تأسيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين..الظروف والملابسات، والوسائل والغايات
بقلم: أحمد منور-
1- الفكرة : تعود فكرة تأسيس هيئة تجمع شمل علماء الدين المسلمين الجزائريين عند الشيخ عبد الحميد ابن باديس، حسب رأي بعض الباحثين، إلى أواخر الحرب العالمية الأولى، وقد تعود إلى تاريخ أسبق، حين التقى بأرض الحجارة، في موسم الحج لسنة 1913 بالشيخين الطيب العقبي ومحمد بشير الإبراهيمي، وكان الأول يقيم بالمدينة المنورة، والثاني بدمشق، فتباحث معهما في أوضاع الجزائر، حثهما على العودة إلى الوطن لحاجته الأكيدة إليهما والى علمهما أكثر من حاجة الحجاز أو الشام، وقد لبى كلاهما الطلب، وعاد إلى الجزائر ليكون لكل واحد منهما دور متميز في الحركة الإصلاحية، وفي نشاط جمعية العلماء المسلمين الجزائريين.
وعن البداية الأولى لفكرة الجمعية، يروي الشيخ محمد البشير الإبراهيمي أن الشيخ عبد الحميد بن باديس كان قد زاره بمدينة سطيف سنة أربع وعشرين ميلادية، وأخبره بأنه عاز على تأسيس جمعية باسم "جمعية الإخاء" يكون مركزها مدينة قسنطينة (تجمع شمل العلماء والطلبة، وتوحد جهودهم، وتقارب بين مناجيهم في التعليم والتفكير، وتكون صلة تعارف بينهم، ومزبلة لأسباب التناحر والجفاء)، ويضيف الإبراهيمي أن الشيخ طلب منه أن يضع للجمعية قانونا أساسيا، فكتبه في تلك الليلة وقرأه عليه في الصباح، ويذكر أن الشيخ اغتبط به أيما اغتباط، وحمله معه ورجع إلى قسنطينة.
ويؤكد هذه الرواية أن ابن باديس قد نشر بعد ذلك بفترة قصيرة دعوة في جريدته "الشهاب" إلى "العلماء" يدعوهم فيها إلى تقديم اقتراحات تفيد في تأسيس الجمعية المذكورة، وجاء في الدعوة ما يلي :
(أيها السادة العلماء المصلحون المنتشرون بالقطر الجزائري، إن التعارف أساس التآلف، والاتحاد شرط النجاح، فهلموا إلى تحقيق هذا الهدف بتأسيس حزب ديني محض، غايته تطهير الدين مما ألصق به الجاهلون من الخرافات والأوهام، والرجوع به إلى أصلي الكتاب والسنة).
ونلاحظ هنا منذ البداية توجه ابن باديس الإصلاحي الذي سيتجلى بوضوح في حملاته القوية مستقبلا على رجال الطرق الصوفية، ودعا إلى مكاتبته على عنوان الجريدة، فجاءته الردود مؤيدة، وكان بعضها يحمل اقتراحات عملية آراء واضحة وحدده لتجسيد فكرة "الحزب" في الواقع، وكانت أهم تلك الردود ما بعث به المولود بن الصديق الحافظي، فأولاه الشيخ ابن باديس أهمية خاصة ونشر الرد كاملا في العدد التاسع من "الشهاب" الصادر بتاريخ 7 يناير 1926 م.
وتتلخص أهم النقاط فيما يلي :
- تأليف الهيئات الإدارة للحزب من سائر العناصر الوطنية، وعلى رأسهم الإباضيون.
- وضع قانون أساسي يطبقه الجميع ويحترمه.
- تمويل ميزانية الحزب مما يجمع من الزكاة.
- إنشاء مدارس ابتدائية وكتاتيب قرآنية لتعليم الأطفال.
- تأسيس فروع للحزب في المدن والقرى.
- نشر الدعوة الإصلاحية الدينية بين طبقات الأمة، بطبع الكتب ونشر المجلات العلمية، وبالمحاضرات والخطب والدروس المسجدية.
-ىأبعاد الحزب عن المسائل السياسية,
- الاعتراف لهذا الحزب بجميع الحقوق التي تتمتع بها الأحزاب الدينية الأخرى، المسيحية واليهودية.
والواقع أن هذا البرنامج النموذجي يلتقي كثيرا مع تصورات وأفكار ابن باديس في منهجه الإصلاحي، وفي نصوره للجمعية التي كان يدعو إلى تأسيسها، ولو قارنا بين بنوده وبين بنود القانون الأساسي لجمعية العلماء التي تأسست بعد هذا التاريخ بخمس سنوات لوجدنا أنها تتطابق في كل النقاط، باستثناء تمويل ميزانية الجمعية من الزكاة.
وعلى الرغم من حماس الشيخ ابن باديس للفكرة، وتلقيه التأييد والمساندة والأفكار والمقترحات، فان الفكرة لم تتحقق في حينها، وظلت تنتظر خمس سنوات كاملة، كما أشرنا آنفا. والغريب في الأمر أن هذا التأخير لم يحظ بأية عناية من قبل المختصين، كما تعمد أصحاب الشأن أنفسهم إغفال الكشف عن ملابساته، ومنهم على سبيل المثال الشيخ محمد البشير الإبراهيمي الذي تطرق إلى الموضوع في أحد الاجتماعات السنوية للجمعية، ولكنه آثر التلميح على التصريح، واكتفى بالقول أن هناك "حوادث" حدثت فتسببت في تعطيل المشروع دون أن يبين أي شيء عن طبيعة تلك الأحداث أو عمن كان يقف وراءها، ولكنه يعلق على ذلك بقوله : (وأخبرني الأستاذ باديس بذلك (أي بتلك الحوادث)، فلم أستغرب، لعلمي أن استعدادنا لمثل هذه الأعمال لم ينضج بعد، وأن عملا عظيما كهذا لا يثبت على الفكرة الطائرة والخطرة العارضة، ولا يتم في الخارج إلا بعد استقرار في الأذهان، ولا بد له من زمن واسع حتى يختمر وتأنس إليه نفوس ألفت التفرق حتى ذكرت الاجتماع، فسكتنا وتركنا الزمان يفعل فعله).
ويفهم من هذا التلميح أن الأمر يتعلق باختلافات داخلية بين الأعضاء الذين يكونون قد التقوا وتشاوروا بشكل من الأشكال في شأن التأسيس، واختلفوا اختلافات جوهرية، فتفرقوا بهدوء، وتواصوا فيما بينهم بالسكوت، تاركين الزمان يفعل فعله، حسب تعبير الشيخ الإبراهيمي. والشيء الوحيد الذي سيتأكد لنا فيما بعد هو أن الشيخ عبد الحميد بن باديس سوف يستفيد من هذا الدرس، وسوف يستعد للجولة القادمة كل الاستعداد حتى يفوت الفرصة على الذين كانوا سببا في فشل التأسيس.
2 - التأسيس :
كان ذلك في يوم الثلاثاء السابع عشر من ذي الحجة عام 1349 هـ، الموافق لـ 5 مايو 1931 م، حيث اجتمع ينادي "الترقي" بالجزائر العاصمة اثنان وسبعون من علماء الدين في القطر الجزائري، بالإضافة إلى مجموعة من الأعيان ومن الطلبة، بدعوة وجهتها لهم "اللجنة التأسيسية" التي كان يرأسها السيد عمر إسماعيل أحد أعيان مدينة الجزائر، واتفقوا بالإجماع صبيحة ذلك اليوم على تأسيس "جمعية العلماء المسلمين".
وكان أبرز الغائبين عن هذا الاجتماع الشيخ عبد الحميد بن باديس مع أن معظم زملائه من المصلحين كانوا حاضرين. وإذا كان أعضاء اللجنة التأسيسية التي دعت إلى عقد الاجتماع معروفين لكل الناس فان الداعي الحقيقي إليه هو الذي ظل مجهولا، وفي هذه المسألة نجد روايتين : الأولى على لسان الشيخ أحمد توفيق المدني، أحد الأعضاء المؤسسين والعاملين البارزين في الجمعية، رواها عنه الباحث عبد الكريم بوالصفصاف في مقابلة خاصة معه، مفادها أن مبادرة التأسيس تمت على اثر مناقشة دارت بينه وبين جماعة من ذوي الاتجاه الإصلاحي كانوا يترددون على نادي الترقي في شهر جويلية من سنة 1930 ، وبعد ذلك تكفل بها السيد عمر إسماعيل ومعه جماعة ممن الأعيان، والرواية الثانية على لسان الشيخ خير الدين، وهو بدوره عضو مؤسس وشخصيته بارزة في جمعية العلماء، ومضمونها أن الشيخ ابن باديس هو الذي كلف السيد محمد عبابسة بالقيام بإجراءات تأسيس الجمعية :
(على أن يختار جماعة من الذين لا يثير ذكر أسمائهم شكوك الحكومة، أو مخاوف أصحاب الزوايا (الطرق)، وتتولى هذه الجماعة توجيه الدعوة إلى العلماء لتأسيس الجمعية بنادي الترقي بالعاصمة حتى يتم الاجتماع في سلام وهدوء، وتتحقق الغاية المرجوة من نجاح التأسيس).
وفوق هذا يدلي الشيخ خير الدين بشهادة على قدر كبير من الأهمية وهي أن الشيخ ابن باديس كان قد أسر إليه والى الشيخ مبارك الميلي بسر قبل الاجتماع، وطلب منهما كتمانه، هو : (أنه سوف لن يلبي دعوة الاجتماع، ولن يحضر في يومه الأول، حتى يقرر المجتمعون استدعاءه بصفة رسمية لحضور الاجتماع العام، فيكون بذلك مدعوا لا داعيا، وبذلك يتجنب ما عسى أن يكون من ردود فعل تقوم بها السلطة في البلاد، وأصحاب الزوايا ومن سار في ركابها، الذين يتحرجون من كل عمل يقوم به ين باديس، ويؤولونه كما يشاءون).
وتبدو رواية الشيخ خير الدين وشهادته أكثر إقناعا، دون أن تعني أن رواية الشيخ المدني غير صحيحة، وكل ما هنالك أننا نشك في دقة معلومات هذا الأخير.والدليل على صحة معلومات الشيخ خير الدين أن أقرب المقربين إلى ابن باديس كانوا حاضرين في الاجتماع، وأن الأمور سارت كما خططوا لها، على كثرة المناوئين لهم، إذ حضر الاجتماع الموظفون الرسميون، وشيوخ الطرق، وكانوا قد حضروا الاجتماع بنية مبيتة وهي الاستيلاء على الجمعية الجديدة وتصريفها لخدمة أغراضهم، فإذا تعذر الأمر عليهم لجئوا إلى تخريبها من الداخل، وعرقلتها ومنعها من تحقيق غاياتها التي أنشئت من أجلها.
وقد كان جماعة الإصلاحيين على دراية بما بيته خصومهم فعدلوا عن فكرة التصويت، و لجئوا إلى تزكية بالقائمة الموحدة، واشترطوا في المتر شح لعضوية الهيئة الإدارية أن يكون حاصلا على لقب "عالم" من علماء القطر الجزائري، وكلفوا لجنة خاصة تضبط الشروط التي تؤهل صاحبها للحصول على ذلك اللقب، وبهذا ضمن الإصلاحيون حصولهم على الأغلبية في الهيئة الإدارية، وزادوا فوق ذلك أنهم رشحوا الشيخ عبد الحميد ابن باديس لرئاسة الجمعية، وكان لهم ما أرادوا.
إن كل هذه الدلائل تشير إلى أن بن باديس كان غائبا عن الاجتماع بجسده، ولكنه كان حاضرا بفكره وبجماعة، وأن غيابه كان غيابا تكتيكيا، الغرض منه هو صرف الأنظار عن شخصه، وتلافي أسباب الفشل التي حصلت في تجربة التأسيس الأولى، وهكذا نجح في توجيه الجمعية الوجهة الإصلاحية التي كان يريدها لها، دون أن يوصد الباب في وجه الآخرين، ودون أن يتخلى عن نبل مقصده الذي أعلنه من قبل، وهو لم شمل العلماء على اختلاف حظوظهم في العلم : (من أجل خدمة الدين الإسلامي واللغة العربية، والنهوض بالأمة الجزائرية عن طريقهما)، ودون أن يحيد عن اتباع مسلك الكياسة في إدارة الأمور، وفي مخاطبة الجميع. ويعد خطابه في الحفل الختامي في اليوم الثالث للاجتماع أكبر دليل على فصاحته وبعد نظره، فقد شكر الجميع على ما بذلوه من جهد، وطيب خاطر جميع الحاضرين، وهدأ نفوس المناوئين، وأثنى في لفتة ذكية على المستشرق "مسرانت" مدير الشؤون الأهلية بما يستحقه، وكان الحفل قد أريد به أساسا اطلاع الرأي العام الجزائري والأوروبي على إنشاء الجمعية.
ولئن كانت بواعث تأسيس جمعية العلماء لدى بن باديس قديمة ومعروفة فان الباحثين يجمعون على أن احتفالات الفرنسيين سنة 1930 بمرور مائة عام على احتلال الجزائر، بما صاحبها من استفزازات لمشاعر الجزائريين، هي التي كانت السبب المباشر في التعجيل بإنشاء جمعية العلماء.
لقد أراد الاستعمار بتلك الاحتفالات أن يثبت لنفسه وللجزائريين وللعالم أن الأرض الجزائرية قد أصبحت، والى الأبد، أرضا فرنسية، وصاحب تلك الاحتفالات استعراض كبير للقوة، قاصدا بذلك إرهاب الجزائريين، وأشعارهم بأن أية محاولة للتمرد أو الثورة على سلطة الاحتلال لم تعد مجدية، ووجد ببعض المتعصبين في تلك الاحتفالات مناسبة للتهجم على الإسلام، وذهب الحماس ببعضهم إلى القول : (إن احتلالنا اليوم ليس بمرور مائة عام على احتلال الجزائر، ولكنه احتفال بتشييع جنازة الإسلام فيها). فكانت كل هذه الاستفزازات عاملا مؤثرا أجج المشاعر الدينية لدى الجزائريين، واستثار همتهم، وحرك حماسهم الوطني، فراحوا يكثفون نضالهم الوطني، ويوجهون جهودهم نحو التوحيد والتكتل وللوقوف في وجه المخططات الاستعمارية التي كانت تهدد كيان الأمة، وتنوي القضاء على مقوماتها الأساسية المتمثلة في الدين واللغة والانتماء الحضاري.
3- الأهداف والوسائل :
حددت المادة الرابعة من القانون الأساسي الغاية من الجمعية كما يلي :
(القصد من هذه الجمعية هو محاربة الآفات الاجتماعية، كالخمر والمسير، والبطالة، والفجور وكل ما يحرمه صريح الشرع، وينكره العقل، وتحجره القوانين الجاري بها العمل).
ولئن كان التخصيص واضحا في الأول ولا يقبل أي تأويل فان عبارة كل ما يحرمه صريح الشرع وينكره العقل "يمكن أن يؤول ، ويفهم منه ببساطة: بعض ممارسات الطرقية في العبادة، وهي تلك الممارسات التي أعلن ابن باديس حربا شعواء عليها، وبينها في الكثير من خطبة وكتاباته، وسجلها بالتفصيل فيما أسماه "دعوة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين وأصولها"، وقد اضطر الطرقيين إلى الانسحاب من الجمعية حين تبينت لهم هذه الحقيقة وفشلوا في السيطرة على الجمعية. هذا عن الغاية، أما الوسائل فقد حددتها المادتان الخامسة والسادسة، حيث جاء في المادة الخامسة :
(نتذرع الجمعية للوصول إلى غايتها بكل ما تراه صالحا نافعا لها، غير مخالف للقوانين المعمول بها، ومنها أنها تقوم بجولات في القطر ، في الأوقات المناسبة).
ونلاحظ هنا أيضا أن عبارة : (ما تراه صالحا نافعا) تتيح للجمعية الكثير من حرية التصرف والعمل، لا سيما في استغلال الصحافة في عملية التبليغ، وكذا دروس الوعظ والإرشاد في المساجد، وإلقاء المحاضرات في النوادي، وعبارة : (القيام بجولات في الأوقات المناسبة) تعطي بدورها الكثير من حرية الحركة في العمل، وهذا بالنظر إلى القوانين الجائرة التي كانت تحكم البلد، حيث أن ما كان يعرف بـ "قانون الأهلي" الذي ظل معمولا به حتى سنة 1931 ، كان يفرض على الجزائري أن يأخذ إذنا مسبقا من السلطات المحلية في كل مرة يتنقل فيها داخل بلده.
أما المادة السادسة فجاء فيها ما يلي :
(للجمعية أن تؤسس شعبها في القطر، وأن تفتح نوادي ومكاتب حرة للتعليم الابتدائي).
وهذه المادة، على بساطتها ومشروعيتها، وكونها لا تثير أية مخاوف آنية لدى المحتل، إلا أنها في واقع الأمر كانت أخطر مادة في نتائجها على المدى البعيد. لقد كان واضحا لدى زعماء الجمعية أن كل الغايات المرجوة يمكن تحقيقها عن طريق التعليم، فبالتعليم يمكن محاربة الجهل والأمية، وبه يمكن القضاء على الدجل والشعوذة، وعن طريق يمكن فهم القرآن الكريم فهما صحيحا سليما، وبه يعاد الاعتبار للغة العربية التي جوربت في عقر دارها، وعدها الاستعمار لغة أجنبية في الجزائر، لهذا كله رمت الجمعية بكل ثقلها في ميدان التعليم، وركزت معظم جهودها فيه، يفتح المدارس في كل موضع من القطر الجزائري تتاح لها فيه فرصة لذلك، بالتعاون الكامل مع جماهير الشعب، وكذا بدروس محو الأمية للكبار، ودروس للوعظ والإرشاد في المساجد، وبإرسال البعثات الطلابية إلى البلاد العربية، وخاصة إلى تونس ومراكش ومصر. وكان ابن باديس يخاطب طلبته قائلا لهم : (كونوا على استعداد لأداء واجبكم وطنكم)، وكان الإبراهيمي يصف طلبة الجمعية بجنود الإصلاح، وبالكتائب.
وقد أدركت السلطات الاستعمارية خطر النشاط التعليمي للجمعية بعد فوات الأوان، وعملت بعد ذلك كل ما في وسعها للحد من انتشار مدارس الجمعية، فضيقت عليها الخناق، وتشددت في منح رخص التعليم، وأغلقت العديد من المدارس بدعاوى مختلفة وملفقة، ومن ضمنها عدم توفر الشروط الصحية للتلاميذ، وزجت ببعض المعلمين في السجون، ووجهت إليهم تهم تحريض الأهالي على السلطة، والقيام بنشاط معاد للاحتلال، إلى غير ذلك من التهم الباطلة، وكان ذلك يتطلب من رئيس الجمعية ومن هيئتها الإدارية التدخل في كل مرة لدى سلطات الاحتلال، وتقديم العرائض والاحتجاجات، وإثارة الموضوع على صفحات الجرائد، إلى غير ذلك من النضال اليومي في سبيل الحرف العربي، وتعليم القرآن لأطفال الشعب.
وقد أثمرت تلك الجهود في مجال التعليم ثمارا طيبة، وكان للجمعية كتائب فعليه في صفوف الجهاد أثناء ثورة التحرير، كما كان لها كتائب أخرى في ميدان العلم والتعليم بعد أن استعادت البلاد حريتها، حيث ساهم الكثير منهم في إعادة بناء الشخصية الوطنية بطابعها العربي الإسلامي المميز.
وخلاصة القول أن جمعية العلماء المسلمين الجزائريين قد أسست في ظروف صعبة جدا، وواجهت الكثير من المؤامرات والمناورات من الاستعمار وأعوانه وأذنابه، وقد جاءت في وقت اشتدت فيه وطأة الاستعمار وتفشى فيه الجهل، وعم الفساد، وخالط الدين كثير من مظاهر الدجل والشعوذة، وحوربت فيه اللغة العربية في أحد معاقلها، وقد اضطلع برسالة الجمعية رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا، فأدوا ما عليهم من أمانة، بكل صدق وبكل إخلاص، ولم تكن الظروف مواتية، ولا المهمة سهلة، ولا العدو هينا، وكان سلاحهم الإيمان والصبر والاتكال على الله فكانوا بحق خير خلف لخير سلف.
أهم المصادر والمراجع :
- القانون الأساسي لجمعية العلماء.
- سجل مؤتمر جمعية و العلماء المسلمين الجزائريين المنعقد بمركزها العام نادي الترقي بالجزائر العاصمة بتاريخ 16 إلى 19 جمادى الثانية 1354 هـ، الموافق لـ 15 أوت (أغسطس) 1935 ، نشر دار الكتاب بالجزائر 1982 (إعادة طبع).
- مذكرات الشيخ محمد خير الدين، الجزء الأول ، مطبعة دحلب، الجزائر 1985.
- عبد الكريم بوالصفصاف : جمعية العلماء المسلمين الجزائريين ودورها في تطوير الحركة الوطنية ، دار البعث ، قسنطينة .
- Ali Merad "Le réformisme musulman en Algérie de 1925 à 1940 Mouton, Paris/La Haye 1967
- Charles Robert Ageron : Histoire de l'Algérie contemporaine T2, De l'insurrection de 1971 au déclenchement de la guerre de libération 1954, P.U.F., Paris 1979.