المجاهد العالم فضيلة الشيخ البركة المعمر محمد الطاهر آيت علجت
بقلم: محمد رميلات-
أكثر الناس ـ ربما ـ لا يعرف سوى الإطلالة البهية لفضيلة الشيخ محمد الطاهر آيت علجت ليلة الشك لرؤية هلال رمضان أو العيدين رفقة ثلة من مشايخ وعلماء الجزائر عبر التلفزيون الرسمي... لكن القلائل الذين يعرفون أن الرجل كان قاضيًا شرعيًا لكتائب المجاهدين المرابطة في جبال أكفادوا في الولاية التاريخية الثالثة، والقلائل الذين يعرفون أن الشيخ التحق بالمجاهدين رفقة جميع تلامذته عندما فجّر الاحتلال الفرنسي زاوية جده الشيخ يحيى العيدلي بأعالي جبال جرجرة في أوت 1956، والقلائل الذين يعرفون أن الشيخ كان سندًا معينًا وظهيرًا أمينًا لقائد الولاية الثالثة آنذاك العقيد عميروش الذي كان يقود أزيد من 3000 مجاهد، والقلائل الذين يعرفون أن الرجل قد اجتمعت فيه ثلاث خصال، إمام، وعالم، ومجاهد، والقلائل الذين يعرفون أن المتخاصمين كانوا إذا وردوا عليه، صدروا من عنده وقد رضوا بالصلح أو فض الخصومة بينهما ...
فضيلة الشيخ العالم محمد الطاهر آيت علجت له أفضال جليلة، وأعمال جميلة، وأمجاد رددها فم الزمان في مشارق الجزائر ومغاربها... وقد تخطت السنون به المئة ولا يزال عطاءه خير مجذوذ ، فهو من مواليد عام 1917 حفظ القرآن الكريم في سن مبكر في مسقط رأسه بزاویة جده الشیخ یحي العیدلي ، وتعلم العلوم الشرعية في زاوية سيدي أحمد بن يحي أومالو ، ولمّا اشتد ساعده ارتحل إلى الزاوية الحملاوية في العثمانية قرب قسنطينة ، فاغترف من معين مشايخها علوم الفقه و اللغة والأدب والرياضيات ، وحضر بعض دروس الشيخ عبدالحميد بن باديس في قسنطينة ، ثم عاد إلى ثاموقرة ليتولى مشيخة الزاوية هناك ، فحمل أعباء التعليم فيها ، واجتهد اجتهاد المخلصين الصادقين في الدرس والمدارسة ، وعَرَف الناس خصاله الحميدة وشمائله الكريمة ، وأقبل عليه طلاب العلم من كل فج عميق خاصة من الهضاب العليا ومن حوض الصومام و جبال البابور، فأثمرت جهوده التعليمية والتربوية ثمار خير وبركة ...
فكانت زاوية ثاموقرة هي الخلفية الأولى لطلبة جامع الزيتونة العامر، فبعد حفظهم للقرآن وتعلم العربية ومبادئ العلوم الشرعية هناك ينتقلون نحو الشرق لينهلوا من علوم مشايخ تونس الأجلاء ، وقد كان لفضيلة الشيخ محمد الطاهر آيت علجت نظام دراسي مكين رصين يكاد يشبه إلى حد التطابق نظام التعليم الزيتوني..
أما التلامذة النجباء الذين تخرجوا في زاوية ثاموقرة على يد الشيخ الطاهر آيت علجت فنذكر منهم المفكر الكبير والعالم الشهير الدكتور بلقاسم نايت بلقاسم رحمه الله ، والشيخ الدكتور محمد شريف قاهر رحمه الله ، والشيخ الفقيه النبيه أبو عبدالسلام أطال الله في عمره ...
ورغم أن فضيلة الشيخ قد بلغ من الكبر عتيًا إلا أنه ما زال يجلس متربعًا وقد أسند ظهره إلى سارية تتوسط مسجد الإمام مالك في بوزريعة بالجزائر العاصمة وطلبته من حوله ينهلون من دروسه في شرح الموطأ وعلم القراءات ...
عَرف الشيخ محمد الطاهر آيت علجت كثير من المحن والإحن خلال عمره الطويل ، لكنه كان كالطود الأشم ، فقد هبّت على الجزائر ريح الوهابية من تلقاء نجد فما هزّت من لحيته شعرة واحدة ، والتأم شمل جمعية العلماء في الجزائر وتكاثرت ندواتها ومؤتمراتها فبقي مرابطا في زاوية ثاموقرة يشرح لتلامذته رسالة أبي زيد القيروني في فقه الامام مالك ويعلم أبناء المسلمين كتاب الله هناك ، ومارت البلاد مورًا بالجماعات الإسلامية التي تكاثرت أعدادها وتزايدت اجتهاداتها فبقي الشيخ بعيدًا عن كل هذه التجاذبات و التيارات التي يموج بعضها في بعض ، ما عدا رابطة الدعوة الإسلامية بالجزائر فقد كان أحد مؤسسيها لأنها الجامعة التي اجتمع فيها ما تفرق في غيرها ...
الشيخ محمد الطاهر آيت علجت نسيج وحده في علمه وحلمه وتواضعه ... فبارك الله في عمره المديد بمزيد الصحة وموفور العافية ، ونفع الله به .