جهاد الإمام عبد الحميد ابن باديس في مجال القرآن وهدايته
بقلم: الشيخ محمد الصالح الصديق-
عرف الإمام رسالة القرآن، وقال في أثرها وفعلها: «إذا أردت أن ترقى في درجات الكمال، وتضفر بأنواع الإنعام، وتزكي نفسك الزكاة التامة، فعليك بهدي القرآن، فهو بساط القدس ومعراج الكمال ومائدة الطعام »
وعرّف أن الذين بنوا أرقى حضارة شهدها التاريخ في الصدر الأول من سلفنا،لم يكونوا عالمين بالطبع والجبلة،وإنما أصلحهم القرآن لمّا اعتصموا به، واهتدوا بهديه، وترجموه إلى أخلاقهم، وسلوكهم العملي،ومن هنا يرى الإمام أن العودة بالأمة إلى هذا الكتاب المبين أمر واجب يفرضه وضع الأمة الأليم،الذي أفضى إليه هجر القرآن والبعد عن هدايته. ويفرضه أيضا ما يجب أن تكون عليه أمة الإسلام،وأمة القرآن وأمة محمد صلى الله عليه وسلم من الرقي والتقدم والازدهار
رأى كل ذلك وعرفه فتصدّى لتفسير القرآن والكشف عن حقائقه وأسراره،وهدي الأمة إلى منابع هدايته،وتواصل ذلك بكل عناية وجهد طوال خمس وعشرين سنة،وختمه في حفل تاريخي مشهود،وكان ختمه مفخرة من مفاخر الأمة الجزائرية،ووسام شرف يظل على صدرها مدى الحياة.
ولعلّ أحسن وصف وأبلغه وأعمقه دلالة،لأهمية هذا التفسير وقيمته ما قاله رفيقه في الجهاد العلمي والإصلاحي أمير البيان العربي المرحوم الشيخ محمد البشير الإبراهيمي:« بارك الله في عمر الأستاذ خاتم تفسير كتاب الله ببيانه المشرق في خمس وعشرين،ما من غير أن تختل أعماله العلمية الكثيرة،ولا أعماله المستغرقة لدقائقه في سبيل هذه النهضة،وعرفت الأمة الجزائرية قيمة ما أتم الله على يد الأستاذ فاحتفلت بهذا الختم كأعظم ما تحتفل أمة ناهضة بأثر ناجح من آثار جهودها ».
وأما الإمام ابن باديس فيتصور هذه النعمة الكبرى التي أتمها الله على يده،ويتمثل ككل الذين ساهموا في تكوينه وتهيئته فكريا وروحيا حتى أدّاها خير أداء فيعترف لهم جميعا بالفضل ويقول: «أنا رجل أشعر بكل ما له أثر في حياتي،وبكل من له يد في تكويني،وإن الإنصاف الذي هو خير ما ربى عليه امرؤ نفسه – ليدعوني أن أذكر في هذا الموقف التاريخي العظيم،بالتمجيد والتكريم كل العناصر التي كان لها الأثر في تكويني،حتى نأخذ حضنا مستوفي من كل ما أفرغتم على شخصي الضعيف من ثناء ومدح بالقول والفعل».