العلامة الجزائري محمد العربي بن التباني: تبيان الحقيقة من خلال الوثيقة
بقلم: الصالح بن سالم-
الوثيقة التاريخية التي بين أيدينا اليوم هي رسالة نادرة للعلامة الجزائري محمد العربي بن التباني المدرس بالحرم المكي، والتي بعث بها لابن بلدته وقريبه الشيخ السعيد بلعيساوي صاحب الزاوية الرحمانية ببلدة رأس الوادي (شرق برج بوعريريج). منحنا إياها الأستاذ جمال مقصود إمام المسجد العتيق بطمولة، وأمين سر تراث زاوية بلعيساوي، وتتضمن الرسالة مجموعة من الفوائد التاريخية الجمة نحاول توضيحها في هذا المنشور المقتضب.
شخصية محمد العربي بن التباني:
يقع عديد الباحثين المهتمين بتراث وسير علماء الجزائر في خطأ نسب العلامة محمد العربي بولاية سطيف حيث نجده يذكر بالعبارة التالية: (محمد العربي التباني السطيفي) معتقدين بأن كلمة التباني المقترنة به نسبة لبلدة أولاد تبان جنوب سطيف، والحقيقة أن العلامة محمد العربي لا علاقة له تماما بأولاد تبان لا من قريب ولا من بعيد، فكلمة التباني ليست لقب بل هي اسم والده، فيسمى محمد العربي بن التباني بن الحسين بن عبد الرحمن بن يحيى، ويمتد نسبه لأولاد عبد الواحد وهو عرش عربي يقطن ببلدة رأس الوادي (طوكفيل سابقا) منذ قرون عديدة لما وفد جدهم الأول عبد الواحد من مدينة مراكش المغربية في طريقه للحجاز وأصلح بين قبيلتين متخاصمتين، فتمسك أهل المنطقة به لصلاحه وتقواه، فاستوطن بها وأنجب ذرية صالحة، ومنهم أسرة صويلح المسيرة للزاوية الرحمانية والتي تعرف بزاوية بلعيساوي، وبرأس الوادي ولد محمد العربي سنة 1897م (أسرته حاليا تحمل لقب رحمون تقطن ببئر الشحم أعالي رأس الوادي)، وحفظ بها القرآن الكريم وبعض العلوم اللغوية والشرعية، وقد كان صديق للشيخ محمد البشير الإبراهيمي ابن بلدته رغم أن هذا الأخير يكبره بحوالي 8 سنوات، وبقيت العلاقة قوية بينهما لغاية وفاة العلامة محمد البشير بتاريخ 20 ماي 1965م.
ولم يكتف محمد العربي بما أخذه ببلدته رأس الوادي بل حط رحاله بالزيتونة بتونس، ومنها إلى الحجاز أين تتلمذ بالمدينة المنورة على كبار العلماء في ذلك الوقت أمثال: أحمد بن محمد خيرات الشنقيطي، وحمدان الونيسي القسنطيني شيخ عبد الحميد بن باديس، وعبد العزيز التونسي، ومحمد محمود الشنقيطي، ومن المدينة انتقل لدمشق السورية وكان يتردد على دار الحديث الأشرفية والمكتبة الظاهرية، وأخذ على بعض علماء الشام وعاد بعدها لمكة المكرمة والتي جعلها مستقرا نهائيا له أين أخذ على بعض أعلامها المشاهير في ذلك الوقت مثل: عبد الرحمان الدهام، ومشتاق أحمد الهندي، وتفرغ بعدها للتدريس بمدرسة الفلاح بمكة وفي أروقة الحرم المكي الشريف، كما كان يستقبل كبار تلامذته بمنزله، ومن أشهرهم: علوي بن عباس المالكي، ومحمد نور سيف بن هلال، ومحمد أمين كتبي، ومحمد علوي المالكي، وحسن مشاط … وقد ترك الشيخ محمد العربي بن التباني بعد وفاته سنة 1970م بمكة المكرمة رصيدا كبيرا من المؤلفات بين مطبوع ومخطوط، واهتم الدكتور خير الدين شترة أستاذ التاريخ بجامعة الشارقة بتحقيق بعضها، ومن مؤلفاته نذكر: إتحاف ذوي النجابة بما في القرآن الكريم والسنة النبوية من فضائل الصحابة، تحذير العبقري من محاضرات الخضري، اعتقاد أهل الإيمان بنزول المسيح بن مريم عليه وعلى نبينا السلام آخر الزمان، خلاصة الكلام فيما هو المراد بالمسجد الحرام، إسعاف المسلمين والمسلمات بجواز القراءة ووصول ثوابها إلى الأموات، تنبيه الباحث السري إلى ما في رسائل وتعاليق الكوثري، حلبة الميدان ونزهة الفتيان في تراجم الفتاك والجشعان، براءة الأبرار ونصيحة الأخبار من خطل الأغمار، مختصر تاريخ دولة بني عثمان، إدراك الغاية من تعقب ابن كثير في البداية …
والرسالة التي بين أيدينا خطها الشيخ محمد العربي بن التباني بتاريخ 01 محرم 1368هـ (1949م) بمكة المكرمة وأرسل بها مع المدني بن الشيخ – وهو من رأس الوادي – برفقة هدية تتمثل في ثلاث نسخ من كتابه الجديد للشيخ السعيد بلعيساوي صاحب الزاوية الرحمانية برأس الوادي يهنئه برأس السنة الهجرية، وتتضمن مجموعة من المعلومات المهمة:
1/- العلاقة الأخوية بين علماء الجزائر وعلماء المغرب الأقصى، ففي الرسالة نجد بأن الشيخ محمد العربي بن التباني يخبر الشيخ السعيد بلعيساوي بأنه طبع من كتابه الجديد (شرح الصدور بأحوال الموتى والقبور للسيوطي) حوالي 300 نسخة بمطبعة الحلبي، ولم تصله إلا 35 نسخة فقط في انتظار الباقي، وقد وزع هاته الكمية على أصدقائه من ضمنها 20 نسخة وجهها للمغرب الأقصى، وبالضبط نحو مدن فاس ومراكش والدار البيضاء، وهناك يقطن تلاميذه وشيوخه الذين يقبلون سنويا على الحجاز، ويلتقي ويتحادث معهم، وهو ما يؤكد الصلة القوية والمتينة بين علماء الجزائر والمغرب الأقصى منذ أقدم الأزمنة.
2/- العلاقة القوية التي كانت تجمع الشيخ محمد العربي بن التباني بالزوايا، ومنها زاوية الشيخ السعيد بلعيساوي، وهو ما ينفي بأن الشيخ محمد العربي كان معاديا للصوفية والطرقية بكل أنواعها.
3/- العلاقة القوية التي كانت تجمع الشيخ محمد العربي بن التباني بشيوخ جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، وهو ما ينفي المعلومة المتداولة من البعض بأن الشيخ محمد العربي كان مخالفا للجمعية ووقعت له معها مشاكل عديدة، فمن خلال الرسالة نجد بأن الشيخ محمد العربي أرسل بنسخ من كتابه الجديد المذكور سلفا لبعض من شيوخ الجمعية وهم: الشيخ محمد البشير الإبراهيمي، الشيخ الطيب العقبي، الشيخ العربي التبسي، الشيخ أبو يعلى الزواوي، الشيخ محمد الطاهر خبابة مفتي سطيف (من برج الغدير)، الشيخ ابن علي بن الشيخ بوادي الزناتي، الشيخ الطاهر بن الدراجي الريغي الحامي (من سطيف)، الشيخ محمد بن الحاج العياضي (من برج الغدير)، ونسخة للطالب بن يسعد (من رأس الوادي)، ونسخة للشيخ محمد العاصيمي (من المنصورة برج بوعريريج) مفتي الحنفية بالعاصمة، كما يطلب من الشيخ السعيد بلعيساوي أن يمنح نسخة من نسخه الثلاث للشيخ محمد بن السعيد لطرش (من برج الغدير) رئيس فرع برج بوعريريج لجمعية العلماء المسلمين.