أين نحن من حكمة الفضيل الورثيلاني؟
بقلم: الصالح بن سالم-
لم يرث الفضيل الورثيلاني العلم والحكمة عن جده الرحالة الجزائري الكبير خلال القرن 18م الحسين الورثيلاني صاحب كتاب (نزهة الأنظار في فضل علم التاريخ والأخبار) بل ورث عنه أيضا حب السياحة واستكشاف العالم، فقد خاض الفضيل الورثيلاني رحلة شملت أكثر من 20 دولة بالقارات الثلاث (إفريقيا، أوروبا، آسيا) وقد استقبله خلالها الرؤساء والملوك والوزراء والعلماء، وهو ما جعله يكسب ثقافة كبيرة جدا حيث كان يتحكم في اللغتين العربية والفرنسية بطلاقة كبيرة بالإضافة للهجة الأمازيغية، وهو ما جعل العلامة عبد الحميد بن باديس يحبذ اصطحابه في مختلف جولاته بين المدن والقرى الجزائرية لتفقد شعب جمعة علماء المسلمين، وذلك نظرا لفصاحته وقوة الإقناع لديه وروحه المرحة.
كما اختارته جمعية العلماء المسلمين - والذي يعد الفضيل الورثيلاني من أبرز شخصياتها وأحد مؤسسيها - ليقود وفد لنشر الدعوة بفرنسا برفقة مجموعة من الشخصيات ذان اللسان الأمازيغي (السعيد صالحي، سعيد البيباني، الربيع بوشامة، عميروش آيت حمودة، محمد الصالح بن عتيق ... )، وذلك بحكم أن غالبية الجالية الجزائرية بفرنسا في ذلك الوقت من أصول قبائلية، وقد ساهم الورثيلاني في افتتاح أكثر من 15 نادي للجمعية بفرنسا.
ويذكر محمد الصالح بن عتيق بأن الفضيل الورثيلاني توجه في صبيحة أحد الأيام لمقهى جزائري صاحبه من أصول قبائلية، وكان ذلك المقهى يشهد توافدا كبيرا للجالية الجزائرية خصوصا في السهرات الليلية، فطلب منه الورثيلاني بأن يضع اعلانا للزبائن يدعوهم لحضور سهرة، وقد كان الزبائن يعتقدون بأنها فرقة موسيقية أو مسرحية فتوافدوا بشكل كبير على ذلك المقهى جلبوا معهم قارورات الخمر وتسمروا في الكراسي منتظرين، وإذ بالفضيل الورثيلاني يدخل عليهم برفقة وفد الجمعية، وبحكم أن الورثيلاني لم يكن يريد تضييع سمكة واحدة من شباكه التي سيرميها هناك، فتبادل لذهنه أي لغة سيخاطب هؤلاء؟ فمنهم من يعرف الفرنسية ولا يفهم العربية والأمازيغية، ومنهم من يتقن العربية ويجهل الفرنسية والأمازيغية، وبينهم من يتحكم في اللهجة الأمازيغية ولا يفهم كثيرا اللغتين العربية والفرنسية، فقرر أن يخاطبهم بالعربية ويرددها بالفرنسية ويعيدها باللهجة الأمازيغية، وقد خطب فيهم خطبة بليغة وجد مؤثرة مليئة بدروس الوعظ والنصح، والنتيجة انهمار الدموع من كل الحضور، وقرروا من لحظتها تغيير حياتهم بشكل جذري، ومن الغد كون هؤلاء نادي ثقافي وعلمي لجمعية العلماء المسلمين في نفس المقهى ... أين نحن من حكمة هؤلاء اليوم؟