زينب الميلي تتحدث عن والدها العلامة الشهيد الشيخ العربي التبسي
حوار: زهية منصر -
زينب الميلي، إعلامية ومثقفة، معروفة بسلاطة لسانها وجرأتها التي لا تعرف المجاملة. هي ابنة العلامة الشيخ العربي التبسي وزوجت المرحوم محمد الميلي ابن العلامة مبارك الميلي.
زينب الميلي تعود عبر هذا الحوار الذي اقتبسنا منه جزءا من ذكرياتها المتعلقة بوالدها العلامة الشهيد الشيخ العربي التبسي.
زينب الميلي معروفة بجرأتها و»سلاطة لسانها«، من أين استمدت زينب كل هذه الجرأة؟
الجرأة ليست وليدة الساعة ولا تعود إلى فترة معينة. أستطيع أن أسميها طبعاً أو صفة جُبِلْتُ عليها، قد تكون الوراثة. دائما أقول لبعض الأصدقاء، إن والدي رحمه الله بدلا من أن يورّثني أطيانا وبيوتا، ورثني الصراحة وإبداء الرأي ومرض الكولسترول وعدم معرفة الاتجاهات سواء كانت حسية أو معنوية. وكم سببت لي صراحتي وإبداء الرأي من مشاكل وعراقيل، خاصة أيام اشتغالي، كم سببت لي من خسائر مادية وأحيانا معنوية. نصحني الأهل والأصدقاء بالتخلي عنها، حاولت لكن الفشل الذريع كان حليفي. عزّيت نفسي بترديد المثل القائل: »الطبع مدينة والمدينة ما تتحولش« فمن شبّ على شيء شاب عليه.
على ذكر والدك الشيخ العربي التبسي رحمة الله عليه، أحد أعمدة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، كيف أثر هذا الجو فيك وفي توجيه خياراتك وكيف ترين دور هذه الجمعية في حسم بعض الخيارات في المجتمع الجزائري؟
رباني والدي على الصراحة وترسيخ »قولوا الحق ولو كان مرا«. أذكر مرة أن عبد الحفيظ بدري، الذي كان معلمنا لمادة الخط، كلفني والدي بكتابة أخذتها معي إلى حصة الخط وخططتها بقلم القصب وبخط جميل وكبير، وطلب مني والدي أن أجعل منها تعليقه. علقتها في المدخل الرئيسي للغرفة، كشعار... ربما من بين العوامل التي ساعدت على تهميشي تأثير ذلك الشعار، الذي لم أكن أتصور أنه سيكون لي عقوبة وعائقا.
والدي كان يتصرف معي تصرفا خاصا مميّزا عن بقية إخوتي الذكور الذين كانوا غيورين مني بسبب المعاملة الخاصة التي كنت أتلقاها منه. حتى أمي كانت جد منزعجة من ذلك التصرف، وكثيرا ما قالت »الشيخ ربي يهديه يركز على تعليمها والعناية بها أكثر من إخوتها الذكور. هم عمارة بيته وهي عمارة بيت الغير«.
حينما نرتكب أخطاء أو نخرج عن »التعليمات« لا يضربنا إلا أحيانا قليلة، بل يعاقبنا بالحبس. إخوتي يضعهم في غرفة صرنا نسميها »بيت الحبس«. وأنا يدخلني إلى المكتبة. وقبل أن يدخلني إليها، يكون قد حضر لي ما أقرأه أو أحفظه. أحيانا يختار لي مجلة أو كتابا، أو سورة من القرآن، يكلفني بحفظها عن ظهر قلب.
امّي لم تكن تنزعج لسجني بل على العكس، كانت تنزعج لسجني في المكتبة، فهي تعتبر المكتبة ضرتها وتقول: حينما كانت »البيضاء« زوجة والدي الأولى، كانت لا تأخذه عنا مثلما تأخذه المكتبة وكتبها، وتنسيه أن له زوجة وأولادا. وثانيا تتعجب كيف أقضي وقتي في مكان ليس للبنات، فبالنسبة لها ربّي خلق قراءة الكتب والجلوس في المكتبة للذكور وليس للبنات. والبنت مكانها الطبيعي هو المطبخ. لا يكاد يمر يوم إلا وتقول لي: »يا ابنتي أنا خايفة عليك من هذه السيرة، البنت مكانها الطبيعي الذي ربي خلقها له هو المطبخ وغرفة النوم وتربية الأولاد«. وكلما رأتني أطالع كتابا، تذكرني بأنني امرأة وأن الرجل لا يبحث إطلاقا عن المرأة »القارية« بل يبحث عن الزوجة المطيعة التي تتقن شؤون المنزل، وإلا يكون مصيرها الطلاق، وأن الرجل يبحث عن امرأة يتزوجها لا عن امرأة »تقريه«.
كنت أفرح حينما أرى أن المرشح لعقابي، ليس كتابا بل مجلة، خاصة إذا كانت مجلة آخر ساعة، أو مجلة المصور، أو حتى روز اليوسف. أما مقالات »مجلة الأزهر« فكنت أعتبرها عقابا مضاعفا، لم أكن أحب قراءتها لأنها لا تحتوي صورا ولا أخبار مجتمع، مواضيعها تظهر لي جلفة وصعبة. كان يقول لي: »حتى أنا حبيني وما تخافنيش، حينما نحب لا نسيء إلى الغير ولا نغضب من نحب«.
دائما في إطار الحديث عن جمعية العلماء، ما رأيك في الاتجاه الذي يرى أن الجمعية شجعت التيار السلفي داخل المدرسة الجزائرية من خلال الموقع الذي شغله الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي والذي أفقد المدرسة دورها في تكوين مجتمع متعدد الثقافات والاتجاهات؟
قبل الإجابة عن هذا السؤال، لي رجاء أن لا يفهم من كلامي أني أدافع عن أحمد طالب الإبراهيمي، فهو ليس بحاجة إلى ذلك. لكن أعتقد أن في هذا الكلام الكثير من التجنّي على الرجل وعلى سياسته. المأخذ الذي يؤخذ عليه، أنه اقتصر على اللغة الفرنسية وحدها دون أن يدخل الانجليزية أو حتى الإسبانية، فلو أدخل الانجليزية مثلا وانفتح عليها لكان له أن يجلب أساتذة ومعلمين من بعض دول العالم الثالث الناطقة بالانجليزية وربما خفف ذلك من الضربات ضد اللغة العربية التي بقيت وحدها في مواجهة أناس يتقنون فن المناورة ويعرفون جيدا أن المعركة بين العربية والفرنسية معركة غير متكافئة.
حينما أسمع هذا القول أن المنظومة التربوية جرت إلى السلفية والوهابية تأتيني هذه الصورة: لو جئنا بفرنسي قح، وهو لا يعرف ولم يقرأ أو يسمع شيئا عن سياسة فرنسا في الجزائر ولا تاريخها في محاربة الهوية الجزائرية، وكلفنا هذا الفرنسي بتسيير المنظومة التربوية الجزائرية، وبدأ يعمل بجد لتحقيق التعريب واسترجاع الهوية، لعرقله الجزائريون الذين لا يحبون العربية، ولقالوا عنه وعن والده الكاثوليكي بأنهما سلفيان ووهابيان ورجعي وغير ذلك. فما دامت المعركة لم تحسم ولم تنته بين لغة »الغو« وبين لغة الضاد، فكل شيء ممكن وكل الاحتمالات واردة. المعركة ليست هينة وليس لها عمر أو تاريخ يحدد نهايتها. بالإضافة إلى أنها معركة غير متكافئة.