أحمد التيفاشي وإسهاماته العلمية
بقلم: مليكة بن عطاء الله-
تمتلك الأمة العربية تراثا فكريا عريقا في مختلف العلوم والفنون يمتد عبر حقبة زمنية طويلة، فلقد كان لِمَا صنَّفه علماء المسلمين في شتى العلوم والفنون وما ترجموه من علوم الأمم الأخرى أثر قوي في نهضة الأمة الإسلامية وتصدرها ركب الحضارة، ولعله لم تهتم أمة بتصنيف المعاجم والكتب العلمية كما اهتم العرب.
ومازالت المخطوطات والكتب العلمية القيمة تنتظر من ينفض عنها غبار الإهمال و النسيان ويقدمها للقارئ، فمعظم تراثنا ما زال إلى الآن لم يدرس بعد، وإن أكثر ما حُقِّق من هذا التراث العربي كان على أيد أجنبية و أشير هنا إلى الجهود العلمية الضخمة التي قام بها العلماء الألمان في تحقيق ونشر جزء كبير من تراثنا؛ فعلى سيبل المثال لا الحصر فقد قام "المستشرق الألماني غوستاف فلوجيل (ت(1870 بنشر كتاب " كشف الظنون" لحاجي خليفة، و"الفهرست" لابن النديم، وقام المستشرق الألماني فليشر (ت1888م) بنشر "تفسير البيضاوي" و" المفصل " للزمخشري، كما نشر المستشرق الألماني فرديناند قستنفلد (ت1890م) بنشر "طبقات الحفاظ" للذهبي و "سيرة النبي" لابن هشام و "وفيات الأعيان" لابن خلكان و "معجم البلدان" لياقوت الحموي، "1. كما نُشر كتاب "الفلاحة" لابن العوام الاشبيلي (من علماء القرن السادس الهجري)، في جزأين في مدريد سنة1217هـ ــ 1802م بتحقيق و ترجمة جوزيف انطونيو بانكري ( ت1818م)2.
وحقَّق المستشرق السويدي لوين بجامعة أوبسالا السويدية كتاب " النبات " لأبي حنيفة الدينوري (282ه) الذي يُعد من أكثر المعاجم جمعا للمادة وأعظمها أثرا في معاجم النبات3.
وقام المجلس الأعلى للأبحاث العلمية في مدريد 1943م بنشر كتاب "عمدة الطبيب في معرفة النبات" لأبي الخير الاشبيلي (عاش في القرن السادس الهجري) وهو معجم له أهمية علمية ولغوية كبيرة في مجال النبات والطب، ثم حققه محمد العربي الخطّابي سنة 1990م، وأشرفت أكاديمية المملكة المغربية على طباعته، بعد أن كان في طي النسيان و الإهمال لقرون في خزانة الأكاديمية الملكية للتاريخ بمدريد4. وغيرها الكثير، فقد ترجم وحقق ونشر المستشرقون الغربيون العشرات من المخطوطات العربية، وقد ظلت هذه الكتب العلمية مصدرا هاما للمصطلحات وللمادة العلمية على حد سواء يستنير بها من جاء بعدهم من العلماء.
من هو التيفاشي؟:
هو شهاب الدين أبو العباس أحمد بن يوسف التيفاشي الملقب أحياناً بـ" القفصي" وأحياناً أخرى ب"القيسي"، قاضي وطبيب و لغوي وأديب وشاعر و جغرافي و فلكي، و الأهم أنه اشتهر كعالم معادن وحجارة، كما أنه يعد أول من ألّف من المسلمين في علم الأرصاد الجوي. يعتبر هذا العالم أحد أعلام المسلمين، ومن مفاخر الإنسانية كلها، إذ استطاع أن يبدع في إنتاجه وبخاصة في حقل علمالمعادن، مما جعل حتى علماء أوروبا يعترفون له بالفضل والسبق والنبوغ، وهو مجال لم يُسبق إليه، فقد كان له شرف تصنيف كتب علمية، إذ يرجع إليه الفضل في ابتكار أول تصنيف علمي صحيح للمعادن، كما أنه وضع أول كتاب علمي في الأرصاد الجوي.
نسبه و مولده و نشأته:
ولد التيفاشي سنة 580هـ (1184م) في عهد دولة الموحدين بتيفاش وهي بلدة بولاية سوق أهراس، ورد ذكرها في كتاب "الروض المعطار في خبر الأقطار"5، وفي عصره كانت تيفاش تابعة لمدينة قفصة التونسية لذلك يكنى في بعض المراجع بالقفصي، كما يكنى بالقيسي وذلك نسبة إلى قبيلته.
كان أبوه حاذقاً في حرفة الأحجار الكريمة، وقد تولى منصب القضاء في مدينة مسكانة (المعروفة اليوم بمسكيانة بولاية أم البواقي شرق الجزائر)، وقد ورث التيفاشي عشقه للأحجار و الجواهر عن أبيه، إضافة إلى ميله إلى علم الجيولوجيا.
حفظ القرآن الكريم وتعلّم مبادئ العربية في كتَّاب قريته، ثم انتقل إلى جامع الزيتونة بتونس ليقطف من أزاهير العلم وأصوله وفنونه من يد مجموعة من العلماء منهم أبو العباس أحمد بن أبي بكر بن جعفر المقدسي، بعدها و في سن مبكرة لم يبلغ الرابعة عشرة من العمر غادر إلى مصر أين جلس إلى علمائها وأخذ عنهم من أمثال أبو اليمن زيد بن الحسن الكندي (ت 613 ه) عالم اللغة والحديث و أبو محمد عبد اللطيف بن يوسف البغدادي، ثم سافر إلى دمشق و بغداد، ثم عاد إلى قفصة ليعين في وظيفة القضاء التي لم يستمر فيها طويلا، ليستأنف رحلاته العلمية فزار أرمينية و بلاد فارس و تركستان و بلاد ما وراء النهرين و سرنديب (سريلانكا) و اليمن و بلاد الشام ومصر والمغرب و الأندلس، و في رحلته الثانية إلى بلاد المشرق فقد زوجته و أولاده غرقا في البحر وبعد نجاته استقر به المقام بمصر في كنف الملك الكامل ابن الملك العادل أبي بكر بن أيوب ملك الديار المصرية، وتولى بها القضاء كما تولى التدريس حيث تخرج على يده العديد من العلماء، وعينه الملك الكامل رئيسا لدائرة التعدين.
في مصر ألف كتابه الشهير "أزهار الأفكار في جواهر الأحجار". قضى بقية حياته بمصر يصحب ويجالس العلماء و الأدباء، يتبادل معهم المناقشات العلمية و الفكرية و يتناشدون الأشعار، ويدونون الأخبار، ولم يتوقف عن الكتابة و التأليف حتى أصيب بالصمم و ضعف البصر في السنوات الأخيرة من عمره، و كانت وفاته رحمه الله في 13 محرم سنة 651 هـ 6بالقاهرة و دفن بمقبرة باب النصر.
قال عنه العلامة محمد بن قاسم مخلوف (ت 1360هـ) في كتابه "شجرة النور الزكية في طبقات المالكية" الإمام العلامة الفاضل البارع في الأدب و علوم الأوائل، كان له الشعر الحسن و النظم الجيد و المصنفات العديدة في فنون من العلم" 7.
منهجه في البحث العلمي:
تميز التيفاشي بنزعة علمية متحفظة، إذ كان يرد الكثير من الخرافات والأساطير التي كان يزخر بها التراث والكتابات اليونانية، وإذا اضطر إلى إيراد شيء منها كان ينسبه إلى مرجعه، كما كان التيفاشي ميالاً إلى التجريب بنفسه، والحصول على نتائج بحوثه، وكذلك كانت لديه موهبة الوصف الدقيق للأشياء، وعموماً كان للتيفاشي منهج يقوم على التجربة والملاحظة الشخصية والواقعية والأمانة في النقل وتسجيل الحقائق والنتائج العلمية.
ويقوم تصنيفه العلمي للمعادن على أساس تشابه الخواص، أي ضم المعادن المتقاربة في فصل واحد، وقد كان العلماء من قبله يصنفون المعادن بحسب الترتيب الأبجدي، إذ كانوا لا يعرفون شيئاً عن تركيب المعادن وكانوا لا يعرفون شيئاً عن الخصائص الفيزيائية الحقيقية لها باستثناء اللون، كما وضع نظريات في أصل تكون الخامات. وهو أول من شرح ظواهر التشقق، والتسويس، والطرائق، وغيرها من الظواهر في علم المعادن والتشقق هو التشعير، والطرائق هي التوأمة حيث تكوُّن البلورة من توأمين أو أكثر ، علاوة على أنه أول من استخدم اختبار اللهب في التحقق من جوهر المعدن أو الحجر الكريم . وأوضح التباين في سلوك الضوء بعد مروره خلال المعادن المختلفة انكساراً وتشتيتاً، وكان يسمي الظاهرة كلها الشعاع، وقد ميز منه الشعاع العادي والشعاع العظيم، وشرح ظواهر أخذت في ما بعد أسماء حديثة، مثل: التكون الثنائي الذي يميز بلورات الياقوت الداكنة الألوان من غيرها من المعادن الملونة8.
مؤلفــاته:
خلَّف التيفاشي تراثا موسوعيا ضخما شمل موضوعات شتى ، في علوم البلدان، والمعادن، والطب، والأدب، والشعر، والفنون، كما نبغ أساسًا في علم "الجيولوجيا" (Géologie)، وبصفة خاصة في الدراسات والبحوث المتصلة بـ"علم المعادن"، و"الأحجار" (Minéralogie)، لكنه أحاط أيضًا إحاطة واسعة بعلوم الجغرافيا والأرصاد الجوية وألف فيها، يعود له شرف السبق بوضع أول تصنيف علمي صحيح للمعادن، وهذا التصنيف يعد أساس التصنيف العلمي الحديث المعمول به في عصرنا الحالي. كما اهتم بالبحث في أصول المعادن التي تناولها بالدراسة، ودأب في مؤلفاته عن المعادن والأحجار، على محاولة تفسير أسباب وجودها في الطبيعة، ومما يحسب له أنه وضع نظرية خاصة بأصول بعض المعادن الثانوية تتفق في جوهرها مع النظريات الحديثة في هذا المجال.
لم يطبع من مؤلفاته إلا القليل و كثيره لا زال مخطوطا حبيس المكتبات و بعضه الأخر في حكم المفقود، وقد أرجع بعض الباحثين ضياع كتبه إلى نفاستها مما أغرى الناس بالاستئثار بها فضاع معظمها، ومن أهم مؤلفاته:
مؤلفاته في الجيولوجيا وعلم المعادن
- "أزهار الأفكار في جواهر الأحجار": وهو كتاب في علم المعادن، ورد ذكره في كتاب " كشف الظنون" لحاجي خليفة (ت 1067ه )9، وقد انتهى من تأليفه سنة 640ه (1242م)، يقع في خمسة وعشرين فصلا يختص كل فصل بدراسة معدن من المعادن. وقد درس كل نوع من حيث: تكوّن الحجر في معدنه، جيّده و رديئه، خواصه في ذاته، قيمته و ثمنه.
طبع أول مرة سنة 1818م مع ترجمة للغة الايطالية، بمطبعة مدينة فلورانسا من طرف الكونت الايطالي رينريه بيشيا، وهي طبعة ناقصة عن النسخ الخطية الموجودة في خزائن العالم ، منها نسخة بمكاتب القسطنطينية كتبت سنة 695ه ، وعدَّد بروكلمان ما يربو عن عشرين مخطوطة لهذا الكتاب بالمكتبات المختلفة عدا ما لم يره مثل مخطوطة مكتبة الكونغرس الأمريكي وغير ذلك. وقد أعيد طبعه سنة 1977 م من طرف الهيئة المصرية للكتاب بالقاهرة، وهي طبعة منقحة ومحققة و مذيلة بتعليقات هامة للدكتور محمد بسيوني خفاجي.
يؤكد المنصفون من مؤرخي العلم الأوربيون، أن هذا الكتاب كان له الأثر العظيم على نشأة علم المعادن الحديث في أوروبا على يد الفيزيائي الألماني "جورجيوس أجريكولا" (Georgius Agrcola ) ((1555، وهم يؤكدون أيضًا أن بعض العلماء الأوربيين اقتبسوا الكثير من أبحاث التيفاشي ونظرياته التي حفل بها هذا الكتاب، ونسبوها لأنفسهم من دون الإشارة إلى صاحبها الأصلي10.
- الأحجار التي توجد في خزائن الملوك و ذخائر الرؤساء: " رتبه على 35 بابا ذكر فيها 35 حجرا، تكلم على كل منها بخمسة أوجه، تكوُّنه وتكوّن معدنه، وجيده و رديئه وخواصه وقيمته، طبع قسم منه في الأحجار الكريمة والجواهر في مدينة أوتراخت على نهر الراين في هولندا سنة 1784م".11
- "خواص الأحجار و منافعها": توجد نسخة منه بباريس وهي نسخة مبتورة و ناقصة،و حسب ما يبدو من عنوانه فهو يذكر خواص الأحجار سواء الكريمة منها و غيرها وفائدة كل نوع ومنافعه.
مؤلفاته في الطب
- "الشفاء في الطب المسند عن السيد المصطفى": توجد نسخة منه مخطوطة مصورة بدار الكتب المصرية تحت رقم 515 ميكروفيلم. وقد طبع هذا الكتاب بتحقيق عبد المعطي أمين قلعجي، بيروت دار المعرفة سنة 1988م.
- "الوافي في الطب الشافي".
- "المنقذ من التهلكة في دفع مضار السمائم المهلكة": وهو من الكتب المفقودة وقد ذكره التيفاشي في خاتمة كتابه "أزهار الأفكار" حيث جاء في آخر النسخة المحفوظة بمكتبة اسطنبول بتركيا، حيث يقول " يتلوه كتاب المنقذ من التهلكة".
مؤلفاته في علم الجغرافية
- "سجع الهديل في أخبار النيل": هذا الكتاب هو موسوعة في تاريخ وجغرافية نهر النيل، قال عنه السيوطي في كتابه حسن المحاضرة، و المقريزي في كتابه المواعظ و الاعتبار بذكر الخطط و الآثار: أنه أهم مرجع معروف في زمانه عن نهر النيل. فهو موسوعة اشتملت على وصف حوض النيل وذكر أحواله و فيضانه و مزروعاته، و ما قيل فيه من أشعار، ومما أورده التيفاشي فيه " ... أن الله سبحانه و تعالى لم يسم من انهار العالم إلا نهر النيل و أستشهد بأقوال المفسرين في تفسير اليم بأنه نهر النيل في الآية الكريمة : {﴿ أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ ﴿ الآية 39من سورة طه، كما ذكر أن نهر النيل من أنهار الجنة.
وقد استشهد السيوطي بكلام التيفاشي في حديثه عن النيل في كتابه (حسن المحاضرة في تاريخ مصر و القاهرة) وذلك في أكثر من موضع من الكتاب12.
ومن أمثلة استشهادات السيوطي بكلام التيفاشي قوله:" قال التيفاشي: اتفق العلماء على أن النيل أشرف الأنهار في الأرض لأسباب:
منها عموم نفعه، فإنه لا يُعلم نهرُ من الأنهار في جميع الأرض المعمورة يسقي ما يسقيه النيل.
ومنها الاكتفاء بسقيه، فإنه يُزرع عليه بعد نضوبه، ثم لا يُسقى الزرع حتى يبلغ منتهاه؛ ولا يُعلم ذلك في نهر سواه.
ومنها أن ماءه أصحُّ المياه و أعدلها و أعذبها و أفضلها.
ومنها مخالفته لجميع أنهار الأرض في خصال هي منافع فيه، ومضارّ في غيره.
ومنها أنّه يزيد عند نقص سائر المياه، وينقص عند زيادتها؛ وذلك أوان الحاجة إليه.
ومنها أنّه يأتي أرض مصر في أوان اشتداد القيظ والحرِّ ويبس الهواء.13
وكلامه عن النيل دقيق جدا و مبني على حقائق علمية، كما يدل على علم وخبرة ودراية بالأرصاد الجوي و بالجغرافيا.
يقول في موضع آخر:"
" قال التيفاشي: سبب زيادة النيل هبوب ريح يسمى الملثن، وذلك لسببين أحدهما أنها تحمل السحاب الماطر خلف خط الاستواء فتمطر ببلاد السودان و الحبشة و النوبة، و الآخر أنها تأتي في وجه البحر المِلْح، فيقف ماؤه في وجه النيل، فيتراجع حتى يروى البلاد."14
مؤلفاته في علم الأرصاد الجوية
- "طل الأسحار على الجلنار في الهواء و النار وجميع ما يحدث بين السماء و الأرض من الآثار": وهو كتاب مفقود، موضوعه علم الأرصاد الجوي تناول فيه التيفاشي حقائق علمية يؤكدها العلم الحديث كعلاقة الفصول الأربعة بزيادة مقدار الليل و النهار، و دلائل المطر والصحو و البرق و الرعد وهالة القمر و قوس قزح و الرياح و الضباب و الأعاصير و الزلازل والكسوف و الخسوف. وقد اختصر الكتاب و نقل منه الكثير من العلماء من أمثال ابن منظور و القلقشندي و الجبرتي وابن الأكفان و غيرهم.
مؤلفاته في الشعر
- "الديباج الحسناوي في شعري ابن هاني": وهو كتاب شرح فيه ديوان ابن هاني الأندلسي(ت 363ه)
- "درة الآل في عيون الأخبار و مستحسن الأشعار": و هو كتاب ضمنه مجموعة من القصائد و المقطوعات الشعرية المختارة، وقد عثرت على بعض المقطوعات الشعرية من نظمه في كتاب الوافي بالوفيات، منها15:
ويوم سرقناه من الدَّهر خلسة °°° بل الدَّهــرُ أهــداه لنـــا متفضّلا
أشبِّهه بـــين الظلامين غرَّةً °°° لحسناء لاحتْ بين فرعين
ومنه:
نبِّــه نديمك إنَّ الدِّيك قـــد صخبا °°° و الليل قـــوَّض من تخييمه الطُّنُبا
والفجر في كبد الليل السقيم حكى °°° سِرَّ المتيَّم عــن إخفــاقه غُلبــا
كــأنه بظــلام الليل ممتزجــــا °°° سمــراء تفترُّ أبدت مبسما شنِبـــا
كأنما الفجر زند قــادح شـــررا °°° في فحمة الليل لاقى الفحم والتهبا
كأنَّ أول فجـــر فــارس حملت °°° راياته البيض في إصر الدجى فكبا
كأنَّ ثاني فجـــر غُــرَّةٌ وضحت °°° تسيل في وجـه طِرْفِ أدهـمٍ وثبــا
ومنه في الزلزلة:
أما تــرى الأرض في زلزاله عجبــا °°° تدعو إلى طاعة الرحمن كلَّ تقي
أضحت كوالـدة خرقـاء مرضعــةٍ °°° أولادها درَّ ثـدي حافـل غـــدِقِ
قـــد مهَّدتهم مِهــاداً غير مضطرب °°° و أفـرشتهم فراشـا غير مــا قلـقٍ
حتى إذا أبصرت بعض الذي كرهت °°° مـمَّا يشقُّ مـن الأولاد في خُلـــقِ
هـــزَّت بهـم مهـدها شيئـا تنهنهـم °°° ثم استشاطت و آل الطبعُ للخـــرقِ
فصكَّت المهد غضبى فهي لافظـــــةٌ °°° بعضاً على بعضهم من شِدَّة النزقِ
مؤلفاته في الأدب والفنون
- "سرور النفس بمدارك الحواس الخمس": وهو جزء من كتاب ((فصل الخطاب في مدارك الحواس الخمس لأولي الألباب))، حققه الدكتور إحسان عباس ونشرته المؤسسة العربية للدراسة بيروت سنة 1980م.
ومما ورد للتيفاشي في " سرور النفس":
"وللقمر من أول ظهوره إلى آخر سراره أسماء الهلال والطالع والرمد ونمير والزبرقان والباهر والزمهرير والغاسق وطويس وأويس وزرين وذخير والبدر والجلم وعفراء والساهور والسهر والعقيب وابن جمير وقيل إن ابن جمير اسمه إذا استسر، والسلتي، وهو اسمه باليونانية وقد نكلموا به، والقمر وسمير".16
- "فصل الخطاب في مدارك الحواس الخمس لأولي الألباب":
ويعدُّ هذا الكتاب موسوعة كبيرة في مختلف العلوم من تاريخ و قانون و لغة و أدب، وقد فقدت أجزاء كثيرة منه، وهو يقع في أربعة وعشرين مجلداً (24)، قال عنه الصَّفدي: " له كتاب كبير إلى الغاية وهو في أربع و عشرين مجلدة جمع في علم الأدب و سمَّاه (( فصل الخطاب في مدارك الحواس الخمس لأولي الألباب))، ورتبه و بوّبه وجمع فيه من كل شيء و تعب عليه إلى الغاية. و لم أقف عليه لكن رأيتُ الذي اختصره منه الفاضل جلال الدين محمد بن المكرَّم وسماه (( سرور النفس بمدارك الحواس الخمس)) وهو كتاب جيد وجمعٌ جيد يدلُّ على فضل جامعه" 17.
وقد ألّف التيفاشي هذه الموسوعة وأهداها للصاحب محي الدين ابن ندي الجزري (ت 651هـ) صاحب جزيرة ابن عمر.
لكن العمل الذي قام به ابن منظور(ت 711هـ) صاحب لسان العرب لهذه الموسوعة ، هو أنه اختصر الموسوعة و هذَّبها، في كتاب سماه " نثار الأزهار في الليل و النهار"، وقد وجدتُهُ في مقدمة الكتاب يوضح السبب في تلخيصه يقول: " وكنت في أيام الوالد رحمه الله أرى تردد الفضلاء إليه، وتهافت الأدباء عليه، ورأيت الشيخ شرف الدين احمد بن يوسف التيفاشي العبسي في جملتهم و أنا في سن الطفولة لا أدري ما يقولونه، ولا أشاركهم فيما يلقونه غير أني كنت اسمعه يذكر للوالد كتابا صنفه أفنى فيه عمره ، واستغرق دهره، و أنه سماه " فصل الخطاب في مدارك الحواس الخمس لأولي الألباب" و انه لم يجمع ما جمعه فيه كتاب، وكنت على صغر السن أنكر تجاسره على هذا الاسم الذي عده عز وجل من النعمة، ومنَّ على نبيه بأنه أتاه فصل الكتاب مع الحكمة، وكنت شديد الشوق إلى الوقوف عليه، وتوفي الوالد رحمه الله في سنة خمس وأربعين وستمائة وشغلت عن الكتاب وتوفي شرف الدين التيفاشي بعده بمدة فلما ذكرته بعد سنين وقد جاوزت الستين تطلبّته من كل جهة، ورمته من كل وجهة، فلم أجد من يدلني عليه، ولا من يذكر انه نظر إليه، فبذلت الجهد في طلبه إلى أن ظفرت عند شخص من أصحابه، فسعيت إلى بابه وبذلت له جملة لم تكن في حسابه، فلم يسمح لي مع فقره ببيع و لا عارية، ولا استحسنت تملكه باليد العادية ، وعدت إلى طلبه منه واستعنت عليه بمن لا غنى له عنه فلم يفد فيه سؤال و لا شفاعة ولم يعط لنا فيه طاعة، إلى أن قدَّر الله تعالى تملكه في سنة تسعين و ستمائة، فرأيته مجردا في مسودات و حرارات، وظهور و تخريجات، وقد جعله من تجزئة أربعين جزءا لم أجد منها سوى ست و ثلاثين ربطة وهو في غاية الاختلال لسوء الخط و عدم الضبط، ولو لم يكن تكرر وقوفي على خطه في زمن الوالد و عرفت اصطلاحه في تعليقه لما قدرت على قراءة حرف منه، غير أني عرفت طريقته في خطه واصطلاحه وتحققت فساده من صلاحه...فأخذت زبده، ورميت زبده ...وبذلت في تنقيحه جهدي فإنه روضة المطالع، ونزهة القلوب و المسامع، يسر به الخاطر، ويقرُّ به الناظر، والى الله الرغبة في الصفح عن مصنفه وعني، والعفو عما صدر منا فإن العفو غاية التمني، وسميت هذا الكتاب (( نثار الأزهار في الليل و النهار وأطايب أوقات الأصايل والأسحار وسائر ما يشتمل عليه من كواكبه الفلك الدوار)). "18
- "الدرة الفائقة في محاسن الأفارقة": وقد أهداه لابن العديم صاحب كتاب "بغية الطلب في تاريخ حلب"، حين لقيه بالقاهرة، وهو كتاب يتحدث فيه عن فضائل أهل تونس، ودورهم العلمي والثقافي، ويذكر ما اتصفوا به من الفروسية والأخلاق الحسنة.
ــــ"مشكاة أنوار الخلفاء وعيون أخبار الظرفاء": ذكره محمد بن عبد المنعم الحميري (يرجح أنه توفي 900 هـحسب حاجي خليفة)في كتابه " الروض المعطار في خبر الأقطار، " حيث قال عنه :" وهو كتاب مطول حسن ممتع ضاهى به عقد ابن عبد ربه فأبدع" 19 ـ إضافة إلى كتاب "متعة الإسماع في علم السماع" في الموسيقى، كتاب "في البديع"؛ حيث جمع فيه سبعين نوعًا من أنواع البديع، وقد ذكر جملة كبيرة من أنواع البديع والألوان البلاغية الواردة في القرآن الكريم وفي خطب العرب وأشعارهم.
خلاصة القول:
لقد أغنى التيفاشي المعرفة الإنسانية بمؤلفات علمية دقيقة في علوم لم يُسبق إليها، وحسبه هذا شرفا، وهي مؤلفات قدمت الكثير للغرب خاصة، فكتبه في علم الجيولوجيا كان لها الأثر العظيم في نشأة هذا العلم عند الغرب، كما أن منهجه اتسم بالعلمية و الموضوعية وهو الأساس الذي تقوم عليه العلوم، فقد كان يعتمد على الملاحظة و التجربة لاستخلاص النتائج، لذلك جاء تصنيفه للمعادن وحديثه عن خصائصها دقيقا و مبنيا على أساس علمي.
ولعلي هذه القبسات المضيئة من سيرته العلمية تغري غيري بتسليط الضوء على آثاره و الوقوف على مكنونات جواهره و أحجاره، وهذا أقلَّ ما نستطيع تقديمه لتراثنا العربي.
الإحــــــــــــالات
1 ــــ تحقيق التراث، د. عبد الهادي الفضلي، دار و مكتبة الهلال، بيروت، دار الشروق جدة، 1429ه0ــ 2008م، ص 17.
2 ــ أبو الخير الاشبيلي وكتابه "عمدة الطبيب في معرفة النبات"، مقال لسليمى محجوب، مجلة التراث العربي، ع85، شوال 1422ه ــ جانفي 2002م، السنة الحادية و العشرون.
3 ـــ تحقيق التراث ، ص 14.
4 ـــ أبو الخير الاشبيلي وكتابه "عمدة الطبيب في معرفة النبات"، مقال سليمى محجوب.
5 ـــ ينظر الروض المعطار في خبر الأقطار، محمد بن عبد المنعم الحميري، تح الدكتور إحسان عباس، مكتبة لبنان، ص 146.
6 ـــ الوافي بالوفيات، صلاح الدين خليل بن أيبك الصفدي، اعتناء محمد يوسف نجم، ط2، ج8 ، دار النشر فرانز شتايز بقيسبادن، 1402ه ـــــ 1982م، ص289.
7 ــ شجرة النور الزكية في طبقات المالكية، محمد بن قسم مخلوف، خرَّج حواشيه وعلَّق عليه عبد المجيد خيالي، ج1، ط1، دار الكتب العلمية بيروت لبنان، 1424ه ــ 2002م، ص 244.
8 ـــــ يُنظر "التيفاشي قمة سامقة في الجيولوجيا"، مقال للباحث صلاح عبد الستار الشهاوي، http://www.hiramagazine.com الأحد 1 مارس 2015، 50:21
9 ـــ كشف الظنون، حاجي خليفة، مج1، ص 72.
10 ــ يُنظر "التيفاشي قمة سامقة في الجيولوجيا"، مقال للباحث صلاح عبد الستار الشهاوي.
11- اكتفاء القنوع بما في المطبوع، لجامعه ادوارد فنريك، صححه وزاد عليه بعض الكلام السيد محمد على الببلاوي، مطبعة التآليف الهلال، بالفجالة مصر، سنة 1212ه ـــ 1896م، ص225.
12- ينظر حسن المحاضرة، للسيوطي، تح محمد ابو الفضل إبراهيم، ج2، ط1، 1387ه ـــ 1968م، الصفحات: 340، 349،351،352، 354، 358، 364،374.
13ــ نفسه، ، ص 354.
14 ـــ نفسه، ص 351.
15 ـــ الوافي بالوفيات، ، ص 289.
16 ـسرور النفس بمدارك الحواس الخمس، شهاب الدين أحمد بن يوسف التيفاشي، من موقع مكتبة المصطفي:http://www.al-mostafa.info/data/arabic/depot/gap.php?file=001512-www.al-mostafa.com.pdf ، الأحد 1مارس 2015، على الساعة: 48:21 ص 48
17ــــــ الوافي بالوفيات، ، ص288.
18 ــــ نثار الأزهار في الليل و النهار، ابن منظور، ط1، مطبعة الجوائب، قسطنطينية، 1298ه.
19 ــ الروض المعطار، ص 146.48