الصديق بن طالبي (1906-1994م) مسيرة عالم في طي النسيان
الصالح بن سالم

الصديق بن طالبي (1906-1994م) مسيرة عالم في طي النسيان

بقلم: الصالح بن سالم-

بئر قاصد علي بلدية تبعد عن عاصمة ولاية برج بوعريريج بحوالي 35 كلم شرقا، وتعتبر مدينة تاريخية عريقة أين عثر بها على شواهد رومانية وبيزنطية، كما أخذت تسميتها من الجندي العثماني (قاصد علي) الذي كان بحامية زمورة خلال القرن 17م، وانسحب منها برفقة ثلاثة جنود آخرين شكلوا مع مرور الوقت قرى قائمة بذاتها:

* خليل: الذي تنسب له بلدية خليل

* موصلي: والذي تنسب له قرية أولاد موصلي (بلدية عين تاغروت)

* يلس: الذي تنسب له قرية حمام أولاد يلس (ولاية سطيف)

ونظرا للجفاف الذي كان بالمنطقة قام (قاصد علي) بحفر جب أصبحت مع مرور الوقت بمثابة المصدر الأساسي لسكان المدينة للتزود بالمياه، فنسبت له البئر (بئر قاصد علي) بل ونسبت له المدينة ككل، ومن أبرز أعلام هذه البلدة العلامة الصديق بن طالبي أو كما يحلو لسكان بئر قاصد علي مناداته (طالب العرش) فمن يكون ؟ وما هي أصوله ؟ وماهي أبرز أعماله قبل وبعد الاستقلال 1962م ؟

1/- مولده ونشأته:

بقرية فريحة بلدة بني ورثيلان مسقط رأس الحسين والفضيل الورثيلاني ولد الصديق بن طالبي سنة 1906م لكنه سجل في الحالة المدنية بتاريخ 14 مارس 1910م، وكبقية صبيان فريحة دخل الصديق الكتاتيب مبكرا، وتمكن من حفظ القرآن الكريم في سن صغيرة قبل أن ينتقل للمتون وكتب الفقه، ومع مرور الوقت كبر طموحه فكانت زاوية سيدي عبد الرحمن اليلولي بالقبائل بمثابة الجامعة في ذلك الوقت فهي مقصد العلماء والفقهاء الكبار أين مكث هناك مدة معتبرة تمكن خلالها من الالمام بمختلف العلوم الشرعية واللغوية، كما تعرف على طلبة وشيوخ جمعية العلماء المسلمين وعلى رأسهم الفضيل الورثيلاني ابن قريته فأصبح كاتبه الخاص بمختلف الجرائد التي كان الورثيلاني يراسلها، كما تعرف على الشيخ والعلامة المولود الحافظي والذي احتك به من أجل تعميق معارفه في العلوم العقلية، واعتكف بعدها اماما ومدرسا في عديد القرى بمنطقة القبائل الصغرى.

2/- التحاقه ببلدة بئر قاصد علي:

التحق الصديق بن طالبي ببلدة بئر قاصد علي سنة 1945م، وقد أحيا هذه المدينة بنشاطه الكبير، وخصوصا بعدما تعرف على شيوخ جمعية العلماء كالشيخ البشير الابراهيمي والطيب العقبي، وهم من أوعزوا له بتشييد مسجدا ببئر قاصد علي لتعليم الناس أمورهم الدينية، وتعليم الصبيان العلوم الشرعية وهو ما تم سنة 1953م بمساعدة شيوخ القرية الأفاضل أمثال: سي لوصيف زواوي وسي الحاج غرس الله وسي عمار دراج وسي بن عبد الله عريب وسي رابح كتفي وسي المسعود هاشمي وسي السعيد علوي وسي ابراهيم زروق وسي ضيف محمد وسي بلعلى أحمد وسي هداجي لحسن، وكان أول مسجدا ببئر قاصد علي والمدن المجاورة لها، فكان الناس يتوافدون عليه للصلاة وحفظ القرآن الكريم من: عين تاغروت، خليل، الشويحة، عين البيضاء، صدراته ...

3/- انخراطه في الثورة التحريرية:

قبل أن يشيد المسجد كان الشيخ الصديق بن طالبي يمارس العمل السياسي التوعوي، وفي سبيل ذلك استقبل ببلدة بئر قاصد علي كل من السياسي الكبير فرحات عباس، وكذلك المناضل الكبير محمد بوضياف الذي زار بئر قاصد علي سنة 1948م، وقد أوصى سكانها خيرا بالشيخ الصديق بن طالبي، ومع وصول الثورة للمنطقة سنة 1956م كان الصديق بن طالبي من أوائل المنخرطين فيها، وكان له اتصال وثيق مع الشيخ يوسف يعلاوي وقائد المنطقة جناد عمر الحافظي، فقد كان يستقبلهم بمنزله برفقة ولديه سي بلقاسم وسي الحسن، وهو ما جعل السلطات الفرنسية تلقي القبض عليه برفقة ابنه سي بلقاسم وتزج بهما في سجن سطيف سنة 1957م لمدة سنتين أين تعرضا لتعذيب شديد، وبعد اطلاق سراحه استمر سي الصديق في عمله الثوري لغاية الاستقلال 1962م.

4/- مساهمته في تشييد المدرسة الشعبية:

يمكن القول بأن مسؤولية الشيخ الصديق بن طالبي بعد الاستقلال كانت أثقل وأكبر مما كانت قبلها، فقد أخذ على عاتقه تأسيس مدرسة شعبية بالمنطقة لمحاربة الجهل والمساهمة في بناء الجزائر المستقلة، وكان ذلك سنة 1968م، وقد جلب لمدرسته هذه حوالي 18 أستاذ من مختلف الجنسيات العربية (مصر، العراق، فلسطين... )، وكان على رأسهم الأستاذ الغزاوي الأصل سي طه اسماعيل رحمه الله، وكان يسهر على خدمتها حوالي 13 عامل، وكانت المدرسة تشتغل بالنظام الداخلي بها حوالي 750 طالب، وقد تخرج منها ما يفوق 1227 اطار في جميع الميادين منهم من تقلد منصب وزير مثل ( عبد القادر سماري وعبد الكريم حرشاوي )، وقد لفت هذا التألق والنجاح أنظار الدولة الجزائرية، فقررت تأميم المدرسة سنة 1976م وجعلتها تابعة لوزارة الشؤون الدينية والتعليم الأصلي.

لقد استمر العلامة الصديق بن طالبي في العطاء كإمام ومعلم ومربي وناصح ومرشد ومناضل في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لغاية وفاته بتاريخ 22 أفريل 1994م، وقد ترك ولدين صالحين كانا خير خلف لخير سلف وهما سي الحسن وسي بلقاسم أطال الله في عمرهما.


* المرجعية العلمية:

- مذكرة ماستر للطالبات (رميلي عائشة وبوعيسي نسيمة ومخلوفي ليندة) تحت اشراف الدكتور مقلاتي عبد الله بجامعة المسيلة، وقد حملت عنوان ( أعلام منطقة برج بوعريريج ودورهم في الحركة الوطنية والثورة التحريرية 1900-1962م).

- مذكرات المجاهد جناد عمر الحافظي.

- مقال بمجلة أول نوفمبر لابنه سي بلقاسم بن طالبي صدر سنة 2009م.

- شهادة ابنه سي الحسن بن طالبي بالاضافة إلى شهادات أخرى متنوعة من طلبة المدرسة الشعبية سابقا.

 

آخر التغريدات:

    Message: Invalid or expired token., Please check your Twitter Authentication Data or internet connection.