عبد القادر الخلّادي 1977/1907 منهجه في ترجمة كتاب المستعرب الفرنسي ليفي بروفنصال (مؤرّخو الشّرفاء)
محمد بسكر

عبد القادر الخلّادي 1977/1907 منهجه في ترجمة كتاب المستعرب الفرنسي ليفي بروفنصال (مؤرّخو الشّرفاء)

بقلم: محمد بسكر-

تنحدرُ جذوم الأديب المؤرّخ عبد القادر الخلّادي من مدينة مغنية، غرب الجزائر، بها ولد بتاريخ 26 ديسمبر 1907م، انتقلت عائلته من بلدة “مغنية” لأسباب مجهولة، واستقرّت في بلدة وجدة بالمغرب الأقصى بعد فرض الاستعمار الفرنسي الحماية عليه سنة 1912م، لا توجد معلومات كافية عن هذه الأسرة، ولعلّ مذكراته الشّخصية التي لا تزال في عهدة أهله ستكشفُ تفاصيل أكثر عنها، وعن حياته العلمية والاجتماعية، وما نعرفه عنه أنّه أخذ تعليمه الابتدائي بوجدة، ثمّ انتقل إلى مدينة الرباط وأكمل تعليمه حتى نال شهادة الدروس الثانوية سنة 1926م، ثمّ شهادة اللّغة العربية سنة 1931م من معهد الدّراسات العليا بالربط، عاد إلى الجزائر ليستكمل تعليمه بكلية الآداب بمدينة وهران سنة 1934م.

امتهن الأستاذ “عبد القادر خلّادي” التربية والتعليم بمناطق مختلفة بالمغرب الأقصى إلى غاية سنة 1972م، ولم يكتف بذلك بل ساهم في الحركة الفكرية والثقافية بالمغرب، وقدّم رؤيته في التّنظير التربوي الذي له فيه جملة من الدّراسات وضعها بالاشتراك مع بعض الباحثين، من بينها، كتاب” المطالعة الثقافية للمدارس الثانوية التقنية”، و”القراءة الثقافية للمدارس الثانوية” و”القراءة التوجيهية لأقسام الملاحظة”.

اهتم بالبحث في الأدب العربي والتّاريخ، وقدّم عدة دراسات في التاريخ والأعلام، منشورة في مجلة دعوة الحق، ومجلة إدارة التعليم، والمجلة الاقتصادية، وزوّد المكتبة الوطنية المغربية بمؤلّفات ودراسات هامّة، كدراسته حول رسالة الكندي، وفصول عن رسالة الغفران، ودراسة عن الصداق والجهاز، نشرها في المجلة الإفريقية سنة 1942م، ومن مؤلّفاته كتاب (صور ومشاهد من الحضارة الإسلامية)، عبارة عن منتخبات أدبية في جزأين، نشرته دار الكتب العربية بالرباط سنة 1961م، جمع فيه نصوصا من التراث الإسلامي، مساهمة منه في توفير مادة تاريخية وأدبية لأساتذة اللّغة العربية، جعله على أبواب،(باب الحياة الأدبية) (والحياة السياسية) و(العمارة) و(الحياة الفكرية)، لم تكن غايته من هذا التأليف إنشاء بحث جديد في التراث، وإنما إبراز صور من النّشاط السّياسي والفكري والفنّي، لبعض الدول وقادة الفكر، فنجده في هامش صفحات الكتاب يترجم لشخصيات كثيرة، كما شرح معظم الألفاظ الغريبة الواردة في النصوص التي نقلها، ومراجعه في هذا الكتاب كثيرة، أغلبها من التراث القديم، ككتاب العقد الفريد، والإمتاع والمؤانسة، ورحلة ابن بطوطة، ونفح الطيب وغيرها.
وللأستاذ “عبد القادر خلّادي” دراسة نشرتها له “مجلة الأصالة” الجزائرية، في عددها (26) سنة 1975م، وهو عددٌ خاص بمدينة تلمسان، شمل الدّراسات التاريخية، والحياة الفكرية والحضارية، والبحوث الأدبية، وقد طلب رئيس تحرير المجلة السّيد “عثمان شيبوب” منه الإسهام بموضوع ينشر في هذا العدد الذي سيصدر بمناسبة انعقاد المؤتمر التاسع للفكر الإسلامي بمدينة تلمسان، وقد اختار الأستاذ خلادي الكتابة عن حياة (مولى تلمسان) أبي مدين الغوث، ونشر موضوعه في المجلة تحت عنوان (أبو مدين الغوث دفين تلمسان) من الصفحة 284 إلى 295.

تَعريبُه لكتاب (مؤرّخو الشرفاء):

فضيلة هذا الكتاب ترجع لكونه يختص بتتبع مصادر تاريخ دولة الشرفاء (الدولة السعدية)، فهو من المصادر الغربية الهامّة التي تناولت محتويات المؤلّفات التاريخية المغربية في فترة الحكم السعدي للمغرب الأقصى، ومؤلفه الفرنسي المستعرب السّيد “ليفي بروفصال”، باحث في التراث المغاربي، ولد في الجزائر سنة 1894م وتلقى تعليمه بمدينة قسنطينة، اشتغل أستاذا للغة العربية والحضارة الإسلامية في كلية الآداب بباريس، وتعاون كثيرا في بحوثه مع الدكتور محمد بن أبي شنب، وترك آثارا كثيرة خدم بها المغرب (الأدنى والأوسط والأقصى)، والمُراجعُ لسرد مؤلّفاته في (معجم المستشرقين)، سيقف على جُهد مضن بذله للوصول إلى آلاف الوثائق والمخطوطات النّادرة، ولاشك أنّ دوائر الاحتلال الفرنسي مكّنته من ذلك، ومُكّن أيضا من خزانة الأسكوريال الشّهيرة، وكوّن فترة نشاطه العلمي شبكة متداخلة من العلاقات مع السّفراء والوزراء ورجال الدّين والعلم، وله مراسلات كثيرة مع شخصيات علمية استفاد من علمها أو ممّا تملكه من مخطوطات في مكتباتها، كالشيخ محمد مصطفى القاسمي شيخ زاوية الهامل، والوزير المغربي محمد الحجوي، وعبد الحي بن عبد الكبير الكتّاني، ومحمد بن علي الدكالي وغيرهم، توجّه في وقت مبكر إلى تحقيق المخطوطات وكتابة بحوث حولها، وخاصّة التي لها علاقة بالتاريخ وتراجم الأعلام، ومن المؤلفات التي أشرف على تحقيقها ، كتاب “البيان المغرب في أخبار الأندلس والمغرب” لأبى عبد الله محمد، المشهور بابن عذارى المرّاكشىّ (توفى حوالى نهاية ق 7هـ)، بالاشتراك مع السيد “ج. س. كولان، وتحقيق “جمهرة أنساب العرب” لابن حزم، وهو أوّل من عرّف بمخطوطة ” أدباء مالقة”، وبيّن قيمتها الأدبية والتاريخية في مقالة له بعنوان: “حول شعراء مالقة في القرن العاشر”، نشرها في مجلة “أرابيكا”، العدد الأول، سنة 1954، ووضع فهرسة للمخطوطات العربية بالخزانة العامة بالرباط سنة 1921م، واشترك مع الدكتور محمد بن أبي شنب في نشر التقويم التاريخي لمطبوعات فاس سنة 1922م، وله مؤلفات كثيرة، أوردها الأستاذ “خير الدّين الزركلي” في الأعلام أثناء ترجمته له، ولم يشر إلى كتابه “مؤرّخو الشرفاء”، الذي يكتسي أهمية بالغة في تاريخ المغرب وتطور أدبه، تسنّى لمؤلّفه جمع مادّته العلمية بعد أن فرضت فرنسا الحماية على المغرب الأقصى سنة 1912م، وأصبح هذا البلد وتراثه متاحا للدّارسين من المستشرقين، وما جمعه في كتابه هو دراسة قيّمة لمصادر الأدب التاريخي للمغرب الأقصى، بداية من القرن السادس عشر إلى القرن العشرين، لم يقتصر فيه على الحوليات التّاريخية، وإنّما اعتنى بالتعريف بكتب التراجم والتّاريخ، وأحدث ظهوره نقلة ثقافية جديدة، لاعتماد مؤلّفه على نصوص نقلها من مخطوطات نادرة، والتي بقيت بعيدة عن أيدي الباحثين الغربيين، وإن كان فاته الكثير من عناوينها، ظنا منه أنّها مفقودة ،كما ذكر الأستاذ “محمد حجي” في مقدمة كتابه عن السعديين، غير أنّ ما قام به يعتبر لبنة للمؤلّفات المغربية التي ظهرت بعده، واستدركت ما فاته، ككتاب النبوغ المغربي لمؤلفه محمد المنوني، و”الحركة الفكرية بالمغرب في عهد السعديين” لمحمد حجي.

قام الأستاذ “خلّادي” بتعريب كتاب “مؤرّخو الشرفاء” وضبط نصّه ونشره سنة 1977م، وحجمه يزيد على 300 صفحة، ولم يضع له مقدمة تبين محتواه، واكتفى بنقل ترجمة لمؤلّفه عن مجلة أرابيكا، وقال بانّه: «قدّم للمغرب خدمات ثقافية جليلة، وذلك بإسهامه في إحياء قسط لا يستهان به من تراثه الأدبي والتاريخي والحضاري»، ومنهجه في التعاطي مع نصّ الكتاب يمكن اختصاره في النّقاط التالية:
• لم يلتزم في تعريبه النّقل الحرفي، وإنّما تصرّف في الترجمة، إمّا بالاختصار أو بالحذف، وأضاف معلومات تاريخية وتراجم أعلام على الهامش، يرمز لإضافاته وتعليقاته بـ( المعرب)، وترك تعليقات المؤلّف على الهامش كما وردت في الأصل المطبوع، ورمز له بـ(المؤلّف).

• تعامل مع النّص أثناء التعريب أو التعليق وكأنّه نسخة خطّية، من حيث ضبط المصطلحات، وتصحيح الأسماء التي أخطأ فيها المؤلّف، وينقل النّصوص التي استدل بها من أمّهات الكتب بالعودة إلى أصلها العربي، كتعليقه في الصفحة رقم: 40، الهامش 09: «تصرفت شيئا في ترجمة هذه السطور، فأتيت بنص الجملة الواردة في الاستصقاء ج1، ص5، التي اكتفى المؤلف بالإشارة إلى فحواها»، وبعض الأحيان ينبّه إلى مصدر نقله إذا أخطأ فيه، كقوله (ص43 الهامش 27):«وقد خفي عن المؤلف أنّ هذا الكلام منقول عن ابن الأثير».

• لا يقبل “الخلّادي” كلّ الأحكام التّاريخية التي يوردها بروفنصال، بل يعترض وينتقد ما يراه خطأ، فقد طعن المؤلف في الأفراني مؤلّف كتاب (نزهة الحادي)، والمؤرّخين المغاربة عند حديثه عن مهمّة المؤرّخ، وادّعى أنّهم يتعمدون نسيان الحقائق، أو تحويرها إذا ما رأوا أنّ الضرورة تدعو لذلك، فرّد عليه في الهامش بقوله: «يتجلى هنا أنّ في حكم الأستاذ ليفي بروفنصال على الأفراني خاصّة، وعلى المؤرّخين المغاربة عامّة كثيرا من الحيف، سيما وأنّه لم يأخذ من مقاطع النّصوص إلّا ما يؤيّد رأيه».

• رجع المترجمُ إلى المخطوطات التي تمكّن من الاطلاع عليها، لمقارنتها مع ما أورده المؤلّف، فعندما قارن “بروفنصال” بين نسختين خطّيتين من مؤلفات الزياني، الأولى بعنوان: “البستان الظريف في دولة مولاي علي الشريف”، والثانية “الرّوضة السليمانية في ذكر ملوك الدولة الإسماعيلية”، (حكم على مقدمة الكتاب الأخير، بأنّه تلخيص موجز لكتابه “الترجمان”، وقال بأنّه كان بإمكانه أن يستغني عنه، والمقدمة تشير إلى أنّ البستان لا يختلف في فحواه عن الترجمان)، وبعد أن تصفّح الأستاذ “خلادي” النّسختين ظهر له أنّ استنتاجات “بروفنصال” «مطابقة على وجه العموم للواقع، وأنّ مؤلّفات الزياني متداخلة تدور مواضيعها على محاور متماثلة، لا تكاد طريقة عرضها تختلف إلّا من حيث الإسهاب أو الاختصار».

• يشير الأستاذ “خلادي” في الهامش إلى طبعات الكتب التي اعتمدها المؤلّف، وإلى الطّبعة التي صحّح بها النّص إذا كانت مختلفة عمّا اعتمده “بروفنصال”، كتعقيبه في الصفحة (47 الهامش 34): «واعتمدت أنا على الطبعة التركية فنقلت النّص من باب التاء “تاريخ”، وقد لاحظت خلافا طفيفا في ترتيب الأشخاص».

• ترجم لكثير من الشّخصيات العلمية والتاريخية التي أغفلها المؤلّف، أو أشار إليها ولم يهتد إلى معرفتها، أمثال: محمد بناني، ويحي الشفشاوني، ومحمد هواري وغيرهم، وعرّف ببعض المخطوطات التي وردت في النّص المترجم، كما أضاف على الهامش معلومات عن أوصاف النّسخ الخطّية وأماكن تواجدها أزيد ممّا أورده المؤلف، فعندما تطرق “بروفنصال” لمؤلّفات أبي القاسم الزياني، ذكر منها كتاب “جوهرة التيجان وفهرسة الياقوت واللؤلؤ والمرجان” دون توضيح، فزاد الأستاذ “خلادي” في الهامش معلومات عثر عليها في كتاب “دليل المؤرخ”، من وصف لهذه المخطوطة ومكان تواجدها، ولمّا ذكر المؤلّف كتاب “تاريخ الدولة العلوية” لمحمد بن عبد السلام الرباطي، قال: ومن المؤسف أنّنا لم نعثر على كتابه رغم استقصائنا في البحث عنه، علّق الخلّادي بقوله: «منه نسخة مخطوطة بالخزانة العامة».

ما قام به الأستاذ عبد القادر خلّادي، لا يعتبر عملًا هينًا، فالترجمة لها مصاعبها؛ لأنّ المفردات والمصطلحات لها مدلولاتها ومعانيها المتعددة، وعدم التّمكن من اللّغة، قد يخلّ بجوهر النّص المترجم، ولا شك أنّه بذل وسعه في تعريب هذا الكتاب، وللأسف لم يجعل مقدمة له يوضح فيها منهجه، وترك التّقديم لصديقه الأستاذ “محمد حجي”، وهو كاتبٌ وباحثٌ، وصاحبُ مؤلّفات عديدة في تاريخ المغرب، وما حزّ في نفسي أنّ الأخير أثناء تعريفه بالكتاب، تجاهل صاحب الجهد الذي استقرى مظآن “بروفنصال”، وعلّق عليها بمعلومات قيّمة، ولم ينبس في حقّه بكلمة واحدة، سواء من حيث طريقة تعريبه، أو فائدة ما قام به من تقريب هذا النّص التاريخي للقارئ المغربي، فتحدّث الأستاذ “الحجي” عن نفسه، وأهمية ما قام به بروفنصال في تاريخ المغرب، وأنّه سبق له أن اشتغل على الكتاب، وسجل ملاحظات كثيرة عن سقطات مؤلّفه، فاجتمع لديه كراريس، وذكر في كتابه “الحركة الفكرية بالمغرب في عهد السعديين” أنّ “بروفنصال” «رغم استقصائه وذكره أسماء الكتب المفقودة، أو التي لم يتمكن من الاطلاع عليها، فإنّه لم يأت بأكثر من أربعة وثلاثين كتابا فيما يتعلّق بالعصر السعدي».

آخر التغريدات:

    Message: Invalid or expired token., Please check your Twitter Authentication Data or internet connection.