مع الشعب
بقلم: محمد الهادي الحسني-
محمد العيد آل خليفة، حسّان الحركة الإصلاحية، وبلبل الجزائر الغريد، كان “صوت الشعب الجزائري” في أيام محنته.. ورغم الظلم الفرنسي الرهيب لم يزغ بصره، ولم تعم بصيرته، فلم تزل قدمه، ولم يضلّ رأيه، فلم يستبدل الذي هو شرّ بالذي هو خير، وظل رابط الجأش، راسخ الإيمان..
لقد لاقى محمد العيد في سبيل الله والوطن كل ما يلاقيه الشرفاء الذين لا يبيعون دينهم ووطنهم وشرفهم بعرض من الدنيا لا يساوي أمام العرض والشرف والمروءة جناح بعوضة..
لقد صبر محمد العيد وأمثاله على البلاء والبغي وجاهدوه بألسنتهم وبكل ما استطاعوه من قوة مستيقنين أن الله – عز وجل – ناصرهم، وأنهم هم الغالبون مهما يطل الليل، ويشتد الويل، وتتوال المحن، وتكثر الفتن المرغبة والمرهبة..
وجاء نصر الله، وتحقق وعده الحق للمؤمنين، وأنجز وعيده فخسر الطغاة الفرنسيون وخسئ أذنابهم الخونة من “الجزائريين” بمن فيهم الذين تسميهم فرنسا “رجال الدين”، وليس لهم من “الرجولة” مثقال ذرة، وإنما هم كمثل الكلب يلهثون وراء رغيف رخيص من عدو خسيس.
لقد ترك لنا محمد العيد قطعة شعرية من الشعر الرجولي الذي لا يموت، ولا يبليه كرّ الجديدين، نصح فيها كل جزائري شريف أن يتحيز إلى شعبه، وأن يقف معه في السراء والضراء، ليستحق شرف الانتماء اليه، والانتساب إليه، وإلا فهو “عضو منه منحسم”، نهايته في “مزبلة التاريخ”.
لقد نشرت هذه القطعة الشعرية في جريدة البصائر والمجاهدة بتاريخ 6 نوفمبر 1936، وهي الشعر الذي يصلح لكل زمان، ومنه هذا الزمان الذي أكرمنا الله بشهوده لنرى كيف يعز الله كل مظلوم، ويذل كل باغ استعلى بغير الحق.. يقول محمد العيد رحمه الله، ورضي عنه وأرضاه
قف حيث شعبك مهما كان موقفه *** أولا، فإنك عضو منه منحسم
فكن مع الشعب في قول وفي عمل *** إن كنت بالرجل الشعبيّ تتسم
ولا يرقك شفيت الذات مائعها *** كالداء فيه وجوه الناس ترتسم
أعدى عدى القوم من يعزى لهم نسبا *** ويسمع القدح فيهم وهو يبتسم
لقد بدأ بعض المنافقين يظهرون الآن التحيّز إلى الشعب، وهو تحيّز مردود عليهم، وغير مقبول منهم، لأنه كإيمان فرعون عندما أدركه الغرق، فقيل له: “آلآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين”.
لقد نبذكم الشعب، أيها السفهاء المبذرين وسيحتفظ التاريخ بأسمائكم، كما أبقى الله جثة النجس فرعون لتكونوا جميعا عبرة لمن أراد أن يعتبر.