الإمام بن باديس.. رجل جمع بين التسامح، النزاهة والإخلاص

بقلم: محمد مغلاوي-

شخصية ابن باديس شخصية غنية ثرية ومن الصعوبة في حيز ضيق من الكتابة الإلمام بكل أبعادها وآثارها، فهو مجدد ومصلح دعا إلى نهضة المسلمين وهو عالم مفسّر فسّر القرآن الكريم كلّه خلال خمس وعشرين سنة في دروسه اليومية، وهو سياسي كتب في المجلات والجرائد التي أصدرها عن واقع المسلمين وهاجم فرنسا وأساليبها الاستعمارية وشرح أصول السياسة الإسلامية.

قبل كل هذا ابن باديس هو المربي الذي أخذ على عاتقه تربية الأجيال في المدارس والمساجد، فأنشأ المدارس واهتم بها، وهو الذي تولى تسيير شؤون جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، وتفقد القاعدة الشعبية باتصالاته المستمرة.

إن آثار ابن باديس آثار عملية قبل أن تكون نظرية في كتاب أو مؤلَّف، والأجيال التي رباها كانت وقود معركة تحرير الجزائر، وقليل من المصلحين في العصر الحديث من أتيحت لهم فرص التطبيق العملي لمبادئهم كما أتيحت لابن باديس، ونظريته في التربية أنها لا بد أن تبدأ من الفرد، فإصلاح الفرد هو الأساس وطريقته في التربية هي توعية هذا النشء بالفكرة الصحيحة.

انتقد ابن باديس مناهج التعليم التي كانت سائدة والتي كانت تهتم بالفروع والألفاظ، فيقول /واقتصرنا على قراءة الفروع الفقهية، مجردة بلا نظر، جافة بلا حكمة، وراء أسوار من الألفاظ المختصرة، تفني الأعمار قبل الوصول إليها/.

عبد الحميد بن باديس اجتـمعت فيه صفات النزاهة والأمانة الفكرية اللامتناهية، والذي هام حبا بالـجزائر ولغتها ودينها، وخصص جهوده وما أوتي كمربٍ، من ملكات ومواهب للتعليم، بدء من العلوم التربوية كالأدب والتاريخ والـجغرافيا إلى العلوم الـمدنية والدينية، وكان يوجه نشاطه التربوي نحو الشباب، ذكورا وإناثا، والكبار على حد سواء.

شجع ونظم وأشرف على بروز العديد من الفرق الـمسرحية والأندية الرياضية عبر التراب الوطني، وعمل على إنشــاء الـمدارس لتعليم اللغة العربية ومبادئ إسلام مجدد. وكان من بين أوائل القادة الذين أدركوا مدى الـمساهمة التي يـمكن للـحركة الكشفية تقديـمها في تأطير الشباب وهيكلته ضمن منظمات جماهيرية. وبإيعاز منه وتـحت إشرافه، ظهرت مراكز ثقافية كان أشهرها نادي الترقي بالـجزائر العاصمة الذي كان يشرف على إدارته الطيب العقبي، أحد رفاق الأستاذ الأوفياء.

باشر هو ورفاقه نشر الأفكار الإصلاحية في جريدة الـمنتقد وأصدر بعدها عدة منشورات دورية، أشهرها مجلة الشهاب وسهر على إدارتها، وقد جُمع ما نشر فيها من مقالات وافتتاحيات تحت عنوان /مجالس التذكير من كلام الحكيم الخبير/.

وكان الهدف الأسمى لقائد الإصلاح هو الـمحافظة على شخصية الـجزائر، موحدة ومتـجانسة وجزء لا يتـجزأ، في كنف خصوصياتها العرقية، الدينية والثقافية.

لـم يلـجأ ابن باديس أبدا إلى العنف الكلامي مع الـمناوئين له، لقد كان أكثر طمأنينة وتسامحا وتفتـحا وكان يتـحلى بالتواضع ونكران الذات والزهد طوال حياته كمفكر ملتزم بالـجبهات التي فتـحها. كان يريد أن يضم الأوساط الـمعادية والـمشككين واللامبالين إلى مشروعه العظيـم الـمتـمثل في مجتـمع أخضعت أسسه الدينية والثقافية للإصلاح

واتخذ نفس الـموقف المتسامح والحليم مع الأعراق والديانات الأخرى في البلاد، فلـم يتـخل أبدا عن إنسانية عميقة كان ينهلها أساسا من معتقداته الدينية ومن التعاليـم الثمينة التي زودته بها محصلته الثقافية التي جمعها وهو شاب يافع، في بلده أولا، ثم خلال رحلاته التعليمية في الوطن العربي.

آخر التغريدات:

    Message: Invalid or expired token., Please check your Twitter Authentication Data or internet connection.