الشيْخ أحمد الأطرش
رشيد أوزاني

الشيْخ أحمد الأطرش

بقلم: رشيد أوزاني-

في اليوم الخامسِ عشرَ منْ شهر عيدِ الفطْرِ المُبارك : شوّال، منْ عام 1337هـ، المُوافِق 14 جويلية 1919م، فتحَ عينيْهِ على الوجودِ الدُّنيَويِ صبيٌّ اسْمُهُ أحمدُ . كانَ الميلادُ في إحْدى قُرى بلديّةِ وادي الخير ، التّابعة لولاية مسْتغانم .

يمتدُّ نسبُ الشيْخ أحمد الأطرش إلى السُّنوسيّين الذينَ أسّسوا الطريقة السُّنوسيّة، وهي طريقة صوفيّةٌ لها امتِداد تجاوَزَ بُلدانَ المغرب العرَبي .

تلقّى ، وهو ما يزال في مُسْتهلِّ الطفولة ، ترْبيةً سليمة ، في دِفْءِ أُسْرة كريمة ، لها ارْتباطٌ وثيقٌ بالدّين والصّلاح والقرآن . لقدْ تهيّأتْ له ظروفٌ يسَّرتْ لهُ الالتِحاق بمسْجدِ القريةِ ، فالتزَمَ كـُـتّابَهُ ، وواظبَ على تعلُّمِ القرآن الكريم حتّى اسْتكمَلَ كلَّ أجزائهِ بالحفْظِ المُتْقن ، وهو لمْ يتجاوَزْ بعدُ الحاديةَ عشْرة منَ العُمُر .

الإقــبالُ على العِلم :

إنَّ النّاظرَ إلى المسيرةِ العلميّة للشيْخ أحمد الأطرش يجدُها مُتواصِلة الحلقاتِ ، مُتعدِّدةَ الوجهات ، فقدْ انطلقتْ هذه المسيرة منْ بلدتِهِ ، فكانَ أساسُها الإلمامَ بما تيسَّرَ من المعارفِ الدّينيّة واللغويّة ، تلقّاها واكتسبَها منْ ثُلّةٍ من الشُّيوخ الأعْلام الذينَ أعَدّوه إعْدادا كاملا للتّحْصيل العِلمي ، دون كلل أوْ ملل .

في تلمسان :

إنّ مناهلَ العلم في الغرْب الجزائري في تلك الفتْرة التّي بلغَ فيها الشيْخ الأطرش عُنْفوانَ الشّباب ، متنوِّعة وعديدة ، فقدْ جالَ بيْنها ، واسْتفادَ منْ عُلمائها ، وقادَتْهُ هذه الجولات إلى تلمسان ، أنّى التقى بأحدِ أقطابِ جمعيّةِ العُلماءِ المسْلمين ، ألا وهو الشيْخ البشير الإبْراهيمي ، فريدُ زمانِهِ في مُختلِفِ العلوم والفنون ، ومضربُ الأمثال في الفصاحة والبلاغة وقوّةِ الحُجّة . ولا شكّ أنّ لهذا اللقاءِ مع هذه الشّخصيّةِ الفذّةِ آثارًا مُفيدة ومُشجِّعةً ، زادَتِ الشيْخ الأطرش حماسًا ، لمُواصلة الارْتقاء ، بالتّحصيل العِلمي ، إلى آفاق المعالي .

ففي هذه المرْحلة المُمتدَّةِ منْ عام 1932م إلى 1938م ، أثْرى زادَه العلمي ، فحفِظَ ألفيّة ابْنَ مالكٍ المشْهورةِ في النّحو ، ودرَسَ شرْحَ مُختصر خليلٍ في الفقه ، واطـَّلع على كتاب " الجوهر المكنون " في علم العَروض والبلاغة ، مُعْتمِدا على شيْخِهِ العالِم أحمد التّسولي المغربي ، الذي لازمَهُ سِتَّ سنواتٍ كاملة .

في تونسَ :

كانَ دأْبُ طُلاّبِ العلم في العُقودِ الزّمانيّةِ الماضيَةِ ، مِمّنْ يُسِّرتْ لهم الظروفُ ، شدَّ الرِّحال إلى عواصِمِ العلم ومراكزِه المعْروفة ، وكانَ جُلُّ الجزائريّين يوَلّونَ وجوهَهمْ شطْرَ جامع الزّيْتونة بتونس .

وها هوَ الشّاب أحمد الأطرش لا يُخالِف هذه القاعدة ، فقدْ سافرَ إلى تونس ، عام 1938م ، وهو ابْن العشْرين ، ومكثَ في رحاب جامع الزّيْتونة حتّى تُوِّجتْ دراستـُهُ بالحُصول على شهادةِ التّحْصيل في سنة 1944م . وفي تونسَ شاءتِ الصُّدفُ اللطيفةُ أنْ يلتقيَ رئيسَ جمعيّة العُلماء المسْلمين ، رائدَ الإصْلاح في الجزائر ، الإمام عبد الحميد بْنُ باديس .وفي هذا المرْكز العلميِّ الشّامخ تتلمَذَ على نفرٍ منَ العُلماء الأجِلاّءِ الأعْلام ، أمثال المُفسِّرالشيْخ محمَّد الطّاهر بن عاشور، صاحب تفسير :" التّحْرير والتّنوير " .

نشاطُهُ قبْلَ الاسْتقلال :

عادَ منْ تونس ، وفي نفسِهِ عزْمٌ كبيرٌ لنشْرِ المعارفِ التّي اكتسبَها وأتْقنَها ، فسارعَ إلى بلدتِهِ ، وشرع في التّدْريسِ ، زارعًا بُذورَ العُلوم في أفئدةِ الطلبةِ المتعلِّمين .

ومِنَ اليقينَ أنّ حالةَ وطنِهِ المُحْتلِّ منْ المُسْتعمرِ الفرنسي الغاشم حرّكَ في فؤادِهِ جذْوةَ الحماس ، والرّغبةَ في تغييرِ الوضْع ، مِمّا دفعهُ في سنةِ 1944م إلى الانخراطِ في حزْب الشّعب الجزائري ، وهو حركةٌ سياسيّةٌ جديدة تسْعى إلى التحرُّرِ منْ الاسْتعمار .

لقدْ كانَ الاسْتعمارُ بالمِرْصاد لكُلِّ الوطنيّينَ المُناضلينَ، ولا سيَّما الذينَ لهمْ رصيدٌ من الثّقافة والعلم والوعْي، وهيَ وسائلُ أساسيّةٌ لنشْر اليقظة والتّعبئة والتّوْجيه والتّأثير في صُفوفِ الشّعْب .

منْ أجل هذا النشاطِ السِّياسي، توالتِ النّكباتُ والمشاقُّ على الشيْخ أحمد الأطرش ، خلال المُدّةِ المُمتدّة منْ عام 1945م إلى 1959م ، فذاق خِلالها مرارةَ السِّجنِ والتّعْذيبِ ، ثمَّ نـُـفِيَ إلى وهرانَ ، بعد أنْ أقامَ أعوامًا في قسنطينةَ، مُدرِّسًا في الجامع الأخْضر الذي ارْتبطَ اسمُهُ بالعلاّمة ابْنِ باديس .

نشاطـُهُ بعدَ الاسْتقلال :

مِمّا لا ريْبَ فيه أنَ العُلماءَ في مختلِفِ العُصور والأمصار أوْفياءُ لرسالتِهمْ، مُلتزمونَ بها في السّرّاءِ والضّرّاءِ، لا يَبْغونَ عنْها حِوَلا، يُؤدّونَها بحُبٍّ ووفاء، وذلكَ شأنُ الشيْخ الأطرش، الذي ازْدادَ ارْتباطا بمِهنةِ التّعليم بعد حصولِ الجزائر على الحُريّةِ والاسْتقلال، حيثُ فـُـتحَ له المجالُ في قِطاع التّربيةِ والتّعليم و التّكوين ، فلم يبْغِ عنهُ بديلا .

لقدْ درّسَ وعلَّمَ وكوَنَ في شتّى المراحل، واسْتقرَّ به الجُهْدُ والحالُ في الجامعة، فكان علَمًا ذائعَ الصّيتِ في رحابِها، يتردّدُ ذِكرُه بالثّناءِ والإعْجاب، مِنْ قِبَلِ دُفعاتِ المتخرِّجين من المعهدِ الوطني العالي للحضارة الإسْلاميّة بوهرانَ، الذين اسْتفادوا كثيرا منْ ثقافتِهِ الواسعةِ، في العُلوم الإسْلامية، فقدْ كانَ فقيها ومُحدِّثا وأُصوليّا ومُفسِّرا، وكان كذلك إماما وخطيبا ومُوجِّها وداعِية ومُفْتِـيًا في المساجدِ، ومُحاضِرًا في المُلتقياتِ والنّدواتِ المحليّةِ والوطنيّة .

مُؤلّـفاتُهُ :

وبالرّغمِ منْ هذا النّشاطَ الغزيرِ، فقدِ اتَّسعَ وقْتُ الشيْخ للكتابةِ، فألّفَ نُخبة منَ الكتُب ، تُعَدُّ بلا مُبالغةٍ مصادرَ ومراجعَ في المعارفِ الدّينيّة، في المُسْتوى الجامِعي، يُقلِبُّ صَفحاتِها الدّارسون والباحثون، وهي :

· تيْسير الوصول إلى علمِ الأصول .

· الإمام مالك ومدرسة المدينة .

· منهاج الشريعة الإسلاميّة في النّحْو .

· مِنْهاج الشريعة الإسلاميّة في علومِ الحديث .

· شرْح مُوَطّأ الإمام مالك بْن أنَس رحمه الله .

· شرْح قطْر النَّدى وبلّ الصّدَى .

· شرْح ابْن عاشر .

· شرح العاصِميّة في أحْكام القضاء .

· تاريخ الجزائر في خمسة قُرون .

وفاته :

حقّا ، إنّ الحياةَ ثوبٌ مُسْتعارٌ، وإنَّ الموتَ سبيلُ كلِّ حيٍّ، كما يقول المثَلُ العرَبي. لقدْ رحلَ الشيْخ أحمد الأطرش السّنوسي منْ دار الفناء إلى دار البقاءِ، يوم الجمعة 9 جُمادى الثّانية 1424هـ، المُوافق 8 أوت 2003م ، وشُيِّعتْ جنازتُهُ في جوٍّ حافِلٍ بالاعْتبار والتّرحُّم والذّكْر الحسَن .

منْ أقوال الشيْخ أحمد الأطرش السّنوسي

نموذج مُختصَرٌ منْ خطبةٍ مُرتجَلةٍ ، يتحدّثُ فيها عنْ فضيلةِ الدّعاء :

" ... أخي المسْلم ، قدْ يأتي إنسانٌ إلى شيْخ كبير ، إلى مَنْ يعتقِدُ فيه الصّلاح ، إلى إنْسانٍ منْ حفظَةِ القرآن الكريم ، إلى إنسانٍ منَ الحُجّاج الكبار ، يسْألُهُ ويقولُ لهُ : ادْعُ لي . هذا لا مانعَ فيه ، والرّسولُ صلّى اللهُ عليهِ وسلَّم كان يَدعو للنّاس .

جاءَ أحدُهم إلى رسول الله عليه الصّلاةُ والسّلام، فقالَ له الرّسول : سَلْ ، فقالَ : أسْألُكَ مُرافقتَك في الجنَّة ، قالَ : أوَغيْرَ ذلك، قال : وذلك . ماذا قال له النّبيُّ صلّى اللهُ عليه وسلَّم : أعِنّي على نفسِكَ بكثْرةِ السُّجود، أيْ لا أضمَنُ لك الجنّة . وهذا ما يعتقِدُه بعضُ النّاس ، أوْ أرفعُ يدي إلى السّماءِ، وأقولُ لك : يا بُنيِّ ، واللهِ إنّكِ لمِنْ أصْحابِ الجنّة . كل ، هذا لا يقولهُ الرّسولُ ، ولا يقوله المؤمنُ ، وإنّما قال لهُ : أعِنّي على نفسِك بالسّجودِ .

والرّجُلُ الآخَرُ الذي سألَ النّبيَّ صلّى اللهُ عليهِ وسلَّم : يا رسولَ الله : متى السّاعة ؟ ، فقال له النّبيُّ : ماذا أعْدَدتَ لها ، فقال الرّجلُ : لا ، إلاّ أنّي أُحبُّ اللهَ ورسولَهُ . فقال الرّسولُ : فإنَّكَ معَ مَنْ أحْببتَ .

والمحْبوبُ الذي لا حَدَّ لحُبِّهِ هوَ محمَّدٌ عليهِ الصّلاةُ والسّلام . وربُّ العالمين بيَّن لنا كيف يكونُ حُبُّ النّبيّ ، قال عزّ وجلَّ : " قُلْ إنْ كـُنتُمْ تُحِبّونَ اللهَ فاتّبِعوني يُحْبِبْكـُم اللهُ ويَغفِرْ لكمْ ذنوبّكمْ واللهُ غَفورٌرحيمٌ " ، هذا هوَ حُبُّ النّبيِّ صلّى اللهُ عليْهِ وسَلَّم . "

مُقتطفاتٌ منْ مقدِّمةِ كتابه : "الإمام مالك ومدْرسة المدينة ":

" ... ولكنْ شاءَ اللهُ أنْ يُقيِّضَ مَنْ يُذكّـرُ بآثارِهمْ ، ويُعرِّفَ بما قدّموا لهذه الأمّةِ منْ خدماتٍ لشريعةِ نبيِّها ، وكتابِ ربِّها ، مالك بْن أنس ، إمام دار الهجْرة ، وحامِل لِواء فقْهِها . ولئِنْ كتبَ في شأنِه الكاتبون أقلَّ ممّا يسْتحقّ ، فإنّني أعْترفُ بأنّهم يسّروا لي الشيْءَ الكثيرَ ، فلهُم فضْلُ السّبْقِ ومزيّةُ المُبادرة ، وأعترِفُ بأنَّ عمَلي لم يكنْ بالنّسْبةِ لعملِهمْ إلاّ جُرعة منْ بحْر ، ومع ذلك إنّي أعْتزُّ بهذه الجُرعةِ ، وإنْ كانتْ مُحاولتي في الحديثِ عنْ مالكٍ وآثارِه تكْتسي طابَعا جديدا لم أسْبقْ به ، فإنْ أصبْتُ فمِنَ اللهِ ، وإلاّ فمِنّي ومِنَ الشّيْطان .

وحسْبي أنْ أُعلِنَ للسّادةِ النُّـقّادِ ، أنّها محاوَلةٌ فيها الغثُّ وفيها السّمينُ ، وفيها الصّوابُ وفيها الخطأ . أسألُهُ تعالى أنْ يَعْصِمَني وإيّاهمْ من الخطإ وعين السّخط. هذا ، وإنّ الباحثَ ليْس منْ شأنِه أنْ يكونَ مُصيبًا ، فإنْ أخطَأ في جانِبٍ ، فلا ريْبَ أنْ يكونَ مُصيبا في جوانِبَ ، ومِنَ الإنْصافِ أنْ لا نُعاقبَ على الهزيمةِ ، وإنّما نُعاقبُ على ترْكِ العزْيمة ، فقدْ قال قبْلَنا :

لا تَلـُـمْ كـفّي إذا السّيـْفُ نَــبا *** صَحَّ مِنّي العزْمُ والدّهْرُ أبَى

شهاداتٌ في حقِّ الشيْخ الدّكتور أحمد الأطرش

وهذه شهادة الأستاذ الدّكتور وهبة الزّحيلي رئيس قسْم الفقه الإسْلامي بجامعة دمشق ، وردتْ في تقديمِهِ لكتاب الشيْخ الأطرش : مالك بن أنس ومدرسة المدينة :

" ... وقدْ قيَّضَ اللهُ تعالى للحديثِ الشّافي والواعي والمُتخصِّصِ عن الإمامِ مالكٍ عالِما جليلا منْ عُلماءِ الجزائر في المغرب ، ألا وهوَ الشيْخُ الجليلُ العلاّمةُ أحمد الأطرش السّنوسي ، الذي عرَفتُه منذ مدّةٍ، فعرفتُ فيه الخُلُقَ الرّفيعَ ، والأدبَ الجمَّ ، والتّواضُعَ والتّقْوى والعلمَ الواسِعَ ، والفهْمَ الدّقيقَ، وقدْ برزَ هذا في حياتِه التّعليميّةِ الجامعيّةِ ، فكان جديرا بأنْ يتحدّثَ حديثا مُوَثّقا وشاملا عن إمام المالكيّةِ ، وكان كتابُه هذا بحقّ مُفيدا للقارئ ، مُحلِّلا كلّ جوانبِ شخصيّةِ الإمام مالِكٍ العلميّة ، مُقارنا ومُوازِنا بيْنه وبيْن ابْن حزْم ، مُحقِّـقا كيفيّةَ تعامُلِ الإمام مالك مع النُّصوص الشّرعيّة ، فجزاهُ اللهُ خيْرَ الجزاء ، وحقّقَ النّفْعَ به لأهلِ العلمِ ، واللهُ يقولَ الحَقَّ وهو يَهْدي السّبيلَ . "

ومِمّا تضمّنَهُ تقْريظُ الأستاذ الدّكتور مصْطفى ديب البغا حوْل كتاب الإمام مالِك ، هذه الشّهادة :

" ... ولقدْ أجادَ وأفادَ ، حفِظه اللهُ تعالى ونفعَ به ، في جلاءِ مواضيعِ الكتابِ التي ذكرَها في مقدِّمتِه ، وهي : حياةُ مالكٍ رحمه اللهُ تعالى ، وتفاعُله مع النّصِّ ، واجتِماعُ أهلِ المدينةِ ، وأثَرُ السُّنّةِ في فقهِ مالكٍ ، ورأيُه في القِياس والمصْلحةِ ، وآثارُ مالِكٍ العلميّة ، وموْقِفُه السّياسي ... ولقدِ امتازَ في مُعالجتِه لهذه المواضيعِ ، كما ذُكِرتْ ، بالموْضوعيّةِ والصّدْقِ وتحَرّي الحقّ والحقيقة ، وامتازَ بحْثُهُ بكثْرةِ الأمثِلةِ التي تُـضْفي على البحْثِ حيويّةً وروحًا ، وتجعلُ القواعدَ النّظريّةَ ذاتَ تفاعُلٍ في ذهْنِ القارئ ، حيثُ تربطُ له بيْنَ الفكرةِ والواقعِ والتّطْبيق ، وتُبعِدُه عنْ جفافِ المباحثِ الأصوليّةِ ... التي تجعلُ القارئَ وكأنّهُ يُنقِّـبُ في حجَر ، أوْ يَنْحتُ منْ صخْر .

فجَزى اللهُ تعالى أسْتاذَنا الفاضِلَ كلَّ خيْرٍ ، وبارَكَ في عُمُرِه ووقتِه ، حتّى يُزوِّدَ المكتبة الإسْلاميّةَ بما حباهُ اللهُ تعالى منْ علمٍ وينفع به . "

وتحدّثَ ، بدرايَةٍ وصِدْقٍ ، عنْ خِصالِهِ الدكتور مسْعود فلوسي ، فقال :

" ... الذين عرَفوا الشيخ أحمد الأطرش السّنوسي ، رحمَه الله ، سواءٌ منْ خِلالِ العملِ معه ، أو التّتلْمُذِ عليه ، أوْ حضورِ دروسِهِ وخطبِهِ ، أو التّعامُلِ معه في واقِعِ الحياة ، يشْهدون للرجلِ بدَماثةِ خُلُقه وروحِه المَرِحةِ ونفسِه الطيِّبةِ ، وتحَبُّبه إلى النّاسِ ، وحِرصِه على نفعِهم وإفادَتِهم ونصيحتِهم ؛ كما يشهدون لهُ بالاسْتبحار في العِلم والثقافةِ الواسعة ، والمعْرفةِ العميقةِ بالنّاسِ والحياة . فقدْ كانَ الرجُلُ على اطِّلاعٍ واسعٍ بالكتب والمصادِرِ ومُحْتوياتِهما ، وتراجِمِ المُؤلِّفين والأعْلام ، كما كان على معرفةٍ عميقةٍ بالتّاريخِ ، قديمِه وحديثِه ، وعلى دِرايةٍ بالواقعِ ، وما يُؤثِّرُ فيه منْ عوامِلَ .

ويشْهدون له أيْضا بتواضُعِه النّادِرِ لطلبةِ العلم والباحثين ، وعطْفِه عليْهم ، وتفنُّـنِـهِ في خِدْمتِهم ، وبذْلِ النّصيحةِ لهم ، وإتاحةِ الاسْتفادَةِ لهم ، منْ مكتبتِهِ الغنيّةِ بنفائسِ الكتبِ والمخْطوطاتِ القديمة .

رحِمَ اللهُ الشيخَ أحمد الأطرش الشّريف السّنوسي ، وأسْكنَه فسيحَ جنّاتِهِ ، مع الذين أنعَمَ اللهُ عليْهم منَ النّبيّين والصِّدّيقين والشُّهَداءِ والصّالحين وحَسُنَ أوْلائك رفيقا " .

وفي ترجمَةٍ شيِّقة بعُنوان : " العالِم الجزائري أحمد الشّريف الأطرش السّنوسي " يقول الدّكتور عمر حمدادو :

" ... ومِنْ بين هؤلاءِ الأعْلامِ، ومِنْ أشهرِهمْ العلاّمةُ الأصولي، والفقيهُ والمُفتي، والمؤرِّخ ورائدُ البحث المصْدري في الجزائر المرحومُ الشيْخ الأطرش السّنوسي. ولا أُريدُ الغوْصَ في تفاصيل حياتِه، واسْتعراضَ أبْحاثِه ومقالاتِه ، ومُشاركتِه في المُنتدَياتِ العلميّةِ داخِلَ الوطن وخارجَه، بقدْرِ ما أردتُ تسْليطَ الضّوْءِ على مسائِلَ ثلاثٍ: مُميِّزاتِ الشيْخ وخصالِه، ريادتِه للبحْثِ المصْدري، نماذِجَ منْ نفائسِ المخطوطاتِ التّي تضمّنتْها خزانتُه الخاصّة :

· مُميِّزاتُ الشيْخ وخصالُهُ :

تميّزَ الشيخُ الأطرش السّنوسي رحمَه اللهُ بميْزاتٍ وخصالٍ حميدةٍ قلّ نظيرُها ، ويُمكنُ إجْمالُها فيما يلي :

1- ثقافتُه العامّة التّي لم تكنْ مُرَكَّزةً على الفقْهِ أو الدّراساتِ الإسلاميّةِ وحدَها ، بلْ تعدَّتْها إلى علمِ التاريخِ والأدبِ والفكر ، وهيَ أمورٌ كان لها أثرُها في تعامُلِهِ مع كافّةِ أنْواعِ الكتُبِ والمخطوطاتِ النّفيسةِ والمطْبوعةِ وتصْنِيفها وفهْمِ مضامينِها .

2- أفادَ الشيخ الأطرش الباحثين والمُؤرِّخين بمؤلّفاتِه الشخصيّةِ التي كتبَها ، مثل : الإمام مالك ومدرسة المدينة ، وتيسير الوصول إلى علمِ الصول الخ ...

3- عملُه الدّؤوبُ ضمْنَ لجنةِ المجْلسِ العِلمي لمديريّةِ الشّؤون الدّينيّة ، وضِمْنَ حقْلِ الفتْوى .

4- كما أفادَ الشيْخ طالِبي العلم بمكتبَتِهِ الغنيّةِ بنفائسِ الكتب والمخْطوطاتِ القيِّمةِ التّي تحْتاجُ إلى دراسةٍ وعنايةٍ مُركّزة .

5- حافظتـُه القويّةُ التي تسْتوعِبُ أسْماءَ الرّجالِ وعناوينِ مؤلّفاتِهم ومضامينِ الكتُبِ وتواريخِ الأحْداث .

6- عطفُهُ الكبيرُ على الطلبَةِ الباحثين ، وإظهارُ العنايةِ بهِم ، والاسْتماعُ إليْهم ، في تواضُعٍ عَزّ نظيرُه ، وفي نُكْرانِ ذاتٍ لا يُعطيه اللهُ إلاّ للمُخلصين المُتّقين منْ عبادِهِ .

· ريادتُهُ للبحْثِ المصْدري :

يتميّزُ الشيْخ الأطرش السّنوسي بمنْهجٍ خاصٍّ في البحثِ ، يتمثّلُ في الكشْفِ عن المصادر الدّفينةِ في الفقهِ وأُصولِهِ والتاريخِ والأدبِ والمخطوطاتِ المتّصِلةِ بحضارتِهِ ، والتّعريفِ بمصادِرَ فقهيّةٍ وأدبيّة . وإطْلالةٌ سريعةٌ على آثارِ الشيْخ الأطرش تُؤكِّدُ ذلك . فأمّا المُؤلّفاتُ التي تُعَدُّ منْ روائعِ البحْثِ المصْدَري على سبيلِ المِثال لا الحصْرِ فهيَ : الإمامُ مالك ومدْرسةُ المدينة ، وتيْسيرُ الوصول لعِلمِ الأصول ، ويُمكِنُ أنْ نُضيفَ إلى هذه المؤلّفاتِ المُهمّةٌ التّي صدرَتْ للشيخ ، خُطبَهُ المُلقاةَ في منابرَ مُختلِفة ...

· نماذِجُ منْ نفائسِ مخْطوطاتِ خِزانتِهِ :

مِمّا لا شكّ فيه أنّ أغلبَ الباحثين في الدّراساتِ العربيّةِ التّي تهتمُّ بالتُّراثِ يعرفون دلالةَ خِزانةِ الشيْخ الأطرش وأجْدادِه، وما تحْويهِ منْ نفائسِ المخطوطاتِ والوثائقِ وفرائدِ المطبوعاتِ منْ كتبٍ على اختِلافِ مشاربِها ومضامينِها ، ومجلاّتٍ متنوِّعةٍ ..." .

آخر التغريدات:

    Message: Invalid or expired token., Please check your Twitter Authentication Data or internet connection.