محمد بن علي السنوسي
بقلم: محمد الهادي الحسني-
رافقتُ الشيخ محمد الغزالي في زيارته إلى مدينة تيزي وزو في آخر عهده في الجزائر، وفي أثناء الطريق تحدَّثتُ بما ظننتُ أن الشيخ غير مُلمٍّ به من أخبار الجزائر وأمجادها، ومنها جهاد المجاهدة فاطمة نسومر، التي خفَض لها الجزائريون جناح “الذل” فسمّوها –على غير عادتهم– “للَّا”، لأنها كانت أفضلَ وأشرف من كثير ممن يحسبون أنفسهم “رجالا” وما هم إلا “ذُكران”.
ونحن على مشارف المدينة تنهَّد الشيخ والتفت إليَّ قائلا: لا أعرف قوما قصَّرُوا في حق تاريخهم وأمجادهم مثلكم، ثم إن هؤلاء الرجال ليسوا لكم وحدكم؛ وإنما هم للأمة الإسلامية كلها، تعتزُّ بهم وتفخُر.
تذكَّرتُ مقولة الشيخ الغزالي وأنا أقرأ ما كتبه المجرم الجاسوس الفرنسي ليون روش عن موقف الشيخ محمد بن علي السنوسي في مدينة الطائف من تلك “الفتوى الروشية” التي تزعم أن علماء المسلمين يجيزون خضوع المسلمين لغيرهم إذا لم يمنعوهم من “القيام” بدينهم، ولا يجوز للمسلمين مقاومة هؤلاء المعتدين!
قلتُ لنفسي: كم من الجزائريين يعرفون اسم الشيخ السنوسي، ويعلمون شيئا –قلَّ أو كثُر– عن “الحركة السنوسية”؟ ولم أكن متفائلا، لأنني ممّن يجوس خلال ديار الجزائر غربا وشرقا، وجنوبا وشمالا، فلم أسمع حديثا عن الشيخ السنوسي، ولم أرَ شارعا، أو ساحة، أو مؤسسة تحمل اسمه، إلا ما أقيم له من ملتقى في مدينة مستغانم، وما أقيم له ولِسَمِيِّه “أمْحمَّد بن يوسف السنوسي” في مدينة تلمسان منذ سنتين.
يذكر المؤرِّخون أن العرب والمسلمين عرفوا في تاريخهم المعاصر حركتين هامَّـتين هما الحركة الوهابية، والحركة السنوسية. وإذا كانت الحركة الوهابية قد استفادت من ظهور البترول في الجزيرة العربية، وقيام الدولة السعودية وسيطرتها على مكة والمدينة، ونشرها لأفكار الشيخ محمد بن عبد الوهاب في العالم الإسلامي، فإن الحركة السنوسية – رغم أصالة فكرها، وحيويتها، وبُعد نظرها – لم تنل من الانتشار ما نالته الحركة الوهابية، ولما اكتُشِف النفط في ليبيا، وقامت الدولة الليبية على أسس الحركة السنوسية، ابتُليت ليبيا بما سمِّي “ثورة الفاتح”، فعملت على إطفاء نور الحركة السنوسية، وخرَّب “القذافي” بـ”كتابه الأخضر” ما بنته الحركة السنوسية، التي سمَّاها بعض الدارسين “الصوفية الإيجابية”.
وُلد محمد بن علي السنوسي في 1787 قرب بلدة “يلَّل” في ولاية غليزان، ودرس في مستغانم، ومازونة، ومعسكر، ومن أشهر أساتذته “الحافظ” أبو راس الناصر، الذي سمي بيته “بيت المذاهب الأربعة” لانفساح ذَرْعِه فيها، ثم قصد مدينة فاس فبقي فيها بضع سنين ثم آب إلى الجزائر فطاف بعدَّة مدن فيها، فلم يلقَ إقبالا ذا شأن، فولّى وجهه شطر المشرق مرورا بتونس، وليبيا، ومصر، انتهاءً بالحجاز وشمال اليمن.. وأهم ما وقع له هو تعرُّفه على الشيخ أحمد إدريس الفاسي بمكة المكرمة، فلازمه في حلِّه وترحاله.. واستفاد من وجوده في مكة معرفة أحوال المسلمين عامَّة من احتكاكه بحُجَّاجهم.
بعد وفاة الشيخ أحمد الإدريسي استقلَّ الشيخ السنوسي بالدعوة إلى حركته التي ركَّز فيها على العلم والعمل، وأخرج مؤسسة الزاوية من سلبيتها إلى الإيجابية، ولم تعُد الزاوية تعتمد على غيرها، وإنما أصبحت هي التي تعطي لمن هو في حاجة المسلمين حتى وغير المسلمين، وقد كانت تمنع التسوُّل على المنتسبين إليها.. وصارت الزوايا السنوسية في ليبيا خاصة معاهدَ للعلم، وحقولا للزراعة، ومعاملَ للحِرف والصناعات، وميادينَ للتدريب على الفروسية والجهاد ضد الأوروبيين الذين بدأوا مخططهم الإحتلالي للعالم الإسلامي.. وقد كانت الحركة السنوسية شوكة في حلوق المنصِّرين.. ولهذا تكالبت عليها كل من انجلترا وفرنسا وإيطاليا. ومن أهمِّ أعمال السنوسيين في الجزائر قتلهم الجاسوس الفرنسي المجرم والمترَهْبن شارل دوفوكو في 1919.
وقد كتبتُ هذه الكلمة بمناسبة ذكرى وفاة الشيخ محمد بن علي السنوسي في 7-9-1859، وقد ترك آثارا منها: “لوامح الخذلان على من لا يعمل بالقرآن” و”إيقاظ الوسْنَان للعمل بالحديث والقرآن”.