يوسف زيغود في الشعر العربي

بقلم: عثمان سعدي-

قيلت القصائد الكثيرة في هذا البطل ، لكن أروع ما قيل ما نظمه الشاعر السوري الكبير سليمان العيسى الذي قال سبعا وثلاثين قصيدة في الثورة صدرت في دواوين ألهمني الله فجمعت كل الشعر الذي قيل في الثورة الجزائرية في سوريا عندما كنت سفيرا بدمشق بين 1974 و 1977 فكانت الحصيلة 199 قصيدة قالها 64 شاعرا وشاعرة سوريين من عشرين مدينة وقرية سورية. وقبلها عملت سفيرا في بغداد فجمعت كل ما قيل في الثورة من شعر في العراق وكانت الحصيلة 255 قصيدة قالها 107 شاعر وشاعرة من العراق. وهي مطبوعة في أربعة مجلدات.لقد قدم العرب المال والسلاح وأحيانا الرجال لثورة أول نوفمبر. العرب دعموا وغنّوا الثورة بقصائد خالدة. وأنا أعتز بما جمعت عن الثورة من شعر أكثر من اعتزازي كسفير.

تحرّى الشاعر عن ظروف استشهاد البطل في واد من وديان الجزائر المضرجة بالدماء، ووصف وصفا دقيقا معركة الاستشهاد فقال:

*يوسف زيغود  للشاعر السوري سليمان العيسى**:

صَمتٌ على الوادي يروع الوادي [1 ]                                                   

وسحابة من لوعةٍ وحِدادِ  [ 2 ]  

أرسى على الهضَبات ريشُ نسورها  

وتمزقت من بعدِ طول جِلادِ  [ 3 ]                                                          

هدأ الوميض.. فلا أنينُ شظِيةٍ                                                              

يُصمي، ولا تكبيرةُ استشهادِ  [ 4 ]                                                         

(الحَفنة) المتشبثون بحفنة  

ضؤلت وهانت من لظىً ، وعتادِ    

ألقَوْا بوجه الموت آخرَ صفعةٍ   

وتساقطوا تحت الجحيم العادي                               

النار تأخذهم.. فسرب رائحٌ

من باصقاتِ ردًى، وسِربٌ غادِ

وكتيبةٌ تنثال إثر كتيبةٍ

كثرت هناك كتائبُ الجلاّدِ

حشدَ الألوفَ.. يكاد يعتقد الحصى

والريحَ ثوارا.. وحَرج الوادي

حشدَ الألوفَ .. لقاءُ (سيِّدَ أحمدٍ)  [ 5 ]

رُعْبٌ يشلّ النبض في الأكباد

رعب يسمِّر بالمدرّعة الخُطى

فمدافع السفاح كالأوتاد

وتُجَنُّ من حنَقٍ ، فتُمطر موتها  [ 6 ]

حينا بلا هدف ، بغير رَشاد

وتلعلع النيران .. كل حنيَّـة

لهَبٌ إلى دمنا لهيفٌ صادِ  [ 7 ]

وتجيب من وكر النسور رصاصةٌ

لتُصِرَّ,, هذي تربتي وبلادي

لن يُسلمَ الوادي ثراه لغاصبٍ

إلا على جثث .. على أجسادِ

     *  *  *

صمتٌ على الوادي ، كما جثم الرَّدى

فوق المقابر، جُلِّلت بالوادي

(الحفنة) المتشبثون بصخرة

تلقَى الجحيمَ بإصْبِع وزِناد

صمتوا فلا تسري (لسيّدِ أحمدٍ)

بين الشِّعابِ رهيبةُ الإرعاد  [ 8 ]

سمراء .. يُرسلها هتافا ماردا

فتُفجر الإعصار في مُرادِ

صمتوا لقد ألقوا بآخر طلقةٍ

وتمزّقوا تكبيرةَ استشهاد

  *  *  *

الثائر المقْدودُ من نارِ [ 9 ]

أغفى على الغار

كخُمود  إعصارِ

كصباح نُوّارِ

ضُربت عليه ألف زوبعة

وسحابةٌ سوداء كالقار

الصامدُ المقدودُ من لهبٍ

الفارس العربيُّ

عرفته أرض المجد حَدَّادَا

في ركن حانوتِ

يحيا على الخَشِنيْنِ من ثوب ومن قوتِ

وسرى نداء الثأر رعّادَا

وأهابت الثورهْ

وتكلمت آلامنا غورًا وأَنجادَا

فإذا الكَميِ .. فِراشه صخرهْ

وإذا هو الثورهْ

سيسير مثل رفاقه الدَّرْبا

سيخوضها حربا

سيخُط قصة أرضه الحرّهْ

بالدمع.. بالدم

قطرةً قطرهْ

  *  *  *

وتوقّف (الزحفُ المبيد) سلاحُه وعتادهْ

وغُروره وعِناده

وتعثرت بالرعب غمغمة بصدر الطاغيّه

ـ أتراه ماتْ؟

ـ أترى جحافلنا أتين على حياةْ

ـ أخلا لنا الوادي ، فما للموت فيه من أثرْ

ـ كم يستهين (لمارقون)  [ 10 ]

ـ بكل ما يُسْمى خطرْ

   *  *  *

وتردد (لزحفُ المُبيدْ) أيقْحمُ الصمتَ الرهيبا

أيجازف (البطل المغير)  [ 11 ]

فيهبط الوادي دبيبا ؟

كم لقنته صخرةٌ ربضت على السفح العِبَرْ

كم يستهين المارقون بكل ما يُسمى خطر

  *  *  *

ومشى الدمار ..

وشق عبْر الصمت وادينا الشهيدا

حذِرا وئيدا

أقْدِم..

سراياك المغيرة آمنهْ

أقدِمْ مرابضنا صخورٌ ساكنهْ

أقدِمْ على الجثث الصوامتِ ..

أيها (لزحف المظفَّرْ)

أقدم (فسيّد أحمدٍ) جسدا كما تهوى

معفَّــرْ

  *  *  *

صمت على الوادي ، يروع الوادي

وسحابة من لوعة وحِداد

أرسى على الهضبات ريش نسورها

وتمزقت من بعد طول جلاد ,,

يا سَفْحَ يوسُفَ ، يا خضيبَ كمينه

يا روعةَ الأجداد في الأحفاد

يا إِرْثَ موسى في النسور وعُقبةٍ  [ 12 ]   [ 13 ]

والبحرُ حولك زورق ابن زِيّادِ  [ 14 ]

يا شمْخة التاريخ في أوراسنا

يا نبع ملحمتي بثغر الحادي

أتموتُ ؟ تاريخ الرجولة فِرْيةٌ

كبرى إذن ، ووضاءةُ لأمجادِ

أتموتُ ؟ كل حَنِيَّةٍ بجزائري

ميلاد شعب رائعٍ

ميلادي..

ليلاحظ الشباب الجزائري أن الشاعر قال أن تاريخ ميلاده أي ميلاد سليمان العيسى وكل عربي هو تاريخ اندلاع الثورة الجزائرية، ويقول جزائري أي أنها جزائر كل عربي، لأن ثورة الجزائر جاءت بعد ست سنوات من هزيمة العرب في فلسطين سنة 1948 فأعادت الثقة للشعب العربي. فيسأل يوسف زيغود المسجّى جثمانه بالوادي قائلا:

  أتموتُ ؟ كل حَنِيَّةٍ بجزائري

ميلاد شعب رائعٍ

ميلادي..

وليلاحظ القارئ أن الشاعر ذكر ثورة المليون. وترفع الآن أصوات غِربان اللوبي الفرنكفوي البربريست لتعلن أن الشهداء أقل بكثير من هذا الرقم.


هوامش:

*هو يوسف زيغود ، ولد في 18/02/1921 في قرية السمندو، توفي أبوه وتركه رضيعا فكفلته أمه وربته، انخرط في صفوف حزب الشعب الجزائري وعمره سبع عشرة سنة، وصار مسؤول تنظيمه في قريته عام 1938 .نظم بقريته خلايا الحزب السريّة عام 1948 ، عندما اكتشف التنظيم زج به في السجن عام 1950 ، ولما كانت مهنته حدادا فقد استغل قطعة حديد عثر عليها بالسجن وصنع منها مفتاح السجن، وفر منه هو ورفاقه. وظل مختفيا في الريف إلى أن قامت الثورة. من قادة الثورة الكبار ، قاد الولاية الثانية بالشمال القسنطيني. نفذ احداث 20 أغسطس 1955 التي نقلت الثورة لداخل المدن. استشهد في 23/ 9/ 1956 في معركة ضارية قرب بلدية سيدي مزغيش بولاية سكيكدة.

** القصيدة مستمدة من كتاب (الثورة الجزائرية في الشعر السوري لعثمان سعدي) ج 2 صفحة 138 ، طبع وزارة المجاهدين سنة 2005 الجزائر. وقد نشرت سنة 2014 وزارة الثقافة ثلاثة مجلدات تحت عنوان (الثورة الجزائرية في الشعر العربي ـ  العراق ـ سوريا ـ السودان).


شرح الكلمات:

[1 ] يرورع : يُخيف

[2 ]  الحِداد : الحزن العميق 

[3 ]  الجِلاد : القِتال

[4 ]يُصمي : يقتل

[5 ]  سيد أحمد : هو اللقب الذي عرف به القائد الثائر يوسف زيغود بين رفاقه المجاهدين

[6 ]  حَنق : غيض وغضب 

[7 ] حَنية : منعطف   في الطريق .  صاد : عطشان

[8 ] الشِّعابُ : مسارب المياه بالجبال  

[9 ]  المقدود: المنحوت ، المفصَّل

[10 ]  المارقون: قطاع الطرق ، هي الأسماء التي تنطلقها القوات الاستعمارية على الثوار

[11 ]  قائد الحملة الفرنسية

[12 ]  موسى بن نصير (640 هـ 716 م ) فاتح المغرب الأقصى وفاتح الأندلس مع طارق بن زياد

[13 ]  عقبة بن نافع : مثبّت فتح المغرب العربي. مؤسس مدينة القيروان، (670 م ) استشهد بالمكان المعروف بتهوده بالقطر الجزائري الذي صار يحمل اسمه وبه ضريحه

[14 ]  هو طارق بن زياد فاتح الأندلس

آخر التغريدات:

    Message: Invalid or expired token., Please check your Twitter Authentication Data or internet connection.