الشيخ نعيم النعيمي 1393هـ-1973م
بقلم: إبراهيم بدري-
هو العالم المتفنِّن الحُفَظَة الرُّحَلة، الفقيه المتضلِّع، المحدِّث المسْنِد، المقرئ المفسِّر، الأديب النَّسَّابة، الخطيب المُفوَّه، الشَّاعر المفلق، والمجاهد بلسانه ويده: نعيم النعيمي الجزائري. أقول كلَّ ذلك غير مجازف ولا عَتْب عليَّ، ولا عجب، وإن كان العجب سنَّة متَّبعة في هذه النَّاحية الغربيَّة من الأرض الَّتي قد ألِفت خِصاء فحولها.
• اسمه ونسبه ومولده:
هو نعيم بن أحمد بن علي بن صالح النعيمي البسكريّ، ثمَّ القسنطينيّ.
سمي بادئ الأمر: النعيمي باسم جدِّه الخامس أو السَّادس، الَّذي تعرف به العائلة، ثمَّ اختصر إلى نعيم لتردُّده على الألسنة.
ينتسب إلى عشيرة «أولاد حركات» العربيَّة، الَّتي تنتمي إلى قبيلة «أولاد زكري» الَّتي تقطن بـ «الزيبان الغربي» وهي بطن من بطون «أولاد نائل» الأدارسة الأشراف[1].
ولد - رحمه الله - في صائفة عام 1327هـ - 1909م، سابع إخوته الثَّمانية، ببلدة سيدي خالد[2] في أسرة طيِّبة متعفِّفة تشتغل بالفلاحة والرَّعي في البادية ممَّا أكسبه قوَّة في الحافظة واعتدالاً في الطَّبع وتهيُّؤًا لتلقِّي العلوم.
وكان أبوه - كغيره من الأهالي - من مريدي الزَّاوية المختاريَّة إحدى زوايا الطَّريقة الرَّحمانيَّة في المنطقة، وهي قريبة من بلدته بضعة كيلومترات فقط.
• بداية الطلب:
بدأ وهو في البادية بحفظ القرآن الكريم على أخيه الجنيدي؛ فحفظ منه طرفًا ثمَّ انتقل إلى خاله في مدينة سيدي خالد الشَّيخ مصطفى بن الصَّحراوي البوسعادي؛ فأتمَّ حفظه عنده وعمره لا يتجاوز عشر سنوات! وقد بدت عليه مخائل التَّميُّز والعبقرية.
ثمَّ انتقل إلى الزَّاوية المختارية بـ «أولاد جلاَّل» حوالي (1919م) لعلاقة أبيه وأخيه بشيخ الزَّاوية؛ فمكث هناك نحو أربع سنوات من الاجتهاد والتَّحصيل، وكان ذلك لا يتاح إلاَّ للنُّجباء أو لمن له شفاعة حسنة.
فأخذ الفقه وعلوم اللُّغة والتَّفسير والأصول وشيئًا من المنطق والفلك وغيرها.
«وكان أهمّ المدرِّسين حينذاك بالزَّاوية المذكورة هما الشَّيخ: العابد السّماتي الجلالي (ت1959م) [والد المصلح الشَّهير محمَّد العابد الجلالي (ت1967م) رحمهما الله]، والشَّيخ مصطفى بن قويدر مبروكي (ت1945م)، وقد كان فقيدنا حتَّى أواخر أيَّامه يتحدَّث عنهما بكثير من الإجلال والتَّعظيم ويعترف لهما بالفضل الجزيل، وكان يصفهما بغزارة المعرفة والتَّمكُّن البالغ من المعارف الدِّينيَّة واللُّغويَّة والورع الشَّديد والتَّعبُّد الدَّائم ... ورغم وجودهما في بيئة طرقيَّة خرافيَّة ومجتمع متخلِّف فقد كانا على اتِّصال بالحركة التَّجديديَّة في الشَّرق عن طريق الكتب والصُّحف»[3].
والشَّيخ مصطفى بن قويدر هو من علَّمه القرآن مجوَّدًا، وكان من قبل يقرأه النَّاس على الطَّريقة التَّقليديَّة بالوقوف (المحمول) من غير إقامة الحروف ولا إعطائها حقَّها ولا مستحقَّها وتضييع المدود وغير ذلك ممَّا يعرفه أهلُ هذا الشَّأن، فيقع الطَّلبة في تحريف كلام الله عزَّ وجلَّ باللَّحن الجليِّ، فكان لذلك أثر في نفسه ليكون فيما بعد من المقرئين الأفذاذ، المحصِّلين للقراءات بالأسانيد العوالي.
فتخرَّج في[4] هذه الزَّاوية سنة (1342هـ - 1923م) بعد أن وعى واستوعب ما فيها.
وهذه المرحلة هي ركيزة علمه وزاده الَّذي تمكَّن به أن يواصل مسيره الطَّويل.
• الرحلة إلى تونس:
«... وحين لم يعد يجد من الزَّاوية ما يشفي غليله؛ توجَّه إلى تونس (1343هـ - 1924م) إلى جامع الزَّيتونة دون علم أهله؛ لكنَّه لم يطل المكث بها ولم يواصل الدِّراسة وعاد إلى مسقط رأسه بعد نحو ستَّة أشهر لقلَّة ذات اليد ولعسرة وجدها»[5].
• الرحلة في ربوع الجزائر:
تميَّزت هذه الرِّحلة بطول النَّفَس وعمق في المقاصد؛ فكانت كأنَّها خرجة مغاضب أو صولة مغالب، ويا ليت شعري هل من عدوٍّ أعدى من الجهل وأهله؟! وهل هناك ما هو أولى بالمغاضبة والمغالبة منهما؟! فكبير النَّفس يغاضب وقد يغالب، وصغيرها لا يملك إلاَّ أن يبكي نفسه إن تمكَّن منها الجهل وليس هناك أسوء حالاً ممَّن لا يبكي نفسه ولا يغاضب ولا يغالب.
خرج هذا الفتى في رحلة دامت عشر سنوات[6] (1926 - 1936) سائحًا في الأرض، طالبًا لكلِّ ما ينفعه من العلم والحكمة والحنكة والتَّجريب، فزار معظم مدن الجزائر وأريافها إلاَّ الصَّحراء الكبرى، فكان يتقلَّب بين القضاة والمشايخ والمفتين والمدرِّسين وخزائن الكتب والمخطوطات.
فطفق يحفظ كلَّ ما يجده في طريقه لسيلان ذهنه وتمكُّنه من آلات العلم، ويقتني النَّوادر من الكتب والمخطوطات حتَّى اجتمعت عنده مكتبة عظيمة، وهي الآن ليست عظيمة![7].
وقد استفاد منه فيما بعد الدُّكتور أبو القاسم سعد الله أثناء تأليف كتابه «تاريخ الجزائر الثَّقافي» فقال في مقدِّمته: «واستفدت من خبرة عدد من المهتمِّين بالمخطوطات أمثال الشَّيخ نعيم النُّعيمي الَّذي كان يمتلك مكتبة غنيَّة بالنَّوادر ... »[8].
لم يكن لفتى منطلق كالنُّعيمي أن يجعل في عنقه ربقة إلاَّ ربقة الإسلام النَّقي الَّتي تصله بما بقي من آثار السَّلف الصَّالح وتقطعه عن كلِّ ما أحدث بعدهم من المحدثات وتنتشله من أوحالها.
قال الأستاذ بلقاسم النُّعيمي - ابن أخ مترجمنا - حاكيًا عنه: «وقد حكى عن نفسه أنَّه مارس التَّجربة الصُّوفيَّة في مدَّة ما مِنْ هذه المرحلة فانقطع عن النَّاس أيَّامًا وأخذ يصوم ويكثر من التَّهجُّد والعبادة، ولأمر ما أقلع عن هذه التَّجربة ولم يعد إليها بعد ذلك.
ويبدو أنَّ تأثير الأفكار السَّلفيَّة هو الَّذي ثناه عن السَّير في هذا الاتِّجاه»[9].
وما هذه الأفكار السَّلفيَّة إلاَّ آثار السَّلف الَّتي أمرنا باقتفائها في الدِّين.
وكلُّ خير في اتِّباع من سلف *** وكلُّ شرٍّ في ابتداع من خلف
وكانت هذه الرِّحلة تشوف للاطِّلاع إلى ما هو كائن ثمَّ الخوض بعد فيما يجب أن يكون.
كما كان يطَّلع على ما يُكتَب في العالم الإسلامي من خلال أعداد الصُّحف والمجلاَّت الَّتي جمعها.
قال الأستاذ بلقاسم النُّعيمي: «وقد شاهدت بين الكتب الَّتي جمعها في تلك الفترة أعدادًا من مجلَّة «المنار» و«الإسلام» و«الفتح» و«الزَّهراء» و«الرِّسالة» المصريَّات، و«الشِّهاب القديم» و«الشِّهاب» و«الإصلاح» و«البصائر» الجزائريَّات، وعن طريق الصحف اطَّلع على أفكار الحركة الإصلاحيَّة واعتنقها عن إيمان واعتقاد»، وتفتَّحت موهبته الشِّعريَّة في هذه الفترة حيث نظم كتاب النَّحو المشهور «قطر النَّدى وبلُّ الصَّدى» لابن هشام، وكان ذلك سنة (1929م) في مسعد[10].
يقول[11] الشَّيخ حمة قدور زهانة - زميل الشَّيخ وابن بلده - بأنَّهما درسَا معًا علم العروض وصناعة الشِّعر على الشَّيخ أحمد بسطامي (1890م ـ 1980م) [12].
ونحن لا ندري في أيِّ زمن كان ذلك؛ فلعلَّه أن يكون في هذه الرِّحلة قبل عام (1929م).
• انضمامه إلى «جمعية العلماء» أثناء رحلته:
«وحين تأسَّست «جمعيَّة العلماء المسلمين الجزائريِّين» سنة (1931م) اشترك في اجتماعها التَّأسيسي كعضو عامل وتعرَّف على رئيسها عبد الحميد بن باديس وأصبح من دعاتها في ناحية الغرب الجزائري»[13] في مدينة الشّلف، وبقي له فيها الأثر الطَّيِّب والذِّكر الحسن في الدَّعوة إلى الله.
في سنة (1936م) عاد إلى مسقط رأسه فتزوَّج بإحدى بنات عمومته ولم يطل المكث ورجع إلى الشّلف ليواصل مشواره المبارك.
عند نشوب الحرب العالميَّة الثَّانية جمَّدت السُّلطة الاستعماريَّة نشاط جمعيَّة العلماء وضيَّقت على زعمائها؛ ونفته إلى مدينة طولقة ببسكرة، فأسَّس بها مدرسة حرَّة واشتغل بالخطابة بها، وكان يدرِّب فرق الكشَّافة في الجبال المجاورة.
«في سنة (1943م) وبعد احتلال قوَّات الحلفاء للجزائر نفته السُّلطات المحلِّيَّة من طولقة؛ اضطرَّ إلى تجميد نشاطه لمدَّة سنة»[14] عاد فيها إلى مدينة «سيدي خالد» فكان تلامذته يأتونه إليها ليلاً.
ثمَّ انتقل بعدها إلى بسكرة وكوَّن فيها معهدًا للتَّعليم وكان من بين تلامذته به العربي بن مهيدي - رحمه الله -، دام المعهد ثلاث سنوات إلى أن فتح معهد ابن باديس في (1947م) بقسنطينة اختير مدرِّسًا به ونِعْمَ الاختيار!
قال عنه الأستاذ محمَّد المهدي بن علي شعيب صاحب كتاب «أمّ الحواضر»: «كان من بين أساتذة المعهد اللاَّمعين المخلصين؛ فتراه ينتقل بين المعهد وفرعيه «سيدي قموش» و«سيدي بو معزة» في اليوم الواحد مرَّات حتَّى يرى في الطَّريق مهرولاً خوفًا من فوات الوقت المحدَّد، وكان محبوبًا من طرف التَّلاميذ لتواضعه وبساطته وفكاهته اللَّطيفة في حلقات الدَّرس»[15].
وكان فعَّالاً نَشِطًا في المعهد وخارجه في أنحاء الوطن وحتَّى في الخارج؛ فقد حضر المؤتمر الإسلامي الثَّقافي المنعقد بتونس (1949م).
ولمَّا اندلعت ثورة التَّحرير كان من الملبِّين للنِّداء فاشتبه في أمره فنفي من قسنطينة ليعود إلى مسقط رأسه وبثَّت عليه العيون واستمرَّ به يحرِّض على الجهاد ويزيل اللَّبس ويوحِّد الصُّفوف ويجمع الكلمة ويحفظ عورة المسلمين عن عيون الكفرة الَّتي كشفها عشَّاق الرِّياسة، وهذا دأب السُّفهاء وذاك دأب العلماء.
ولم تمنعه هذه الأيَّام العصيبة من العطاء؛ فقد أنشا مدرسة للبنات وجعل على تدريسهنَّ ابنة له اسمها «الزّهرة» وجلب لهنَّ الكتب المصوَّرة من تونس[16].
ثمَّ نفي إلى المسيلة؛ فارتحل وكان قد سمَّى نفسه «صالح منصور» تفاؤلاً منه بالصَّلاح والنَّصر على أعدائه، والتحق بجبال الحضنه مع أنَّه كان منهك القوى وجرح في إحدى المعارك ممَّا اضطرَّ الثُّوَّار إلى نقله إلى تونس لعلاجه سنة (1957م)، ولمَّا شفي كلَّفته قيادة الثَّورة سنة (1958م) بمهمَّة المسامرات وهي توعية الجزائريِّين في تونس لدعم الثَّورة ولفت انتباه الإخوة التُّونسيِّين.
وقد توافقت هذه المهمَّة مع توجُّهاته فعاد إلى البحث والتَّنقيب عن كلِّ ما له صلة بالعلم وحنَّ إلى الطَّلب «وتتلمذ على أكابر علماء الزَّيتونة وخاصَّة في مادتي القراءات والحديث.
وفي هذا الصَّدد ختم القرآن عدَّة مرَّات بالقراءات السَّبع ... كما اتَّصل بعلماء الحديث وقرأ عليهم الكتب الصِّحاح وروى عنهم مرويَّاتهم في الحديث وحصل على إجازاتهم الخطيَّة أيضًا»[17].
وقد حجَّ سنة (1961م)، ومرَّ على دمشق وحمص وبيروت والقدس والقاهرة ... باحثًا عن الكتب النَّادرة، ومتَّصلاً بالعلماء ... ، وقد تفرَّغ شيخ القرَّاء الشَّيخ عبد العزيز آل عيون السّود (ت1399هـ - 1979م) لإقرائه لما رأى فيه من الألمعيَّة، وكان قبلها لا يستقبل أحدًا، فأخذ عنه القراءات الأربعة عشر والشَّيخ عبد العزيز أخذ عن النُّعيمي الحديث، وقد ذكر حفيده بأنَّه لقي العلاَّمة الألباني - رحمه الله - وأجازه.
ولمَّا عاد من رحلته الأخيرة بعد الاستقلال عيِّن مفتِّشًا عامًّا بوزارة الشُّؤون الدِّينيَّة بقسنطينة وأحوازها.
ومثَّل الجزائر في مؤتمرات دوليَّة:
في (1963) المؤتمر الإسلامي لبدايات الشُّهور القمريَّة في تونس، وقدَّم فيه بحثًا.
(1968) مؤتمر مجمع البحوث الإسلاميَّة، وكان عضوًا فيه.
(1969) المؤتمر الإسلامي الدّولي في ماليزيا، قدَّم بحثًا في الصَّوم وعيد الفطر.
• ثناء الناس عليه:
وقد أثنى عليه ضرغام العربيَّة الشَّيخ البشير الإبراهيمي ثناءً عطرًا - وكفى به ثناءً - فقال: «أمَّا الشَّيخ نعيم النُّعيميّ؛ فهو عصاميٌّ في العلم، وحجَّة على أنَّ الذَّكاء والاستعداد يأتيان - مع قليل من التَّعليم - بالعجائب. والرَّجل مجموعة مواهب، لو نظِّمت في الصِّغر ووجِّهت؛ لجاءت شهادة قاطعة على أن لا مبالغة في كلِّ ما يروى عن أفذاذ المتقدِّمين؛ فهو يحفظ الأحاديث بأسانيدها - لا على طريقة عبد الحيّ[18] -، ويحفظ عدَّة ألفيَّات في السِّير وعلوم الأثر والنَّحو وغيرها، ويحفظ كثيرًا من متون العلم، ويجيد فهمها وتفهيمها، ويحفظ جزءً غير قليل من اللُّغة مع التَّفقُّه في التَّراكيب، ويحفظ أكثر ممَّا يلزم الأديب حفظه من أشعار العرب؛ قديمها وحديثها، ومن رسائل البلغاء قريبًا من ذلك، ويقرض قطعًا من الشِّعر كقطع الرّوض؛ نقاء لغة، وصفاء ديباجة، وحلاوة صنعة، وقد أسلس له الرَّجز قياده؛ فهو يأتي منه بالمطوَّلات؛ لزوميَّة منسجمة سائغة، في رويَّة تشبه الارتجال، وهو ثاني اثنين من رجَّاز العرب في عصرنا هذا، ولو شئت؛ لذكرت الأوَّل[19] ... وإنَّما آثرت نعيمًا بهذه الكلمات؛ لأنَّه ليست له شهادة؛ فجئته بهذه الشَّهادة[20]».
وقال الدُّكتور أبو القاسم سعد الله - متحدِّثًا عن الأستاذ محمَّد بن عبد الله المغربي مدير مجلة «دعوة الحقّ» -: «وقد أبدى إعجابه ببعض علمائنا أمثال الشَّيخ أحمد حمَّاني ... والشَّيخ المهدي البوعبدلي ... والشَّيخ نعيم النُّعيمي (الذي عرفه قبل وفاته) لتبحُّره في علوم الفقه والأخبار»[21].
لمَّا ارتأى البشير الإبراهيمي توسيع دائرة لجنة الإفتاء؛ اختاره مع خمسة من المشائخ ووصفهم فقال: «من العلماء المشهود لهم بسعة الاطِّلاع، وحسن الإدراك لحوادث هذا العصر ... وكلٌّ منهم مشهور بالذَّكاء واستحضار النَّوازل وبالبراعة في تنزيل الأحكام الشَّرعيَّة على النَّوازل الفقهيَّة»[22].
• آثاره:
لم يترك النُّعيمي مؤلَّفات تتناسب مع علمه من حيث كثرتها لانشغاله بتخريج الرِّجال عن إخراج المصنَّفات، فقد عاجلته المنيَّة فحالت بينه وبين ما كان يؤمِّله من كتابة مذكِّراته وتحقيق ما كان ينوي من المخطوطات.
وعرف من آثاره ما يلي:
«1- «نظم قطر النَّدى وبلّ الصَّدى» نظم رائق على طريقة الأوَّلين من (478) بيت، انتهى منه في (1929)، وهو في العشرين من عمره، رجز سَلِس لا حشو فيه ولا انكسار ولا اضطرار.
2- مقطوعات شعريَّة وقصائد مبعثرة بين أوراقه ودفاتره.
3- محاضرات حول المعركة الإصلاحيَّة في العالم الإسلامي وفي الجزائر ودروس في التَّفسير ألقاها على طبقة كليَّة الآداب بجامعة قسنطينة.
4- الأبحاث الَّتي قدَّمها إلى المؤتمرات الإسلاميَّة الَّتي حضرها.
5- مقتطفات وتعليقات مسجَّلة بخطِّ يده على هوامش الكتب المطبوعة أو المخطوطة ...»[23].
• طرائفه:
كان الشَّيخ ظريفًا منبسطًا ذا دعابة، فكان ممَّا يمازح به جلساءه على مائدة الطَّعام إنشاده:
وخير ما في شرقنا يلتمس *** حبّ مكركب يسمَّى الكسكس
وقهوتان في الصَّباح والمسا *** ومن يزد عليهما فقد أسا[24]
- ومن طرائفه أنَّه كان في مهمَّة تفتيش، وكان معه ابنه الصَّغير فنسيه في باتنة وارتحل إلى بلد آخر حتَّى أخبر بعد ذلك فتذكَّره وأتوه به.
كان - رحمه الله - حاضر النُّكتة، سريع البديهة، فصيح اللِّسان، رزين القول، لا يملُّ له حديث في الجدِّ والهزل، دائم التَّحيُّن للفرص كي يربط الوسائل بالمقاصد ويذكِّر الشَّباب بالعبء الملقى على كواهلهم؛ فمنها أنَّه وضع لطلاَّبه امتحانًا في الصَّرف في تصغير «دار وباب وكتاب» فاستشكلوا ذلك فقال على البديهة:
حسبتكم الشم المقاديم في الجلى *** تعدون صعب الأمر عندكم سهلا
وها حين جدَّ الجدُّ قلتم بأنَّنا *** دهينا واسقينا على ضما مهلا
إلى أن قال:
أيعجزكم تصغير دار وبابها *** ومن لمعان البرق أمرهما أجلى
وعهدي بكم أزكى شباب عرفته *** به رسمت للشَّعب خطته المثلى
مضارب أمثال إذا ما مررتموا *** بجو يميت العقل أحييتم العقلا
بمجهودكم تغدو الجزائر حرة *** بكم تسترد العز والمجد والنبلا[25]
• وفاته:
كان لا يأبه بنفسه ولا يعتني بها حتَّى تعاورته الأمراض فأقعدته ولم تزل به حتَّى وافته المنيَّة سنة (1973م) في قسنطينة ودفن بها وشهد جنازته أمَّة من النَّاس لا يحصون كثرة.
وقد رثاه ممَّن رثاه الشَّاعر محمَّد عاشور[26] بقصيدة منها:
رأينا به شهوقًا لا يضاهى *** ونورًا يستضيء به الشَّباب
وركنا للعلوم به تجلت *** حقائق كان يسترها حجاب
ومنطيقا له الأدب المروى *** جهورا لا يمل له خطاب
ونبعا قد تكاثر واردوه *** ولكن غيض وانتصر السراب
أصيل في العروبة بانتساب *** له العربية الفصحى انتساب
فهل غاب النعيمي فينا حقا *** وتنساه العشيرة والصحاب
إلى أن قال:
فنم في الخلد والرحمات تترى *** ومن رب الوجود لكم ثواب
رحمه الله فقد عاش حميدًا ومات فقيدًا.
(عن مجلة «الإصلاح» العدد 22)
الهوامش:
[1] وكان قد أملى على بعض طلبة سيدي خالد عمود النَّسب، وإملاؤه محفوظ متداول.
[2] نسبة إلى خالد بن سنان العبسي الَّذي يدَّعون أنَّه نبيٌّ مدفون بها، وللشَّيخ عبد المجيد حبَّة كتاب «قيد الأوابد من حياة خالد» مخطوط، وقد قاربت على إتمام تحقيقه بإذن الله.
[3] «مجلَّة الأصالة»: (العدد16/ص42) مقال: «الشَّيخ نعيم النُّعيمي في ذمَّة الله» كتبه بلقاسم النُّعيمي.
[4] نقول: «تخرَّج في» ولا نقول: «تخرج من»، قال بذلك العلاَّمة تقي الدِّين الهلالي في كتابه: «الدَّعوة إلى الله» (ص166).
[5] المرجع نفسه (ص43).
[6] وهم بلقاسم النُّعيمي، فقال: اثنتي عشرة سنة (ص43).
[7] هي الآن محفوظة في جامعة الأمير عبد القادر بقسنطينة. في مكتبة الشُّيوخ، بعد أن ضاع منها الكثير.
[8] «تاريخ الجزائر الثَّقافي» (1/ 31).
[9] «مجلة الأصالة» (ص43) (العدد16).
[10] وهم بلقاسم النُّعيمي فجعله قبل هذه الرِّحلة.
[11] أخبرني بذلك الأستاذ محمَّد الطَّاهر خير الدِّين عنه.
[12] وهو من علماء سيدي خالد الَّذين طلبوا العلم قديمًا في جامعة القرويين في فاس ويعرف بابن شليحة، وقد اشتغل بالتَّدريس في الزَّاوية الحملاوية في قسنطينة، وكان يومًا ما منتظمًا في سلك جمعيَّة العلماء.
[13] «مجلَّة الأصالة» (ص43) (العدد16).
[14] المرجع نفسه (ص44).
[15] «أعلام من بسكرة» (ص132) فوزي مصمودي.
[16] أخبرني بذلك الأستاذ محمَّد العربي حرز الله وقد شهد ذلك وعايشه.
[17] «مجلة الأصالة» (ص46) (العدد16).
[18] وهو الكتاني.
[19] يعني الشَّيخ نفسه، وهو محقٌّ، فإنَّه كما يقال: «لم ير مثل نفسه».
[20] «آثار الإبراهيمي» (2/ 219 - 220).
[21] «تجارب في الأدب والرّحلة» (ص221) سعد الله.
[22] «آثار الإبراهيمي» (5/ 309).
[23] «مجلة الأصالة» (ص49) (العدد16).
[24] أي أساء، أنشدني البيتين ابن أخيه مصطفى النُّعيمي أمدَّ الله في عمره.
[25] «النُّصوص الأدبيَّة» (4/ 436).
[26] من شعراء سيدي خالد.