دور جمعية العلماء المسلمين في ثورة الفاتح نوفمبر
بقلم: د.رابح تركي عمامرة-
أخذ الدكتور تركي رابح عمامرة المعلومات الواردة في هذا المقال من الأستاذ أحمد توفيق المدني الكاتب العام لجمعية العلماء عند قيام ثورة الفاتح من نوفمبر 1954 ورئيس تحرير جريدة البصائر اللسان المركزي لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين.. وذلك بتاريخ 31/01/1981 في مركز الدراسات التاريخية بالمدينة الجزائر العاصمة..
يقول الأستاذ أحمد توفيق المدني إن جمعية العلماء أعلنت منذ الساعات الأولى أنها من الثورة وتعمل حسب توجيهات الثورة.
لجنة تحرير جريدة البصائر بعد قيام ثورة أول نوفمبر 1954 :
يقول الأستاذ أحمد توفيق المدني أنه إبتداءا من بداية الثورة 1954 اجتمعت لجنة تحرير البصائر المتكونة من السادة : الأستاذ حمزة بوكوشة – الشيخ أحمد سحنون – أحمد توفيق المدني – عبد اللطيف سلطاني – باعزيز بن عمر – وذلك بحضور الشيخ العربي بن بلقاسم التبسي رئيس الجمعية في غياب رئيسها الشيخ محمد البشير الإبراهيمي المقيم في القاهرة وحضور الشيخ محمد خير الدين – واتفق الجميع على أن يتولى الأستاذ أحمد توفيق المدني ما يلي:
1- تحرير الافتتاحية
2- تحرير مقال تغطية أحداث الثورة
3- تحرير موضوع السياسة العالمية
4- تحرير موضوع العلوم والفنون والاختراعات
وهكذا من بداية قيام الثورة حتى توقفت جريدة البصائر عن الصدور بتاريخ أفريل 1956 بأمر من إدارة الاحتلال كانت كل الافتتاحيات ما عدا افتتاحية واحد فقط كانت بعنوان المجلس الجزائري كتبها باعزيز بن عمر والباقي كلها كانت بقلم الأستاذ أحمد توفيق المدني ثم يقول : كانت الافتتاحية بعد كتابتها ترسل إلى المسؤولين عن الثورة في العاصمة للنظر في محتواها ثم بعد ذلك تعاد إلى البصائر ثم ترسل البصائر كلها بها فيها الافتتاحية للرقابة العسكرية الفرنسية وكثيرا ما كانت تقوم مشادات بين توفيق المدني وبين الرقابة العسكرية وفي بعض الأحيان تعطل البصائر عن الصدور.
مقتطفات من بيانات جمعية العلماء عن الثورة نشرت في جريدة البصائر الصادرة في أعوام 1954 – 1955 – 1956 :
1- ربط قضية تحرير الدين الإسلامي بقضية تحرير الوطن (بلاغ من جمعية العلماء) :
المكتب الدائم لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين بعد بحث الموقف الحاضر من ناحية القضية الدينية وبعد استعراض الألاعيب والدسائس التي تحيكها الحكومة والمجلس الجزائري للعبث بهذه القضية واستياء الأمة والاستمرار على العدوان الشنيع يعلن أن الأمة قد يئست من الحكومة ومن المجلس الجزائري المدلس ومن عدالة الدولة في هذه القضية وإن المحاولات العديدة التي حاولتها جمعية العلماء المسلمين الجزائريين قصد الوصول إلى حل موفق معقول لهذا المشكل لم تأت بنتيجة وإن الحكومة والمجلس الجزائري المزيف قد أظهر من سوء النية أثناء دراسة هذه القضية ومن الرغبة الجامحة في إبقاء الدين الإسلامي أسير والمساجد مغتصبة الأوقاف مسروقة ما جعل الاستمرار على السعي معها في إيجاد حل عادل ضربا من العبث والاستهانة وهو يعتقد على ضوء الحوادث وقياسا على كل ما وقع أن هذه القضية الدينية لا تجد حلا عادلا إلا ضمن حل كامل للقضية الجزائرية التي وحدة الأمة الجزائرية يجب عليها في الساعة الحاضرة وفي مستقبل الأيام أن تتوجه بكليتها لمحاولة حل قضيتها العامة حلا عادلا يتناسب مع تطور العالم الحديث.
(الجزائر في 08 جوان 1954 المكتب الدائم عن البصائر العدد 276 بتاريخ 25 جوان 1954).
2- بيان من جمعية العلماء المسلمين الجزائريين (موقفها من الثورة) :
...لقد وقفت جمعية العلماء المسلمين الجزائريين الموقف الحازم الشديد اتجاه الأحداث التي جابهتها البلاد الجزائرية منذ يوم غرة نوفمبر 1954 وشاركت بواسطة جريدتها (البصائر) في فضح الأساليب الوحشية الفظيعة التي استعملتها السلطة لمحاولة قمع حركة الثورة بواسطة الإرهاب والبطش وأعمال الزجر والتنكيل ورفعت عقيرتها بالاحتجاج على تلك الموجة الطاغية من الاعتداء على الحريات الفردية وسجن آلاف من أحرار البلاد ورجالها لمجرد الاشتباه بأمرهم أو للحيلولة بينهم وبين المشاركة في الحوادث وهذا أمر لم يسبق إليه في قطر أخر وما صحب كل ذلك من تفنن فظيع في التعذيب واستعمال وسائل سافلة قاسية شديدة لإرغام الأبرياء على الاعتراف بذنوب لم يفكروا قط في ارتكابها. وشاركت الجمعية مشاركة فعالة في تبليغ صوت الأمة لعالمي الشرق والغرب والإعراب عن رغباتها ومطالبها ورفعت للضمير العام العالمي ورفعت للضمير العام العالمي مع بقية الهيئات الحرة ظلامة الأمة وما تعانيه من تنكيل جماعي شنيع شمل الجهات العديدة من أنحاء الوطن حيث شرد الناس وخربت البيوت وانتهكت الحرمات وأتلف المؤن والأرزاق وعومل السكان الآمنون معاملة المحاربين ثم فضحت تلك الأحكام الزاجرة القاسية التي انهالت على رؤوس الذين سيقوا إلى المحاكم في تهم واهية ولم يتمكنوا من حق الدفاع الشرعي عن أنفسهم فازدادت بجموعهم كثافة صفوف الأبرياء الذي ذهبوا ضحية الزجر الاستعماري الفظيع ولقد أعلنت الحكومة في باريس وأعلنت السلطة في الجزائر منذ أيام الحوادث الأولى أن أعمال التأديب لا تصيب إلا الذين ثبتت إدانتهم خاصة لا تتعداهم إلى غيرهم لكن سرعان ما ظهر أن تلك الوعود قد تبخرت على أيدي الذين يسيرون دفة الأمور في البلاد واليوم نرى الحكومة قد أقدمت بعد ثلاثة أشهر بأيامها الحمراء ولياليها السوداء على النظر في برنامج إصلاحيات طفيفة بسيطة لا ترضى الأمة ولا تحقق رغباتها ثم أجابت على عاصفة الاحتجاج التي تصاعدت من كل مكان في العالم على قسوة وفظاعة الأعمال البوليسية فأعلنت ضم نظام الشرطة الجزائرية إلى نظام الشرطة المركزية بباريس وأخير استبدلت بالوالي العام الذي وقعت في أيامه الحوادث ووقعت في أيامه التي أوجبت قيام تلك الحوادث واليا جديدا، تكون مهمته حسب ما قيل تنفيذ الإصلاحات الجديدة، إن قدر لها ورأت النور، ونحن نرى أن نعلن من جديد بعدما أطنبنا في بيان أفكارنا الأساسية على صفحات البصائر وبحكم اتصالنا بالأمة الوثيق الذي يجعلنا نفصح عن رغباتها ونعبر عن أمالها وآلامها ويضيف بيان جمعية العلماء عما وقع من حوادث أول نوفمبر المجيد.
(إن البلاد في حاجة أكيدة إلى تغييرات أصولية أساسية تتناول سائر الأسس التي بني عليها النظام الجزائري لا إلى إصلاحات صورية طفيفة تؤيد الحالة الحاضرة المذكرة وتفرضها على الأمة فرضا جديدا لا تكون عاقبته إلا القلاقل والإضرابات والحوادث المتوالية) وإن برنامج التغيرات الأساسية الأصولية في أمور البلاد لا يمكن أن يرتجل في باريس ارتجالا بل يجب أن يكون نتيجة بحث ودراسة عميقة مع ممثلي الأمة الحقيقيين الذين يتكلمون باسم سائر الأحزاب والهيئات والمنظمات القومية ولا تقبل الأمة بأية حال ولا ترضى عن برنامج إصلاحي إلا إذا حقق رغبتها التحريرية الكبرى في كل ما يتعلق بالحكم والإدارة والشؤون العامة وكل ما يتعلق بدينها ولغتها وترجو الجمعية أن تقدم الحكومة بكل سرعة وإخلاص على تهيئة جو صالح للمفاوضات حول تحقيق الأسس المتقدمة وذلك بإطلاق سراح سائر المسجونين سواء حوكموا أو لم يحاكموا والإقلاع عن سياسة البطش الحربي، وإزهاق الأنفس البريئة، فليست أعمال العنف هي التي تقضي على الثورة الظاهرة والخفية بل لا تقضي على ذلك إلا سياسة الإنجازات الحقيقية التي تنتظرها الأمة بفارغ الصبر (إن جمعية العلماء قامت وتستمر على القيام بسائر واجباتها مهما كانت الملابسات وترجوا أن تكون مساهمة في حمل الحكومة على سلوك السياسة الرشيدة الصالحة كما كانت مساهمة في حمل رسالة الأمة، إلى الدوائر التي تهتم بالقضية الجزائرية كلها، ثم يضيف بيان جمعية العلماء على الأعمال الإجرامية ضد الشعب الجزائري المجاهد فيقول :
" وتتوجه الجمعية أخيرا بكلمة إلى غلاة رجال الاستعمار الذين يحاولون المحاولات اليائسة لإبقاء الحالة الاستعمارية الحاضرة وتقول لهم إن محاولاتهم تعتبر جريمة لا تغتفر، وإن أعمالهم لن تؤدي إلا إلى الخراب والاضطراب، كما تتوجه إلى الأمة بكلمة طيبة تستحثها فيها على التماسك والتكتل والوحدة المطلقة في سبيل الدفاع عن حريتها المنتهكة وحقها المغصوب وكرامتها المهضومة وروحانياتها التي امتهنت حتى تخرج من هذه الأزمة الطويلة المدى لتحقيق أهدافها وبلوغ غايتها الكبرى وأن تصبر الصبر الجميل على ما تعانيه من إرهاق، ومظالم فإن ساعة الفرج قريبة بحول الله.
(المكتب الدائم لجمعية العلماء، عن جريدة البصائر العدد 304/04 فيفري 1955).
3- بلاغ من الاجتماع العام لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين عن الحالة الحاضرة في القطر الجزائري وموقف الجمعية منها :
بسم الله الرحمن الرحيم
الاجتماع العام لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين المنعقد يوم السبت 23 جمادى الأولى من عام 1355 هـ الموافق لـ 07 جانفي 1956 بمركز الجمعية لعاصمة الجزائر، بعد إطلاعه على التقريرين الأدبي والمالي ومصادقته عليهما وبعد اتخاذه للقرارات العامة في دائرة الجمعية بما يصلح به حالها ومالها.
يقرر أنه كجزء عام حي من أجزاء الأمة الجزائرية لا يستطيع السكوت عما هو واقع في القطر الجزائري من فظائع ومجازر وموبقات أصبحت أخبارها منشرة في الخافقين ولا التغافل عن كل ما يتعلق بمستقبل الحياة في القطر الجزائري، فيعلن بكل صراحة أن النظام الاستعماري المفروض بقوة السلاح على القطر الجزائري منذ 1830 هو المسؤول الوحيد عن كل المآسي والمصائب والويلات التي وقعت في القطر الجزائر، وذلك بما أحدثه فيه من ميز عنصري مخجل وما سلكه فيه من سياسة التفقير والتجهيل والحرمان من كل نعم الحياة بالنسبة للعنصر الإسلامي وما حارب به الدين الإسلامي في اقدس مقدساته وما أجهز به على التعليم العربي القرآني في كل جهة من جهاته وما تعمده من محق جنسية الأمة ومحاولة إبتلاعها ومحو كل مظهر من مظاهر سيادتها وما أعلنه مرارا رغم إرادتها من إلحاقها وإدماجها إلى أن أوصل الأمة بكل ذلك على درجة اليأس فعمدت إلى الأعمال التي يوجبها اليأس ويرفع عقيرته بالاحتجاج الصارم العنيف على ما ارتكب في مختلف جهات البلاد من أعمال البطش والإرهاب والتنكيل وما وقع من الفظائع والفضائح والمنكرات بدعوى الزجر ومحاولة إخماد الثورة كما يحتج الاحتجاج الصارخ على تلك المظالم الكثيرة والمتعددة التي وقعت على مدارس جمعية العلماء وما وقع على المعلمين فيها من حيف وجور بين سجن وتغريم وإبعاد إلى المحتشدات ويترحم على الشهداء الأبرار الذين ذهبوا ضحية القمع الأعمى الفظيع ويدعو الأمة للقيام بواجبها نحو أبنائهم وعائلاتهم وكفالتهم كفالة يوجبها الإسلام وتفرضها المروءة والشرف ويبعث بصادق الود وعظيم التقدير والعطف لسائر رجال الأمة الأحرار الأبرار الذين أوصدت عليهم أبواب السجون أو أطبقت عليهم الأسلاك الشائكة في المحتشدات ويشاركهم في تلك المحن التي تقبلوها بثغور باسمة وصدور رحبة ويعلمهم أن الأمة الحية الشاغرة لن تنسى لهم تضحيتهم وأنهم سيكونون إذا في طليعة العاملين على إنشاء الهيكل الوطني العظيم ويعلن مرة أخرى أن كل سياسة مبنية على ترقيع الماضي وإجراء إصلاحات على قاعدة النظام الاستعماري الحالية مهما تغير اسمها إنما هو من قبيل العبث والاستهتار والإمعان في الزج بالأمة الجزائرية في مضيق اليأس الذي لا يحدث إلا الانفجار ويقول كلمة صريحة علنية يرجو أن يسمعها المسؤولون في باريس وأن يسمعها العالم أجمع وهي أنه لا يمكن حل القضية الجزائرية بصفة سلمية وسريعة إلا بالاعتراف العلني الصريح بكيان الأمة الجزائرية الحر وجنسيتها الخـاصة وحكومتها القومية ومجلسها التشريعي المطلق التصرف في دائرة احترام مصالح الجميع والمحافظة على حقوق الجميع ويؤكد أنه لا يمكن وضع حد لحالة الحرب الحاضرة والإقدام على بناء النظام الحر الجديد إلا بواسطة التفاهم الصريح المخلص مع سائر الممثلين الحقيقيين للشعب الجزائري من رجال الحل والعقد الذين أظهرهم الكفاح الجزائري ويوصي الأمة ختاما بالحق ويوصيها بالصبر ويستحثها على العمل الصالح والثبات وتوحيد الصفوف ونسيان الخلافات القديمة حتى تستطيع متحدة متظافرة أن تصل قريبا إلى الدرجة الرفيعة التي أهلها لها جهادها المستمر منذ أحقاب وكفاحها الشريف الذي أصبح في العالم مضرب المثل وتاريخها الحافل بجلائل الأعمال لقوي عزيز" صدق الله العظيم.
الاجتماع العام لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين
البصائر عدد 349 السنة الثامنة الصادرة في 29 جمادى الأولى 1375 هـ الموافق لـ 13 يناير 1956 م. ] وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون[، ] ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز [ صدق الله العظيم.
الاجتماع العام لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين.
الكاتب العام الرئيس
أحمد توفيق المدني العربي التبسي