من الوعي إلى البناء جريدة البصائر في ذكرى تأسيسها
بقلم: عبد القادر قلاتي-
لقد ارتبطت وسائل الإعلام وفي مقدمها الجرائد والمجلات بحركة الاصلاح في العالم الإسلامي، فكانت ترجمانا للأفكار والرؤى والتصورات التي أنتجها الفكر الإصلاحي، فأغلب مفكري ورجال الاصلاح أصدروا جرائد ومجلات صنعت وعي الأمة بقضاياها، ودفعت بجيل من أبنائها نحو النّضال في سبيل هذه القضايا، كما كان لها الدور البارز في تطوير الفكر الإسلامي ومعالجة أهم المشكلات التي عانت منها الأمة منذ دخول المشروع الاستعماري الغربي إلى العالم الإسلامي، وحالة الركود والتخلف الحضاري..
وفي إطار هذا الوعي الذي تجسد في عملية النهوض، عرفت بلادنا –الجزائر- التي كانت تعاني من ويلات أشرس نظام استعماري عرفه التاريخ المعاصر، ظهور الفكر الإصلاحي مجسداً في جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، التي حملت على عاتقها –وما تزال – مسألة صناعة الوعي كخطوة أولى في عملية التغيير والنهوض، فقدمت في سبيل ذلك مشروعا إصلاحياً رفدته بجملة من الوسائل والآليات، أهمها الجرائد والمجلات التي ظهرت تباعاً، فكلّما أوقفت الإدارة الاستعمارية وسيلة إعلامية أصدرت قيادة الجمعية وسيلة أخرى، “فأوّل ما ظهر من جرائد جمعية العلماء المسلمين الجزائريّين “المنتقد” التي صدرت في مدينة قسنطينة يوم 02-07-1925، وأوقفت في 29-10-1925 بعد صدور العدد 18، كان شعارها: “الحقّ فوق كلّ أحد، والوطن قبل كلّ شيء” بعدها صدرت جريدة “الشّهاب” 1925-1939، يوم 12 نوفمبر 1925 كلّ أسبوع، ثمّ صارت تصدر كلّ شهر. في البداية كان شعارها “مبدأنا في الإصلاح الدّيني والدّنيوي: لا يصلح آخر هذه الأمّة إلاّ بما صلح أوّلها”. ثم جريدة السُّنّة المحمّدية (1933): أوّل إصدار لها كان يوم 03 أبريل 1933، تحت شعار قوله تعالى:{لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} لكن أُوقفت يوم 03 جويلية 1933. ثمّ الشّريعة المطهّرة (1933) يوم 17 من الشّهر نفسه، إلاّ أنّه بعد سبعة أعداد من صدورها أوقفتها السّلطة الفرنسية يوم 28 جويلة 1933، أي بعد 41 يوما.ثمّ الصّراط السّوي (1933-1934) أوّل عدد صدر لهذه الجريدة في 11 سبتمبر 1933 إلى أن تدخّلت الإدارة الفرنسية بتوقيفها يوم 08 يناير 1934م، وفي عام 1935 أصدرت جمعية العلماء جريدة البصائر التي عرفت محطات من التوقيف والتوقف لأسباب مختلفة ارتبط أغلبها بالسياسة الاستعمارية، ثم بالوضع السياسي بعد الاستقلال الوطني، حيث جمد نشاط جمعية العلماء وكلّ الأحزاب والجمعيات الوطنية.
ومع بروز التعددية السياسية في البلاد عام 1989م، عادت جمعية العلماء للنشاط من جديد، حاملة الهم الثقافي والديني للمجتمع والدولة، وأعادت إصدار لسان حالها المعبر عن رؤيتها في خدمة البلاد والعباد، فكانت السلسلة الرابعة لجريدة البصائر، فمنذ عددها الأول وإلى يوم صدور العدد الجديد الذي نحن بصدد إخراجه، لم تتوقف جريدة البصائر عن متابعة أوضاع الجزائر والعالم الإسلامي، ومحاولة القراءة الواعية للصراع الفكري في كلّ جوانبه، وتجسيد هذا المجهود ضمن رؤية واضحة في إطار فلسفة تجمع بين الوعي والبناء.
والله الموفق