟
أولا- المنشآت الدينية:
1- الجامع الكبير بمدينة معسكر:
شيّد هذا الجامع الباي الحاج عثمان أحد بايات بايلك الغرب الجزائري خلال العهد العثماني في سنة 1160هـ الموافق لـ 1747م، حسب ما تؤكده اللوحة التأسيسية المثبتة في أعلى المدخل الرئيسي الأصلي. وهو يقع في وسط مدينة معسكر في الساحة المسماة حاليا بساحة مصطفى بن التهامي، حيث أنه يعتبر النواة الأولى للعمارة الدينية في المدينة خلال الفترة العثمانية والنموذج الوحيد في المدينة، الذي لم تتسرب إليه يد الاحتلال الفرنسي بالطمس والتخريب والهدم والتغيّير، فقد بقي على حالته الأصلية إلى درجة كبيرة (1). فهو أقدم جوامع معسكر وأهمها على الإطلاق في عصرها الحديث، فقد حظي برعاية خاصة من طرف الولاة والمسؤولين بالبايلك طوال حكم الأتراك(2)، كما قام الباي محمد بن عثمان الكبير بتجديده وتوسيع مساحته، وجلب إليه المياه وبنى له خمسة أحواض للوضوء واستبدل منبره بمنبر أحسن من ذي قبل(3)، بالإضافة إلى أنه اختير كمكان لتأكيد مبايعة الأمير عبد القادر في بيعته الثانية كأمير للجزائر من طرف شيوخ وزعماء القبائل وأهالي المنطقة.
وخلاصة القول فإنه شارك في مسيرة الحياة الدينية بهذه البلاد، وفي تنوير عقول الأجيال على مر الزمان، وفي إثراء الحياة الفكرية والثقافية بشكل واسع، وبطريقة جد ايجابية، خاصة خلال فترة الاحتلال الفرنسي، وقد تصدى للتدريس فيه عدد كبير من العلماء الأجلاء على رأسهم العلامة الحافظ أبي راس الناصري المعسكري الراشدي(4).
2- جامع المبايعة بمعسكر المسمى بـ(عين البيضاء):
يقع هذا الجامع في حي عين البيضاء في الجهة الجنوبية الشرقية من مدينة معسكر، وقد بُنيّ من طرف الباي محمد بن عثمان الكبير في شهر ذو القعدة من سنة 1195هـ الموافق لــ1780م، وهذا حسب ما ورد في كتابة جصية تزيّن واجهة المحراب، أطلق عليه اسم المبايعة بسبب مبايعة زعماء منطقة غريس والحشم، الأمير عبد القادر أميرا للجهاد والمقاومة أوائل عام 1832م، واستمر في وظيفته عدة سنوات إلى أن تم نقض معاهدة التافنة من طرف الفرنسيين في أواخر عام 1839م.
يعتبر هذا الجامع من المؤسسات الدينية الهامة للأمير عبد القادر، فقد كان مركزا روحيا للعبادة والتدريس ومكانا للاجتماع مع كبار شيوخ القبائل، لذلك أولي اهتماما خاصا بترميمه وتجديده، ونظرا لاحتضانه الحدث الكبير المتمثل في المبايعة، غُيّر اسمه من جامع الباي محمد الكبير إلى جامع المبايعة، ليبقى محتفظا بهذه الذكرى المهمة والغالية عند الأمير عبد القادر. وهو ما لم يتقبله قادة الاحتلال، الذين بادروا بعد احتلالهم مدينة معسكر إلى غلق الجامع واتخاذه مربطا لخيول جنود الصبايحية ومخزنا لعلفهم وعتادهم العسكري لسنوات طويلة، ثم استأجره أحد اليهود دعى “بن عدى” واتخذه متجرا لبيع الحبوب. (أنظر الصورة رقم 1)
ثانيا- المنشآت المدنية:
1- دار قيادة الأمير عبد القادر بمعسكر:
تقع دار الباي المسماة حاليا بـــ”دار القيادة” في وسط مدينة معسكر، وبالضبط في ساحة الشهداء يحدها من الجهة الغربية شارع القدس، ومن الجهة الشرقية شارع يخلف بلعيد.
تاريخ المنشأة:
هناك غموض كبير يكتنف تاريخ هذه المنشأة، إذ وجدنا صعوبة كبيرة في تحديد تاريخ بنائها وكذا مؤسسها، وهذا نظرا لنقص الأدلة التاريخية والمادية التي تشير إلى ذلك، وحسب ما جاء في مذكرات تدينا يرجح أنها بنيت في منتصف القرن الثامن عشر، خلال فترة حكم الباي محمد الكبير. وبعد ذلك أصبحت مقرا لقيادة الأمير عبد القادر الجزائري منذ مبايعته كسلطان على الجزائر سنة 1832، وإلى غاية 1841 تاريخ سقوط المدينة في أيدي الاحتلال. وعندها تم تحويل هذا المعلم إلى ثكنة عسكرية إلى غاية 1962.
اتخذ الأمير عبد القادر هذه الدار كمركز قيادة للدولة، نظرا لكبر مساحة المبنى وتوسطه المدينة، وكذلك لتنظيم الإدارة والدواوين، ومناقشة المسائل العسكرية وتتبع تحركات العدو الفرنسي في أنحاء البلاد، وهو تتكون من طابقين تتوزع عليهما مجموعة من المكاتب كانت مخصصة للموظفين.
تعرضت هذه المنشأة إلى كل أنواع التشويه والتغيير في فترة الاحتلال، لكن بعد عملية التصنيف أعيد لها الاعتبار من طرف السلطات الرسمية، فتم ترميمها وتحويلها إلى متحف، غير أن عملية الترميم لم تكن في المستوى ولم تراع فيها المعايير المتعارف عليها، لذلك سارعت عوامل التلف بكل أنواعها في مهاجمة عناصرها المعمارية فتشققت سقوفها وأرضيتها بسبب تسرب المياه إلى داخلها، وتشوهت واجهاتها، كما تضررت أعمدتها وتيجانها حتى أصبحت معرضة للانهيار، وهذا ما دفع السلطات المعنية إلى المسارعة إلى إعادة ترميمها وهو ما تم بالفعل خلال سنة 2011م، وانتهت العملية خلال سنة(5).
2- دار الأمير عبد القادر بمدينة مليانة:
تاريخ المنشأة:
تفيد بعض المعلومات التاريخية بأن تاريخ تشييد هذا المبنى يرجع إلى بداية العهد العثماني، لكن لم نستطع تحديد تاريخ البناء بالضبط، وهذا نظرا لعدم وجود أية لوحة تدل على ذلك، بينما يرجح بأنه كان مقرا للحاكم التركي حسن الذي قتل من طرف “بوطريق” في سنة 951هـ/1544م(6)، ثم اتخذه الحاكم عثمان الكردي والد محمد الكبير الذي كان قائدا على مليانة، ثم بايا على المدية(7) كمقر له في أواخر القرن السابع عشر(8)، وعندما دخلت مليانة في أملاك الأمير عبد القادر، أصبحت هذه الدار مقرا لخليفته محي الدين الصغير في ذي الحجة سنة 1250هـ/أفريل 1835م إلى غاية 24 صفر 1253 هـ/30 ماي 1837م، وبعد وفاته استقر الأمير عبد القادر فيها في الفترة الممتدة من 17 فيفري إلى 7جوان 1839 م(9)، فنظرا لمكانة الأمير عند سكان مدينة مليانة غيّرت تسميتها من دار الباي إلى دار الأمير عبد القادر، وهي مشهورة بها إلى غاية الفترة الحالية.
تعرضت هذه الدار بعد سقوط المدينة في يد الاحتلال الفرنسي للتغيير، فحولت إلى مركز مقاطعة عسكرية تحت قيادة العقيد “ديلانس” والجنرال “سانت آرنوا”، وفي 8 ماي 1865م زارها الإمبراطور نابليون الثالث خلال رحلته إلى الجزائر، من جهة أخرى يذكر أنه خلال سنة 1859م حول جناح هذا المبنى إلى متحف لحفظ البقايا الأثرية للمنطقة(10)، ثم أصبحت بعد ذلك نزلا لقيادة الجيش الفرنسي إلى غاية الاستقلال(11).
وابتدءا من سنة 1962م إلى غاية 1970م استعملت كمقر لحامية الجيش الوطني الشعبي، ومن سنة 1986م إلى غاية 1995م خضعت لعملية الترميم، وبعدها حولت إلى متحف بلدي. (أنظر الشكل رقم2)
3- محكمة الأمير عبد القادر بمعسكر:
تقع المحكمة المسماة حاليا بـــاسم “محكمة الأمير عبد القادر” في وسط مدينة معسكر، وبالضبط في ساحة الشهداء عند ملتقى شارعي بوقصري طاهر من الجهة الشرقية وشارع مصطفى بن بولعيد من الجهة الجنوبية الغربية، وهي تقع بمحاذاة دار القيادة، بحيث أنه لا يفصل بينهما إلاّ الطريق.
تاريخ المنشأة:
إن الباحث في تاريخ هذه المنشأة سيجد صعوبة كبيرة في معرفة سنة تشييدها، وتتفق أغلب آراء المؤرخين أنها أنشأت من طرف الباي محمد الكبير في منتصف القرن الثامن عشر، حيث أنها كانت المحكمة الرئيسية للغرب الجزائري، باعتبار أن مدينة معسكر عاصمة للبايلك، وبعد الفترة العثمانية اتخذها الأمير عبد القادر كمحكمة لدولته الناشئة في سنة 1832م وإلى غاية 1841م وهو تاريخ سقوط المدينة في أيدي الاحتلال الفرنسي. ومنذ هذا التاريخ تحولت إلى مركز للعمل الخيري حتى سنة 1901م. وخلال هذه السنة كذلك حولها الاحتلال إلى حانة للمعمرين ودام ذلك إلى غاية حصول الجزائر على الاستقلال. وبعد هذه الفترة حولت إلى مقهى، وبقيت على هذه الحالة إلى أن تم تصنيفها بتاريخ 06/03/ 1996م كمعلم تاريخي وأثري.
تعرضت هذه المنشأة إلى تغيير رهيب، خاصة في فترة الاحتلال الفرنسي، إذ تم تهديم جناح بأكمله لتسهيل شق طريق بالمدينة، وهو ما أفقدها تخطيطها المعماري الأصلي وأثر كثيرا على عناصرها المعمارية، وبعد فترة الاستقلال تم ترميمها وإعادة الاعتبار لها، لكن للأسف لم تكن هذه العملية سليمة نظرا لعدم احترام المعايير المتعارف عليها في عملية الترميم، وهو ما أثر سلبا على عناصرها المعمارية، التي تعرضت للتلف لعدم تناسب مادة الترميم مع المادة الأصلية، وبالتالي أصبحت عرضة لمختلف العوامل الطبيعية، خاصة منها الأعمدة والتيجان، وكذلك تشقق السقف وتآكل الأرضية، الأمر الذي دفع بالسلطات المحلية إلى إعادة ترميمها، لإنقاذها من الانهيار، وفعلا تم ذلك خلال سنة 2011م وقد حضرنا أطوارا من هذه العملية، التي اكتملت خلال هذه السنة 2012(12) (أنظر الشكل رقم 3)
3- دار الأمير عبد القادر بمدينة المدية:
تقع هذه الدار في وسط مدينة المدية على موقع استراتيجي هام، يحدها من الشمال مجموعة من الدكاكين والمساكن، ومن الشرق المسجد المالكي، ومن الجنوب الساحة العامة.
تاريخ المنشأة:
عرفت هذه التحفة الفنية والهندسية تغيرات كثيرة وعبر مراحل متعددة في طور الزمان، لكننا لا نزال نجدها كما كانت عليه زمانا وكأنها تحفة معمارية نادرة في وسط ولاية المدية. بنيت هذه الدار على يد باي بايلك التيطري “مصطفى بومرزاق” وذلك ما بين سنتي 1819 و 1829م، حيث أخذت شكلا هندسيا ذو نمط عثماني محض.
استعمل الأمير عبد القادر هذه البناية في سنة 1835 كمقر سياسي له ولقيادة أركانه، حيث عُقدت فيها عدة لقاءات هامة منها التحضير لمعاهدة “التافنة”، كما استخدمت البناية أيضا كمقر لصنع الأسلحة آنذاك. وعندما سقطت المدينة تحت سلطة الاحتلال الفرنسي تم الاستيلاء على البناية وأخذها من والي الأمير، وتم تحويلها إلى مقر للحاكم الفرنسي، حيث قام المستدمر بإضافة بعض التعديلات والتغييرات فيها، لكنها لازالت تحافظ على طابعها العمراني الأصلي، وفي طياتها آثار وحاجيات ثمينة التي تخص الأمير عبد القادر التي بقيت إلى يومنا كتحف تعرض على الزوار، هي تحف تاريخية نادرة و قيّمة(13).
ثالثا- المنشآت العسكرية:
1- مصنع الأسلحة بمدينة معسكر:
تعتبر مدينة معسكر من أهم المراكز السياسية والعسكرية التي اتخذها الأمير في مقاومة الاستعمار الفرنسي حيث أنه اتخذ من المدينة كعاصمة لدولته الحديثة، كما أنه أنشأ فيها مصنعا للأسلحة حسب ما ذكره “دوماس” DAUMAS ، إذ انه كان مخصصا لتجهيز الخراطيش، وصنع أخشاب البنادق والبارود.(14).
وإضافة إلى ذلك أنشأ الزمالة تلك العاصمة المتنقلة التي كانت مجمعا يضم كل مكونات دولته.
2- مصنع الأسلحة بمدينة مليانة:
أقام الأمير عبد القادر مصنعا للأسلحة بعدما استقدم معه خبيرا في المعادن اسمه “دو كاس”(Decasse)(15)، الذي أقام مصنعا للبنادق وآخر لإنتاج البارود فيها(16)، وهذا بسبب توفر مادة الحديد، الذي كان يستخرج من منجم غني به بجبال زكار الذي يقع في الجهة الشمالية من المدينة(17).
بُني هذا المصنع في سنة 1839م، اختص كذلك بصناعة الرماح وحاملات المدافع وكان يُسيَّر من طرف مهندس فرنسي يسمى “ألكي كاز Alquier case” هارب من الجيش الفرنسي، وهذا المصنع مازال قائما إلى غاية اليوم، وهو يقع خارج المدينة من الجهة الشرقية(18).
3- مصانع مدينة تلمسان:
هي ثالث مدينة اتخذها الأمير كمركز استراتيجي، أنشأ فيها الأمير مصهرة للحديد ومطحنة للبارود في سنة 1839، وكان يشرف عليها عامل اسباني(19)،كما تذكر المصادر التاريخية أن الأمير بنى قلعة في منطقة “سبدو” لصناعة المدافع وطحن البارود، وتعد قلعة سبدو رابع قلعة بناها الأمير، وكان ذلك في شهر جوان 1839م، حيث أعطى أمرا ببنائها إلى خليفته بوحميدي، ومع نهاية سنة 1257 ه1842 /م بدأ بيجو حملته على تلمسان وتمكن من احتلالها، ومنها اتجه إلى قلعة سبدو، حيث وصلها يوم 28 ذو الحجة 1257 هـ الموافق لـ9 فيفري 1842م وقد وجدها مخربة وخالية من السكان(20).
4- قلعة تاقدمت:(21)
تقع فوق هضبة في أسفلها واد مينا، تعتبر قلعة تاقدمت أول قلعة بناها الأمير، فقد كانت بداية الأشغال فيها خلال شهر محرم 1252 هـ/ماي 1836 حسب شرشل، وقد خربت من طرف الأمير في شهر ماي من سنة 1841 قبل سقوطها في أيدي الجنرال بيجو.
لقد اتخذ الأمير من هذه القلعة عاصمة لدولته، ونقل إليها أهله وخاصته وقصدها الناس من كل مكان، ومن مختلف الأجناس عرب وأندلسيون وكراغلة(22). كانت منشآت قلعة تاقدمت مكونة من قسمين، قسم خاص بالمنشآت الحكومية، وقسم خاص بالمنشآت المدنية. فالمباني الحكومية كانت تقع في مكان مرتفع نوعا ما، في القسم الشرقي بالنسبة للمباني المدنية، وكانت تشمل القصبة والحصن والإسطبل، أما المباني المدنية والمتمثلة في المساكن العمومية، فهي مبنية على امتداد منحدر الهضبة.
أقام الأمير في تاقدمت مصنعا للبنادق، حيث أنه جلب له خبيرا فرنسيا على أساس عقد يقضي بأن يقوم هذا الخبير بتعليم وتدريب الجزائريين صناعة الأسلحة، وبعد نهاية العقد رحل العمال الأجانب ولم يبق إلا العمال المحليين، وكان هذا المصنع ينتج في اليوم حوالي ثماني بندقيات، كما كانت تنتج فيه الحراب والسيوف وغيرها من الأسلحة الثقيلة والخفيفة، ومن بين العمال الذين عملوا في هذا المصنع “فرنسوا لوشار"(23)، وخربت القلعة في سنة 1257هـ من طرف الماريشال بيجو.(24)
- قلعة تازة:
بعد تاقدمت بنى الأمير قلعة تازة التي وضع أسسها الأولى مع بداية شهر ماي 1838، وأشرف على بنائها الخليفة بن علال والسيد قدور بن رويلة، سقطت في أيدي الجنرال باراغواي دييلي في يوم 04 ربيع الثاني 1257 هـ/ 25 ماي1841، وقد وجدها خاوية على عروشها وزاد في تحطيم ما بقي بها من منشآتها.
شيّد فيها الأمير عبد القادر بمساعدة الفرنسي “ألكياه دا كاز Alguier de Caz”، الاختصاصي في علم المعادن، مصنعا للبنادق وآخر للبارود، وكان الحديد اللازم للعمل يستخرج من منجم بجوار مليانة، والاحتياط من الإنتاج كان ينقل إلى مخازن الجيش في تازة(25).
6- قلعة سعيدة:
بعد إتمام بناء تازة أمر الأمير ببناء قلعة سعيدة، وقد كانت بداية انطلاق الأشغال بها في شهر جانفي سنة 1839، ولم تكتمل إلا في شهر أكتوبر من نفس السنة، سقطت في أيدي الجنرال لاموريسير يوم 07رمضان 1257 هـ الموافق لـ 22 أكتوبر1841 م، لكن الأمير احرقها واخرج منها أهلها قبل دخوله إليها.
يتواجد الموقع الأثري لقلعة سعيدة على بعد 2كلم من مدينة سعيدة الحالية، بنى الأمير عبد القادر بقلعة سعيدة مجموعة من المنشات أحاطها بسور ضخم مدعم بأبراج وتتمثل تلك المنشآت في قصر ومخازن وطاحونة مائية وفندق وأكواخ(26).
7- حصن بوغار بالمدية:
يقع حصن بوغار بجهة المدية(27) وهو آخر حصن بناه الأمير، كان ذلك في شهر جويلية 1839 حسب الأستاذ احمد توفيق المدني(28)، وقد كان يشرف عليه خليفة الأمير محمد البركاني، الذي زاد من تحصيناته بإقامة حائط مثلث الشكل وركّز لحمايته مدافع في أطمات. وأضاف إلى ذلك فرنا للخبز، مستشفى، معملا للبرانيس ومصنعا للخرطوش(29).
سقطت القلعة في أيدي الجنرال براغواي Baraguey Dhilliers في 23 ماي 1841، وقد وجدها خالية من السكان بعد أن هجرها أهلها وأضرموا فيها النيران.
بنيت قلعة بوغار فوق هضبة مرتفعة تحيط بها الجبال، لقد كانت قلعة بوغار مكونة من مجموعة من المنشأت المعمارية والمصانع، خصصت لصناعة البنادق الخشبية والخراطيش والنسيج والألبسة والدباغة، وجعل لها بنايات خاصة بها، غير أن تلك البنايات اندثرت ولم يعد لها الآن وجود، كما كان فيها مجموعة من المرافق نذكر منها:
- المستشفى:
بنى الأمير عبد القادر بقلعة بوغار مستشفى لمعالجة المرضى المدنيين والعسكريين على السواء، لكنه هدم وخرب مثل باقي منشآت القلعة ولم يبق منه شيء.
- المخبزة:
كانت المخبزة تحتوي على مطحنة مائية قوية جلبت لها مياه كافية لتدويرها كما كانت تحتوي على أفران لصنع الخبز، ومن المحتمل أنها كانت شبيهة بمخبزة سبدو.
- المخازن:
كان بقلعة بوغار مخزنا ومستودعا للكبريت والصودا والمينا والرصاص والأسلحة، ومن المحتمل أن تكون تلك المخزونات قد بنيت لها بنايات خاصة، إضافة إلى المطامير التي أشار إليها جوليان (Julien)(30)
الهوامش:
1- مهيريس مبروك، المساجد العثمانية بوهران ومعسكر، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر 2009م، ص50.
2- بوعزيز يحي، المساجد العتيقة في الغرب الجزائري، ط1، منشورات ANEP، الجزائر، 2002، ص213.
3- ابن هطال أحمد التلمساني، رحلة محمد الكبير باي الغرب الجزائري إلى الجنوب الصحراوي الجزائري، تحقيق وتقديم محمد بن عبد الكريم ط1، عالم الكتب، القاهرة 1969، ص ص27-28، أنظر كذلك:
- ابن سحنون أحمد الراشدي، الثغر الجماني في ابتسام الثغر الوهراني، تحقيق وتقديم المهدي البوعبدلي، مطبعة البعث، قسنطينة، الجزائر، 1973 ص127. وأيضا:
- Gorguos. A, Histoire d’un bey de mascara et de l’Oranie, Le bey Mohamed Ben Osman « El-Kebir », présentation Kamel Chehrit, Edition, Grand Alger livre, Alger, 2006, p19
4- بوعزيز يحي، المرجع السابق، ص213.
5- قرمان عبد القادر، عمران وعمارة مدينة معسكر في العهد العثماني- دراسة أثرية عمرانية ومعمارية، رسالة دكتوراه في الآثار الإسلامية، معهد الآثار، جامعة الجزائر2، 2014- 2015، ص190.
6- عباس كبير بن يوسف، “مليانة”، مجلة تصدرها الوكالة الوطنية للآثار وحماية المباني والمباني الأثرية، الجزائر 2000، ص4 و ص9.
7- مولاي بلحميسي، الجزائر من خلال رحلات المغاربة في العهد العثماني، ط2، الشركة الوطنية للنشر والتوزيع الجزائر 1981، ص151.
8- Gorguos, « Notice sur le bey d’Oran Mohamed el kebir », revue Africaine 1856/1857, offices des publication universitaire, Alger, p 405.
9- محمد الحاج صادق، مليانة ووليها الصالح سيدي أحمد بن يوسف، ديوان المطبوعات الجامعية الجزائر 1989م ، ص50.
10- عباس كبير بن يوسف، المرجع السابق، ص9.
11- محمد الحاج صادق، المرجع السابق، ص58.
12- قرمان عبد القادر، المرجع السابق، ص202.
13- تيتبيرت نصيرة، “المعالم الأثرية بمدينة المدية العثمانية”، العدد1، 2011 ، المجلة المغاربية للمخطوطات، يُصدرها مخبر المخطوطات، جامعة الجزائر2، ص249.
14- أديب حرب، التاريخ العسكري والإداري للأمير عبد القادر الجزائري 1808- 1847، ج2، ط2، دار الرائد للكتاب، الجزائر، 2004، ص74.
15- دو كاس: هو مهندس فرنسي خبير في صناعة الأسلحة، هرب من القوات الفرنسية وأعتنق الإسلام. لمزيد من المعلومات أنظر:
- محمد الحاج صادق: المرجع السابق، ص 51.
16- شارل هنري شرشل: حياة الأمير عبد القادر، ترجمه وقدم له وعلق عليه أبو القاسم سعد الله، الشركة الوطنية للنشر والتوزيع، الجزائر 1982، ص139، أنظر كذلك:
- محمد ابن عبد القادر الجزائري، تحفة الزائر في تاريخ الجزائر والأمير عبد القادر، شرح وتعليق ممدوح حقي، ط2، دار اليقظة العربية للتأليف والترجمة والنشر، بيروت، 1964، ص314، أنظر كذلك: – أسكوت، مذكرة الكولونيل أسكوت عن إقامته في مقر زمالة الأمير عبد القادر عام 1841، الشركة الوطنية للنشر والتوزيع، الجزائر 1981، ص 85.
17- استعمل حديد هذا المنجم في تشييد برج إيفل الذي يقع بالعاصمة الفرنسية باريس.
18- صادق محمد الحاج، المرجع السابق، ص50.
19- يوهان كارل بيرنت، الأمير عبد القادر، ترجمة وتقديم أبو العيد دودو، دار هومة للطباعة والنشر والتوزيع، الجزائر، 2005، ص164، أنظر كذلك:- شارل هنري شرشل، المصدر السابق، ص139.
20- دحدوح عبد القادر، استحكامات الأمير عبد القادر العسكرية (1836- 1842م)، رسالة ماجستير في الآثار الإسلامية، قسم الآثار، 2002 -2003، ص105.
21- المرجع نفسه، من ص 53 إلى 86.
22- الجزائري محمد بن عبد القادر: المصدر السابق، ص313.
23- دحدوح عبد القادر: المرجع السابق، ص ص57- 76.
24- الحاج مصطفى بن التهامي، سيرة الأمير عبد القادر وجهاده، تحقيق وتقديم يحيى بوعزيز، دار البصائر للنشر والتوزيع، 2009، الجزائر، ص147.
25- أديب حرب، المرجع السابق، ج2، ص230.
26- الحاج مصطفى بن التهامي، المصدر السابق، ص145.أنظر كذلك: – دحدوح عبد القادر: المرجع السابق، ص95.
27- الحاج مصطفى بن التهامي، المصدر السابق، ص145.
28- أحمد توفيق المدني: كتاب الجزائر، ط 2، المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر، 1984،ص 231.
29- أديب حرب، المرجع السابق، ج2، ص230.
30- دحدوح عبد القادر، المرجع السابق، من ص 108 إلى ص 111.
د.عبد القادر قرمان/جامعة عبد الحميد بن باديس،مستغانم،الجزائر
مقال نشر في مجلة جيل العلوم الانسانية والاجتماعية العدد47 الصفحة 49.