الشيخ أبو يعلى الزواوي في نظر الشيخ أبي بكر جابر الجزائري
بقلم: أ.د. مولود عويمر-
كتبت عنه العديد من الصحف الجزائرية منها جريدة «اللواء » لسان حال جمعية «شباب الموحدين » بقلم الشيخ أبي بكر جابر الجزائري. ونشر هذا المقال – وهو نص مجهول عند المهتمين بتراث الشيخ الزواوي أو الشيخ جابر- في العدد 3 المؤرخ في 2 شوال 1371 هـ/ الموافق 25 جوان 1952 . وسبب التأخير يعود إلى صدور الجريدة شهريا.
ونشر المقال في الصفحة الثالثة، بينما نشرت «اللواء » في الصفحة الثانية خبر وفاة الشيخ الزواوي بعنوان «مصاب عظيم »، وفيه تذكير سريع بحياته ومناقبه وإشارة إلى صلاة جنازته التي أمّها الشيخ الطيب العقبي وحضرها كثير من الناس.
وأود هنا أن أقدم نبذة مختصرة عن حياة الشيخ أبي بكر جابر الجزائري مشيرا إلى جوانب خفية من سيرته، أما ترجمة الشيخ الزواوي فقد خصصتُ لها مقالا في عدد سابق من جريدة «البصائر .
مسيرة الشيخ أبي بكر جابر
هو أبو بكر جابر بن موسى بن عبد القادر. ولد في قرية ليوة بنواحي بسكرة سنة 1921 . درس بالزاوية العثمانية بطولقة. كما تتلمذ على الشيخ نعيم النعيمي أحد أقطاب جمعية العلماء المسلمين الجزائريين.
انتقل إلى الجزائر العاصمة واشتغل بالتعليم في المدرسة الجلالية الحرة والدعوة والإرشاد إلى جانب الشيخ الطيب العقبي. وبقي أبو بكر وفيا لأستاذه العقبي إلى غاية وفاة هذا الأخير.
وفي عام 1948 نشر أبو بكر جابر كتابا في التربية والتوجيه المدرسي عنوانه: «مرآة التلميذ ». وقد اطلعتُ على نسخة منه في المكتبة الوطنية بباريس في عام 1998 . ويحتوي الكتاب على تفسير سورة العصر، وشرح الحديث النبوي «إياكم والظن »، وقصائد شعرية وقصص وتوجيهات هادفة.
وقرظ الشيخ أبو يعلى الزواوي هذا الكتاب كما أشار إلى ذلك صاحبه في النص الذي بين أيدينا.
وساهم الشيخ أبو بكر في تأسيس جمعية شباب الموحدين وإصدار جرائدها «الداعي » ثم اللواء » في عام 1952 . وكتب أيضا في جريدة «الإصلاح » التي كان يصدرها الشيخ الطيب العقبي.
وغادر الشيخ جابر الجزائر في عام 1953 ، واستقر في الحجاز طالبا للعلم في مكة والمدينة، ثم تفرغ للتدريس في المسجد النبوي وجامعة المدينة المنورة فيما بعد.
ورغم الغربة بقي الشيخ جابر على علاقة متينة بالجزائر، وتواصل مع الجزائريين. ولقد عثرتُ مؤخرا على رسالة له وجهها إلى مكتب جبهة التحرير الوطني بالقاهرة تكشف عن دعمه للثورة الجزائرية وجمعه التبرعات لها.
كما زار الجزائر بعد الاستقلال، وألقى عدة دروس ومحاضرات في المساجد. وما زال مقيما في المدينة المنورة، ويتابع باهتمام شديد أحوال الجزائر وتطور الأحداث السياسية والعلمية فيها.
وفي مجال البحث والكتابة، أصدر الشيخ مجموعة من الكتب ومن أشهرها: منهاج المسلم، عقيدة المؤمن، أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير، المرأة المسلمة، الدولة الإسلامية، الضروريات الفقهية، هذا الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم، العلم والعلماء...الخ.
وقد أعيد نشر معظم هذه الكتب في الجزائر في الثمانينات من القرن الماضي، وقررت بعضها على طلبة الدراسات الشرعية في الجامعات الجزائرية.
جريدة اللواء في سطور
أما جريدة "اللواء" التي نشرت المقال فقد صدر عددها الأول في 17 أفريل 1952. ولم يظهر منها إلا ثلاثة أعداد. وهي صحيفة شهرية مقرها بنادي الترقي بالجزائر العاصمة.
وتحتوي أربع صفحات كبيرة، تنشر فيها مقالات في الدعوة والأدب نثرا وشعرا. ومن أبرز كتابها الأستاذ محمد الهادي السنوسي. كما تتابع نشاط جمعية شباب الموحدين وزعيمها الروحي الشيخ الطيب العقيي.
وتحرص الجريدة على نشر أخبار العالم الإسلامي حتى لا يبقى الشاب الجزائري غائبا عن الحراك السياسي والثقافي الذي كانت تعج به بعض العواصم العربية، وتدعم بذلك أواصر التواصل مع إخوانه المسلمين في العالم.
وتتبنى هذه الجريدة أحيانا مواقف سياسية نقدية تجاه خصومها أو سلطة الاحتلال، وعلى سبيل المثال أذكر هنا المقال المنشور في الصفحة الأولى من العدد الثالث عبرت من خلاله عن معارضتها لنفي الزعيم مصالي الحاج إلى فرنسا، واستنكارها للنظام الاستعماري الجائر. ولعل هذا المقال هو السبب وراء توقيف هذه الجريدة.
إليك الآن أيها القارئ النص الذي رثى به الشيخ جابر أستاذه الشيخ الزواوي راجيا أن يفيد كل المهتمين بتراث الحركة الإصلاحية بشكل عام وتراث العالمين بشكل خاص.
الله أكبر ... وإنها لفاجعة
«حقا إنها لفاجعة كبرى غشت فأذهلت، وأهالت فأسالت... ولم تكن إلا من أخوات القواصم وبنات الفواصم.
وكيف وركن في الإسلام قد انهار، وطود في الإصلاح عظيم قد اندك. وهيصور يذوى، وذائد صبور يقضى.
كانت حقا فاجعة، وكانت حقا فادحة تلك نعية المصلحين، وذلك استيفاء أجل، أجل الصالحين، وإن في ذلك لرزء للإسلام عظيم وخطب للإصلاح جسيم.
لعمرك ما الرزية فقد مال ولا فرس يموت ولا بعير
ولكن الرزية فقد حر يموت لموته خلق كثير
أي سعيد لقد رزىء بموتك الإسلام والإصلاح معا فماذا عسى ان يكون لهما فيك من عزاء؟
ألا فليبك الإسلام والإصلاح يا سعيد، والناس شقيهم والسعيد.
وإني لباكيك ما وجدت للبكاء سبيلا. وهل يجدي البكاء؟ أي سعيد الشهيد، لم أكن أمت إليك بنسب فيقال بكاه نسيب، ولكن أبكيك وأنا بعيد كأشد ما يبكيك قريب. وليبكك معي جميع المسلمين حميت عقائدهم وزدت إسلامهم وأكبرت شأنهم وصنت لسانهم فإن لم يبكوك فقد عقوك وما بروك.
حامي الدين (وصالحا) في الجزائريين من بعدك يخطب على أعواد صنعها الاستعمار وأجلس عليها الأغرار الأغمار، فيقول كما كنت تقول: إن الذي يتقاضى إلى غير الإسلام ليس من أهل الإسلام.
وإن الذي يعرض عما في الكتاب لعليه لعنة أهل الكتاب، وإن الذي يستبدل بالعربية غيرها ليس بعربي. وإن من يقدم صغيرته لمدرسة أجنبية كان كمن وأدها حية، وأن من يذر زوجه تزور القبور كان كمن يكرهها على البغي ويعلمها الفجور.
أي شيخ الإصلاح إني لذاكر لك في هذه الندبة نقيبة هي آية في الأخلاق ونادرة في العالمين: عرفتك منذ عرفتك شيخا مسنا أشرفت على التسعين وعرفتني حدثا دون الثلاثين، وكنت تصغي لحديثي إن حدثت فتعجب إن أكبرت وتتأوه إن تحسرت وتؤمّن لدعائي إن دعوت كأنما لبست من الفضل ثيابي أو أحد من أترابي.
ويوم قدمت إليك كلمات في حجم كتيب فأسميتها كتابا ودعوتني الكاتب. وما ظننت يوم استقرظتك لعلمك وفضلك فأقرظت، ولا يوم سألتك فقد أجبت وما استنكفت ولا استكبرت، وبدون هذا استكملت الفضائل وسدت جميع القبائل فلا أنت بالذي تزيده صحبتي فضلا ولا شهادتي نبلا.
والحق أيها الراحل أقول أنك ما ادخرت وسعا في حماية الإسلام ونشر الإصلاح، وإنك لأولى الناس بالخلود والبقاء وأحقهم بالرثاء والبكاء. » (أبو بكر)