ابن باديس زعِيمٌ في الحياة وفي الممات
بقلم: محمد الهادي الحسني-
إن الثورة – أية ثورة – إن لم يكن مُحَرِكها “فكرة” – صائبة أو خاطئة – لا تَعدُو أن تكُون عِصيانا وتمرّدا، وما كانت فرنسا المجرمة تصف “جهاد” الشعب الجزائري إلا بهذه الأوصاف الشائنة لِتُفرِغ ذلك الجهاد من روحه الإسلامي.. وما كانت مقاومة الشعب الجزائري بين الخمستين والشّارْلَينِ إلا “جهادا”، وها هو المؤرخ الألماني باول شْمِيتْز يؤكد ذلك فيقول: “لَبِسَتْ كلّ انتفاضة قومية أو غضبة إقليمية ضد المستعمر ثوبها الإسلامي، فدفع الجماهير إلى الثورة يكون دائما باسم الدين، لأن العربيّ في الجزائر الذي لا يملك شيئا يقتات به حتى الخبز الجاف ليس له إمكانيةُ للتعبير عما يريده وما يرفضه في المجال السياسي سوى السير وراء ما يعتقده أنه طِبقا لعقيدته الإسلامية”. (بأول شْمِيتْز: الإسلام قوة الغد العالمية. ص 145).
إن الجهاد في الإسلام بدأ بالجهاد الفكري في مكة المكرمة قبل الجهاد المسلح في المدينة المنورة بعدة سنوات وذلك في قوله تعالى آمرًا رسوله – عليه الصلاة والسلام – “وجاهدهم به جهادًا كبيرا”. (سورة الفرقان، الآية 52).
لقد انزعج الأخ قوجيل من وصف الجزائريين لشهر نوفمبر بأنه “باديسيٌّ” وقال بأن ذلك “كذِبٌ على التاريخ”. (جريدة الخبر في 28/10/2011)، غافلا أو معرضًا عن أنّ كل “حادثٍ” لا بد له من “تاريخ” كما يقول الأستاذ مالك بن نبي. فهذا القول القوجيلي يدل على أنّ صاحبه من “الذين يعلمون ظاهرًا من الحياة الدنيا”، وهم عن لُبّهَا غافلون، أو من الذين يحسدون الناس – ولو في قبورهم على ما آتاهم الله من فضله – وسأصدق المجرم دوغول عندما يقول: “إنّ السياسيين لا يصنعون شيئا… إنهم يدافعون عن المصالح بانتظار خيانتها”. (آندري مالرو.. سقوط السنديان. ص 135).
إن القول بأن الثورة “باديسية” قالها الفرنسيون أنفسهم الذين يعلمون حقائق الأمور، ويعلمون أن بن باديس توفاه الله قبل الثورة بأربع عشرة سنة، فقد جاء في تقرير للأمن الفرنسي مؤرخ في 24/01/1954 عن الإمام بن باديس ما يلي: «il doit être considéré comme le père spirituel des mouvements de rébellion de 1945 et 1954, et l’inspirateur de la doctrine de F.L.N » (أنظر عمار طالبي وعبد المالك حداد: بن باديس من خلال الإيجازات والوثائق وتقارير المخابرات الفرنسية. ص 494). وهذا عين ما كتبه صاحب عقل وفكر هو الدكتور محمود قاسم بعد ما عرف فكر الإمام بن باديس وتابع فصول الجهاد الجزائري، فنشر كتابا في 1968 عنوانه: “الإمام عبد الحميد بن باديس الزعيم الروحي لحرب التحرير الجزائرية”.
وأسأل الأخ قوجيل.. عندما وصفت ثروات لينين ومَاوْ تسيتونغ وكاسترو بأنها “ماركسية” هل اعترض على ذلك معترض، معلوم أن ماركس توفيّ قبل ذلك بكثير.
نخشى أن يخرج علينا قوجيل إن عاش إلى قابلٍ بـ”نظرية قوجيلية” يقول فيها إن ثورة نوفمبر ليست إسلامية، وعندها لا نطلب من قوجيل إلا أن يتخلى عن صفة “مجاهد” التي يعتز بها ويتشرّف وليختر بعد ذلك ما يريد من أوصاف camarade أو combattant أو militant.
وسلام على الإمام بن باديس من الحياة إلى الممات، ولم ينشغل طيلة حياته بما يلهث وراءه غيره من رئاسة أو زعامة فعمله الجبّار كان أن “يعيش للإسلام وللجزائر”.