مع البصائر… قارئا وكاتبا
بقلم: د. عبد العزيز كحيل-
البصائر ليست جريدة عادية، إنها غرس البشير الإبراهيمي ولسان جمعية العلماء، فيها رائحة ابن باديس ولمسات العربي التبسي ومبارك الميلي ومحمد العيد آل خليفة وغيرهم ممن ارتبطت أسماؤهم بكل ما هو طيب وجيد ورفيع ونفيس، لذلك أجدني أتصاغر وأنا أدبج فيها مقالات كثيرة لعلّ غثها أكثر من سمينها، لكن كما قال الشاعر:
فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم *** إن التشبه بالكرام فلاح
لماذا أقرأ البصائر؟ هو أولا الوفاء لخير جمعية أخرجت للناس، وإمتاع البصر بالشعار الباديسي الخالد الذي يعلو أعدادها:[ الإسلام ديننا، العربية لغتنا، الجزائر وطننا]، ومتابعة صحيفة نظيفة جادة صادقة بعيدة عن الأراجيف وصراع العُصب والكتابة المبتذلة الرخيصة، أستمتع بالمقال الهادف والتحليل الرزين والمواقف الثابتة الشجاعة من القضايا الوطنية والإسلامية وهموم الأمة، أتعرف على القامات الرفيعة في فضائنا الجزائري والعربي والإسلامي التي يهملها الإعلام المنحاز وتغيّبها الصحافة الأخرى مع الأسف، كما أعيش مع شُعب الجمعية وأنشطتها وكأني واحد منهم في شتى أنحاء الجزائر.
وأقرأ “البصائر” وأعرّف بها من حولي وأحثّ الناس على اقتنائها بسبب المحاصرة التي تعانيها جمعية العلماء رسميا وإعلاميا حتى تناسى بعض الجزائريين أنها موجودة وعاملة ونشطة لانشغالهم بتلك الجهات التي تأخذ ولا تعطي، تتبهرج كثيرا ولا ينال الناسَ منها أي نفع فكري ولا سلوكي، صوتُها مرتفع وعطاؤها قليل، تملأ الدنيا ضجيجا وعجيجا بفضل الأموال التي تتهاطل عليها والأضواء الكاشفة التي تضخمها وتزيّنها رغم باطلها وخفة وزنها بمقاييس المهنية والوطنية وثوابت الأمة، في حين تضيّق جهات رسمية وشبه رسمية على جمعية العلماء لتخنق صوتها وتقلل من تأثيرها في الساحة الجزائرية ثقافيا وسياسيا.
وأقرأ البصائر لأنها استطاعت استقطاب واستكتاب عدد من الكفاءات العلمية والصحفية ذات المستوى الرفيع لا تسوّد القراطيس وإنما تكتب وتحلل وتناقش وتأتي بالجديد النافع في العلوم الشرعية والسياسة والفكر والأدب وشؤون الأسرة والعلاقات الدولية وهي ملتزمة بالضوابط الشرعية والمقاييس المهنية إلى أبعد حدّ، مما يجعل القارئ يكتشف المواهب ويتعرف على العلماء العاملين والمفكرين المقتدرين والإعلاميين النزهاء الذين يكاد ينعدم أمثالهم في الوسائط الإعلامية الأخرى.
هذه متعة قراءة جريدة البصائر.
لماذا أكتب في البصائر؟ قبل البصائر ومنذ نحو ثلاثين سنة وأنا أشتغل مع عدد من الجرائد والمجلات اليومية والأسبوعية والشهرية ذات التوجه العربي الإسلامي لكن الكتابة في لسان جمعية العلماء لها نكهة خاصة تستمدها من حاضنتها وتاريخها ومكانتها في قلوب الجزائريين، ولئن كانت مساهماتي المتواضعة تحاول قطف زهرة من كل روض أو غرس زهرة في كل روض – كتابات شرعية، فكرية، سياسية، اجتماعية – فإني أحاول المساهمة في إثراء البصائر لتبقى ولتنتشر ولتزداد قوة في محيط لا يرحم ما يعبر عن الهوية الأصيلة ويعمل المستحيل للتمكين للهوية الدخيلة، أحسّ أننا مع البصائر في نوع من الجهاد المحمود حتى لا يأتي على الجزائر يوم تخجل فيه من الانتماء العربي الإسلامي.
إنني كجزائري يحشر نفسه في زمرة الدعاة والمثقفين أعدّ ” البصائر” وسيلة للدعوة على بصيرة وأداة للثقافة الرصينة الرفيعة، آخذ منها كثيرا وأحاول أن أعطي من خلالها ما استطعت، إنها أصبحت جزءا من كياني ومحطة مهمة من محطات حياتي الدعوية والثقافية.