موسى الأحمدي نويوات سيرة وتحية
بقلم: إبراهيم مشارة-
في 17 شباط – فبراير 1999 أفضى الشيخ موسى الأحمدي نويوات إلى جوار ربه بعد عمر حافل بالعطاء، معلما للعربية وناشرا لكنوزها في بلد تكالبت عليه المحن أيام الإستعمار البغيض من 1830 إلى 1962 وأيام الاستقلال المنقوص يوم هبت شرذمة من بني جلدتنا محسوبة علينا لسانها ألكن وعقلها معتوه وضميرها آسن تحط من قدر العربية وتنظر إليها بعين الريبة وتعتبرها آية التخلف وسمة الرجعية…
أما معرفتي بالشيخ فترجع إلى أيام الدراسة الجامعية وكنت حينها طالبا بكلية الآداب سعيت إليه رفقة والدي في منزله وكان ذلك عام 1986 وكنت حينها الطالب المفتون بالعقاد أرى مايراه وأسبح بحمده آناء الليل وأطراف النهار، أحب ما يحب وأكره ما يكره وكلما عرفت أديبا التقيت به أو قرأت له قارنته بالعقاد فإذا الفرق شاسع وشتان بين الشمس والفرقد.
كان الشيخ وقد ناهز حينها الثمانين بشوشا ودودا مرحا على الرغم من مرضه وسأل والدي عني وعن دراستي فعرف أني طالب بكلية الآداب وناقشني في مسائل أدبية وانتهزت الفرصة فسألته عن شعر التفعيلة هذا الشعر الذي يكتبه نزار قباني وأحمد عبد المعطي حجازي والملائكة وغيرهم فأبدى الشيخ نفوره منه وعرفت أنه من المحافظين يؤمن بالشعر العمودي الكلاسيكي كما أبدعه أصحاب المعلقات والمتنبي والمعري وشوقي وحافظ وهكذا نظمه هو.
ومن ذلك اليوم توثقت الصلة بيني وبين الشيخ أسعى إليه بدون موعد وأزوره في الأعياد أناقشه ويناقشني ويسمح لي بالإطلاع على مكتبته الضخمة وفيها من أمهات كتب الأدب القديم الكثير كالأمالي وأدب الكاتب وصبح الأعشى والأغاني وشرح مقامات الهمذاني وغيرها.
وكنت آخذ من الكتب ماأراه مهما للإطلاع عليه وفي مكتبته قرأت كثيرا من كتب الجيب وأغلبها من القصص الغربي المترجم . وازدادت العلاقة بيننا توطدا حتى صار الشيخ يهتف إلي طالبا حضوري لتصحيح كتاب صدر حديثا له كثرت فيه الأخطاء المطبعية وكان والدي- عمر مشارة- وهو أستاذ اللغة العربية وشاعر مطبوع- يزوره معي ونقرأ سويا بعض نصوص الكتاب ونصحح الخطأ الذي وقع فيه الناشر في جو حميم وعلى الرغم مما شاع عن حرص الشيخ فلربما كان كسهل بن هارون مع الغير ولكنه معنا كان كمعن بن زائدة يدعونا إلى ارتشاف فناجين القهوة أو إلى العشاء ونادرا ما يفعل ذلك مع غيرنا. فالشيخ موسى الأحمدي نويوات أديب متمكن من اللغة العربية مهره السهاد فأسلمت له القياد وعالم متمكن في الفرائض وله في هذا العلم كتاب وهو من رجال الجزائر الأفذاذ كعبد الحميد بن باديس والطيب العقبي والعربي التبسي ومحمد البشير الإبراهيمي هذا الجيل الذي أسس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين للدفاع عن عروبة الجزائر وإسلامها وكان شعارها قول ابن باديس: ” الجزائر وطننا والعربية لغتنا والإسلام ديننا ” وعلى ضوء هذا الشعار وهديه عملت الجمعية فعلمت العربية الصافية المشارب للناشئة وحفظتهم القرآن الكريم لأنه ثقاف ألسنتهم وفتحت الكتاتيب والمدارس وكونت معلمي اللغة العربية ليضطلعوا بمهمة التدريس لناشئه الغد.
ميلاده:
ولد الشيخ موسى بن محمد الملياني المعروف بموسى الأحمدي نويوات حوالي عام 1320 هجرية الموافق لـ 1903 ميلادية بناحية المسيلة (ولاية تقع شرق الجزائر) قرأ القرآن الكريم بجامع عقبة بن نافع وأتم حفظه، ثم انتقل إلى قسنطينة وانخرط في سلك الإمام عبد الحميد بن باديس ودرس بالجامع الأخضر حيث كان يدرس ابن باديس عامين 1926 و 1927 ثم التحق بجامعة الزيتونة ومكث بها أربع سنوات حيث تبحر في علوم اللغة نحوها وصرفها عروضها وبلاغتها وتذوق الشعر القديم كما نظمه أساطينه ، واستجاد النثر الفني في عصره الزاهر، كما تبحر في علوم الدين من فقه وأصول فقه وتوحيد وتفسير وعلم الفرائض . وقد وصفه صديقه المرحوم الصديق سعدي بأنه “كان حرا غير مقيد يتخير أستاذه الذي يراه كفؤا والمؤلف الذي يقع من قلبه موقع القبول” وهي لعمري سمة من سمات أهل النباهة والفطنة ولقد تخرج الشيخ من الزيتونة عام 1930 وفي هذه الجامعة كان شاعرنا الأثير وبلبل العربية الصداح وصرخة الحرية وآهة الألم الشاعر المفلق أبو القاسم الشابي يدرس وتخرج في نفس العشرية لولا أن عصفت به ريح المنون في ميعة العمر ونضارة الشباب لأمتعنا بشعر مستل من أعماق الروح متسربل بسربال الوجدان الحي الشاعر على الرغم من ديوانه “أغاني الحياة”. والشيخ موسى الأحمدي نويوات يرى أن لوطنه عليه حقا فلم يهاجر كشرذمة ممن فضلوا الخلاص الفردي على الخلاص الجمعي يكدحون في الأرض طلبا للقوت متناسين قضية وطنهم الواقع في براثن الإستعمار المتخبط في دياجير الجهالة والعماء ، ولكنه آب إلى الوطن معلما وهاديا ومكافحا إلى جانب قادة الإصلاح والنهضة فعلم في السنوات الأولى بقلعة بني حماد (ناحية المسيلة) وعلى يده تخرج الشاعر الشهيد عبد الكريم العقون والأديب الشهيد عيسى معتوقي.
ثم أمره رائد النهضة الجزائرية وزعيم الإصلاح في الجزائر بالتوجه إلى برج بوعريريج (شرق الجزائر) للتدريس بمدرسة التهذيب دفاعا عن العربية ومحاربة لسياسة الفرنسة. وأشار عليه بعدها الشيخ محمد البشير الإبراهيمي بالتوجه إلى قلعة بني عباس– بين بجاية وبرج بوعريريج – وكانت من أعظم قلاع النهضة والإصلاح تعلم العربية الصافية المشارب وتدرس الدين القويم .
وأخيرا حط الشيخ عصا الترحال بمدينة برج بوعريريج مدرسا بمدرسة التهذيب ومديرا لها إلى أن أحيل على المعاش .
عمله بالصحافة :
عمل الشيخ موسى الأحمدي بالصحافة يوم كانت فرنسا تحضر العربية وتغرم من يعلمها وتسجنه وتحضر الصحف العربية، فنشر إنتاجه الشعري- الفصيح والعامي- ومقالاته في مجلة “الشهاب ” التي أسستها جمعية العلماء المسلمين، ثم في مجلة ” البصائر” التي أسسها فقيد العروبة والإسلام محمد البشير الإبراهيمي، ثم في جريدة ” الشعلة” بقسنطينة وكانت حربا على الفساد والإستكانة والكسل والخمول وصرخة في وجه الظلم والطغيان الفرنسي، وفي هذه الجريدة كان يكتب الأديب الشهيد أحمد رضا حوحو أول قصصي جزائري بالعربية ومن مجموعاته القصصية ”غادة أم القرى” و”صاحبة الوحي“. قال في الشيخ موسى الأحمدي نويوات الشيخ الراحل أحمد حماني رئيس المجلس الإسلامي الأعلى : “موسى الأحمدي من ألمع شخصياتنا الأدبية وأوسعهم اطلاعا وأمتنهم ثقافة وأكثرهم نشاطا وأوفرهم تحصيلا وأجرئهم على الإنتاج”. كما قال فيه مبارك الميلي- طيب الله ثراه – ” موسى الأحمدي ممن جمع بين المواهب الفطرية والمعارف الكسبية له وثبات في ميدان صالح الأعمال ولم يضعف إيمانه أمام العراقيل وكان مثالا صالحا وقدوة حسنة وحجة ناهضة للمتفائلين”. ولقد تنبهت الدولة الجزائرية لقدر هذا الشيخ الجليل تلميذ ابن باديس وزميل الإبراهيمي رائد الإصلاح ومعلم العربية الصافية المناهل في بلد عاث فيه المستعمر كما عاث فيه أذنابه فسادا ولله در الجواهري حين يقول:
ولقد رأى المستعمرون منا فرائسا
وألفــوا كلــب صيـد ســائبـــــــــــــا
فتعهدوه فــــراح طــــوع بـنـانـهـم
يبرون أنيابالــه ومــخــالبـــــــــــــا
مستأجريــن يـخـربـون ديــارهــــم
ويكافأون على الخراب رواتبا !
فكرمه الرئيس الشاذلي بن جديد رئيس الجمهورية عام 1987 بوسام وشهادة عرفانا بجهوده وفضله في إلحاق الجزائر بركاب القومية العربية بإصلاح لسانها والعودة بها إلى لغة عدنان وإلى آداب لغة عدنان.
مؤلفاته:
لم يكن الشيخ موسى الأحمدي كثير التأليف ولعل شغله بإعداد الرجال شغله عن إعداد الكتب. نظم الشعر الفصيح على النسق العمودي كما نظم الشعر العامي وهو فيه شاعر مفلق وأصدر كتابا في علم الفرائض ومعجما للأفعال المتعدية بحرف (طبعة دار العلم للملايين).
أما كتابه الموسوم ” المتوسط الكافي في علمي العروض والقوافي ” فهو درة في هذا الباب ومرجع للطلاب في المشرق والمغرب نسقه أحسن تنسيق وبسط فيه علم العروض أحسن تبسيط وأخرجه آية في الكمال والإتقان فاستفاد منه ومازال يستفيد الأساتذة والطلاب في المشرق والمغرب ولا تخلو جامعة عربية من الرباط إلى المنامة من هذا الكتاب الذي بذ به الأقران وشهد له بذلك الحدثان.
من شعره :
حينما رزقني الله بمولودة عام 1997 سميتها نور الهدى نظم فيها شاعرنا قصيدة منها هذه الأبيات :
نور الهدى يافتــــاتـــي
ياشدن ظبــي الفــــلاة
يا أجمـــــل الفــتـيـــات
عشت وعاش أبـــــوك
فأنت أبــهـــــى فتــــاة
بنت الحماة الكمــــــــاة
جمعت عز الصفـــات
ذات القـوام البـــديــــع
يامن كرمت نجـــــارا
أشعلت في القلب نارا
منها أخو العلم صـارا
لا ينظـرن لســــــواك
نور الهدى أنـت ورد
في الروض فاح شذاه
وهي قصيدة طويلة ذيلها بإهداء وكتبها بيده الكريمة ووضعها في إطار بهي فجزاه الله أحسن الجزاء .
إبراهيم مشارة- أديب وناقد جزائري