جمعية العلماء المسلمين الجزائريين وجهودها في خدمة العقيدة الإسلامية
بقلم: أ.د. مرزوق العمري -
جمعية العلماء المسلمين الجزائريين حركة إصلاحية تأسست في ثلاثينيات القرن الماضي بالجزائر في الشمال الإفريقي، كانت نشأتها استجابة لمتطلبات الواقع الإسلامي في ذلك الوقت حيث كانت الأوطان سليبة والهوية تشوه والعقيدة تجابه مختلف التحديات، انطلقت جمعية العلماء في عملها الإصلاحي من التعليم لأنه الفضاء الإصلاحي المتاح في ذلك الوقت، ثم تمت توسعة المشروع الإصلاحي ليتعاطى مع أساسيات الوجود الجزائري وهي: الإسلام والعروبة والجزائر، وهي الثلاثية التي حملها شعار جمعية العلماء فتمت صياغته على النحو التالي: الإسلام ديننا والعربية لغتنا والجزائر وطننا.
وقد تجسدت خدمة هذا الشعار ميدانيا في المرابطة التي رابطتها جمعية العلماء في سبيل خدمة الإسلام بتعليم عقائده وشرائعه وأخلاقه، تجسدت في خدمة العربية بالدفاع عنها وخدمة فنونها: شعرا ونثرا ورواية ومقالا، وبالدفاع عن الجزائر بالعمل على تكوين جيل يقوم لتحريرها، وهذا الذي أنجز في 1954م، وقد بذلت جهودا كبيرة في هذا المجال شكلت بتراكمها تراثا يمثل صفحة إسلامية في الشمال الإفريقي في العصر الحديث تستوقف الباحثين في مختلف المجالات الإسلامية للدراسة، من ذلك جهود جمعية العلماء في خدمة العقيدة الإسلامية.. والعقيدة هي الجانب الأهم في البنية الإسلامية فأول ما جاء به الوحي مسائل الاعتقاد من إيمان بالله عز وجل وإيمان بالنبوة والمعاد، وعلى هذا الأساس صنف علماء الإسلام علم العقيدة في صدارة العلوم الإسلامية من حيث المكانة، وذلك لشرف موضوعه، وموضوعه هو ذات الله سبحانه وصفاته وأفعاله، ولذا فصلاح دين المسلم مرهون بصلاح عقيدته. وهذا الذي أدركته جمعية العلماء فكان اهتمامها بالعقيدة الإسلامية تأليفا وتدريسا وردا على الشبهات بمختلف الوسائل التي أتيحت لها.
من هنا توفرت عدة مبررات للبحث في هذا الموضوع لأجل الكشف عن هذا الإسهام الإفريقي الحديث في خدمة العقيدة الإسلامية ومن هذه المبررات ما يلي:
1ـ التعريف بجهود جمعية العلماء المسلمين الجزائريين في خدمة علم من علوم الشريعة وهو علم العقيدة.
2ـ الوقوف على كيفية تسخير جمعية العلماء جانبا من خطابها الإصلاحي لإصلاح العقيدة في حين نجد حركات إصلاحية أخرى اتجهت إلى الإصلاح السياسي؟
3ـ الوقوف على الأثر والتداعيات التي أحدثها هذا الإسهام المتميز، وهل بقي محليا أم أنه صار تجربة إسلامية جديرة بالبحث والدراسة؟
بناء على هذا يمكن صياغة إشكالية هذه الدراسة في التساؤلات التالية:
ـــ ما هي جهود جمعية العلماء المسلمين الجزائريين في خدمة العقيدة الإسلامية؟
ــ وما هي خصائص منهج الجمعية في دراسة المسائل العقدية. أو بالأحرى ما هو منهجها في إصلاح العقيدة طالما أنها حركة إصلاحية؟
ــ ما هو الأثر الإصلاحي والمعرفي الذي أحدثته هذه الجهود في دراسة العقيدة الإسلامية؟ وما هي الإضافات التي أضافتها إلى درس العقيدة؟
وقد فرضت طبيعة هذه الإشكالية الأخذ بمنهج مزدوج وصفي/ تحليلي؛ وصفي في معرض ننبع مواقف وآراء علماء الجمعية في تقريرهم لمسائل العقيدة وكيفية إصلاح مواطن الفساد، وتحليلي من جهة البحث في مبررات توظيف هذا الأسلوب دون غيره وفي كيفية انتقاء الأدلة ...وغير ذلك. أما الجوانب التي تم التطرق إليها بالبحث فهي على النحو التالي:
أولا: إبراز البعد النهضوي للعقيدة الإسلامية
طبيعي أن تتجه جهود رجال جمعية العلماء المسلمين هذا الاتجاه في اهتمامهم بالعقائد الإسلامية التي تشكل قطب الرحى في البنية الإسلامية؛ فالعمل الإسلامي الذي غايته خدمة التصور الإسلامي واعتماد المرجعية الإسلامية لابد أن يقف على العناصر النهضوية الإسلامية لإبرازها ولتوظيفها في حياة المسلمين وقد اقتضى العمل الإصلاحي التركيز على هذه الأمور ومنها إبراز البعد النهضوي للعقيدة الإسلامية باعتبارها المحرك الرئيس للفرد المسلم؛ تحرك فيه الفكر فينطلق متأملا مبدعا مستدلا على صحة ما يعتقد، وتحرك فيه علو الهمة فينطلق عاملا متمسكا بدينه مجسدا له في سلوك حتى يدل على فاعلية هذه العقيدة التي بعثت فيه هذه الهمة وهذه القوة السلوكية المؤثرة.
وقد وجدت جمعية العلماء هذه المواصفات مفقودة، وفكر وسلوك الفرد الجزائري لا يتصفان بها، ولذا كان مما اقتضاه منطق الإصلاح توضيح هذا البعد ابتداء قبل الإقدام على غيره من الأمور التي تبنى عليه، وقد أدرك ابن باديس هذا حينما قال:" الإصلاح هو إرجاع الشيء إلى حالة اعتداله بإزالة ما طرأ عليه من فساد، وإصلاح النفوس بمعالجتها بالتوبة الصادقة"(1).
ولا شك أنه من الأمور التي شابها الفساد العقل المسلم الجزائري الذي لم يعد يفرق بين الخرافة والحقيقة، وبين النافع والضار وبين النهضة والتخلف فكان التركيز على البعد النهضوي للعقيدة الإسلامية حتى يشيّد صرح الإصلاح على أساس متين، ولذا نجد ابن باديس يكتب عن النهضة، ففي مقال له بعنوان: بماذا تنهض الأمة نهضة دينية؟ ذكر فيه العقائد على أنها عنصر نهضوي ضروري، وحكم باستحالة تحرك الإنسان في إطار العمل الحضاري عموما والإسلامي منه خصوصا وهو مجرد من أي معتقد، لذا كان يرى أنه لا بد للإنسان من عقائد يعتقدها في أمور دينه ودنياه(2).
وهذا أمر جد منطقي ويتعلق بالمسلم وبغير المسلم، فمن غير الممكن أن يكون الإنسان يخطط لمشروع عمل وهو لا يمتلك الصورة الكاملة لمشروعه، فإذا تعلق الأمر بالإسلام يكون من باب أولى؛ فعقيدة المسلم هي التي تبعث فيه الشوق إلى ما عند الله فيقبل على الطاعات، وتبعث فيه الرغبة في إظهار صورة الإسلام النقية فيستقيم لأجل ذلك سلوكه، وتبعث فيه الوعي بضرورة الحفاظ على رصيده الديني والدنيوي حتى لا يبقى دائما في نقطة البدء، وحتى لا يخلط عمله الصالح بآخر فاسد فيهدم ما شيّد ويكون من مشمولات الآية القرآنية:" ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا"( النحل/92).
من خلال هذا يتجلى حضور العقيدة في حد ذاتها وضرورتها على أنها من أهم الأبعاد التي تقتضيها النهضة، وقد اجتهد ابن باديس في إيصال ذلك إلى المسلم الجزائري كي تبعث فيه الحياة الإسلامية من جديد، وأن لا يبقى قلبه خاويا من تشرب العقيدة، وأن لا تبقى نفسه نافرة لم تسكن لأي معتقد فيقول:" الواجب على كل مسلم في كل مكان وزمان أن يعتقد عقدا يتشربه قلبه وتسكن إليه نفسه وينشرح له صدره ويلهج به لسانه وتنبني عليه أعماله"(3). وبعد أن بيّن لنا ابن باديس ضرورة العقيدة في حياة الإنسان، وعلاقتها بلسان الإنسان وقلبه ونفسه وأعماله، بيّن أن الأهمية النهضوية للعقيدة تتجلى من الجوانب التالية:
الجانب الباطني: وهو الجانب المتعلق بالقلب؛ ففؤاد الإنسان إذا تشرب عقيدة الإسلام فإنه لا يعود لمناقشة ذلك المعتقد بل يحوّل صاحبه إلى شعلة من النشاط ماضية في سبيل تلك العقيدة لأن تشرب القلب لها يورث طمأنينة النفس التي شع فيها نور الحق فسكنت إليه.
الجانب الظاهري: وهو انطلاق اللسان يلهج بتلك العقيدة، ثم الإقبال على مختلف الأعمال والسلوكات الصحيحة التي تؤسس على تلك العقيدة؛ لأن الأعمال إنما هي بناء والبناء لا بد له من قاعدة يؤسس عليها، وهي في الإسلام العقيدة ولذا كان من تعريفات علماء الإسلام للإيمان: هو تصديق بالجنان وإقرار باللسان وعمل بالأركان. إذا هذه هي وجهة ابن باديس الإصلاحية في ضرورة معرفة المسلم العقائد التي يعتقدها لأن الإصلاح عمل والعمل أساسه العقيدة الصحيحة لذا لابد من معرفة ما نعتقد أولا. وهذا مذهب المسلمين جميعا، وإنما كانت الإشارة إلى هذا والتركيز عليه لما شاب علاقة الأمة من جهل بدينها قبل أن يقدم لها هذا المشروع النهضوي أو ذاك لتتبناه، فإذا لم تكن واعية به من مختلف جوانبه فأنى لها ذلك؟!. ولذا كان التعامل مع أمراض الأمة ومعالجتها إحدى أولويات جمعية العلماء المسلمين. يقول الشيخ بيوض:" دروسنا ومواعظنا يجب أن تكون في الأمراض التي ابتلينا بها لمعالجتها"(4).
وحسب ابن باديس فإن البعد النهضوي للعقيدة الإسلامية يتجلى في أمرين أساسين لا يمكن أن تستقيم عقيدة المسلم إلا بهما:
1-ترك التقليد في العقيدة: لأن التقليد منفذ من منافذ الفساد إذ يصبح المسلم يتلقى عقائده تقليدا بدل أن يبنيها على العلم، وقد دعا القرآن الكريم إلى بناء العقيدة على العلم واليقين والأخذ بالمحسوس في باب المحسوسات و بالمعقول في باب المعقولات(5). ولذا يعتبر ابن باديس العقيدة المقلّدة إسلاما وراثيا ويقابله الإسلام الذاتي وهو الذي يبنى على العلم والنظر والاستدلال، ويكون صاحبه واعيا بمضامينه وبوظائفه، وقد كتب في ذلك مقالا بعنوان: الإسلام الذاتي والإسلام الوراثي أيهما ينهض بالأمم؟ ورغم كون الإسلام الوراثي يتصف أهله بالإخلاص له لكنه لا يمكن أن يكون أساسا نهضويا؛ فالعصبية هنا غير مجدية مهما كانت قوتها؛ لأنها لا تتعلق بموقف بل بصلة الإنسان بالحقيقة وهذه الصلة كما تقتضي عصبية في الموقف تقتضي أيضا صحة الفكرة والمعتقد، والتقليد كثيرا ما يبعد صاحبه عن الصواب لما يتضمن من جمود وفقدان الاستدلال، وخلو من الفكر. يقول ابن باديس عن الإسلام المقلّد:" والإسلام الوراثي مبني على الجمود والتقليد فلا فكر فيه ولا نظر"(6).
ويفهم من هذا أن شرط النهضة هو إعمال الفكر وتحكيم العقل لا الجمود وتقليد الآباء والسابقين، وهذا ما أنكره القرآن على الأمم التي خاطبت أنبياءها معلنة تمسكها بالتقليد دون السعي إلى معرفة ذلك التقليد أهو صواب أم خطأ. وقد ذكر القرآن الكريم ردهم حينما يدعون إلى الحق بأنهم يقولون:" إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون"(الزخرف/22). أما الإسلام الذاتي فهو الإسلام الذي يقوم على فهم قواعد الإسلام ومعرفة أحكامه في العقائد والعبادات، وذلك بتوظيف الفكر والنظر فيتمكن صاحبه من التمييز بين الصواب والخطأ وبين ما هو من الإسلام وما هو غريب عنه، وهذا ما تريده العقيدة الإسلامية من حملتها وهذا ما يجعلهم يؤسسون لنهضة حقيقية يقول ابن باديس:" فبالتفكير في آيات الله السمعية وآياته الكونية وبناء الأقوال والأحكام على الفكر تنهض الأمم"(6)
من جهة أخرى يستدل ابن باديس على كون المسلم مطالب شرعا بأن يكون إسلامه ذاتيا لا وراثيا بعد أن بيّن ضرورة الإسلام الذاتي وترك التقليد في العقيدة، وضرورة ذلك في بناء النهضة فوظف العديد من هذه الأدلة الشرعية مثل قوله تعالى:" ولا تقف ما ليس لك به علم"(الإسراء/36)، وقوله تعالى:" وإن الظن لا يغني من الحق شيئا"(النجم/28)، وقوله تعالى:" قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا"(سبأ/46)، فهذه النصوص تنهي عن الظن والاكتفاء به إلا إذا تعذر اليقين، و إذا كانت عقيدة التقليد تشكل يقينا لدى صاحبها إلا أنها ليست مبنية على العلم ويكون صاحبها بذلك مخالفا لقوله تعالى :" ولا تقف ما ليس لك به علم"(الإسراء/36) .
وإذا ما روعي البعد التاريخي في هذا الإطار فلا يمكن أن نحمّل المسلم الجزائري كل المسؤولية وتبعات التقليد؛ فالظرف الذي مرت به الجزائر حرم فيه أبناؤها من التعلم والكثير منهم لا ذنب لهم، ولذا يرى ابن باديس أنه من أدوات القضاء على التقليد وجعل إسلام المسلمين ذاتيا لا وراثيا التعليم؛ فالتعليم هو الأداة المثلى والوحيدة التي تمكّن المسلم من أن يكون على بصيرة في أمور دينه وأمور العقيدة على وجه الخصوص، وهذا ما يتجلى في قوله:" لذلك سبيل واحد هو التعليم فلا يكون المسلم مسلما حتى يتعلم الإسلام"(7)، ثم من يقوم بهذا التعليم وهل يقتصر على فئة دون أخرى؟ نجد ابن باديس ينظر إلى المسألة على أنها لم تعد من فروض الكفايات بل صارت من فروض العين، فكل مسلم مسؤول على نشر هذا التعليم قدر استطاعته وهذا ما خاطب به المسلمين حينما قال:" فالمسلمون – أفراد وجماعات - مسؤولون عن تعلم وتعليم الإسلام للبنين والبنات الرجال والنساء كل بما استطاع والقليل من ذلك خيره كثير"(8).
إلا أن المنطق يحتم على من يقوم بهذا الواجب خاصة في مسائل العقيدة لما تتسم به من أهمية وخطورة أن يكونوا على قدر كاف من العلم بها لذا نجده يخاطب أهل العلم بأن يتولوا هم هذه المهمة فقال:" على أهل العلم أن يقوموا بتعليم العامة لعقائدها الدينية"(9)، ومن جهة ثانية يخاطب العامة ويدعوهم إلى الإقبال على العلم، وأن يكون كل مكلف على علم بـأمور العقيدة، ويدعوهم إلى حضور مجالس العلم التي تمكنهم من تصحيح عقائدهم(10) وهكذا يكون العلم هو الذي يبعث في العامة رغبة التعلم، ويبعث في العلماء تعليم هؤلاء العوام فيعم التعليم وتصبح عقائد المسلمين كلها مبنية على العلم لا على التقليد.
2- أخذ العقائد من مصدرها الأول: وهو الوحي قرآنا وسنة، حيث يدعو ابن باديس الناس إلى العودة إلى القرآن الكريم للتعرف على قضايا العقيدة، وهي دعوة تتماشى مع الاهتمامات العامة للمسلم الجزائري الذي كان يومها إسلامه وراثيا لا ذاتيا، فكان يدعو إلى أن يأخذ المسلم عقائده من القرآن مباشرة لطبيعة الأسلوب القرآني في طرح مسائل العقيدة، فهو أسلوب بسيط قريب من الفهم و الاستيعاب من ذلك قوله:" لن يجد العامي الأدلة لعقائده سهلة قريبة إلا في كتاب الله؛ فهو الذي يجب على أهل العلم أن يرجعوا في تعليم عقائد المسلمين إليه"(11)، وهذه دعوة موجهة إلى المعلم والمتعلم على السواء خاصة المعلم لأن كتب العقائد التراثية مليئة بأساليب المتكلمين وأدلتهم العقلية مما يتعذر على العامة فهمه ولذا يوجه المسلم إلى القرآن مباشرة أفضل من تلك الأساليب الكلامية.
وبهذا فابن باديس كان يدعو إلى ترك الأساليب الكلامية في تعليم العقائد والعودة إلى النص القرآني الذي تضمن الأدلة العقلية و النقلية على حد سواء، فلا يبقى بالتالي مبررا لتوظيف الدليل الكلامي كدليل عقلي لأن القرآن الكريم بسط عقائد الإيمان كلها بأدلتها العقلية القريبة فتركناها وقلنا تلك أدلة سمعية لا تحصّل اليقين فأخذنا في الطرق الكلامية المعقدة وإشكالاتها المتعددة واصطلاحاتها المحدثة مما يصعب أمرها على الطلبة فضلا عن العامة(12) فهذه دعوة إلى العودة إلى القرآن الكريم المصدر الأول لهذه العقيدة لما توفرت عليه آياته من أدلة تنطوي على أبعاد مختلفة ومن ثم ينبغي أن يراعى في الخطاب مستوى المخاطب الذي هو المسلم الجزائري والذي كان يومها بعيدا عن دينه لما فعله الاستعمار به. لذلك يعتبر ابن باديس العودة إلى القرآن الكريم هي طوق النجاة فيقول:" لا نجاة للناس من هذا التيه الذي نحن فيه والعذاب المنوّع الذي نذوقه و نقاسيه إلا بالرجوع إلى القرآن إلى علمه وهديه في بناء العقائد والأحكام والآداب عليه، والتفقه فيه"(13).
وتركيز ابن باديس على نصوص الوحي دون الأساليب الفلسفية أو الكلامية مراعاة لمستوى المخاطب كما سبق الذكر من جهة، ومن جهة ثانية طبيعة ابن باديس وذوقه إذ كان ينكر الأسلوب الكلامي، قال عنه الإبراهيمي:" والإمام رضي الله عنه كان منذ طلبه العلم بتونس وقبل ذلك وهو في مقتبل الشباب ينكر بذوقه ما كان يبني عليه مشايخه من تربية تلاميذتهم على طريقة المتكلمين في العقائد الإسلامية"(14). ومن جهة ثالثة مراعاة البعد الإصلاحي؛ فالجهود العلمية أو التعليمية لرجال الجمعية كانت تهدف إلى القيام بعمل إصلاحي شامل أساسه العقيدة الإسلامية.
ولا شك أن النص القرآني وما يتوفر عليه من ألوان الإعجاز المختلفة يمكنها التأثير في العقلية السائدة التي كان يراد لها أن تتغير وهذا أسلوب له جدواه في عقلية ونفسية كل من ذاق حلاوة الكلام العربي، وقرأ القرآن الكريم، وقد كان هذا الأسلوب موظفا في عهد النبوة، فالكثير من خصوم القرآن الكريم شهدوا أنه ليس بكلام بشر، وأن قوة القرآن الكريم من داخل كلماته، وقد التفت ابن باديس إلى هذا التأثير الفاعل الذي تميز به النص القرآني فدعا إلى توظيفه مدركا بأنه أحسن وسيلة لتغيير العقلية السائدة، لا شك أن هذه العقلية لم تكن مستوعبة للعقيدة الإسلامية وإلا لما كان هناك داع لتغييرها؛ لأن ترسيخ العقائد الإسلامية في النفوس كان هو المبتغى لما للعقيدة من تأثير في تغييرها لهذه العقلية السائدة وذلك باستخدام العقل والنظر في النص القرآني لما فيه من قوة يستمدها من أصالته من جهة، ومن قدسيته في نفوس المستمعين من جهة ثانية؛ هذه القدسية التي تؤدي في الغالب الأعم إلى تغيير العقلية ومن ثم تغيير السلوك(15).
أما عن السنة النبوية وهي الشق الثاني للوحي؛ فابن باديس يدعو إليها وإلى الاعتماد عليها باعتبارها قد تضمنت أيضا عقائد الإسلام وشرائعه فقد كان يقول إن:" دين الله تعالى من عقائد الإيمان وقواعد الإسلام وطرائق الإحسان إنما هو في القرآن والسنة الثابتة الصحيحة"(16). وبهذا يكون قد أثبت حجية السنة في باب العقائد كما أثبتها سائر علماء الإسلام لكنه يحذر من الاعتماد على الضعيف منها وعدم التمييز بينه وبين الصحيح لعدم إفادته العلم فقد ثبت عنه:" لا تعتمد في إثبات العقائد والأحكام على ما نسب للنبي صلى الله عليه وسلم من الحديث الضعيف لأنه ليس لنا به علم"(17)، وعلى هذا النحو كتب ابن باديس كتابه العقائد الإسلامية وعرض فيه مختلف المسائل العقدية بالاعتماد على نصوص الوحي(18).
وهكذا فعن طريق العودة إلى القرآن والسنة (= نصوص الوحي) يمكن أن يستوعب المسلمون عقائد دينهم، ولا شك أن هذه العقائد إن فهموها وتشربتها قلوبهم ستبعث فيهم قوة الانطلاق لتغيير ما بأنفسهم وقد كانوا يعيشون وضعا نهضويا مترديا لا يدل أي شيء على أن صاحبه حامل لعقيدة قوية كعقيدة الإسلام التي أخرجت قديما العرب من وضعهم البدوي الذي كانوا عليه إلى العالمية وصار المجتمع الإسلامي هو العالم الأول كما يقال الآن(19). وهذا الخطاب الإصلاحي ترجم إلى عمل في دروس رجال جمعية العلماء ودروس ابن باديس في العقيدة على وجه الخصوص؛ فقد درّس مختلف مباحث العقيدة الإسلامية وكان في كل مبحث يستدل بنصوص القرآن الكريم والسنة الصحيحة محاولا ربط تلاميذه بالمصدر الأول للعقيدة مبينا مدى فاعلية النص القرآني أو النبوي وقدرته على الحضور في العقلية المسلمة(20). وقال الإبراهيمي عن تلك الدروس كان: "يستدل على ما يعتقده في ربه بآيات من كلام ربه لا بقول السنوسي في عقيدته الصغرى: أما برهان وجوده تعالى فحدوث العالم"(21).
وبهذا كانت أحد أوجه خدمة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين للعقيدة الإسلامية إبراز بعدها النهضوي وهذا في إطار المشروع الإصلاحي لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين وذلك من جهة مصدرية هذه العقيدة الربانية ومن جهة ثانية رفضها للتقليد ودعوتها إلى امتلاك الدليل وإذا غاب التقليد كان الإبداع الذي هو مظهر نهضوي لا شك في ذلك.
ومن المواضيع العقدية التي يمكن أن تتخذ كمثال موضوع الغيبيات أو السمعيات فكان ينظر إليها على أنها من أمور الغيب ويجب أن لا يقول فيها المسلم شيئا إلا بما جاء به القرآن الكريم، أو ما ثبت في الحديث الصحيح وما عدا هذين الأصلين لا يجوز الالتفات إلى شيء آخر، لأنها من الأمور التي لم تصل إلى علم البشر، إلا عن طريق القرآن والسنة(22).
ثانيا: الرد على المخالفين
من جهة أخرى كانت لرجال جمعية العلماء جهود دفاعية دافعوا من خلالها على المعتقد الإسلامي ضد خصومه، وبحكم إقليمية جمعية العلماء فإن خصومها الدينيين هم النصارى الفرنسيين الذين كانوا يحتلون الجزائر يومها، وكانوا بين الحين والحين يتهجمون على الإسلام وعقائده وأحكامه. أورد الشيخ محمد خير الدين في مذكراته أن أحد هؤلاء المتهجمين على الإسلام المستشرق الفرنسي أشيل (Robert achile) الذي نشرت له جريدة لا ديباش (La dipeche ) مقالا يصف فيه الإسلام بأوصاف الانتقاص وأنه دين يدعو إلى الحرب وسفك الدماء وأنه دين فوضى وهمجية(23).
وقد كان رد جمعية العلماء بكيفيات مختلفة منها رد ابن باديس نفسه على هذا الانتقاص من الإسلام بسبع مقالات متتالية تناول فيها شبه هذا الأخير وفندها من ذلك شبهة تعصب الإسلام ضد الديانات الأخرى وقد كان رده بالاستناد إلى التاريخ فأوضح أن اليهود والنصارى كانوا يعيشون في إطار الدولة الإسلامية وكان لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين، أتيح لهم التعلم والجاه وكسب الثروة حتى صاروا حجّابا ووزراء لدى الحكام المسلمين، وكانوا ينعمون بالأمن والمساواة مع المسلمين(24)، وعن ادعائه تعصب العقيدة الإسلامية رد عليه ابن باديس بأن العقائد الأخرى هي التي تعصبت ضد الإسلام واستدل بقول غوستاف لوبون (gustave le bon):" إن العقيدة الكاثوليكية المتوارثة فينا تجعلنا ألد الأعداء للمسلمين"(25).
ومن الردود أيضا رد الشاعر محمد العيد آل خليفة بقصيدة شعرية فند فيها زعم هذا المستشرق عنوانها بـ:" هذيان أشيل" والتي كان مطلعها:
هيهات لا يعتري القرآن تبديل * وإن تبدل توراة وإنجيل
ثم يشير إلى حقيقة آيات القرآن الكريم وما تضمنته من أحكام نقية، تنفي افتراءات هذا الاستعماري وتؤكد أن القرآن كتاب هدى وذكرى وصدق وأحكام وتبصرة؛ فبالقرآن الكريم ضبطت المعاملات بين الناس، وبالقرآن الكريم فتحت بصائر الخلق ونفذت إلى الحقيقة فاعتصمت بها، وهذا ما يتجلى في عدة أبيات كانت في صدارة القصيدة سعى من خلالها صاحبها إلى إثبات خصائص القرآن الكريم وما يدعو إليه، وهذا بعد أن فند إمكانية التزييف التي اعترت التوراة والإنجيل كما ذكر ذلك في مستهل قصيدته:
ماذا تقولون في سفر آي مفصلة * يزينها مـن فـــم الأيــام تـرتيل
ماذا تقــولون في سفر صحائفـه * هدى من الله ممض فيه جبريل
آياته بهــدي الإســلام ما برحت * تهدي الممالك جيلا بعـد جيــل
فآيــة ملــؤها ذكــرى و تبصرة * وآيــة ملــؤها حكـم وتفصيـــل
كلامــه الصدق لأمين ولا كذب * وحكمه الحق لا ميز وتفضــيل
وبعد هذا، بعدما ذكر التحريف الذي طال التوراة والإنجيل ذكر براءة القرآن منه، وبعد بيان خصائص القرآن الكريم ينتقل الشاعر إلى ذكر موقف أشيل الذي أفصح عنه في الجريدة المذكورة، واصفا إياه بالهذيان، لأنه سخر من القرآن الكريم وسعى في تشويه صورة أهله والزراية بهم فرد عليه قائلا:
ما بال أشيل في الديبش يسخر من * آيات محكمة لا كان أشيــــل
ما بـال أشيل يهــذي فـي مقالتــــه * كحاكم راعه في النوم تخييل
ما بال أشيل يزري المسلمين وهم * غــــر العرائك أنجاب بها ليل
أفكـارهم بهــدي القــــرآن ثاقبــة * فلا يخامرها في الرأي تضليل
من جهة أخرى يشيد الشاعر بمواقف المسلمين الذين انتبهوا للمكيدة وهبوا مدافعين عن عقيدتهم وكان في مقدمة هؤلاء الشيخ عبد الحميد بن باديس فقال فيه:
عبد الحميد رعاك الله من بطل * ماض الشكيمة لا يلويك تهويل
دمغت أقـوال أشيل كما دمغت * أبطال أبـــرهة الطير الأبابيـل
كانت هذه إحدى صور الرد على النصارى التي كان يوظفها رجال جمعية العلماء في خدمة العقيدة الإسلامية، وهي القصيدة الشعرية، وطبيعي أن تكون هذه وسيلة محمد العيد آل خليفة فهو شاعر وقد وظف الشعر في خدمة العقيدة الإسلامية، وقد اعتبرت هذه القصيدة من أجود القصائد في الرد على الصليبيين في العصر الحديث(26).
ومن صور مجابهة النصارى أيضا دفاعا عن العقيدة الإسلامية، ما كان يعقد من مناظرات تجريها جمعية العلماء مع هؤلاء سواء أكانت مناظرات غير مباشرة عبر صفحات الجرائد على النحو الذي قام به ابن باديس في رده على أشيل، أو عن طريق الدروس المسجدية والمحاضرات التي كان رجال الجمعية يردون من خلالها على كل ما بدر من افتراءات النصارى على الإسلام وعقائده، أو تكون هذه المناظرات مباشرة. وقد ذكر الشيخ محمد خير الدين أنه جوبه بتحد من طرف رئيس المركز الثقافي للمبشرين المسيحيين في مدينة ورقلة في جنوب شرق الجزائر، والذي كان يزعم القدرة على إبطال عقائد الإسلام فقبل الشيخ خير الدين هذا التحدي وأن تجرى هذه المناظرة مباشرة فطلب الشيخ من هذا النصراني أن يأتيه بقائمة من الشخصيات الهامة من علماء الإسلام ومفكريه الذين ارتدوا عنه، وأن يأتيه هو بقائمة من علماء الغرب ومفكريه ممن اعتنقوا الإسلام اختيارا، قال الشيخ خير الدين لم يجبني على هذا السؤال ولم يتصل بي بعد ذلك اليوم(27).
ثالثا: محاربة المظاهر الشركية
كان ظهور جمعية العلماء كحركة إصلاحية في المجتمع الجزائري في ظرف تفشت فيه الكثير من الانحرافات العقدية في هذا المجتمع، ولا شك أن مرد ذلك تفشي الأمية الدينية بين الجزائريين، وقد أدركت جمعية العلماء خطورة هذا الوضع فجعلت من مواد دستورها التأسيسي التركيز على التوحيد لأنه جوهر الدين وأساس صلاح الأعمال وصحتها في الدنيا، وأساس النجاة في الآخرة. ورد في المادة 12 من دستور جمعية العلماء المسلمين الجزائريين:" التوحيد أساس الدين فكل شرك في الاعتقاد أو في القول أو في العمل فهو باطل مردود على صاحبه"(28).
ووضع هذا البند في دستور جمعية العلماء أحسب أنه روعي فيه إلى حد كبير الواقع الجزائري الذي كان مليئا بالسلوكات الشركية، ورغم أن الجزائريين مخلصون للتوحيد ولكن بفعل تجهيلهم صاروا يخالفونه قولا وفعلا وهم لا يعلمون. ولذا فمحاربة هذه المظاهر الشركية شكل مضمون الخطاب الإصلاحي عند جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، ومن ذلك دروس التفسير التي كان يقدمها ابن باديس كدروس مسجدية. ورد في تفسيره لقوله تعالى:" وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه"(الإسراء/23). ورد في تفسيره لها:" فالعبادة بجميع أنواعها لا تكون إلا لله؛ فذل القلب وخضوعه والشعور بالضعف والافتقار والطاعة والانقياد والتضرع والسؤال هذه كلها لا تكون إلا لله، فمن خضع قلبه لمخلوق على أنه يملك ضرّه أو نفعه فقد عبده ومن شعر بضعفه وافتقاره أمام مخلوق على أنه يملك إعطاءه أو منعه فقد عبده ومن ألقى قياده بين يدي مخلوق يتبعه فيما يأمره وينهاه غير ملتفت إلى أنه من عنده أو من عند الله فقد عبده ومن توجه لمخلوق فدعاه ليكشف عنه السوء أو يدفع عنه الضر فقد عبده"(29).
وتفسير معنى العبادة بهذه الكيفية يعكس بشكل جلي الواقع الجزائري المثقل بهذه المظاهر الشركية التي يصل فيها الإنسان إلى عبادة غير الله تعالى، وهي الحالات التي أشار إليها ابن باديس في تفسيره لهذه الآية الكريمة مثل: ذل القلب، الاعتقاد بالضر والنفع من غير الله الذي كان شائعا في المجتمع الجزائري الذي كان أبناؤه يعتقدون الضر والنفع من الموتى ومنهم من كان يسلم أمره لمخلوق يطيعه طاعة كاملة كما كان الأمر مع بعض شيوخ الطرقية، ومنهم من كان يدعو المخلوقين لكشف السوء، على النحو الذي كان مع من كانوا يسمون أولياء.
هذه الظواهر وغيرها هي التي تعامل معها الخطاب الإصلاحي لدى جمعية العلماء المسلمين، ولذا فجهودها في مجال العقيدة كانت تصحيح ما فسد لا تأسيس مذهب جديد وأهم جهد لجمعية العلماء في هذا المجال - محاربة الظواهر الشركية- هو جهد الشيخ مبارك الميلي الذي تمثل في كتابه "رسالة الشرك ومظاهره" وهي رسالة تمت تزكيتها من طرف مجلس إدارة الجمعية حيث قال عنها الشيخ العربي التبسي:" تعد في أوليات الرسائل أو الكتب المؤلفة في نصر السنن وإماتة البدع، تقر بها عين السنة والسنيين وتنشرح بها صدور المؤمنين وتكون نكبة على أولئك الغاشين للإسلام والمسلمين"(30).
وجهد الشيخ مبارك الميلي في هذه الرسالة فيه معالجة للانحرافات العقدية التي عرفها المجتمع الجزائري ولذا نجده في وصفه لهذه الرسالة يقول:" تحرينا فيما تخيّرنا من أطراف هذا الموضوع وطرق عرضه والإبانة عنه ما رأينا حاجة شعبنا إليه أقوى وأسلوب العصر له أدعى"(31)، وقد كانت حاجة الشعب الجزائري في باب العقيدة معرفة حقيقة المظاهر الشركية التي كان يعيشها وكيفية التخلي عنها وهي مظاهر شملت الاعتقاد والأفعال والأقوال؛ ففي الاعتقاد تفشت معتقدات منافية للتوحيد، ومخالفة لمقتضيات لا إله إلا الله، ومن هذه المعتقدات نسبة العلم بالغيب للمخلوقين مع الاعتقاد الجازم بأنهم يتصفون بهذه الصفة على أساس أنهم من أولياء الله، وقد أشار الشيخ مبارك الميلي إلى هذا الاعتقاد الفاسد الذي تعتقده العامة في الكهنة والسحرة، وكيف أنهم يخشونهم حتى في غيابهم، لأنهم قد يطلعوا على ما لا يرضيهم وكيف أنهم كانوا يشدون إليهم الرحال استعلاما عن سرقة أو استفتاء عن عاقبة(32).
ويذكر الشيخ حالات من سلوك الجزائريين تنبئ عن أنهم يشركون المخلوقين في علم الغيب وكيف أنهم يخشون المخلوق أكثر من خشية الله، ومرد ذلك الجهل والقعود عن العلم(33). تعامل الشيخ مبارك الميلي مع هذه المسألة مبينا بطلانها في المعتقد الإسلامي بعد أن بين معنى الغيب وكيف أنه من خصائص العلم الإلهي، وحكم إضافة علم الغيب للمخلوق، فبين أن الغيب هو ما غاب عن الحواس مما لا يوصل إليه إلا بالخبر دون النظر(34).
وقد دلت نصوص كثيرة من القرآن والسنة على أن علم الغيب مما اختص به الله عز وجل دون المخلوقين فمن القرآن الكريم قوله تعالى:" وعنده مفاتيح الغيب لا يعلمها إلا هو" (الأنعام:59)، وقوله تعالى:" عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول" (الجن/26)، ومن السنة قول النبي صلى الله عليه وسلم:" ثلاث من تكلم بواحدة منهن فقد أعظم على الله الفرية...إلى أن قال في بيان الثالثة: ومن زعم أنه يخبر بما يكون في غد فقد أعظم على الله الفرية"(35). وبعد أن بيّن ماهية الغيب واستدل على بطلان نسبته إلى المخلوق، بين بعد ذلك حكم من اعتقد في المخلوق علم الغيب، وفي ذلك لم يكن الشيخ مبارك الميلي مجتهدا وإنما وظف ما قاله العلماء الأوائل من أمثال ابن العربي وابن الحاجب وابن حجر الهيثمي والشاطبي، وقد قال هؤلاء بكفر من نسب العلم بالغيب للمخلوقين(36).
من المظاهر الشركية الخطيرة في الاعتقاد التي تفشت في العامة التوسل، وقد أشار الشيخ مبارك الميلي إلى هذا الأمر وغلو العامة في التوسل بالمخلوقين خاصة من اعتبروا أولياء صالحين الذين كانوا المقصد في قضاء الحوائج لدى العامة وقد بيّن الشيخ مبارك الميلي بطلان التوسل بهذه الكيفية وكيف أنه مظهر من المظاهر الشركية مستأنسا في ذلك بآراء غيره من العلماء.
وهذه المسألة كانت للشيخ مبارك الميلي وقفة معها، وقفة المعلم إذ بيّن معنى الوسيلة والفرق بينها وبين الذريعة وما هو التوسل المشروع وذلك بغرض تشخيص ما كان ساريا في المجتمع الجزائري وحتى يعلم الفرد الجزائري ما هو واقع فيه من مخالفات عقدية أوصلته إلى القربة كما أنها تعني الطريقة الموصلة إلى الشيء، وبيّن أن الوسيلة تتضمن ثلاثة أشياء: القربة، والرغية، والتوصل. وعلى ضوء هذه العناصر يحدد معنى الوسيلة على أنها في معناها الشرعي:" قربة موصلة لأمر مرغوب فيه"(37). وبهذا كان الشيخ مبارك الميلي يريد تصحيح معنى التوسل؛ لأنه في تعريفه للوسيلة وإبرازه لعناصرها يتبين أن حقيقة التوسل المشروع الوارد في قوله تعالى:" يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة" (المائدة/36).
من المظاهر الشركية كذلك ما كان يعتقده الناس في مسألة الشفاعة، وقد أشار الشيخ مبارك الميلي إلى الاعتقاد الفاسد الذي صار عليه الناس فقال:"الرزية كل الرزية والبلية كل البلية أمر غير ما ذكرنا من التوسل المجرد والتشفع بمن ليس له شفاعة وذلك ما صار يعتقدة كثير من العوام وبعض الخواص في أهل القبور وفي المعروفين بالصلاح من الأحياء من أنهم يقدرون على مالا يقدر عليه إلا الله جل جلاله، تارة مع الله وتارة استقلالا، ويصرفون بأسمائهم ويعظمونهم تعظيم من يملك الضر والنفع ويخضعون لهم خضوعا زائدا على خضوعهم عند وقوفهم بين يدي ربهم في الصلاة والدعاء"(38). فعالج هذا الفهم الخاطئ الذي شاب عقيدة الجزائريين في مسألة الشفاعة فبيّنها كما هي محددة في العقيدة الإسلامية وكيف أنها تكون من مخلوق لمخلوق ولكن ليست بالصورة التي هي عليها من اعتقاد التصرف بشكل خارق للعادة، أو أنها معجزة من معجزات الشافع، بل الشفاعة التي تكون بين المخلوقين إنما تكون في أمور الدنيا وهي مظهر من مظاهر التعاون وتكون وفق الأسباب الطبيعية الجارية في الكون.
وإذا كانت هذه الشفاعة بغرض تحقيق فعل قبيح فإنها تكون تعاون على الإثم والعدوان(39). مستدلا في ذلك بقوله تعالى:" من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل منها"(النساء/85) أما الشفاعة التي تنفع المسلم في أخراه فهي شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لقوله عليه الصلاة والسلام:" لكل نبي دعوة يدعو بها وأريد أن أختبئ دعوتي شفاعة لأمتي في الآخرة"(40). كما ورد في شأن فضل القرآن الكريم قوله صلى الله عليه وسلم:" اقرأوا القرآن فإنه يأتي شفيعا لأصحابه "(41).
وما يلاحظ هنا أن جهد الشيخ مبارك الميلي كان موجها لإصلاح ما فسد، ولذلك كان يوظف الحجة النقلية بغرض ربط المسلمين بكتاب الله وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام، ولذلك نجده في ختام معالجته مسألة الشفاعة يوجه نداء للمسلم قائلا:" أيها المسلم اتبع القرآن فيما أرشدك إليه يشفع لك عند الله، ولا تحد عن سنة رسول الله تشملك إن شاء الله شفاعته"(42).
أما الصنف الثاني من المظاهر الشركية التي سخرت لها جمعية العلماء جهودا علمية ودعوية لمحاربتها فهي المظاهر القولية ومنها طبيعة الأدعية التي كان يدعو بها الناس وما تضمنته من شرك لأنها أدعية فشا فيها دعاء غير الله، يقول الشيخ مبارك الميلي مصورا ذلك الواقع:" فشا في المسلمين دعاء غير الله على شدة إنكار كتابهم له وتحذير نبيهم منه حتى صار الجهلة ومن قرب منهم يؤثرونه على دعاء الله وحده"(43). وقد بين الشيخ مبارك الميلي أن دعاء غير الله شرك صريح، وكفر قبيح سواء أكان دعاء غير الله مع الله أو دعاء غير الله من دون الله(44)، ودائما مستنده القرآن والسنة، فمن القرآن قوله تعالى:" وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعان"(البقرة/186)، ومن السنة حديث ابن عباس فيما رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم:" يا غلام إني أعلمك كلمات إحفظ الله يحفظك إحفظ الله تجده تجاهك إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله"(45).
من المظاهر الشركية في الأقوال التي لا تزال منتشرة حتى الآن اليمين والقسم بغير الله عز وجل وهو من الأمور التي نهى عنها الإسلام لكنها كانت منتشرة في المسلمين، كما أنهم يحلفون بالله وهم كاذبون وهذا منهي عنه أيضا وقد صور الشيخ مبارك الميلي هذه الوضعية بقوله:" نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن الحلف بالمخلوق فأبى أكثر الناس إلا الحلف به، وأغلظ في النهي حتى بلغ به نهي الشرك والكفر فأجروا هذه اليمين على ألسنتهم أكثر من اليمين بالله، وأمر من حلف بالله أن يصدق فتلاعبوا باليمين الشرعية واحترموا اليمين الشركية، وأمر من حلف بالله أن يرضى ويكل أمر الحالف إلى الله فلم يطمئنوا إلا إلى الحلف بأوليائهم"(46).
وقد كانت معالجة هذه الوضعية في ضوء الكتاب والسنة فبيّن حكم اليمين بغير الله وأنه من المحظورات وقد أشار إلى اختلاف الفقهاء في ذلك ليحرر القول فيها ويبين الحكم فقال:" فأما إن حل في القلب تعظيم المخلوق كتعظيم الخالق فجرى اللسان لذلك بتلك اليمين وخشيت النفس في الحنث بها ما تخشاه في الحنث بالله فهذه اليمين مظهر من مظاهر الشرك"(47). وقد كان مستند الشيخ مبارك الميلي في ذلك ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل قوله:" ألا إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت"(48).
ويتجلى حرص الشيخ على خدمة العقيدة الإسلامية وغيرته على أيمان المسلمين أن دعاهم بمقتضى ذلك إلى أن يتوبوا إلى الله فقال بلزوم التوبة من اليمين بغير الله(49). ودليل ذلك قوله تعالى:" وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا"(الحشر/7). ومما أتى به النبي صلى الله عليه وسلم النهي عن الحلف بغير الله فلزم ذلك المسلمين و تأبى عقيدتهم تعظيم غير الله.
أما الشرك في الأفعال فقد تفشى في المجتمع بشكل كبير، وقد تمثل في بعض الممارسات التي كان يمارسها الجزائريون مثل: السحر، التمائم، المزارات، الذبائح، الزردات...وهي كلها ممارسات تخالف العقيدة الإسلامية صراحة؛ فمثلا السحر كان من أخطر السلوكات المنحرفة التي انشغل بها الناس خاصة فئة النساء، ودائما الذين يتعرضون لهذا هم العوام من المسلمين، فهم الذين يدجل عليهم بمخاريق سحرية يوهمون بها بأن من الناس من هم أصحاب كرامات وأصحاب تصرف في الروحانيات، وقد اعتبر الشيخ مبارك الميلي هؤلاء الذين يمارسون هذه الممارسات:" يعتقدون اعتقاد الكلدان ويلبسون لباس أهل القرآن كل ذلك لينعتوا بالحكمة ويشار إليهم بتطويع ملوك الجان"(50).
وقف الشيخ مبارك الميلي عند هذه الظاهرة مبينا خطرها على عقيدة المسلم، فبين حكمها مستندا إلى آراء علماء المسلمين مثل: القرطبي وابن كثير وأبي حنيفة، ومالك والشافعي ...وغيرهم، وهم الذين أجمعوا على أنه معصية ومعظمهم يرونها معصية شرك وكفر صريح(51). ودائما نجده ملتزما بمنهجه في الاستدلال الذي يعتمد على القرآن والسنة مثل قوله تعالى:" ما جئتم به السحر فإن الله سيبطله إن الله لا يصلح عمل المفسدين"(يونس/81)، وقوله تعالى:" ولا يفلح الساحر حيث أتى"(طه/69). كما وصفت السنة فعل السحر بأنه من الموبقات لقوله صلى الله عليه وسلم:" اجتنبوا السبع الموبقات قالوا يا رسول الله وما هن؟ قال: الشرك بالله والسحر، وقتل النفس التي حرم الله قتلها إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات"(52). فقد اعتبر هذا الحديث السحر أحد الموبقات وقد قدمه على قتل النفس مما يدل على خطورته على عقيدة المسلم.
من المظاهر الشركية أيضا في الأفعال التي جاهد الشيخ مبارك الميلي و رجال جمعية العلماء في سبيل محاربتها وتبيان خطورتها على عقيدة المسلم المزارات والذبائح، أما المزارات فقد كانت تقام بغرض استمداد التبرك من أرواح الصالحين الذين أقيمت عليهم المزارات، ومن مظاهر التبرك تقبيل الجدران والتمسح بها، فبين الشيخ مبارك الميلي أن هذا كله جهل وضلال ويستدل على بطلان المزارات بالأماكن التي وقف بها النبي صلى الله عليه وسلم كشجرة الرضوان والتي قطعها عمر بن الخطاب(53).
أما الذبائح فقد كانت منتشرة في المجتمع، وكانت تقام هذه الذبائح لغير الله وهذا مخالف للعقيدة الإسلامية، فمما جاء في الإسلام أن الذبح لا يكون إلا لله وحده مثل قوله تعالى:" قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين" (الأنعام/162) كما نهى عن الذبح الذي يكون لغير الله كما في قوله تعالى:" حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به و الموقوذة والمتردية و النطيحة وما أكل السبع إلا ما ذكيتم وما ذبح على النصب وأن تستقسموا بالأزلام ذلكم فسق"(المائدة/3).
هذه بعض المظاهر الشركية التي حاربتها جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، وقد كان الشيخ مبارك الميلي نموذج معالجة هذه المسائل، والدعوة إلى التخلي عنها لمخالفتها الصريحة للعقيدة الإسلامية.
خاتمة: من خلال ما تقدم من عرض لأبرز الجهود التي بذلتها جمعية العلماء في خدمة العقيدة الإسلامية يمكن استخلاص النتائج التالية:
أولا: إن جهود جمعية العلماء في خدمة العقيدة الإسلامية كانت جهودا عملية بالدرجة الأولى؛ فمحاربتهم للمظاهر الشركية كانت أمرا ميدانيا تعاملت فيه الجمعية مع الواقع الجزائري الذي تضمن هذه المظاهر، ولما كان المشروع الإصلاحي لجمعية العلماء يقضي بإصلاح الواقع الجزائري، وذلك بإبراز مواطن الفساد كانت عقيدة المسلم الجزائري مما شابه هذا الفساد، ولذا اتسمت هذه الجهود بالواقعية والعملية.
ثانيا: اتسمت جهود جمعية العلماء في خدمة العقيدة الإسلامية ببساطة المنهج، فهي جهود خالية من التعقيدات الكلامية، بل كان التركيز فيها على الوحي قرآنا وسنة؛ لأن المسلم الجزائري لم ينسلخ عن دينه وإنما وقع في انحرافات نتيجة سياسة التجهيل التي مورست عليه والتي جعلت هويته عرضة للمساومة.
ثالثا: تعتبر جهود جمعية العلماء في خدمة العقيدة الإسلامية جهودا مثمرة لما أحدثته من إبطال للخرافة وتصحيح التصور الإسلامي، ومن ثم الحفاظ على إسلام الجزائريين وقد شهد لهذا الجهد كبار العلماء ممن عاصروا حركة جمعية العلماء المسلمين مثل محمد المبارك الذي قال:" لقد أيقظت جمعية العلماء المسلمين الجزائريين أمتنا وبعثت شعبنا بعثا روحيا استرد فيه مقومات شخصيته وراح يفتش عن ماضيه المجيد يستلهم منه عناصر صحوته فوجدها في عقيدته الإسلامية الصحيحة، وعروبته الأصيلة، ووطنيته الصادقة"(54).
رابعا: إن جهود جمعية العلماء في خدمة العقيدة الإسلامية تشكل بعدا رئيسا من أبعاد الخطاب الإصلاحي عند هذه الجمعية وهو جدير بالدراسة؛ لأنه أساس المرجعية المعتمدة في هذا المشروع الإصلاحي كما أنه أساس الفلاح في الآخرة وأساس المشروع النهضوي ولذا كانت من الجوانب التي حظيت بالدراسة إبراز البعد النهضوي للعقيدة الإسلامية.
الهوامش:
[1]ـ عبد الحميد بن باديس، مجالس التذكير من كلام الحكيم الخبير، من مطبوعات وزارة الشؤون الدينية، الجزائر، دار البعث قسنطينة، ط1(1982)، ص107.
2ـ عبد الحميد ابن باديس: الآثار، من مطبوعات وزارة الشؤون الدينية، دار البعث، قسنطينة، ط1(1985، ج4، ص48.
3ـ المرجع نفسه، ج3، ص222.
4ـ نقلا عن مجلة الصراط، مجلة تصدرها كلية أصول الدين، الجزائر، العدد4 مارس2001، ص35.
5ـ ابن باديس: الآثار، ج4، ص48.
6ـ المرجع نفسه، ص124.
7ـ المرجع نفسه، ص125.
8ـ المرجع نفسه، ص125..
9ـ المرجع نفسه. والصفحة.
10ـ ابن باديس، مجالس التذكير من كلام الحكيم الخبير، ص142.
11ـ المرجع نفسه، ص142-143.
12ـ المرجع نفسه، ص142.
13ـ المرجع نفسه، ص 250.
14ـ المرجع نفسه، ص 252.
15ـ الإمام محمد البشير الإبراهيمي، الآثار، دار الغرب الإسلامي، بيروت، لبنان، ط1(1997)، ج5، ص314.
16ـ ابن باديس، الآثار، ج3، ص222.
17ـ ابن باديس، مجالس التذكير، ص143.
18ـ ابن باديس :مجالس التذكير من كلام الحكيم الخبير، ص143.
19ـ أنظر في ذلك كتابه : العقائد الإسلامية من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، تحقيق وتعليق: محمد الحسن فضلاء، دار البعث قسنطينة، الجزائر، ط 1 (1406هــ/ 1985م).
20ـ عمر العرباوي: الاعتصام بالإسلام، مطبعة اللغتين، الجزائر،ط1 (1402هـ/ 1982م)، ص 16.
21ـ انظر العقائد الإسلامية لابن باديس، أنظر في ذلك عرضه لمختلف المسائل العقدية.
22ـ الإبراهيمي، الآثار،ج5، ص315. وهذا موقف نقدي من الإبراهيمي لعلم الكلام.
23ـ ابن باديس ، مجالس التذكير، 143.
24ـ محمد خير الدين ، المذكرات، المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر، ج2، ص102.
25ـ ابن باديس، الآثار، ج5، ص44.
26ـ المرجع تفسه، ص 49.
27ـ محمد خير الدين، المذكرات، ج2، 102.
28ـ المرجع نفسه، ص44.
29ـ ابن باديس، العقائد الإسلامية، ص18.
30ـ ابن باديس، مجالس التذكير، ص96.
31ـ أنظر الشيخ العربي التبسي في تقريره على رسالة الشرك ومظاهره للشيخ مبارك الميلي، شركة الشهاب ، الجزائر، ص7.
31ـ الشيخ مبارك اليلي، رسالة الشرك ومظاهره، ص137-138.
32ـ المرجع نفسه، ص 145.
33ـ المرجع نفسه والصفحة
34ـ المرجع نفسه، ص 136.
35ـ رواه الإمام مسلم في صحيحه في كتاب الإيمان
36ـ مبارك الميلي، رسالة الشرك ومظاهره، ص14.
37ـ المرجع نفسه، ص202.
38- المرجع نفسه، ص229.
39ـ المرجع نفسه، ص218.
40ـ رواه الإمام البخاري في كتاب الدعوات.
41ـ رواه الإمام مسلم في صحيحه، حديث رقم204.
42ـ مبارك الميلي، رسالة الشرك ومظاهره، ص230.
43ـ المرجع نفسه، ص195.
44ـ المرجع نفسه، ص 192.
45ـ رواه الإمام أحمد في مسنده، حديث رقم2804.
46ـ مبارك الميلي، رسالة الشرك ومظاهره، ص277-178.
47ـ المرجع نفسه، ص276-277.
48ـ رواه الإمام البخاري في كتاب الأدب.
49ـ مبارك الميلي، رسالة الشرك ومظاهره، ص280.
50ـ المرجع نفسه، ص163.
51ـ المرجع نفسه، ص162.
52ـ رواه الإمام البخاري في كتاب الوصايا.
53ـ مبارك الميلي: رسالة الشرك ومظاهره، ص244-145-246.
54ـ نقلا عن مذكرات الشيخ محمد خير الدين، ج2، ص160.