مذكرات مالك بن نبي: تحسرت على السلفية الجزائرية
بقلم: مالك بن نبي-
أعلنت الصحافة فجأة في حدود شهر ماي أن (أحداثا خطيرة يتم الإعداد لها على حدود الحجاز).
فكان للخبر وقع على نفسي، لأن السلفي، بل قل الوهابي، الذي كنت وقتها، فهم بصورة دقيقة جدا معناه. فهمت أن اليهود، وهم يتحركون كمستشارين علنيين أو خفيين للاستعمار، قد أعدوا مؤامرة ضد ابن سعود. كنت أعلم أنهم وبعد أن استعملوا ضده كل (الأسلحة الداخلية) (انتفاضات متعددة قادها الدرويش وابن رفادة وغيرهما)، فسيلجأون إلى (الأسلحة الخارجية). ولم أجانب الصواب. كانت الفاشية الموسولونية تسعى وقتها لبعث الإمبراطورية الرومانية. عشت أياما في تأثر بالغ. فكنت أدعو الله في صلواتي، والدموع في عيني، أن يحبط الحسابات الخفية التي كانت تريد استعمال الإمام يحيى لتحطيم ابن سعود. كنت أتبين إيطاليا بصورة جلية وراء إمام اليمن، ومن بعدها انجلترا وفرنسا، ثم اليهود من وراء الجميع.
وبعد أن رجعت يوما من قضاء بعض حاجاتها، روت لي زوجتي أنها سمعت رجلين يتحدثان أمام متجر. قال أحدهما:
-سوف تدمر انجلترا هؤلاء المتعصبين ومعهم ابن سعود.
وعندما تثاقلت زوجتي في مشيتها لتسترق السمع أكثر، دخل الرجلان المتجر. وفي الغد أو بعده، نشرت الصحف خبرا مفاده أن الجيش السعودي بقيادة الأمير فيصل قد أفشل بمناورة سريعة كل خطة الحرب التي أعدها الإمام يحيى إذ تم الاستيلاء على ميناء الحديدة في ظرف أربع وعشرين ساعة، كما تم حرق أو إغراق جميع المركبات التي سلحت بغرض الاستيلاء على جدة وساعد على ذلك انتفاضة داخلية، وفر حاكم مدينة الحديدة سباحة حاملا معه محتوى الخزينة العامة قبل أن يلحق به جنديان سعوديان ويعودا به ويسلم للسلطات. لم يحصل نهب ولا عنف ولا تجاوزات من قبل السلطات الوهابية. وقد لفتت جميع هذه التفاصيل انتباهي وكانت لها مغزى عندي.
وقد أوردت الصحافة الأحداث وتحدثت عنها كما يجري الحديث عن كارثة مجملة بمشاريع وأفكار ونتائج. لقد خسر موسولوني بوضوح، أما الآخرون فاندحروا كذلك إلا أنهم لم يفصحوا عن خيبتهم التي أبانتها عناوين الصحف التي كانت تتضمن تعليقات عن الوضع الذي خلقته (قبائل متزمتة ومتوحشة تسمى الوهابية). ولم أزدد إلا فهما وإدراكا لأهداف الاستعمار وحقيقته. ولهذا فقد أصبت بالخيبة المريرة إثر مطالعتي، بعد الأحداث بوقت، في مجلة (الشهاب) مقالا لابن باديس يتأسف فيه على (إراقة دماء الإخوة المسلمين), هذا ما استخلصه الشيخ الموقر من هذه المأساة التي تقابل فيها روح الإسلام و(خيانة) المسلمين.
تحسرت على السلفية الجزائرية ونظرتها الضيقة والجبانة.
من مذكرات مالك بن نبي (العفن).