المهدي البوعبدلي الشيخ الإمام
بقلم: محمد الطيب-
الشيخ المهدي بن بوعبد الله بن عبد القادر بن محمد بن الجَيْلانيّ بن الموهوب البوعبدلّي الباحث الجزائري.
ولد بالشلف ليلة الخميس في 25 جانفي 1907م (10 ذي الحجة 1324هـ) من أسرة "عبد الله المغوفل" بالشلف (حاليا واد رهيو) الذي هو من ضمن أحفاد الإخوة السبعة الذين لازموا الحرب وواصلوا الجهاد مع الأمير عبد القادر، وكان والده الشيخ بوعبد الله صاحب مدرسة قرآنية، وقد زاره الشيخ عبد الحميد بن باديس رفقة ثلة من العلماء، وله علاقة طيبة مع جمعية العلماء المسلمين الجزائريين وأعضائها، وقد أنشد الشيخ بوعبدالله قصيدة عصماء بليغة في هذه الزيارة الميمونة، نشرها الشيخ بن باديس في مجلة الشِّهاب، على اثني عشر مقطعًا، في اثني عشر عددًا لبلاغتها.
تعلَّم القرآنَ في مسجدِ والدِه، فحفظه على يد الشيخ عبد القادر بن طويس، كما درسَ مبادئَ اللغة والفِقه، ودرسَ اللغةَ الفرنسيةَ في مدرسة بلدِه الرسمية إلى نهاية السلك الابتدائي، ثمَّ سافَر إلى مازونة التي ظلَّت منذ قرونٍ عاصمةَ دِراسة الفِقه المالكي غربِ البلاد، وحتى إلى ريف المغرب، كانت شهادة مدرستها تُشترط للحصولِ على منصبِ القضاء، وبعد سنتَين مِن الإِقامة هناك قصدَ تونس وجامع الزيتونة، كان من ضمن رفاقه هناك الشيخ أحمد حماني، والشيخ علي المغربي، والشيخ الزاهري زهير أبو زاهر وآخرون كثيرون، حيثُ درسَ إلى أن تخرَّج منها بشهادة التحصيل، وفي فترة دراسته عين عند تأسيس جمعية التلامذة الجزائريين الزيتونيين أول رئيس لمجلسها الإداري، قبل رجوعه واستقراره نهائيا بالجزائر.
زوجه والده بالسيدة "قاسمي ماما" (ت 2002م)، وهي من قبيلة هُنين وأنجبت معه خمسة أطفال، كما أنه تزوج مرة ثانية في 1948م من السيدة "خيرة هنان" (ت 1997م) ولم تنجب معه، وإثر عودته إلى الجزائر سنة 1938م بعد تخرجه عين بمنصب محرر في جريدة "الرشاد" التي كانت تشرف عليها جمعية اتحاد الزوايا والطرق الصوفية برئاسة الشيخ مصطفى القاسمي، ثم عين إِماما بمسجد وهران العتيق، ثم اشتغل مفتيا في بجاية سنوات طويلة كان فيها كذلك من مسيري ناديها الثَّقافي، ورئيسا شرفيا لفوج الكشافة الإسلامية الجزائرية، ومنشطا لهيئة محلِّية تتكفَّل بالإِنفاقِ على الطَّلبة الفقراءِ المزاولين دِراستهم في تونس وغيرها مِن المدُنِ البعيدةِ عَن بلَدهِم وأَهليهِم، ومن بجاية انتقل إلى مدينة الشلف يُمارس نفس الوظيفة مفتيا إلى ما بعد اندلاع ثورة الفاتح من نوفمبر 1954م.
وبعد وفاة والده الشيخ بوعبدالله، يوم 4 نوفمبر 1954م، خلفه في رئاسة الزاوية والطريقة حتى وفاته عام 1974م بالمدينة المنورة، فخلفه أخوه الشيخ المهدي في منصبه، واستمرت الزاوية في أداء رسالتها الدينية والتربويَّة، حيث يتِم تحفيظ القرآن الكريم في جناح خاص، وتعليم العلوم العربية والشرعية واللغوية في جناح آخر للطلبة المسافرين، الذين يتكفَّل بهم وبِإطعامهم سكان القرية، صباحًا ومساء، حسب العادة الموروثة منذ تأسيس الزاوية، ووجد الشيخ المهدي نفسه مضطرا للتفرغ للزاوية حتى تستمِرَّ في رسالتها الدينية والتربوية، وقد عرف الشيخ المهدي بشغفه باقتناء كتب التراث من مخطوطات ورسائل وتقارير فقهية وأدبية وتشريعية وأصولية ولغوية وتاريخية.
بعد الاستقلال، عمل عضوا بالمجلس الإسلامي الأعلى وذلك منذ تأسيسه سنة 1963م، ثم انتدب لوزارة الثقافة بدائرة المعالم الأثرية من قبل وزارة الشؤون الدينية ليقوم بإنجاز أبحاث تاريخية، وعمل كذلك عضوا في المكتب الوطني للدراسات التاريخية، كانت اهتماماته منصبَّة على التاريخ والشعر الملحون أساسًا، تبعًا للتُّراث الذي جمعه في مكتبته الخاصة، وحيث أنه عين بعد الاستقلال عضوا في المجلس الإسلامي الأعلى انكب أكثر على البحث والدراسة، وجمع الكُتُب والمخطوطات والرسائل والجرائد والمجلات، مِنْ مختلف المظانّ وسار في تحقيق الكتب والمخطوطات بعد أن تلقى دعما مهما من الوزير مولود قاسم نايت قاسم وظهور مجلّتي: الأصالة والثقافة اللتان كانتا الوسيلة لِنشر المقالات والدراسات المختلِفة والمتخصصة خلال عقدَي السبعينات والثمانينات، وكذلك ملتقيات الفكر الإسلامي، والملتقيات الأخرى عبر أرجاء مختلف المُدُن الجزائرية. فكانت له العديد من المقالات في جرائد وصحف مختلفة، كان من مؤلفاته "جوانب من الحياة الثقافية بالجزائر في العهد العثماني (من القرن العاشر الهجري إلى القرن الثالث عشر)، ثورة الشريف بوبغلة (بطل ثورة بلاد القبائل سنة 1851 م)، طبقات علماء الجزائر في العهد العثماني وما قاربه (مخطوط)، ومن تحقيقاته: دليل الحيران وأنيس السَّهران في أخبار مدينة وهران للشيخ محمد بن يوسف الزياني، طبع بالمكتبة الوطنية الجزائرية (1979م)، الثغر الجماني في ابتسام الثغر الوهراني للشيخ أحمد بن محمد بن علي بن سحنون الراشدي (1973م).
ظل نشطا إماما مرشدا بالشلف يوم السبت الخامس 6 جوان 1992م الموافق لذي الحجة 1412هـ، ودفن اليوم الموالي بمقر زاويتهم، خارج المسجد كما أوصى بذلك، عن عمر ناهز 83 سنة رحمه الله ونفعنا بعلمه وبركاته.