شرح ابن مقلاش الوهراني للبردة
بقلم: محمد الهادي الحسني-
من فضل الله – عز وجل- ورحمته، ومنّه على البشر أن أرسل إليهم رسولا هو أكرم رسله، وأشرفهم، وأفضلهم – عليهم جميعا صلوات ربي وسلامه… وقد آمن بهذا الرسول الأعظم – قديما وحديثا- وسيؤمن به من علم الله في قلبه خيرا. فاللهم لك الحمد على نعمة الإيمان بك، وبكتابك الهادي للتي هي أقوم، وبرسولك الدال على كل ما هو أخير وأسلم. ونسألك – يا الله- الثبات على ذلك حتى يأتينا اليقين.
للجزائريين قديما وحديثا – كما لغيرهم من المسلمين وغيرهم- كثير من الآثار النثرية والشعرية في سيرة خير البرية، عليه أفضل صلاة وأزكى تحية، ولكن شرف الجزائريين الأشرف، ومجدهم الأظرف، الذي رفع رؤوسهم إلى العلى، وصدّر اسمهم بين الأسماء، وأجراه على كثير من الألسنة في هذا الميدان هو هذه القصيدة التي غبّروا بها في وجوه الجميع، ولم يبلها توالي الأيام وتعاقب الأعوام، وهي القصيدة التي تربّعت على عرش الأدب الإسلامي تحت اسم “البردة”، وهي قصيدة لو لم يقل أجدادنا – قديما وحديثا- غيرها لكفتهم، ولرجحت كفتهم على ما كتبه غيرهم من المسلمين في ميدان الشعر المتعلق بالسيرة النبوية الشريفة.
لقد كتبت منذ أعوام خلت مقالا تحت عنوان “أعظم مدح لأعظم ممدوح”، عرّفت فيه – بما سمح به المجال – بالشيخ البوصيري، الذي وإن ولد في مصر فإنه خرج من أصلاب من انتسبوا إلى هذه الأرض التي عرفت في التاريخ الحديث باسم “الجزائر”، التي جمعت الحسن جميعه فكانت الجزائر.. وقد نالني بسبب ذلك المقال سوء من بعض الإخوة الذين يحصرون الفقه في بعض المشايخ الذين قالوا ما قالوه في قصيدة البردة وفي قائلها، فسامحهم الله.
ويسعدني اليوم أن أنبه إلى أحد الشروح على هذه القصيدة، وهو شرح لأحد علماء الجزائر هو الشيخ ابو زيد عبد الرحمن بن محمد الصنهاجي المعروف بـ”ابن مقلاش الوهراني”، الذي ترك ثلاثة شروح على هذه القصيدة، كبير، ومتوسط، وصغير.. والذي طبع من هذه الشروح وأنبه إليه هنا هو الشرح المتوسط – ويقع في جزأين كبيرين- وقد حققه ونشره الدكتور محمد مرزاق في “دار كردادة”.. فجزاه وجزاها الله الحسنى وزيادة.
للأسف فإن الكتب – قديما وحديثا- لا تمدنا بما يكفي من المعلومات عن هذا العالم، لا عن ميلاده، ولا عن حياته، ولا عن وفاته، إلا ما وصف به من أنه فقيه، وقاض، ومفت، وهذا ما جعل محقق هذا الكتاب يستغرب اختفاء اسمه، وعدم الاحتفال به وبإنتاجه العلمي، رغم الاهتمام بمن هم دونه. (ج1. ص40).
ويبدو أنه تنقل بين حواضر الجزائر كمدينة الجزائر، وبجاية، وقسنطينة، وعنابة، ووهران، وتلمسان، وقضى فترة من حياته في مدينة غرناطة التي كان يحكمها في فترة من التاريخ بنو زيري، وهم صنهاجيون من القوم الذين ينتسب إليهم ابن مقلاش. وقد أورد الونشريسي في المعيار بعض فتاوى ابن مقلاش.
عمل ابن مقلاش يدور حول أربعة اهتمامات أساسية هي: التفسير اللغوي لقصيدة البردة، والتفسير المعنوي، والبيان، والإعراب. (1/86)، كما أورد المحقق خمس عشرة ميزة تميز وامتاز بها شرح ابن مقلاش (1/87/88)، وقد اعتمد ابن مقلاش على عدة مصادر لغوية، وأدبية، ونحوية، وبلاغية، وشرعية، ومصادر أخرى عامة (1/132/135)، شكرا مرة أخرى لمحقق هذا الأثر، ولناشره، ورحم الله أستاذنا أحمد حماني الذي قال لأحد الأساتذة الجزائريين: “لم تحقرون سلعة بلادكم؟”.