جرائد جمعية العلماء المسلمين الجزائريّين ودورها إبّان الاحتلال الفرنسي
بقلم: محمد بومشرة-
يوم احتلّت فرنسا الجزائر سنة 1830، قامت باستهداف الشّخصية الجزائرية في هويتها مستعملة وسائل الهدم، وذلك للقضاء على كلّ ما هو جميلٌ في نفوس الجزائريّين وكلّ أسباب تقدّمه وازدهاره معطّلا دور المؤسّسات من مساجد ومدارس وزوايا وتبديلها بما يخدم الاحتلال إلى أمد طويل.
ومن الوسائل التي استعملتها الإدارة الفرنسية سلاحان مدمّران، الأوّل قاتل مميت حيث سُجّل سنة 1830 عدد السّكّان حوالي ثلاثة ملايين نسمة، وفي سنة 1852 صار عددهم نحو مليونين ونصف مليون نسمة؛ وبِلُغة الأرقام بلغ عدد الشّهداء كاملا منذ الاحتلال إلى يوم الاستقلال ما يقارب أحد عشر مليون شهيد، ناهيك عن المعذّبين والمعطوبين واليتامى والأرامل والثّكالى ولا ننسى التّجويع والتّجهيل والتّفقير وانتشار الأمراض والأوبئة...
أمّا الأسلوب الآخر الذي استعملته الإدارة الفرنسية فكان مكمّلا ولا يقلّ خطرا عن الأسلوب الأوّل متمثّلا في الإعلام كالسّمعي -الرّاديو- والمقروء كالجرائد وقد كتبت أقلام بعض المثقّفين الجزائريّين كانت في أغلبها ترمي إلى خدمة الوجود الفرنسي جهلا أو استرزاقا أو من أجل مقصود ما.
وعند ظهور جمعية العلماء المسلمين الجزائريّين من رحِم الشّعب الجزائري متبنّية أفكاره ومطالبه المشروعة بمشروع أقوى يواجه مشروع فرنسا المدمّر التّخريبي. استعملت وسائل مضادة إعلامية في تربية فرد متعلّم واثق من مبادئه للمستقبل وبعث الثّقة في نفسه؛ وكانت هذه الوسائل من مجلاّت وجرائد وخطابات في المساجد والنّوادي متّبعة خطّة إفراغ العقل الجزائري من الخرافات والشّكليات ثمّ مَلْئِه بما ينفع النّاس..
وكانت هذه الجرائد بمثابة مدارس متنقّلة بأقلام جزائرية مناهضة للاستدمار اللّعين مستعملة الهدنة واللّين من جهة، ومن جهة أخرى الغلظة والصّرامة في دين الله تعالى، وبأقلام أخرى من خارج الوطن مثل مصر وتونس والمغرب... وكان لها صدى واسع داخل الوطن وكانت لها مقروئية خارجه لكونها كانت تُحيي النّفوس وتهذّبها. وعليه قامت الإدارة الفرنسية بإيقاف الأعداد الأولى لجرائد جمعية العلماء لمّا أدركت وتفطّنت أنّ خطّها يخاطب العقول تارة والقلوب تارة أخرى في أعمدتها وعناوينها وكانت الاستجابة من الشّعب.
فأوّل ما ظهر من جرائد جمعية العلماء المسلمين الجزائريّين "المنتقد" التي صدرت في مدينة قسنطينة يوم 02-07-1925، وأوقفت في 29-10-1925بعد صدور العدد 18.
كان شعارها: -الحقّ فوق كلّ أحد، والوطن قبل كلّ شيء- كان هدفها هو: "لفت الجزائريّين المسلمين إلى حقيقة وضعيتهم بين الأمم، بأنّهم أمّة لها قوميتها ولغتها ودينها وتاريخها، فهي أمّة تامّة الأممية لا ينقصها شيء." (الشّهاب: الافتتاحية ص1، ج1- م11 محرّم 1354 هجرية / أبريل 1935.)
كما أكّد فضيلة الشّيخ عبد الحميد بن باديس في العدد الثّاني: "إنّنا لسنا لإنسان ولا على إنسان، وإنّما نخدم الحقّ والوطن."
ثمّ ظهرت جريدة "الشّهاب" 1925-1939، صدرت يوم 12 نوفنبر 1925 كلّ أسبوع، ثمّ صارت تصدر كلّ شهر. في البداية كان شعارها "مبدأنا في الإصلاح الدّيني والدّنيوي: لا يصلح آخر هذه الأمّة إلاّ بما صلح أوّلها." وكانت أطولهنّ عمرا على غرار جرائد جمعية العلماء.
وفي سنة 1937 غيّر الشّيخ عبد الحميد بن باديس الشّعار يدعو إلى الاتّكال على النّفس: "لنعوّل على أنفسنا، ولنتّكل على الله." ولمطالعة علماء العالم الإسلامي لها شهدوا لها بِعُلُو كعبها، فها هو أحد علماء فاس الشّيخ محمّد غازي يقول: "مجلّة الشّهاب الغرّاء خدمت الإسلام والمسلمين عموما والإصلاح والمصلحين خصوصا، تلك الجريدة التي كان الشّمال الإفريقي متعطّشا لمثلها منذ زمان."
وقال الشّيخ الشّهيد حسن البنا: "قامت مجلّة الشّهاب الجزائرية التي كان يصدرها الشّيخ عبد الحميد بن باديس رحمه الله في الجزائر بقسط كبير من هذا الجهاد، مستمدّة من هدي محمّد صلّى الله عليه وسلّم. وإنّا لنرجو أن تقفو الشّهاب المصرية النّاشئة أثرها وتجدّد شبابها، وتعيد في النّاس سيرتها في خدمة دعوة القرآن، وتجلية فضائل الإسلام، على أنّ الفضل للمتقدّم، وفضل السّبق ليس له كفاء." (من افتتاحية العدد الأوّل من مجلّة الشّهاب المصرية التي أسّسها الإمام حسن البنا في 14 نوفنبر 1947.)
ويقول الشّاعر محمّد بسكر:
حيِّ الشّهاب وحيّ الشّيخ باديسا *** واسأل له الله توفيقا وتأنيسا
وقل رعاك الذي أعطاك موهبة *** حزما وعزما وتأليفا وتدريسا
لله درّك يا عبد الحميد لقد *** محوت عن ديننا المحبوب تدنيسا
سار الشّهاب على رغم الحسود خطا *** يطوي المراحل تأويبا وتغليسا
في بحر خمسة أعوام أنار لنا *** روحا مكهربة أَذَكْتَ فوانيسا
رعيا لعيدك عيد الشّعب أجمعه *** فالشّعب أنت وليس الشّعب باديسا
عاش الشّهاب وعاش المصلحون له *** ومات مبغضهم في الله تنكيسا
وقد أشرف الشّيخ الهمام ابن باديس على جرائد جمعية العلماء المسلمين الجزائريّين وهي أربع:
السُّنّة المحمّدية (1933): هي أوّل جريدة تصدرها هيئة جمعية العلماء المسلمين أسبوعيا، أوّل إصدار لها كان يوم 03 أبريل 1933، تحت شعار قوله تعالى: "لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ" الأحزاب-21. دورها تربية وتهذيب النّاس على ما كان عليه المصطفى صلّى الله عليه وسلّم، حيث تذوّقوا حلاوتها وأظهرت جميل أثرها في النّاس، لكن أُوقفت يوم 03 جويلية 1933.
ثمّ الشّريعة المطهّرة (1933): تلتها مباشرة بعد توقيف السّنّة المحمّدية، فأصدرت الهيأة نفسها الشّريعة المطهّرة يوم 17 من الشّهر نفسه، إلاّ أنّه بعد سبعة أعداد من صدورها أوقفتها السّلطة الفرنسية الاستدمارية يوم 28 أغسطس 1933، أي بعد 41 يوما.
ثمّ الصّراط السّوي (1933-1934): كانت الأطول بقاء وثالث جريدة جمعية العلماء المسلمين تبعا لجريدة الشّريعة المطهّرة؛ أوّل عدد صدر لهذه الجريدة في 11 سبتنبر 1933 إلى أن تدخّلت الإدارة الفرنسية بتوقيفها يوم 08 يناير 1934، وكان آخر عدد منها هو 17.
حتّى جاء دور البصائر (1935-1939): هي رابع صحف جمعية العلماء، تصدر أسبوعيا؛ قامت الإدارة الاستدمارية بتعطيل وتوقيف ثلاث جرائد جمعية العلماء المسلمين في سنة واحدة؛ ثمّ قرّر الحاكم العام إصدار أمر تعسّفي ومستبدّ يقضي بتوقيف مسبق لكلّ ما تصدره جمعية العلماء المسلمين من جرائد قبل ظهورها بين قرّائها المدمنين عليها.
كان شعارها قوله تعالى: "هَٰذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ" الجاثية- 19. وكذلك قوله تعالى: "قَدْ جَاءَكُم بَصَائِرُ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ " الأنعام- 105.
فمن خلال جرائد ومجلاّت جمعية العلماء المسلمين الجزائريّين نلاحظ أنّ خطّها في صحفها وجرائدها ومجلاّتها لم تدع إلى الجهاد على المباشر أو إلى ثورة ضدّ فرنسا، بل كانت تُهيّء الجزائريّين لثورة نفسية انطلاقا من قوله تعالى: "إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ." الرّعد-11 لطرد الاحتلال اللّعين من القلوب والعقول قبل طرده من الأراضي الجزائرية. وكان لعلماء الجمعية مؤلّفات ورسائل تُحْيِي النّفوس وتهزُّها هزًّا ضدّ أيّ احتلال كان.
وأخيرا أقول وبكلّ قناعة لو أُتيحت لجمعية العلماء المسلمين الجزائريّين فرصة استعمال وسيلة الإعلام كالفاكس والهاتف المحمول والانترنت، ووسيلة آلة الطّبع لصنعت العجب ما لم يصنعه أحزاب اليوم أو وزارة الإعلام والاتّصال.