مالك بن نبي.. لماذا كل هذا التهميش؟
بقلم: سهيل الخالدي -
لا أعتقد بأني مؤهل للكتابة عن مالك بن نبي الذي يراه البعض فيلسوف الاسلام، ويراه بعض آخر مفكر الثورة الجزائرية، ولا أعتقد أن أحدا باستثناء الباحث الجزائري فضيل بومالة، مؤهلٌ للكتابة عن هذا المفكر الجزائري الكبير على كثرة من حاولوا ذلك في المشرق والمغرب من عمر مسقاي في لبنان إلى نور الدين بوكروح في الجزائر، فكل الذين كتبوا عنه مزقوه إلى "مالكات"، فكل وهو يبحث عن مالك بن نبي أعياه البحث، ففصل لنفسه مالكاً على مقاسه.. وظل مالكا بن نبي قلعة شامخة يقف على راس دنيا الفكر فردا فردا لا يشبهه أحد ولا يشبه أحدا.
لعل الوحيد الذي حاول جديا أن يفهم بن نبي من ذاته ولذاته هو فضيل بومالة، حيث أن له محاولة في فهم بن مالك نقطة نقطة، ذهنية ولغة، ولم يأخذه كتلة واحدة أو عنوانا عريضا للمتاجرة السياسية أو للتنطع الفكري.
واليوم مرّت ذكرى ميلاد بن نبي 1 يناير1905 وقد صمت الجميع؛ جميع الذين كتبوا رغم أنهم اليوم، واليوم بالذات، أحوج ما يكونون إليه، فهاهم يضربون من جاكرتا حتى طنجة، ومن أسباب ضربهم أنهم لم يفهموا بن نبي الذي صارحهم بقابليتهم للاستعمار، وصارحهم بشروط نهضتهم، إن كانوا يرغبون في نهضة، والخروج من خدر عبوديتهم اللذيذ.
بن نبي تعرض لمؤامرة في غاية الخبث وغاية اللؤم حيا وميتا، بل إن بيته في تبسة حوّله البعض إلى وكر وخمّارة، فكتبت في حينها رسالة إلى أحد أثرياء تلك البلدة أسأله أن يشتري هذا البيت ويعيد له اعتباره لعل الله يكتبها في حسناته، لكنه لم يجب، وتحرّك رئيس البلدية في ذلك الوقت ولا أدري ما آلت إليه الأمور بعد ذلك.
أما لماذا تعرض المفكر مالك بن نبي إلى كل هذا السلوك الهمجي من بعض الباحثين وبعض السياسيين وبعض الاداريين، ولم يشفع له أن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة كان وهو وزير للخارجية من مرتادي حلقته في جامعة الجزائر، بل إن بوتفليقة كان السبب في عودته إلى الجزائر، تلك العودة التي أنتجت ملتقيات الفكر السنوي التي أشرف عليها مثقف موسوعي جزائري هو مولود قاسم نايت بلقاسم.. فلماذا تعرض فكر بن نبي لكل هذا التهميش اللئيم؟
إننا نرى السبب في هؤلاء الذين ادّعوا أنهم يعرفون فكره، فكلهم ابتعد عن جوهر فكره، فقد أقام مالك فكره على دعامتين أولاهما: الفهم العلمي الدقيق للاسلام، فاتهمه بعضهم بأنه علماني، وبعضهم الآخر بأنه إسلاموي، ذلك أنهم لا يفهمون العلمانية ولا الاسلام خارج التجارة السياسية والثقافية، وثاني هاتين الدعامتين العروبة الحضارية التي هي نواة الاسلام، فقد كان الرجل عضوا مهمّا في جمعية تدعو إلى الوحدة العربية، كما أنه طوّر لغته العربية وصار يكتب بها ويراجع مترجميه حتى إنه رفض ترجمات بعضهم.
وهنا لابد من الاشارة إلى أن الرئيس جمال عبد الناصر، زعيم الحركة القومية العربية آنذاك، هو السياسي العربي الوحيد الذي فهم فكر بن نبي وأتاح له إقامة طيبة في القاهرة، ويبدو أن هذا المفكر الجزائري دفع ثمن هذه العلاقة الطيبة، فحورب حتى إن هذه العلاقة وهذه النقطة القومية في منظومة بن نبي الفكرية لا يكاد يتطرق إليها أحد من هؤلاء الذين يدعون له فهما وقربا.
واليوم: ألا نرى أن العروبة بدأت تُضرب منذ ثمانينات القرن الماضي باسم الاسلام، وها هو الاسلام يضرب باسم العروبة؟ أو ليست هي الجهالة التي تولّد القابلية للاستعمار منذ عهد الموّحدين إلى عهد الوهابيين والخمينيين؟