الحجاز في مذكرات مالك بن نبي

بقلم: أ.د. مولود عويمر-

أصدر المفكر الجزائري مالك بن نبي الجزء الأول من مذكرات شاهد القرن في عام 1966 بعنوان "مذكرات شاهد القرن: الطفل"، تضمن الكتاب طفولة الكاتب، وقام بترجمته إلى العربية مروان قنواتي . وفي بداية السبعينيات ألف مالك بن نبي الجزء الثاني مباشرة باللغة العربية، وخصصه لمرحلة دراسته في باريس، وتمتد هذه الفترة من 1930 إلى 1939.

رسمت لنا المذكرات صورة واضحة للحياة السياسية والاجتماعية والعلمية في الجزائر في الثلاثينيات، وامتد وصف بن نبي إلى فرنسا ، التي تعيش فيها الجاليةالجزائرية والعربية ، وبين أيضا العوامل التي أثرت على تكوين شخصيته، وعبر عن همومه وطموحاته بعد إتمام دراساته العليا والذي يهمنا في هذا المقال هي بعض هذه المؤثرات والطموحات التي لها صلة مباشرة بالحجاز.

تأثير العلماء الجزائريين العائدين من الحجاز:

لا بد من لفت النظر إلى الأثر الذي تركه في الحياة العلمية والدينية في الجزائر العلماء الجزائريون الذين عادوا إلى الجزائر بعد إقامة طويلة في الحجاز ونتوقف هنا فقط عند شخصيتين تحدث عنهما مالك بن نبي في مذكراته : الشيخ الطيب العقبي ومحمد الطاهر العنيزي.

ولد الشيخ الطيب العقبي في شهر عام 1307 هــ/ 1890م في بلدة سيدي عقبة في الصحراء الجزائرية. هاجر مع عائلته إلى المدينة المنورة وتلقى العلم في المسجد النبوي ثم صار معلما في الجامع نفسه.

كتب في الصحافة العربية وتعرف على محب الدين الخطيب وشكيب أرسلان. عمل الشيخ الطيب العقبي مديرا على المطبعة الأميرية بعد الحرب العالمية الأولى وترأس جريدة القبلة الصادرة بمكة بعد رحيل محب الدين الخطيب إلى سوريا. عاد الشيخ الطيب العقبي إلى الجزائر في 4 مارس 1920 بينما بقي أخوه في الحجاز في خدمة الملك ابن سعود. استقر العقبي في بسكرة في الجنوب الجزائري، أسس جريدة صدى الصحراء في ديسمبر 1925، وكانت لها شهرة كبيرة في الشرق الجزائري وحرص ابن نبي على مطالعتها إلى درجة أنه كان يقلق كثيرا كلما حدث تأخر بسيط في صدور هذه الصحيفة (132) لم يتحدث ابن نبي عن الإصلاح وهي الجريدة الثانية التي أصدرها الشيخ العقبي في سنة 1927، والتي عرفت رواجا أكثر من الأولى.

شارك الشيخ الطيب العقبي في تأسيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين وكان من ألمع قادتها وترأس هيئة تحرير كل الصحف التي أنشأتها الجمعية (السنة، الشريعة، الصراط، البصائر) في الثلاثينيات، وقارع بشجاعة مختلف صحف الطرقيين (الإخلاص، المعيار، البلاغ الجزائري) التي حظيت بدعم سلطة الاحتلال بعكس صحافة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين التي تعرضت للمصادرة والمضايقات المختلفة.تأثر مالك بن نبي كثيرا بالشيخ العقبي وفضله في شبابه على الشيخ عبد الحميد بن باديس:" كان الشيخ العقبي يبدو في ناظري بدويا بينما يبدو الشيخ ابن باديس بلديا، وحين بدأت فيما بعد معركة الإصلاح وكنت أحد المشتركين فيها، بقيت أحمل في أعماقي شيئا من التحفظ تجاه ابن باديس وبعض الأسى لكون الشيخ العقبي لا يقود تلك الحركة ولا يرأس جمعية العلماء". وقد غير ابن نبي رأيه عن الشيخ ابن باديس فيما بعد، التقى مالك بن نبي بالشيخ الطيب العقبي وحضر بعض النشاطات الثقافية التي كان ينظمها نادي الترقي الذي يشرف عليه الشيخ العقبي في العاصمة الجزائرية.

محمد الطاهر العنيزي هي الشخصية الثانية التي عادت من الحجاز ولعبت دورا في الحياة العامة في قسنطينة. ولا نعرف إلا القليل عن هذه الشخصية رغم كل الجهود التي بذلناها من أجل التعرف أكثر عليها. ومنهج مالك بن نبي في المذكرات أنه لا يقف كثيرا أمام الأعلام التي يتحدث عنها، ويبدو أن هذه الشخصية التي تلعب إلا دورا محليا مما جعلها مجهولة لدى المؤرخين والباحثين.كان يتحدق بلهجة البدوي القادم من الجزيرة العربية. لقد كانت ثقافته عربية ويضع على رأسه بصورة دائمة الكوفية والعقال، ولذلك كله أضحى مقبولا في وسطنا .. لقد كان ثائرا على كل شيء، ولم أره يوما يمدح أحدا أو شيئا من الأشياء ووضع كثيرا من القضايا موضع بحث وتدقيق..كذا كان نسق ثورته ، ويضع قشا على الجمرة المشتعلة في النفوس.. وفصاحته العربية كانت تمارس تأثيرها في العقول التي تفكر أو تتكلم بالفرنسية.

الصحافة الحجازية في الجزائر

قرأ مالك بن نبي في شبابه جريدة أم القرى التي كانت تصدر في مكة ، واعتبرها مالك بن نبي صحيفة للشيخ الطيب العقبي. وتكرر هذا الخطأ مرتين (40، 105) والحقيقة أن هذهالصحيفة لم يشرف عليها السيخ العقبي وإنما كان مديرا لجريدة القبلة كما ذكرنا سابقا.فجريدة أم القرى تأسست في 12 ديسمبر 1924 أي بعد مغادرة الشيخ العقبي للحجاز بـ 4 سنوات، بالإضافة إلى أن الحدث الذي أشار إليه ابن نبي وقع حين كان العقبي في مكة وهو تحريض الجاسوس البريطاني لورانس للشريف حسين على إقامة أمبراطورية عربية مستقلة عن الخلافة العثمانية.

تأسست جريدة القبلة في 15 أوت 1916 وتوقفت عن الصدور في 25 سبتمبر 1924، ترأس تحريرها محب الدين الخطيب حتى عام 1919 وخلفه حسين الصبان بعد أن عمل الشيخ العقبي مديرا لها خلافا لما ذكره الباحث الدكتور محمد عبد الرحمن الشامخ الذي يرى أن الصحيفة بقيت مدة عام دون مدير مسؤول بعد استقالة محب الدين الخطيب، تصل جريدة القبلة إلى الشرق الجزائري ولا شك أنها كانت تدخل مع الحُجاج الذين يحملونها معهم في حقائبهم بعد قضاء مناسك الحج والرحالون طلابا أو تجارا وأصحاب الاشتراكات الفردية فقد أشارت الصحيفة إلى اشتراك كثير من القراء في العالم العربي دون أن تعطي التفاصيل،وتأتي شهادة مالك بن نبي دليلا آخر على انتشار جريدة القبلة خارج حدود شبه الجزيرة العربية.

صدى الدعوة الإصلاحية في الجزائر:

انتقلت دعوة الإمام محمد عبد الوهاب من الحجاز إلى الجزائر خاصة عن طريق الحجاج ويرى بعض المؤرخين أن الشيخ محمد علي بن السنوسي أول من حمل الفكر الإصلاحي الوهابي إلى الجزائر بعد رجوعه من الحج لكن تأثر السنوسية بالتصوف أبعدها عن الوهابية. انظم مالك بن نبي إلى الحركة الإصلاحية الجزائرية لأنها كانت تمثل في نظره "الصورة الجزائرية للفكرة الوهابية".

وكان من أكبر أنصار الدعوة وحركة الإصلاح والتجديد في الجزائر الشيخ صالح بن مهنا، الشيخ عبد القادر المجاوي، الشيخ عبد الحليم بن سماية، الشيخ المولود بن الموهوب، الشيخ عبد الحميد بن باديس، الشيخ الطيب العقبي، والشيخ محمد المبارك الميلي صاحب كتاب " الشرك ومظاهره " ..إلخ وقد تعرف مالك بن نبي في شبابه على معظم هؤلاء العلماء وحضر جلساتهم واستفاد من علمهم.

يرى مالك بن نبي خلافا للباحثين الذين كتبوا عن الحركة الإصلاحية الجزائرية، أن هذه تأثرت كثيرا بدعوة الشيخ جمال الدين الأفغاني والشيخ محمد عبده ولكنها لم تبدأ معها، فالحركة الإصلاحية الجزائرية تأثرت أيضا قبل ذلك بما قام به الإمام محمد عبد الوهاب من إصلاحات في الحجاز.

امتد تأثر الدعوة إلى الشباب الجزائري فتأسست جمعية الشباب الموحدين في الجزائر العاصمة في بداية الخمسينيات وكانت من أنشط أعضائها محمد الهادي السنوسي وأبو بكر جابر الجزائري وكان الشيخ العقبي مرشدها الأول وموجهها الديني، تهدف الجمعية إلى " أغراض شريفة سامية بسمو الغاية من التوحيد في الإسلام، ومعروف من الدين بالضرورة " وتسعى " لجمع كلمة الشباب على التوحيد الخالص الذي هو وحده الدواء لكل أداء الشباب " وهي تؤمن إيمانا راسخا " أن تجديد هذه الأمة لا يتأتى إلا على هدي منقذ البشرية من الضلالة محمد رسول رب العالمين" اعتمدت جمعية الشباب الموحدين في دعوتهما على الصحافة (دعوة، اللواء، القبس) وتنظيم الدروس والمحاضرات.

الملك عبد العزيز بن سعود والمجتمع السعودي:

قرأ مالك بن نبي كل الكتب التي صدرت عن الملك عبد العزيز بن سعود وقرأ بوجه خاص كتاب " سيد الجزيرة العربية: عبد العزيز بن السعود" للكاتب الإنجليزي هارولد أرمسترونج والشعور بالإعجاب والتقدير نحو الملك ابن يعود نجده أيضا عند عالم جزائري آخر زار السعودية في بداية الخمسينيات وهو الشيخ محمد الغسيري". كان الحجاج يتزودون كل عام بمعارف عن أحوال المسلمين ويعودون بقصص عن ألمن والرخاء والرحمة والأخوة الإسلامية التي كانت تسود في الحرمين الشريفين وسرد مالك بن نبي واقعة حدثت لوالدته تجسد بوضوح كل هذه المعاني السامية في حياة أهل مكة والمدينة المنورة وضيوفهم الحجاج:" لم يرد وكيل الفندق نزلنا فيه المدينة، أن يتسلم من يدي محفظة نقود وجدتها بالحرم فالتقطتها كي لا تضيع على الحاج صاحبها. وبين لنا صاحب الفندق أنه كان من الأليق تركها في مكانها كما تقتضي التعليمات السعودية ". وعلق بن نبي على هذه القصة بقوله:" كان فعلا العصر الذهبي للحركة الوهابية في الأرض المقدسة، وما قصة والدتي مع أنها زادتني رسوخا في وهابيتي إلا إحدى القصص التي يتناقلها الحجاج كل سنة يحملونها إلى الآفاق الإسلامية ".

تألم مالك بن نبي كثيرا من تآمر الدول الاستعمارية الكبرى على الدولة الجديدة التي تسعى لتجديد الدين وإقامة نظام إسلامي بمعنى آخر:" الاستعمار كان يتضايق كثيرا من تولي الدولة السعودية على الأرض المقدسة، لأنها ستصبح هكذا منارة إشعاع للفكرة الوهابية". ويضيف قائلا : " هذه الحقيقة كانت تسؤني ..وأصبحت فعلا هذه المأساة تملك أرجاء بيتنا الصغير، نتحدث عنها في الغذاء والعشاء.فقمت أصلي ركعتين لله متحسرا متذرعا شاكيا من شر الاستعمار باكيا، ولكنني كنت دوما على منهج الحديث : أعقلها وتوكل". فأخذت ورقة وبدأت أحرر خطابا مثيرا إلى سادة سفير اليابان، أتوسل لحكومته أن تساند باسم التضامن الآسيوي المقدس أمام الدول الاستعمارية، ابن السعود في المعركة، وتؤيده".

فرح مالك بن نبي بانتصار الجيش السعودي على الجيش اليمني الذي تحركه بريطانيا واعتبر هذا النصر إفشال لأطماع الاستعمار في هذه المنطقة الحيوية من العالم العربي وعبر مالك بن نبي عن خيبة المستعمرين بقوله: " بالنسبة إلى قادة السياسة الغربية، حتى المناوئين للفاشية، كان فعلا دواءا شر من داء، إذ الوهابية وحدها على ما هي عليه شر لا محالة، ولكن وهابية وإحباط خطة استعمارية شران". وفعلا توقف الجيش السعودي غير بعيد من صنعاء ولكنه لم يتقدم أكثر ففضل الملك عبد العزيز عقد الصلح مع الإمام يحي حميد الدين ورسم الحدود بين البلدين على التوغل أكثر داخل اليمن وفتح جبهة جديدة مع جيرانه ومنطقة توتر أخرى تشغله عن بناء دولته الفتية وتبرر تدخل الدول الاستعمارية التي تتربص بالمنطقة

مراقبة الحكومة الفرنسية لرحلات الجزائريين للحج:

عملت الحكومة الفرنسية في الجزائر على التحكم في رحلات الجزائريين إلى الحجاز خاصة في موسم الحج، إذ ترى فيها مصدرا أساسيا لنقل الثقافة العربية والأفكار الإصلاحية إلى الجزائر. فاتخذت الحكومة الاستعمارية أشكالا مختلفة لتحقيق سياسة عزل الجزائر عن باقي العالم العربي من منع تام للحج أو خفض لعدد الحجاج أو وضع شروط قاسية على الحجاج..وتحاول دائما أن تدعم هذه السياسة بذرائع متعددة كعدم وجود المن في الطريق المؤدية إلى الحجاز أو وقاية رعاياها من تسرب مرض خطير ظهر في إحدى دول إسلامية. ولا بد أن نشير هنا إلى سبب آخر لم تصرح به فرنسا وهو السعي إلى خنق الاقتصاد السعودي الذي كان يعتمد كثيرا في تلك الفترة على عائدات الحج والتبادل التجاري مع الدول الإسلامية. منعت الحكومة الجزائريين كانت لطيفة عند رحيلهم إلى البقاع المقدسة ولكنها تغيرت تماما عند عودتهم إلى الجزائر، ولا شك أن حكومة الاحتلال كانت تسرب جواسيسها في صفوف الحجاج الجزائريين قبل أن تلجأ فيما بعد إلى تعيين مسؤولين رسميين على البعثات لمراقبتهم من قريب.

الهجرة إلى الحجاز:

كان حلم مالك بن نبي وزوجته الفرنسية المسلمة أن يستقرا في الطائف بعد تخرجه من مدرسة المهندسين بباريس. وعبر عن هذه الرغبة من مذكراته بصورة متكررة " تأكدت لدي فكرة السفر إلى الحجاز، فرارا من العيش في أرض استعمار أو في أرض مستعمرة، لأنني سئمت فيها الوجوه والآفاق". ويقول في موقع آخر " وبدأت أفكر جديا في الهجرة إلى الحجاز لأستقر بالطائف. وكان لكل منهما مشروع خاص لخدمة هذا البلد، تقوم زوجته بالزراعة وتربية الحيوانات على الطريقة الغربية وتعليم الخياطة ونسج الإبرة للبنات. أما مالك بن نبي فيشتغل بتجارة العطور الفرنسية أو تحويل بقايا أضحية العيد إلى أسمدة وتحويل الحرارة الشمسية إلى طاقة. لماذا تحمس مالك بن نبي للهجرة إلى الحجاز، عرفت أسرته كلها تقريبا الحجاز وأدت فريضة الحج وكان ابن نبي حريصا دائما ومنذ صغره على سماع أخبار البقاع المقدسة. وقد أورد في مذكراته اللحظات السعيدة التي قضاها إلى جانب أمه التي كانت تقص عليه ما شاهدته في مكة المكرمة ورغم أن الكتاب ألفه ابن نبي بعد مرور ثلاثين عاما على هذا الحدث إلا أنه مازال يتذكره كأنه وقعت فقط منذ لحظات قليلة كانت والدتي تنتظرني لتقص عليا قصة حجها (...) واسترسلت، وكنت أخشى أن تسكت عندما ترى دمعي، على الرغم من أن الغرفة كانت نصف مظلمة (...)، ولكن كان الحديث مؤثرا تهزني منه أحيانا هزات لا أستطيع كبتها، فأتظاهر بالعطش حتى أذهب إلى الشرفة حيث يوجد برادات الماء فأطلق العنان للدمع".

بالإضافة إلى العامل الديني الذي يحث المسلمين على الحج ودراسة سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة رضوان الله عليهم، التي وقعت معظم أحداثها في شبه الجزيرة العربية، وتأثره ببعض المثقفين الذين درسوا وعاشوا في الحجاز كما ذكرنا من قبل، كان مالك بن نبي يرى في الدولة السعودية الفتية كيانا سياسيا قائما على للمجتمع الإسلامي الذي كان ينشده وتجسيدا على أرض الواقع للدعوة الوهابية في بعدها التجديدي التي آمن بها. فلا شك أن من طبيعة الإنسان أن يسعى لدعم الدولة القائمة على الفكرة التي اعتقد بها وخدمتها وخاصة أن الملك بن عبد العزيز كان يريد الاعتماد أكثر على الإطارات الإسلامية في بناء دولته الجديدة حتى يتجنب الأخطاء والمشكلات التي وقع فيها الملوك العرب الذين استقدموا العلماء والمهندسين من أوربا وكانت النتيجة تضخم الديون وبقاء التخلف وفتح المجال للغزو الاستعماري في كل أشكاله.

لا بد من لفت النظر إلى عامل آخر خاص بالنخبة الجزائرية فقد يئست من مستقبل العروبة والإسلام في الجزائر بعد أن فشلت كل الثورات وحركات الجهاد التي قام بها الجزائريون منذ قرن لإخراج الجيوش الفرنسية من الجزائر، فظهرت الهجرات إلى المشرق العربي هروبا من الاستعمار الذي رسخ أقدامه وبسط سيطرته على كل مجالات حياة الناس. وراح يمارس وراح يمارس مضايقات كثيرة على كل نشاط إصلاحي أو سياسي ذات توجه عربي،الذي يرفض بقوة السياسة الاستعمارية التي تقوم على الاستيطان والاندماج، وكان من أبرز المهاجرين إلى الحجاز قبل الحرب العالمية الأولى : الشيخ حمدان الونيسي الذي صار إماما بالمسجد النبوي ، الأديب الشهير أحمد رضا حوحو، العلامة محمد البشير الإبراهيمي والشيخ الطيب العقبي.

لم تكن رغبة مالك بن نبي للإقامة في الحجاز شعورا عابرا، فقد قام بكل الإجراء الإدارية لتحقيق حلمه وتحويله إلى واقع ملموس لكن القنصلية المصرية بباريس رفضت أن تمنحه تأشيرة للمرور على ميناء السويس، فكانت بحق صدمة عنيفة له:" إن الاستعمار يستطيع أن يتمسك في بعض الحالات بمظاهر المشروعية، لأن خرونة من بين العرب ومن بين المسلمين يتولون الأمر، للقيام بالدور الذي لا تسمح له به كبرياؤه في تلك اللحظة وازداد وقع الخيبة حين علم أن أحد زملائه من يهود أوربا الشرقية تحصل على التأشيرة المصرية بدون عناء واستقر عاما في مصر ، لم يتمكن مالك بن نبي من الهجرة غلى الحجاز والاستقرار مع أهله في الطائف وتحقق جزء من حلمه ف الخمسينيات عندما أدى فريضة الحج وحرص على العودة إلى بيت الله الحرام في الستينيات وبداية السبعينيات.

إن الشعور الذي عبر عنه مالك بن نبي في مذكراته نحو الحجاز يدل دلالة واضحة على الصلة الروحية القوية إلى تربط دائما المسلمين بالأراضي المقدسة، فيها ظهرت رسالة الإسلام ومنها انطلقت الدعوة و حركة التجديد في العصر الحديث بقيادة الإمام محمد عبد الوهاب وقد عملت حكومة الاحتلال الفرنسية على عزل الجزائريين عن هذه الحركة الإسلامية وراقبت بشدة رحلات الحجاج الجزائريين إلا أنها فشلت في منع تسرب الأفكار الإصلاحية إلى الجزائر وأصبحت للدعوة كيانا قائما تمثلت في جمعية العلماء المسلمين الجزائريين وحجاج الشباب الموحدين.

آخر التغريدات:

    Message: Invalid or expired token., Please check your Twitter Authentication Data or internet connection.