سيرة ومسار الأرشيفي الأستاذ عبد الكريم بجاجة (2022-1945م)
بقلم: د. بن سالم الصالح -
بتاريخ 31 جانفي 2022م فقدت الجزائر واحدا من كبار باحثيها في مجال الوثيقة والأرشيف، فقد خدم الأرشيف الوطني لأكثر من 27 سنة قبل أن تقوده الظروف للهجرة نحو الخليج العربي، ويقدم عصارة خبرته لدولة الإمارات العربية الشقيقة، هو باختصار الأستاذ والأرشيفي القدير والمتميز عبد الكريم بجاجة.
1/-قسنطينة المولد والمنشأ:
بمدينة قسنطينة ولد الأستاذ عبد الكريم بجاجة بتاريخ 26 مارس 1945م وسط أسرة عريقة ومحافظة، وبعدما تدرج في التعليم بأطواره الثلاثة (الاعدادي، الاكمالي، الثانوي) وحيازته على شهادة البكالوريا سنة 1968م اختار الأستاذ عبد الكريم بجاجة مواصلة مشواره الجامعي في تخصص الجغرافيا حيث حاز على شهادة الليسانس من جامعة قسنطينة سنة 1972م، وبعدها شهادة الدراسات المعمقة في الجغرافيا التاريخية سنة 1974م.
2/- ولوجه لعالم الأرشيف:
يذكر الأستاذ عبد الكريم بجاجة بأنه لما حاز شهادة الدراسات المعمقة سنة 1974م كان عالم الشغل مفتوحا في وجهه، وكانت لديه عديد الخيارات في مجال الشغل. لكن عشقه وحبه الكبير للوثيقة والأرشيف جعله يختار هذا الميدان ويبدع فيه.
فقد التحق بمؤسسة الأرشيف الوطني ببئر خادم كمحافظ مكلف بالأبحاث سنة 1974م، وبعد فترة قصيرة وإثر تفوقه في مجال الوثائق والأرشيف عين إلى جانب هذه المهمة كمدير لأرشيف قسنطينة الذي أفتتح حديثا، ودام ذلك لغاية 1991م لما تم تعيينه مديرا للمكتبة الوطنية بالحامة، والتي لم يبق بها طويلا فقد عين في السنة اللاحقة (1992م) مديرا عاما لمؤسسة الأرشيف الوطني الجزائري، ودام في هذا المنصب لغاية 2001م.
خلال هذه الفترة قدم الأستاذ عبد الكريم بجاجة الكثير للأرشيف الوطني من خلال زيارة العشرات من الدول في مختلف قارات العالم في سبيل البحث والتنقيب عن الوثائق المتعلقة بتاريخ الجزائر، كما عقد عديد الاتفاقيات في هذا الشأن، وبرمج ملتقى دوليا بالجزائر سنة 1998م جمع فيها حوالي 30 دولة من أجل استعادة كنوزنا الوثائقية والتاريخية المشتتة والتائهة بالأرشيفات العالمية.
3/- شغفه بالتاريخ:
الأستاذ عبد الكريم بجاجة لم يكن كغيره من الأرشيفيين التقنيين يكتفي بأمور الصيانة والحفظ بل انتقل للبحث والتأليف التاريخي بحكم أن تكوينه الأول كان في مجال الجغرافيا التاريخية، فبعد حصوله على شهادة الدراسات المعمقة سنة 1974م وغوصه في مجال الذاكرة والوثائق التاريخية قرر اكمال دراساته العليا في طور الدكتوراه. فقد سجل بجامعة نانسي الفرنسية إلا أن أعماله المكثفة بالأرشيف الوطني جعله يقرر تجميد الدراسة سنة 1991م. لكن ذلك لم يمنعه من اصدار العشرات من الأعمال التاريخية. فقد صدر له ما يزيد عن 120 عملا بين كتاب جماعي وفردي ومقال في مختلف المجلات الوطنية والدولية المتخصصة في مجال الذاكرة والتاريخ والأرشيف، نذكر منها:
– مصادر تاريخ الجزائر في الأرشيف الوطني التونسي.
– مساهمة في دراسة تاريخ البترول في الجزائر 1954-1971م.
– أطلس تاريخي للشرق الجزائري خلال نهاية القرن التاسع عشر.
– تطبيق القوانين الاستعمارية الفرنسية 1863-1887م في الشرق الجزائري.
– الحياة السياسية في الشرق الجزائري من سنة 1935م إلى غاية 1940م.
– معركة قسنطينة 1836-1837م.
– تاريخ قالمة عبر أرشيف ولاية قسنطينة.
– تاريخ المدينة العتيقة بقسنطينة.
– الحالة المدنية للسكان المسلمين بمدينة قسنطينة 1840-1841م.
– الجمعيات الإسلامية في مدينة قسنطينة من سنة 1917م إلى غاية 1941م.
– تحقيق حول المستوى المعيشي للسكان المسلمين بالشرق الجزائري في سنة 1936م.
– مصير 4277 مناضلا في الحركة الوطنية أثناء عمليات القمع الوحشي بناحية قالمة في ماي 1945م.
– المعاهدات الدولية للصلح والتجارة التي أبرمت بين بلدان المغرب العربي والبلدان الغربية في العهد الحديث من القرن السادس عشر إلى القرن التاسع عشر ميلادي.
– صدى ثورة يوليو المصرية في الصحف الوطنية والاستعمارية بالجزائر في عهد الاحتلال الفرنسي.
4/- هجرته للخليج:
بتاريخ 22 فيفري 2001م صرح الأستاذ عبد الكريم بجاجة بضرورة رقمنة الأرشيف الوطني واتاحته للباحثين بكل يسر على غرار الأرشيفات العالمية. هذه الكلمات المقتضبة كانت كافية لإقالته من على رأس مؤسسة بئر خادم بعد حوالي 15 يوما.
أحس الأستاذ عبد الكريم بجاجة بأن هذه الإقالة هي نوع من انكار للجميل والعمل الجبار الذي قام به طوال 27 سنة لصالح الأرشيف الوطني. فقرر الرحيل والهجرة، وكانت الخليج ودولة الإمارات العربية وجهته، هناك بأبو ظبي رحب به المسؤولون وأستقبل استقبال الأبطال. كيف لا وشهرته وخبرته تجاوزت الصعيد العربي والإقليمي إلى الصعيد الدولي. حيث منح رتبة مستشار وخبير عام بالأرشيف الإماراتي من سنة 2002م لغاية 2014م. لما قرر الانسحاب وتأسيس شركته الخاص في مجال الوثيقة والأرشيف، والتي سماها “سيرتا للاستشارات والدراسات الإدارية”. وبتاريخ 17 ديسمبر 2020م وإثر وباء كورونا وتدهور حالته الصحية قرر الأستاذ عبد الكريم بجاجة العودة لأرض الوطن بشكل نهائي، وبالضبط لمسقط الرأس بلدة قسنطينة التي استقر بها برفقة أسرته الصغيرة إلى غاية وفاته بتاريخ 31 جانفي 2022م رحمة الله عليه.
5/- خبرته الأرشيفية:
إلى جانب 27 سنة التي قضاها بالأرشيف الوطني بقسنطينة وبئر خادم، وحوالي 12 سنة بالأرشيف الإماراتي تقلد الأستاذ عبد الكريم بجاجة مناصب وعضويات رفيعة بالأرشيف العربي والدولي. نذكر منها:
– عضو مكتب الفيدرالية المغربية للمكتبات.
– نائب رئيس الفرع الإقليمي العربي للمجلس الدولي للأرشيف.
– عضو مستشار لدى مجموعة العمل لحماية الأرشيف في حالة الكوارث والحروب.
– عضو بالمجلس الدولي للأرشيف.
– رئيس الفرع الإقليمي العربي للمجلس الدولي للأرشيف (ARBICA)
– عضو اللجنة التنفيذية والمكتب التنفيذي للمجلس الدولي للأرشيف (CIA).
– مستشار للعربيك (الفرع الإقليمي العربي للمجلس الدولي للأرشيف).
– عضو مراسل في لجنة الأرشيف الالكتروني للمجلس الدولي للأرشيف.
– عضوا في إدارة التحرير لمجلة كوما – لسان حال المجلس الدولي للأرشيف –
– عضوا في لجنة أرشيف الرياضة للمجلس الدولي للأرشيف.
كما شارك الأستاذ عبد الكريم بجاجة في ندوات عديدة حول الأرشيف بكل من: (فرنسا، روسيا، تونس، بريطانيا، اسبانيا، تركيا، سوريا، اليمن، مصر، السعودية، الامارات، لبنان، الولايات المتحدة الأمريكية، نيجيريا، إسكتلندا، المجر، ماليزيا، النمسا، جنوب إفريقيا، البحرين). هذه الخبرة كرسها في تكوين المئات من الأرشيفيين الجزائريين الذين تم تعيينهم لاحقا بمختلف المؤسسات العمومية.
6/- شهادات في حق الرجل:
يشهد كل من اشتغل على الوثيقة التاريخية على أن الأستاذ عبد الكريم بجاجة من خيرة ما أنجبت الجزائر في هذا الميدان، ونحاول في هذه الاطلالة أن نرصد بعض من الشهادات التي قدمت في حق الرجل. بداية بالأستاذ المتخصص في الوثيقة والأرشيف الجزائري خلال العهد العثماني الدكتور خليفة حماش أستاذ التاريخ بجامعة الأمير عبد القادر. إذ يقول عنه: (شخصية مرموقة، ترك سمعة طيبة في المكتبة الوطنية رغم قصر المدة التي تولى الإدارة فيها، كما ذكر لي موظفو المكتبة أنفسهم. ولما انتقل إلى الأرشيف الوطني فان سمعته زادت أكثر، وكان يعمل أكثر مما يتكلم، ولم أجد أحدا ذمه أو تحدث عنه بسوء. وتنحيته من على رأس الأرشيف كانت خسارة كبيرة لتلك المؤسسة. وأتذكر أنني كنت أشتغل هناك على عقود المحكمة الشرعية من أجل اعداد رسالتي للدكتوراه، وتلك الوثائق موزعة على حوالي 150 علبة أرشيفية، تتضمن نحو 60 ألف عقد متنوع، ولكي أطلع عليها جميعا كان يلزمني الاقامة مدة شهور طويلة في الجزائر العاصمة، ولما اشتكيت له التعب الذي أعانيه في السفر والاقامة بالفندق، قرر على الفور وضع مشروع يقضي بتصوير نسختين من تلك الوثائق جميعا، وارسال نسخة منها إلى قسنطينة ليشتغل عليها الباحثون في الشرق مثلي، وأخرى إلى وهران ليشتغل عليها الباحثون في الغرب).
أما الدكتور أحمد صاري أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة محمد العربي بن مهيدي فيذكر: (لم يكتف الاستاذ عبد الكريم بجاجة بترديد عبارة استرجاع الأرشيف الوطني من فرنسا وإنما عمل من أجل ذلك. فمنذ توليه أرشيف قسنطينة إلى المكتبة الوطنية والأرشيف الوطني ببئر خادم لم يتوقف عن النشر والتعريف بهذا الأرشيف والدفاع عن وجهة نظر الجزائر في ما يتعلق بصاحب ملكية هذا الأرشيف. من إنجازاته أنه تمكن أثناء اشرافه على الأرشيف الوطني أن يجمع أكثر من 30 ممثل دولة بالجزائر في مؤتمر – الأرشيف الخاص بتاريخ الجزائر والمحفوظ بالخارج – بتاريخ 16/19 فبراير 1998م. ورغم أن النتائج لم تكن في مستوى التحضيرات والامكانيات التي خصصت له إلا أننا تمكنا من معرفة مكان تواجد هذا الأرشيف في مختلف دول العالم، كما يبدو أن العديد من ممثلي الدول الحاضرة قد قدموا بعض الوثائق للأرشيف الوطني).
ويذكر الدكتور فارس كعوان أستاذ التاريخ الحديث بجامعة محمد الأمير دباغين عن الرجل: (الأستاذ عبد الكريم بجاجة لم أكن أعرفه شخصيا لكن كنت أصادف بعض أعماله في دور الأرشيف، وأسمع حديث البعض عن جهوده في تنظيم الأرشيف الذي كان مبعثرا، ويعود له الفضل في تصوير عدد من الوثائق والدفاتر واتاحتها للباحثين بأرشيف قسنطينة كدفتر وفيات المحكمة المالكية وبعض وثائق الحركة الوطنية، ولما تولى إدارة الأرشيف الوطني حاول أن يعمل على تنظيمه واتاحته، ان مسار الأستاذ عبد الكريم بجاجة يمثل مسار انسان مخلص وجاد).
وبعد إذاعة خبر وفاته علقت الدكتورة جميلة معاشي الأستاذة السابقة للتاريخ الحديث بجامعة عبد الحميد مهري بالتالي: (خسرت الأسرة الجامعية والباحثون رجلا خدم الأرشيف الوطني والولائي لقسنطينة بإخلاص وتفان. انه الأستاذ عبد الكريم بجاجة الذي حببنا في الوثائق رغم صعوبتها، وجعلنا نبقى بالأرشيف لساعات طويلة دون أن نمل أو نتعب، فقد يسر لنا الصعب وأتاح لنا الوصول إلى كنوز الأرشيف الجزائري دون تعال أو احراج، رحم الله الأستاذ والأرشيفي المخلص لعمله الأستاذ عبد الكريم بجاجة وجازاه عنا نحن الباحثين خير الجزاء).
وقد سبق لي أن أجريت مع الأستاذ المرحوم عبد الكريم بجاجة حوارا حول مساره بتاريخ 24 رمضان 1442هـ الموافق لـ 06 ماي 2021م، ولم ينشر الحوار في ذلك الوقت، وها نحن ننشره اليوم على صفحات جريدة البصائر الغراء ردا للجميل ووفاء لهذا الرجل الفذ.
***
الدكتور بن سالم في حوار سابق مع الأستاذ عبد الكريم بجاجة-رحمه الله-
يقول البعض ماذا قدم عبد الكريم بجاجة للأرشيف الجزائري لما تولى إدارة أرشيف بئر خادم وأرشيف قسنطينة؟
– لقد حاولت قدر المستطاع أن أقدم خبرتي المتواضعة التي اكتسبتها من مختلف الملتقيات والندوات التي حضرتها على المستوى المغاربي والقاري والعالمي في خدمة الأرشيف الوطني الجزائري، وذلك من خلال العمل التقني داخل هاتين المؤسستين وأيضا تكوين العشرات من العاملين في الأرشيف، وأيضا تنظيم العديد من الندوات والملتقيات الدولية حول الأرشيف الجزائري، وكل من يريد أن يعرف أعمالنا في هذا الصدد ما عليه سوى زيارة قاعة المطالعة للأرشيف في مركزي قسنطينة وبئر خادم، وإحصاء قائمة الأعمال المتنوعة بين كشافات وفهارس وأرصدة أصبحت متاحة للباحثين. قمنا بإنجازها بشكل فردي وجماعي. منها على سبيل المثال: (فهرس تحليلي لأرشيف مصلحة المخابرات لشمال إفريقيا)، (فهرس الجرائد والمجلات والنشرات الدورية المحفوظة بولاية قسنطينة، 1840-1975م)، (فهرس رقمي لأرشيف البلديات بالشرق الجزائري، 1849-1951م)، (قائمة أرصدة أرشيف ولاية قسنطينة)، (قائمة الباحثين في مركز الأرشيف لولاية قسنطينة)، (فهرس تحليلي للخرائط الجغرافية المحفوظة بولاية قسنطينة)، (فهرس معرض: حرب التحرير الوطني 1954-1962م)، (فهرس معرض: النظام الاشتراكي بالجزائر من سنة 1962م إلى غاية سنة 1979م)، (جرد تحليلي لأرشيف مصلحة المخابرات لشمال إفريقيا من سنة 1863م إلى سنة 1949م)، (فهرس معرض: أرشيف الحركة الوطنية الجزائرية 1937-1945م الذي تم حجزه من طرف الشرطة الاستعمارية أثناء عمليات القمع في شهر ماي 1945م)، (ملخص عن أرشيف الشرق الجزائري الذي نقل إلى فرنسا قبل استقلال الجزائر 1962م خرقا للقوانين الدولية)، (دليل مركز أرشيف ولاية قسنطينة)، (دراسة: تكوين الأرشيف والحفظ المؤقت)، (فهرس تحليلي للأرشيف الخاص والعائلي الذي تم حجزه من قبل الشرطة الاستعمارية في شهر ماي 1945م)، (أرشيف قصر فانسان Vincennesبباريس، فرنسا: جرد أرشيف سلسلةH1، المراسلات العامة 1622-1830م، من رصيد أرشيف المصلحة التاريخية للقوات البرية (أرشيف جمعية العلماء المسلمين الجزائريين: النصوص المؤسسة وأرشيف الفترة ما بين 1931-1944م)، (فهرس تحليلي للأرشيف الخاص بالجمعيات الإيطالية في الشرق الجزائري 1906-1939م)، (أرشيف القوات المسلحة الفرنسية للفترة ما بين 1954-1962م، المحفوظ في قصر فانسانVincennesبباريس، فرنسا)، (مطبوعات الأرشيف الوطني الجزائري)، (وضعية الأرشيف بالجزائر في سنة 1994م)، (الدليل الوطني للأرشيفيين الجزائريين)، (النزاع الجزائري-الفرنسي حول قضية الأرشيف الذي تم ترحيله إلى فرنسا قبل استقلال الجزائر سنة 1962م)، (المخطط التنموي الخاص بالأرشيف الوطني الجزائر 1996-2000م)، (التجربة الجزائرية في مجال أدوات البحث الخاصة بالأرشيف)، (تنظيم الأرشيف في الجزائر: النصوص التشريعية والتنظيمية)، (منهجية تخطيط سياسة وطنية لتسيير الأرشيف: التجربة الجزائرية) …
بعد تجربة طويلة مع الأرشيف الجزائري خاض عبد الكريم بجاجة تجربة لا تقل أهمية عن الأولى وهذه المرة بدولة الإمارات العربية المتحدة. ماهي أبرز الذكريات التي يحتفظ بها عن هذه التجربة؟
-لقد خضت تجربة طويلة في دولة الإمارات العربية المتحدة بداية من 18 أوت 2002م لغاية عودتي النهائية لبلدي بتاريخ 17 ديسمبر 2020م. قدمت خلالها أعمال مهمة لهذا البلد العربي من خلال عديد الأعمال مثل: (تقرير حول وضع الأرشيف في الدوائر الحكومية بدولة الإمارات العربية المتحدة)، (الأرشيف في دولة الإمارات العربية المتحدة: الواقع في سنة 2003م، آفاق سنة 2005م)، (دليل الأرشيف لدولة الإمارات العربية المتحدة)، (النظام الأرشيفي المتكامل).
لكن في المقابل حدثت لي مشاكل عديدة، فقد كنت معرضا للأعمال الخبيثة من طرف بعض الأرشيفيين الجزائريين، وهم طلبتي بالأمس فتحت لهم عالم الشهرة حيث ساعدتهم في الانتقال من الجزائر إلى الإمارات وحيازة مناصب عليا هناك في الأرشيف الوطني الإماراتي، لكن وبدل من رد الجميل لما قمت به تجاههم ساهموا في تشويه صورتي هناك وهو ما شكل لي مشاكل وصعوبات صحية كبيرة.
بعد نقاش الذاكرة مؤخرا وقضية استعادة الأرشيف عاد للعلن اسم عبد الكريم بجاجة كمقترح لتولي إدارة أرشيف بئر خادم من جديد هل يمكن أن يحدث ذلك؟
-لا أبدا، ليس لي أي رغبة للعمل في الأرشيف الوطني، ما عدا بصفتي خبيرا مستقلا فقط.
لماذا اختار عبد الكريم بجاجة ميدان الأرشيف عن بقية الشعب والتخصصات الأخرى؟
-بعد ما حصلت على شهادة الليسانس في التاريخ والجغرافية من جامعة قسنطينة سنة 1972م، ثم ناقشت رسالة DEA سنة 1974م كانت كل الأبواب مفتوحة لي للعمل في أي منصب، لكنني فضلت العمل في مجال الأرشيف وهو ما فاجئ الكثير بدءا بعائلتي.
حسب رأي عبد الكريم بجاجة ألم يحن الوقت لرقمنة الأرشيف الوطني وإتاحته بكل يسر أمام الجميع مثل بقية الأرشفيات العالمية؟
– لقد طرحت هذا المشروع بتاريخ 22 فيفري 2001م أين صرحت بضرورة رقمنة الأرشيف الجزائري واتاحته للجميع بكل يسر، لكن تصريحي هذا أغضب الأشخاص الذين يعارضون فتح الأرشيف. فتم إنهاء مهامي على رأس إدارة الأرشيف الوطني 15 يوما بعد تصريحي هذا في التلفزة الجزائرية (القناة الثالثة).
صدر مؤخرا قرار فرنسي يسمح بموجبه للباحثين الاطلاع على بعض الوثائق السرية التي تخص الجزائر. هل من توضيح من قبل عبد الكريم بجاجة عن هذه العلب الأرشيفية السرية؟
– بعد اعلان الرئيس الفرنسي عن فتح أرشيف الجزائر 1954-1962م، صرحت في وقتها بأن العلب التي يجب على فرنسا فتحها حول الجزائر (من دون مراوغة) هي كالآتي:
– علب تخص القرن التاسع عشر: وذلك بإعادة نسخ من المعاهدات التي وقعتها فرنسا مع حكام الجزائر خلال العهد العثماني، فلا يمكن لفرنسا أن توقع معاهدات مع دولة من المفترض أن تكون معدومة وغير موجودة حسب زعمها، وقائمة هذه المعاهدات منشورة في كتاب للمؤرخ الفرنسي أوجين بلانتيت وعنوانه: (مراسلات دايات الجزائر إلى ملوك ووزراء فرنسا 1700-1833م).
– علب تخص الفترة الممتدة بين (1827-1830م): وخاصة الملفات التي تتضمن مخططات فرنسا لاستعمار الجزائر بداية من 1827م.
– علب تخص الفترة (1830-1962م): وأخص بالذكر أعداد جريدة (JMO) الخاصة بعمليات وحدات الجيش الفرنسي في كامل التراب الجزائري، وأرشيف المقاومة الجزائرية التي استولت عليها مفارز الجيش والشرطة الفرنسية في عمليات القمع، وخاصة تلك المصنفة ضمن (الأرشيف العربي) من 1830م إلى 1916م، وأرشيف الحركة الوطنية بين (1919-1954م)، وصولا لأرشيف جبهة وجيش التحرير الوطنيين بين (1954-1962م).
– علب تخص شهري ماي وجوان 1945م: ونخص بالذكر الملفات غير المفتوحة المجازر التي استمرت شهري ماي وجوان سنة 1945م. خاصة ملف اجتماع وزير الداخلية الفرنسي الذي عقد يوم 25 جوان 1945م بولاية قسنطينة بحضور السلطات من مدنيين وعسكريين منهم حاكم قالمة الذي اعترف أمام الوزير بإعدام 10 أسرى بسبب رفضهم التوقف عن ترديد بعض الأناشيد الوطنية، وغيرهم من الجزائريين في الشوارع بدون سبب إضافة لأرشيف العقيد في الدرك الفرنسي (توبيرت) المكلف بجرد الجزائريين الذين قتلوا خلال مجازر ماي وجوان 1945م.
– العلب الخاصة بملفات الاعدام خلال فترة الاستعمار كقضية علي بومنجل.
– العلب الخاصة بمعركة الجزائر 1957م: وتضم قائمة النشطاء الجزائريين وعددهم 3000 شخص سواء الموقوفين أو المفقودين.
– العلب الخاصة بالتعذيب.
– العلب الخاصة بفترة (1954-1962م): ونخص بالذكر ملفات وخطط حقول الألغام التي زرعت على طول الحدود الشرقية والغربية للجزائر.
– العلب الخاصة بملف التجارب النووية في الجزائر من 1960م إلى 1967م.
ماهو تقييم عبد الكريم بجاجة لتجربة الخليجيين مع مؤسسة الأرشيف؟
– للأسف في الإمارات، لم يهتم المسؤولون عن الأرشيف الوطني إلا بالشهرة فقط دون العمل الحقيقي، وهذا بتشجيع بعض الأرشيفيين الجزائريين الذين تكلمت عنهم سالفا.
في رأي عبد الكريم بجاجة ماهي الاقتراحات والحلول التي يقدمها لتطوير المنظومة الأرشيفية بالجزائر؟
– لاحظت وللأسف أن التكوين الجامعي للأرشيف في الجزائر يقتصر على النظري فقط دون أي تطبيق وهذه الظاهرة لم تسمح بتنظيم الأرشيف في الميدان. ومن الأفضل إدماج تكوين أرشيفيين في المدرسة العليا للإدارة.
كلمة أخيرة قلت ما شئت ولمن شئت
– شكرا على جهودكم.