الشيخ بن عتيق لمجلة العقيدة: الفرد المسلم أساس المجتمع الصالح
حاوره: علي غرزولي -
من حين لآخر تحاول العقيدة تسليط الضوء على بعض الرموز الإسلامية من النوع الذي تربى في أحضان جمعية العلماء وقد نسيهم الواقع الجزائري مع الأسف...
ابن باديس رحل إلى جوار ربه، ولكنه ترك وراءه جيلا من جنود الحق والقلم واصل المسيرة بنجاح... من هؤلاء الشيخ محمد الصالح بن عتيق أحد رجال جمعية العلماء الذي يشهد له عمله قبل كل شيء، على أنه استطاع أن يشق طريقه وفي اتجاه التربية والتكوين والوعظ والإرشاد بنجاح.
العقيدة عادت بشيخنا إلى الوراء... إلى ذكريات التعليم، الجهاد... التربية والتعليم فكان لما معه هذا الحوار.
· العقيدة : من الشيخ بن عتيق ؟
· الشيخ بن عتيق : اسمي الكامل محمد الصالح بن عتيق من مواليد سنة 1903 بالميلية –جيجل- حفظت القرآن الكريم دون الثالثة عشرة من عمري... درست عند ابن باديس وترددت عليه كثيرا حتى كادت الصحبة تكون بيننا، كما لازمته بالجمعية... كلفت بالدعوة في التل والصحراء، فرحم الله زمان.
الجمعية وابن باديس إذ كان الجميع ذا وحدة على من سواهم.
· العقيدة: كيف كان دور جمعية العلماء في بث الوعي الديني والوطني لدى الأمة ؟
· الشيخ ابن عتيق: الجمعية كانت تعتمد الإسلام في كل تحركاتها بما في ذلك تحسيس الشعب وإثارة عقله وعواطفه لمحاربة المستعمر... لقد كان لعلماء الجمعية رحمهم الله الدور الكبير في تعليم الأمة دينها وتعبئتها للجهاد المبارك... وتبقى الدروس الوعظية من أهم الوسائل التي بثت الوعي الديني والوطني في الأوساط الشعبية بالمجتمع الجزائري.
· العقيدة : يتهم البعض جمعية العلماء بالإندماج ؟ ما تعليقكم؟
الوطنية وطنية من غيرها...
· الشيخ ابن عتيق : ردنا على هذا الكلام التافه قول ابن باديس:
من رام إدماجا له رام المحال من الطلب
ثم تكلم غاضبا، هل استطاع أحد من هذه الكلاب النابحة أن يصرح بمثل هذا الكلام أيام الحديد والنار، أيام أن كانت كلمة الحق تجلب الموت والتنكيل لصاحبها... لماذا قلب الحقائق... ؟ لكنهم لا يستحون، فليقولوا ما يشاءون، ورحم الله الشيخ مبارك الميلي الذي رد على أمثالهم سنة 1939 إذ قال : « والمنتصر إلى ذلك أي إلى الاندماج غير حكيم وهو ميتة شاذة بين الأمم، ثم إن برنامج الجمعية كفيل بالرد على هذه التفاهات... وهو كلام إما أن يصدر عن جاهل أو عن مغرض حاقد، وللتاريخ نقول سلوك جمعية العلماء من أوله إلى أخره أحسن جواب...»
· العقيدة: وقيل عنها بأنها كانت ضد إشعال فتيل الثورة
من حقنا أن نتبين...
· الشيخ ابن عتيق: هذا كلام ينم عن خبث وتلفيق، فليذكر لنا هؤلاء رجلا واحدا من رجال الجمعية خان الثورة أو ثار ضدها كما ثارت أذيال فرنسا، وأنا كرجل من رجال الجمعية شاركت في هذه الثورة بكل ما أملك... كم هم الطلبة والمشايخ الذين أوذوا وسجنوا لا لشيء، إلا لأنهم ثاروا ضد فرنسا، وقد كان ابن باديس نفسه يهيء للثورة منذ أمد بعيد، إلا أنه كان يتحين الوقت المناسب... ويكفي مثالا على معاداة فرنسا، فتوى الجمعية في شأن أولئك الذين توجهوا إلى طرابلس لمساعدة فرنسا ضد النازية في الحرب العالمية الثانية... إذ تؤكد الفتوى أن الإثم يلحق كل من ساعد المستعمر "فرنسا " نعم لقد كان ابن باديس عالما فذا وداعية مخلصا وشعلة وطنية، وكم هم طلبته الذين جندوا في سبيل الله واتوا شهداء... والنموذج الحي في ذلك في منطقة الميلية الشيخ محمد الزاهي، الذي دخل الجهاد وشارك في الثورة بكل مـا يملك من جهد ومال وقوة وهو يناهز الستين من عمره آنذاك، والشيخ الزاهي يعرفه الجميع بالميلية وهو أحد رجـال الجمعية الأفـذاد... أما عن الذين تأخروا عن الانضمـام إلى إخوانهم فذلك راجع إلى لعـدم تبينهم من الأمـر ومن حقهم ذلك، فلما تجلت لهم الأمـور دخلوا الثورة بكل قواهم، والتاريخ يشهد على ذلك ولمن أراد التأكـد فليسـأل الأعداء قبل الأصدقاء.
· العقيدة: كيف كانت علاقتكم بالطرقية ؟
· الشيخ ابن عتيق: ضحك وقال: علاقة صراع، والجمعية ضد كل أنواع البدع، لا سيما تلك التي تصدر عن هؤولاء الذين كانوا يستعملون الدين كوسيلة للاسترزاق وجمع المال ، والطرقية كانت في الجزائر حليفة للاستعمار، وعلى هذا الأساس كان حبل التفاهم ، معهم مقطوعا...
وقد عبر كبار أقطابهم عن رغبته في التعامل مع جمعية العلماء، فردت الجمعية "نعم لو كنتم أحرارا..." وهي إشارة لارتباطهم الوثيق بفرنسا، ومع ذلك كان ابن باديس يرأف بهم ويرحم ويقول عن الطرقية "نحن نريد إصلاحها لا هدمها ".
· العقيدة: كيف كان دور الجمعية في المشرق إبان الاستعمار ؟ وكيف كانت علاقتها بتنظيم الإخوان المسلمين ؟
· الشيخ ابن عتيق: قد قامت جمعية العلماء بنشاط هائل هناك، كما قدمت للثورة دعاية جلبت الكثير من المنافع ، ويكفيها جهدا أنها كانت سببا في إيصال الكثير من الأموال والأسلحة إلى المجاهدين رحم الله الشيخ محمد البشير الإبراهيمي الذي عرف بالجمعية وبالثورة في المشرق وخاصة بمصر... أما عن العلاقة بالإخوان المسلمين فلقد كانت جيدة.
علاقتنا بالإخوان جيدة...
وكانوا يعتبروننا من العاملين للإسلام بل انتظروا منا الشيء الكثير ، وتابعوا كل تحركاتنا... وبالمقابل اهتم رجال الجمعية بالجزائر وخارجها بأعمال الإخوان المسلمين ولا سيما الشيخ الإمام الشهيد حسن البنا رحمه الله الذي كان يحضى بمكانة خاصة عند الجمعية، ولا يزال كذلك... ولقد كانت بيننا اتصالات ومتابعات دائمة، فكأنها حركة واحدة، وقد كان الإبراهيمي أكثر اتصالا بهم...
وقد كانت جرائدهم تصلنا باستمرار وخاصة جريدة "مجلة " الدعوة يبقى أن أوكد في هذا المقام أن منهجية التغيير كانت متقاربة بيننا... ألخصها بقول الشاعر : "وكلنا إلى ذاك الجمال نشير "
والجمال هنا هو نهضة الأمة الإسلامية... إذن فالعلاقة جيدة ومتينة وأدنى الأدلة احتجاجنا على إعدام الشهيد سيد قطب رحمه الله .
· العقيدة: وماذا عن منهج الجمعية في التغير ؟
· الشيخ ابن عتيق: منهج جمعية العلماء في الإصلاح الاجتماعي مبني على إصلاح الفرد والمجتمع من خلال إيجاد الفرد المسلم المتميز في سلوكه وأخلاقه وعلمه و... وهذا ما جاء في قوله تعالى: « إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم »... وقد كان شعار الجمعية في كل هذا مقولة الإمام مالك: "لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها".
· العقيدة: لماذا همشت الجمعية وحلت بعد الاستقلال؟ ولماذا عطلت مدارسها ومعاهدها ؟
· الشيخ ابن عتيق: كلمة الحق مرة على الكثير... لقد قالت الدولة أيام الاستقلال إن السماح بنشاط الجمعة يعني السماح لبقية التنظيمات والاحزاب وهذا غير ممكن على حد قولهم في ذلك الوقت، هذه حجتهم، وهي حجة في رأينا مردودة ومرفوضة، إذ كيف يحارب من ربى الأمة وعلمها كيف تواجه المستعمر البغيض، ولقد حاول الإبراهيمي رحمه الله مع جملة من العلماء بعث نشاط الجمعية من جديد لكن الأمور لم تتم كما أراد إخواننا... وانعقد اجتماع في هذا الشأن قبل سنة "65" وكنت من الذين حضروه، إلا أن النصاب لم يتحقق وما زاد الطينة بلة انضمام بعض رجال الجمعية إلى الدولة، ورفضهم لاستمرار نشاط الجمعية إلى الدولة ورفضهم لاستمرار نشاط الجمعية، وهكذا لم يثمر الاجتماع وتميعت المسألة... وقد كنا ننتظر مثل هذا الحصار وليته كان منظما... أما عن تعطيل المدارس والمعاهد فإن الشيخ رفض الإجابة كونه لا يملك معلومات دقيقة عن هذا المخطط الرهيب، لكنه عقب باستهزاء وهو يقول: "ماذا يعملون بمدارس الجمعية، لا فائدة فيها"...
· العقيدة: تقييمكم للوضع الحالي للبلاد؟ وما نظرتكم للقضايا التالية: اللغة العربية، الأمازيغية ، الدستور ، اللائكية ؟
· الشيخ ابن عتيق: أنا لست مرتاحا لهذا الوضع لأنه فوضوي، لقد كادت تسود الفوضى وكدنا نكون من أهلها، ومع ذلك نقول: هناك أعمال نباركها ونشجعها وننتظر منها الخير، وهي حركة هذا الشباب المسلم الذي بعث في الأمة الأمل من جديد... أما ما نخافه فهو الغرور الذي أصاب قوما هلكهم... أما الجواب عن القضايا المطروحة في السؤال فألخصها فيما يلي : (تهميش اللغة، تهميش للدين)
- اللغة العربية: اللغة هي الشرط الأساسي في المحافظة على الإسلام... فالإسلام يمثله القرآن، والقرآن بلغة عربية مبينة، ولا يمكن أن نفهم ديننا إلا بتعلم القرآن، والتفريط في اللغة العربية أو تهميشها إنما يعني عند المسلم الغيور تهميش للدين ومحاربة له.
- الأمازيغية: كتاريخ نعم، أما كمنافسة للعربية ومضايقة لها فلا.
- الدستور: أنا لا أعرف إلا دستور واحدا، إنه القرآن، ولا نريد الدساتير المستوردة من الشرق أو من الغرب.
- اللائكية: هي دعوة شيطانية إلحادية غريبة عن مجتمعنا وهي فكرة يهودية، ولنا في الإسلام ما يغني عن هذه الدعوات الهدامة ...
· العقيدة: نظرتكم إلى المسار الديمقراطي ؟
· الشيخ ابن عتيق: أنظر إليه بحذر وشك، وليست لي ثقة في هذا المسار... وكلمة الديمقراطية عندنا أصبحت من الكلمات المظلومة... وهي عندنا اليوم وسيلة من وسائل التحايل... أما نحن معاشر المسلمين فلنا الشورى التي تكفينا شر هذه المصطلحات، ويكفي أن سورة بأكملها في كتاب الله تحمل اسم "الشورى".
· العقيدة: كثر الكلام على الغزو الإعلامي، فكيف لنا أن نواجه هذا الخطر؟
- البديل الإعلامي هو الأساس...
· الشيخ ابن عتيق: إن من أخطر الأسلحة التي تواجه العالم الإسلامي اليوم، الإعلام، بشقيه الشرقي والغربي، واعتقد أن أفضل طريقة لمحاربة هذا المارد إنما
تكمن في النقاط التالية:
- توفير البديل الإعلامي الإسلامي الفعال الذي يغني المسلمين عن بقية المحطات التلفزية أو الإذاعية
- إقناع الناس بخطر الإعلام الأجنبي المضلل والمنحرف ، وذلك بكل الوسائل بالخطب المسجدية والمحاضرات...
- الاحتجاج بالطرق الملائمة عن كل ما هو غريب عن مجتمعنا وخاصة ما تبثه وسائل الإعلام الوطنية... ودون احتجاج ومعارضة للبرامج الفاسدة، فإن الخطر سيداهم الأمة بأكملها.
· العقيدة: بما تنصح شباب الصحوة ؟
· الشيخ ابن عتيق : نصيحتي لهم ما قاله الشيخ محمد البشير الإبراهيمي رحمه الله، هكذا كونوا أو لا تكونوا....
أن يلتمسوا الحياة من آفاق الإسلام وإن يطلبوها من تاريخهم المجيد الذي ترك آثارا خالدة ينبغي الرجوع إليها، والمشي في طريقه... وإن يكونوا في تحركهم هذا واقعيين لا خياليين ولا مغرورين.... خاصة ونحن في وقت أصيب فيه الكثير من شبابنا بعدوى الانشغال بالأفكار الأجنبية والتيارات المختلفة التي أفسدت فكره وذوقه وعقله... ونحن نريده أن يبني حياته على تاريخه العظيم، التي كانت له حضارة لا يجهلها، إلا معـاند وجـاحد، كما اغتنم الفرصة
لأتوجه بالنصيحة لأبنائي شباب الصحوة الإسلامية بأن:
حذار من الغرور.....
لا يندفعون تحت عامل الغرور والتقليد، وأن يبتعدوا عن الأفكار الغريبة عن الأمة والتاريخ، على أساس من التعقل والتثبيت والنظر الصحيح... وعلة شبابنا، وهو يشق طريق الإسلام أن يتزود بكتاب الله عز وجل حفظا وفهما وتبليغا، وأن ينكب على كتب السلف كابن تيمية وابن القيم وآثار جمعية العلماء.... ودون ذلك يبقى التحرك أعرجا.
· العقيدة: وماذا عن رابطة الدعوة الإسلامية كإطار وحدوي ؟
· الشيخ ابن عتيق: نجاح هذا المشروع متعلق بالأمور التالية:
- أن يخلص رجالها وأن يكونوا قادرين على حمل العبء
- الابتعاد قدر الإمكان عن الأنانية مع توفير شروط القيادة الصالحة الكفاءة
- الصدق في كل تحرك ، قال تعالى : « يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين »... هذا ويبقى الجد والحرص من ضروريات إتمام أي مشروع ..... وأسأل الله لهم التوفيق والسداد.
· العقيدة: نظرتكم لمستقبل العمل الإسلامي بالجزائر؟
· الشيخ ابن عتيق: هذا أمر موكول إلى همة القائمين عليه، وللظروف أيضا تأثير ودخل كبير في تكييف العمل، فقد تظهر أمورا لا نحسبها اليوم، فتتغير الكثير من الحسابات ولنا في التاريخ عبرة... ولا أطيل لأقول أن الصحوة إن لم تتلقفها أفكار طائشة سيكون لها الأثر العميق والمتعدي، وإلا فالعواقب وخيمة لا قدر الله...
· العقيدة: كلمة أخيرة ؟
· الشيخ بن عتيق: أنصح لهذه الأمة أن تتبع سبيل السلف الصالح وذلك بالرجوع إلى كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذا ضمان لسعادتها ورقي حضارتها والحمد لله رب العالمين.
حوار منشور في مجلة العقيدة ، العدد الصادر يوم الأربعاء 24 رجب 1411 هـ الموافق ليوم 6 فيفري 1991 م