قراءة في كتاب شرح نصيحة المريدين للإمام محمد المنزلي
بقلم: عبد الرزاق توميات-
مرت علينا الذكرى المئوية لوفاة العلامة النحرير الشيخ عبد القادر المجاوي، وقد استدعت المناسبة أن نخوض في جانب من إنتاجه الفكري واهتماماته التي تشعبت وشملت مختلف العلوم والفنون من لغة و أدب وعلم الكلام وفلك وهيئة واقتصاد واجتماع وفلسفة وتصوف. ويبدو أن آثارا أخرى قد ضاعت وأضحت أثرا بعد عين. وما هو موجود من آثاره لم يحظ بشيء من الاهتمام إلا في السنوات الأخيرة لكنها جهود تحتاج إلى التضافر والتنسيق والتحقيق والتثبت، عندها يمكننا أن نقول إننا قد أوفيناه النزر القليل من حقه لأنه سلخ أربعين سنة من عمره مدرسا للأجيال ومنافحا عن الدين واللغة. وقد اخترنا هنا شرحه لقصيدة نصيحة المريدين للإمام محمد المنزلي التونسي في علم التصوف، للوقوف على ما جاء فيها من أفكار، وعلاقته بالصوفية وآراؤه حولها سنشير إليها بشيء من التفصيل من خلال هذه المقال.
وصف الكتاب:
اطلعنا على النسخة الأصلية المطبوعة على الحجر بمطبعة الدولة التونسية بتاريخ 02 رمضان 1314هـ/3 فيفري 1897م، وهي وعلى قدمها أمكن قراءتها دون عناء يذكر. وهي تقع في مائة صفحة من الحجم المتوسط، وتتألف القصيدة من 215 بيتا. وقد أشار الشيخ المجاوي إلى أنها جاءت «… خارجة عن قانون النظم الموزون إلى ما جرى به العرف من الشعر الملحون…»، ومعترفا على عادته ومتواضعا بقصوره واختصاره «… لعدم التمكّن من علوم تهذيب النفوس وتسوس الأفكار…».
يبدو أن الشيخ المجاوي ألف هذا الشرح بإيعاز من أنصار القادرية إذ تحصي لها الكثير من الأتباع في الجزائر والأيالة التونسية التي بلغ بها مريدو الطريقة نحو مائة ألف أو يزيدون حتى عام 1925م حسب إحصاءات موثّقة.
كان الهدف الأساس من نظم هذه القصيدة تكوين وتوجيه تلاميذ الطريقة القادرية أو ما يطلق عليه لدى المتصوفة لفظ المريدين، وأضاف عليها المجاوي شروحا مدعومة بآراء وأفكار لجهابذة الفكر الصوفي والمتكلمين في العالم الإسلامي.
ترجمة الناظم:
هو الإمام محمد المنزلي (1168- 1248هـ/1754- 1832م) نسبة إلى مدينة منزل بوزلفة التونسية(ولاية نابل حاليا) درس في الزيتونة، قيل أن أغلب إنتاجه الفكري كان في الشعر الديني (التصوف) كان من سدنة الطريقة القادرية في المدينة المذكورة تشبّع من أفكار أستاذه أبو الحسن علي بن عمارالشائب المنزلي، يقال أنه هو من أحيا هذه الطريقة بعد أن كاد يعفو عنها الزمن حتى اشتهرت على يديه ، وقد أشار الدكتور أبو القاسم سعد الله أنه قد اطلع على إجازات له لمقدمين جزائريين في هذه الطريقة، ولا بد من الإشارة في هذا المقام إلى ما ورد من خطأ في النسخة المحققة المطبوعة في الجزائر ( تحقيق الأستاذ عبد الرحمان ذويب، دار زمورة للنشر، ص5) عندما نسب الإمام المنزلي إلى بني حسون بمصر مستندا في ذلك إلى ما ورد في (الأعلام للزركلي7/47) في ترجمته لمحمد بن محمد بن يوسف المنزلي الشافعي، فهذا الأخير لا علاقة له بالمنزلي التونسي.
مصادر شرح المجاوي:
ركزنا على أبرز المصادر التي أشار إليها الشيخ المجاوي واستشهد بها في شرحه، ولم نذكر جميع المضان التي تعتبر من روافد الصوفية ممّا تقدم منها وما تأخر فاقتصرنا منها على ما يلي:
القرآن الكريم
السنة النبوية الشريفة
مصادر المتصوِّفة من أمثال:
أحمد بن محمد الصاوي المالكي الخلوتي (1175- 1241هـ/1761- 1825م) أحد فقهاء ومتصوفة المالكية
أبو بكر الشّبلي (247- 334هـ/861- 945م) تأثر بالجنيد البغدادي وعرف عنه الجذب والشطح والغيبوبة
أبو القاسم القُشَيري (376- 465هـ/986- 1072م) الذي نافح عن مذهب الأشاعرة وصاحب الرسالة القشيرية
محمد صالح الرّضوي السّمرقندي (ت 1263هـ/1847م) الرحالة المتصوف الذي أجاز الكثير من علماء الجزائر
أبو علي الدّقاق الشافعي (ت 406هـ/1015م) عالم اللغة والنحو والتصوف
ابن عطاء الله السّكندري (658- 709هـ/1260- 1309م) الفقيه المالكي الشاذلي الطريقة وكتابه الموسوم بالحكم العطائية.
شرح الشيخ المجاوي للقصيدة:
جاء شرح الشيخ المجاوي لمنظومة الامام محمد المنزلي مستفيضا ومطعّما ببعض الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة ومستشهدا ببعض المؤلفات لأئمة الصوفية وأشياعها، ومما تجب الإشارة إليه شيوع الكثير من الأخطاء التي انتشرت في المجتمعات الاسلامية في العصور المتأخرة وقوّى الاستعمار من شوكتها في الكثير من الأحيان – وماهي إلا ابتداع في الدين- من نسبة الخوارق والكرامات والالتزامات الباطلة لمشائخ الصوفية.
والواقع أننا سلكنا طريق الاختصار لتشعّب الشّرح من جهة ولأن المقام لايسمح أن نطيل من جهة أخرى، وقد كان بإمكان الشيخ المجاوي أن يطيل في الشرح لولا أنه اعتاد على تأليف الشروح و الكراريس ولم يشذّ عن هذه القاعدة في جميع مصنفاته، فمن خلال اطلاعنا على هذا الشرح يمكننا أن نقسمه إلى ثلاثة أقسام رئيسية:
شرح أبيات القصيدة والاستشهاد بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة ومصادر الصّوفية
إدراج جملة من الفوائد يمكن إيجازها فيما يلي:
حول نيل درجة الصالحين- في ثمرة العزلة وفوائدها- فيما ورد في الاستغفار- في فضل الصلاة على النبيصلى الله عليه وسلموفوائدها
في كيفية أخذ العهد و المبايعة في الطريقة القادرية- فيما يجب على المريد أن يعامل به إخوانه- في الرابطة وكيفيتها
في تعريف الغوث- في الخلوة وشروطها- في بيان الخصال التي ينبغي على المريد العمل بها .
إضافة أبواب وفصول تضمّنت ما يلي:
فصل في بيان الدوائر السّبعة
في بيان أسماء الفروع السّتة والأصول السبعة مستشهدا بقصيدة للشيخ ماء العينين الشنقيطي(1246- 1328هـ/1830- 1910م)، وهي مبوّبة بالشكل التالي:
مقدمة- باب الأمر والنهي- باب التوبة – باب الذكر- باب العزلة- باب صحبة المشائخ- باب الصبر- باب الشكر- باب القناعة- باب الخوف- باب الرجاء- باب الدعاء- باب التواضع- خاتمة.
والواقع أن الشيخ المجاوي لم يقتصر على الشرح فحسب، بل تجاوز هذا الأمر إلى الاستشهاد بآراء تدعم هذه الطريقة وتشدّ من أزرها وتضفي أوصافا تحمل الكثير من المبالغة في وصف الطريقة وتقديس شيخها وتعظيم أذكارها وأورادها وأدعيتها، وننوّه في هذا المقام بما أشار إليه الأستاذ عبد الرحمان ذويب فيما ورد في النسخة المحققة من إحالات وملاحظات.
علاقة الشيخ المجاوي بالصوفية:
لنا أن نتساءل في الأخير عن كيفية انتقال هذا الشّرح من الجزائر إلى تونس، لاسيما وأنه اعتاد طبع مؤلفاته في مطبعة بيار فونتانة بالجزائر؟ وهل زار تونس في تلك الفترة ؟ أم أن أشياع الطريقة في الجزائر هم من نابوا عنه في هذا الأمر؟ و نعلم أنه كان آنذاك مستقرا في قسنطينة مشتغلا بالتدريس، ولم ينتقل إلى الجزائر إلا بعد نحو سنة من طبع هذا الشرح، وقد توصل البعض إلى القول بأن الشيخ المجاوي ومن خلال شرحه لهذه القصيدة ربما كان له هوى في القادرية، إلا أن واقع الأمر يشير إلى العلاقة الوطيدة بين المجاوي والتصوف، فقد تأثر بوالده محمد بن عبد الكريم الذي كان يميل كثيرا إلى التصوف كما يشير إليه أحد تلامذته (أبو القاسم الحفناوي، تعريف الخلف ص449)، وكما هو معلوم أيضا علاقته الوطيدة بعائلة بوطالب من آل الأمير عبد القادر الحسني بحكم مصاهرته لها ولهذه العائلة صلات وثيقة بهذه الطريقة، ورغم ذلك وفي حدود اطلاعنا لا نعتقد أنه ألّف في التصوف غير الشرح الذي بين أيدينا.
وفي الأخير نرجو أن يكون التوفيق قد حالفنا في تسليط الضوء على جوانب من هذا الشرح، وتوضيح العلاقة بين الشيخ المجاوي والفكر الصوفي الذي وجد اهتماما بالغا وانتشارا واسعا في بلاد المغرب الإسلامي ولا يزال محتفظا بسمعة كبيرة حتى اليوم.
*باحث في التاريخ