العلامة الأديب اللغوي موسى الأحمدي نويوات الجزائري

بقلم: أ.د. نجيب بن خيرة-

1- نسبه، ولادته :

هو موسى بن محمد بن الملياني بن النوي بن عبد الله بن عمر بن أحمد الأحمدي بن محمد بن سعيد بن حمادة بن ابراهيم بن عيسى بن يحي بن لخضر، ولد في 15 يناير من سنة 1900م وذلك بمنطقة أولاد عدي لقبالة حاليا دائرة أولاد دراج ولاية المسيلة . ولقب بالأحمدي كنية الى قريته الحمائد .

ويذكر الشيخ : أنه ولد بعد ست سنوات من يوم أن قطعت والدته الولادة، وقبل ولادته حدثت لأمه قصة يرويها فيقول :

“إن امرأتين من أولاد سيدي حملة تجولان الأحياء ولما جاءتا إلى منزل الوالدة قالتا لها : قدِّمي للحمارتين التبن و الشعير رزقك الله بولد،

فضحكت الوالدة، فقالتا لها: ممَّ تضحكين ؟

فقالت: يا ضيفتي العزيزتين إني عجوز توقفت عن الولادة منذ ست سنوات.

فقالت لها المرأتان: نسأل الله الوهاب الرزاق أن يرزقك ولدا ويجيئك عالما أو ظالما. فكنت أنا المرزوق..! “.

فهو أصغر إخوته الأحد عشر، ولدوا كلهم في القرن التاسع عشر .

2- نشأته وتعليمه :

لم يشأ الله أن ينشأ هذا الطفل كإخوته راعي إبل أو شياه، أو فلاحا لقطعة أرض قليل عطاؤها ..بل قدّر له أن تنتقل الأسرة التي كانت تسكن الخيام وتتتبع مواقع الغيث ومنابت الكلأ إلى موضع يسمى (السعدة) بالقرب من “سيدي عقبة”، وهناك يتعلم الطفل القراءة و الكتابة، ويتابع حفظ القرآن بجامع عقبة بن نافع ـ رضي الله عنه.

وبعد وقت ليس بكثير غادرت أسرته سيدي عقبة، وتُرك الطفل الذي نذره والده للعلم عند رجل محسن يسمى بـ “العلمي” تكفَّل بإيوائه، والقيام بتعليمه على نفقته .

وما أن أصبح الصبي يفرق بين الحروف، ويصوغ الجُمل طاوعته نفسه أن يكتب إلى أهله رسالة خربش حروفها، ورصف كلماتها كيفما اتفق .. وأرسلها إلى أهله.

يقول الشيخ :”ولما وصلت إلى والدي ركب فرسا وراح يجوب القرية يبحث عمن يقرأ له تلك الرسالة، فلم يفهم أي قارئ ما كتبت فيها ..وعاد والدي إلى المنزل مسرورا وقال لوالدتي: إن ابننا صار طالبا ممتازا، لقد عجز ” الطُلْبَة ” أن يفهموا ما كتب لأنهم دونه في الفهم!!”.

وهذه الحادثة تركت في نفس الطفل أثرا بالغا شجعه على مواصلة الكتابة التي بقي مواظبا عليها إلى آخر أيام من حياته .

مكث التلميذ في سيدي عقبة سنتين ثم عاد إلى الحضنة فمكث بها مدة ثم ذهب إلى ” برج الغدير ” ليتم حفظ القرآن، ويتابع دراسة الفقه و التوحيد و النحو على يد الشيخ محمد أرزقي بزاوية الحاج السعيد بن الأطرش .

إنقطع الأحمدي عن الدراسة ونُقل قسرًا كما نُقل آلاف الجزائريين إلى جبهات القتال مع الجيش الفرنسي على أرض الألزاس و اللورين في ألمانيا،

ومن جبال الألزاس و اللورين عاد الأحمدي إلى بلده ليعاوده شوقه إلى طلب العلم، وحنينه إلى القلم والكتاب.

فانتقل إلى مدينة قسنطينة وكانت يومئذ منارة للعلم ومهجرًا لطلابه، ليتربع في درس رائد النهضة الجزائرية الإمام عبد الحميد بن باديس ـ رحمه الله ـ فتابع دروسه بالجامع الأخضر، وسيدي قموش .مدة سنتين (1345هــ1347هـ،1926م ـ 1928م ) في ظروف قاسية، وشظف من العيش، ويروي بعض ما حدث له فيها فيقول:” نفذ مرة ما عندي من الدراهم فبدا لي أن أعود إلى المنزل، فاستشرت الشيخ بن باديس في ذلك، فقال لي لماذا ؟ قلت : نفد ما لدي من المصروف، فاستدعى طالبا من ناحية باتنة يسمى”الشريف ” وكان مكلَّفا بالإشراف على الطلبة وقال له : الخبزة الباقية من (24)خبزة أعطها لهذا الطالب، وقال ! لي المشرف كُلْها مختفيا وحذار أن يسمع طالب من الطلبة أننا أعطيناك خبزة، وكان عدد الطلبة الفقراء الذين حظوا بهذه الخبزة (23) طالبا وأنا تمام الأربعة و العشرين، وكنا نذهب إلى المخبزة وكان لا يعرف منا الواحد الآخر، وأطلعت زميلي أحمد بن مخلوف على ما حظيت به، وكنت أشركه معي في جزء من الخبزة، وبدأت حالتي الصحية تتحسن، وظهرت النضارة على وجهي، وراح بعض الطلبة يسأل عن سبب هذا التبدل المفاجئ ولم يهتدوا إلى ما أخفيته عنهم !”.

3- رحلته إلى الزيتونة :

لما رأى الشيخ عبد الحميد بن باديس من ألمعية الطالب الأحمدي وذكائه الوقاد وبديهته الحاضرة، وذاكرته المُسْعِفة ما يجعله قمينا بمواصلة الدّرس، ومتابعة التحصيل وجَّهه إلى تونس للدراسة في جامع الزيتونة، وزوَّده بكتاب إلى صديقه الشيخ “معاوية التميمي” فلقيه بالبِشر و الحفاوة، ورعاه في دراسته، وأشرف عليه إشرافا علميا وأدبيا .

قضى الأحمدي في الزيتونة أربع سنوات.. وكان معه حينذاك من الطلبة الجزائريين: الصديق سعدي، وصالح بن عتيق، ورمضان حمود، وفرحات بن الدرَّاجي، ومصطفى بن حلوش، وبلقاسم الزغداني، ومحمد الطاهر الجيجلي، وأحمد بن مخلوف البركاتي ،ومحمد الحاج السحمدي، والطاهر بن زقوط وغيرهم كثير .

ولكن طالبنا الأحمدي وجد في تونس كل يوم رغيفا كان يقتسمه مع رفيق له فقنع بما قسم الله له، وشكره على نعمائه.

4- شيوخه:

تحلّق الأحمدي على أشهر مشايخ الزيتونة العامر أمثال: الشيخ الحاج أحمد العياري، والشيخ الزغواني، والشيخ المختار بن محمود، والشيخ محمد اللقاني الجائري، والشيخ عثمان بن الخوجة، و الشيخ الطيب سيالة، و الشيخ عثمان الكعاك، والشيخ عثمان بن المكي التوزري

5- العودة إلى الجزائر :

عاد الأحمدي من تونس سنة 1348هـ، 1930م بعدما تخرَّج بشهادة ” التطويع العالمية ” وهي نهاية المطاف للدراسة في جامع الزيتونة، وكان حاملوا هذه الشهادة في ذلك الوقت المبكر آحادا، يستقبلون في أوبتهم إلى الجزائر استقبال الفاتحين في الجزائر لم تكن تتوسم مخرجا من مأساتها إلا في ملامح العائدين من ديار العلم يتأبطون من الأسلحة الفكرية ما لا قدرة للجزائر على صنعه، ويفتحون في وجه آمالها العريضة آفاقا أرحب .

عاد خريج الزيتونة وقد حصل من العلوم الشرعية من أصول وفقه وتوحيد وتفسير، كما درس النحو ومبادئ المنطق وعلوم البلاغة و السيرة النبيوية ..

وقد أجيز الأحمدي من شيخه عثمان بن المكي التوزري جريا على عادة ذاك الزمن في إعطاء إجازات التأهل والتحصيل .

ولكن عودة الأحمدي إلى وطنه كانت عودة اضطرار، فقد شاءت الأقدار أن يتوفى والده وهو أحوج ما يكون إليه، فانقطعت عنه كل إعانة مادية، ولقي من العنت الشديد ما جعله يرجع قافلا إلى بلده، وكله حسرة على عدم مواصلته الدرس والتحصيل في الزيتونة .

ومن المنطقة التي انطلق منها لأول مرة كانت البداية، وفي أذنه وصية الشيخ عبد الحميد بن باديس:” حَصِّل ما استطعت من العلم، وتعمق فيه فإنه تراث الإنسانية، ولا تغرنَّك الشهادات والدرجات فتلك من اهتمامات الوظيفة، ولا مطمع لك فيها، أما ربك وشعبك فإنهما ينظران إلى أعمالك وإنتاجك”، وتلا عليه قوله تعالى :{ وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون}

أما العمل فكان ميدانه مثلث البرج ـ المسيلة ـ سطيف

6- في ميدان التربية والتعليم :

راح الأحمدي بين عامي (1348هـ- 1930م، 1355هـ- 1937م) يلقي خطب الوعظ والإرشاد في المساجد بالقرى المجاورة لقلعة بني حماد، ولبرج الغدير، وسرت أنباؤه مسرى النور في الظلام ..فانهال عليه طلاب العلم من كل حدب وصوب، من السهول والجبال والقرى والمداشر يرتوون من نبعه الثَّر، ويعبون من معينه الذي لا ينضب .

فدرَّس للطلاب الناشئة: الفقه والحساب والفرائض والنحو.. وكان الناس في ذلك العهد لا يقبلون تدريس الفقه إلا بمختصر خليل و بشراحه المعروفين بالمغرب العربي .

وفي سنة 1937م طلب الشيخ عبدالحميد بن باديس من الأحمدي أن ينتقل إلى مدينة برج بوعريرج ليعلم بمدرسة التهذيب، ولهذا الطلب مغزاه لأن المدرسة لم تكن تحت إشراف جمعية العلماء، فغادر الأحمدي الريف وحياة العزلة العلمية لينتقل إلى المدينة حيث جمهور المستمعين أوسع، ووسائل المعرفة أكثر، ووسائل الاتصال أوفر .

وهكذا سمح هذا التنقل لأديبنا الأحمدي أن تتنوع اهتماماته وتتغير عنده مناهج التدريس وطرقه وأدواته،فاشتغل بمدرسة التهذيب إلى سنة 1361هـ ـ 1941م بتدريس مبادئ اللغة العربية تعليما عصريا أو شبه عصري، وكوَّن بها مكتبة تربو على الخمسة آلاف مجلد في مختلف الفنون، وكان لأمهات الكتب الحظ الأوفر منها، ولما تقاعد نقلت هذه المكتبة الثمينة إلى مدرسة المعلمين بمدينة سطيف

7- خاتمة المطاف :

سارت الأيام مسرعة بالشيخ الأحمدي فإذا حياته منتهية كما كانت منذ بدأت، حياة نضال وكفاح، وعلم وتعليم.. بقي إلى آخر يوم من عمره يُدرِّس للطلاب في حلقة علمية ببيته: علم الفرائض، والنحو، والعروض.. كما كان يعنى بالأندية والملتقيات والمهرجانات الثقافية التي يُدعى إليها ..

لم يُنصَف الشيخ الأحمدي في عمله الرسمي على الرغم من دأبه وعطائه، ولكن على إثر إحالته على التقاعد كرّمه في حياته تلاميذه وأصدقاؤه ومحبوه في مناسبات عديدة، وكان آخرها تكريمه في الملتقى الوطني لاتحاد الكتاب الجزائريين بمدينة (سطيف).

ظلّ الأحمدي طيلة العقدين الأخيرين من حياته ملازما بيته الجميل بحي 12هكتار بمدينة البرج، يقضي يومه كله مطالعًا لكتاب، أو ناظما لقصيدة، أو كاتبا لرسالة، أو مجيبا عن فتوى، بوصفه رئيسا للمجلس العلمي لنظارة الشؤون الدينية بالولاية.

ومتصلا عبر الهاتف متابعا لطبع كتاب، فقد قعدت به موارده المالية عن طبع كتبه على نفقته الخاصة. فلم يكن للشيخ الأحمدي غير راتب وظيفته موردًا يسترزق منه، ويكفل به مطالب العيش الرتيب .

وظلَّ على هذه الحال إلى أن أصيب بمرض أقعده الفراش مدة شهر ونصف نقل على إثره إلى المستشفى المركزي لمدينة البرج، وبه فاضت روحه إلى بارئها عشية يوم الأربعاء 17 فيفري 1999م ،وله من العمر قرن وسبعة عشر يوما .

وفقد الأدب بفقده أديبا من ألمع أدباء الطليعة في هذا البلد، له جهاده الطويل، وأسلوبه الجميل، وشعره الرقيق، وأثره الباقي.

فرحم الله الأحمدي، وجزاه على ما قدّم أحسن الجزاء، وعزَّى عنه أهل الأدب والدين خير العزاء .

8- آثاره:

1 ـ كتاب (المتوسط الكافي في علمي العروض والقوافي) :

وترجم الأحمدي في ” المتوسط الكافي ” لـ ( 214) شاعرا زيادة على ما اشتمل عليه الكتاب من طرائف وملح، وفيه تمارين يطلب من الطالب الإجابة عنها، وفيه ثلاثة فهارس للمحتوى، وفهرس للمصادر، وفهرس للأعلام .

ولأهمية الكتاب ومعرفة نفعه قررت وزارة التربية تدريسه للثانويات المعربة في أفريل سنة 1968م، ووضع كمقرر أيضا بمعاهد الأزهر الشريف، والمعاهد الدينية في بلاد الشام.

2 ـ كتاب (المحادثة العربية للمدارس الجزائرية) :

3 ـ كتاب ( شرح الأسئلة الرمضانية )

4 ـ معجم الأفعال المتعدية بحرف (طبعة دار العلم للملايين)

5 ـ كتاب (كشف النقاب عن تمارين اللباب )

6 ـ كتاب ( طرائف وملح) الناشر : دار العلم للملايين

7 ـ كتاب الألغاز (مخطوط)

8 ــ قصص للأطفال :

ـ القصص المطبوعة :

1 ـ بقرة اليتامى ـــــــــــ نفذت طبعتها الأولى

2 ـ سالم وسليم ـــــــــــ نفذت طبعتها الأولى

3 ـ الأقرع بوكريشة ـــــــــــ نفذت طبعتها الأولى

4 ـ العكرَّك ـــــــــــ نفذت طبعتها الأولى

5 ـ اللص و العروس ـــــــــــ نفذت طبعتها الأولى

6 ـ الحنش وابن السلطان ـــــــــــ تحت الطبع

7 ـ ودعة أخت سبعة

8 ـ عْلَيَّهْ وُكْدَرْ

9 ـ الخطاب وفتية الجبل

ـ قصص مخطوطة تنتظر الطبع

10 ـ محمد بن السلطان

11 ـ سعد وسعيد

12 ـ البغلة الحمراء

13 ـ الأخ المحتال.

12 ـ الشعر عند الأحمدي :

نظم الأديب الأحمدي أغلب شعره في ديوانيه المخطوطين: ديوان ” وطنيات” وديوان “الشعر الملحون”.

وهذه صفحة على الإنترنت بها بعض من أشعاره :

http://www.almoajam.org/poet_details.php?id=7483#21845

وصفه صديقه المرحوم الصديق سعدي بأنه “كان حرا غير مقيد يتخير أستاذه الذي يراه كفؤا والمؤلف الذي يقع من قلبه موقع القبول”

قال في الشيخ موسى الأحمدي نويوات الشيخ الراحل أحمد حماني رئيس المجلس الإسلامي الأعلى : “موسى الأحمدي من ألمع شخصياتنا الأدبية وأوسعهم اطلاعا وأمتنهم ثقافة وأكثرهم نشاطا وأوفرهم تحصيلا وأجرئهم على الإنتاج”.

كما قال فيه مبارك الميلي– طيب الله ثراه – ” موسى الأحمدي ممن جمع بين المواهب الفطرية والمعارف الكسبية له وثبات في ميدان صالح الأعمال ولم يضعف إيمانه أمام العراقيل وكان مثالا صالحا وقدوة حسنة وحجة ناهضة للمتفائلين”

عاد إلى الوطن من الزيتونة معلما وهاديا ومكافحا إلى جانب قادة الإصلاح والنهضة فعلم في السنوات الأولى بقلعة بني حماد (ناحية المسيلة) وعلى يده تخرج الشاعر الشهيد عبد الكريم العقون والأديب الشهيد عيسى معتوقي.

أمره رائد النهضة الجزائرية وزعيم الإصلاح في الجزائر بالتوجه إلى برج بوعريريج (شرق الجزائر) للتدريس بمدرسة التهذيب دفاعا عن العربية ومحاربة لسياسة الفرنسة. وأشار عليه بعدها الشيخ محمد البشير الإبراهيمي بالتوجه إلى قلعة بني عباس– بين بجاية وبرج بوعريريج – وكانت من أعظم قلاع النهضة والإصلاح تعلم العربية الصافية المشارب وتدرس الدين القويم . وأخيرا حط الشيخ عصا الترحال بمدينة برج بوعريريج مدرسا بمدرسة التهذيب ومديرا لها إلى أن أحيل على المعاش .

آخر التغريدات:

    Message: Invalid or expired token., Please check your Twitter Authentication Data or internet connection.