شقيق العلامة العربي التبسي للشروق اليومي: الشيخ مات شهيدا هو واثنين من إخوته

الذين اتهموا جمعية العلماء المسلمين في بداية الثورة التحريرية، بتواجدها في خط متواز مع مطلب الاستقلال، ردّ عليهم بالتضحية بالنفس الشيخ العربي التبسي، العالم الأزهري الذي قال عندما رحل الشيخ عبد الحميد بن باديس عام 1940 أنه سيحقق كل ما نصحه به رائد النهضة الجزائرية، ودون أن يذكر وصية علامة الجزائر، راح يزرع مدارس التعليم في تبسة ومنطقة الأوراس، وعندما اندلعت الثورة التحريرية أطّر الشيخ العربي التبسي شبابها، وباشر الكفاح المباشر بالقلم واللسان والبندقية، إلى أن انتقم منه الاستعمار، فكانت شهادته واحدة من الصور النادرة في عالم التضحية، السيد عبد المجيد فرحات الأخ غير الشقيق للشيخ التبسي يحاول من خلال هذا الحوار فكّ الكثير من الألغاز التي صاحبت حياة وأيضا استشهاد العربي التبسي..

 احتضنت تبسة في بداية شهر أفريل ملتقى عن الشيخ التبسي، لكن ما لاحظناه هو غياب عائلة الشيخ؟

أسرة العلامة الشهيد قاطعت هذا الملتقى، كما قاطعت ملتقيات سابقة، بموجب تدخل مفوض أسرة العلامة الذي مثل ثلاثين فردا من العائلة منهم شقيق واحد يقطن في أم البواقي هو أنا، وثلاثة من أبناء إخوة الشيخ يقطنون بتبسة، وخمسة من أبناء أخواته البنات يقطنون جميعا في تبسة، وسبعة عشرة فردا من أبناء عمومته والبقية من العائلة الكبيرة فرحات، وكان هذا المفوض قد ألقى كلمة أعلن فيها عن مقاطعة الأسرة امتعاضا بسبب تصرفات رئيس الجمعية، والتي رأيناها إساءة للعلامة، وفي كل مرّة ندعو السلطات في مدينة تبسة للحفاظ على المكانة العلمية والثورية والتاريخية الحقيقية دون أن نلمس أي تجاوب، والغريب أن رئيس الجمعية التي تشرف على الملتقى سنويا لا يعرف تاريخ الشيخ ومع ذلك يخوض فيه، ويقوم بتغليط الرأي العام.

 هل‮ ‬يعني‮ ‬هذا‮ ‬أن‮ ‬أخطاء‮ ‬وقعت‮ ‬في‮ ‬تاريخ‮ ‬حياة‮ ‬الشيخ‮ ‬التبسي؟

هي أخطاء فادحة، تصوّر أن رئيس الجمعية التي تقدم الشيخ، وتتلقى أموالا من السلطات باسم العلامة الشهيد، لا يعرف أن الشيخ عاش عالما ومات شهيدا، ويجهل تاريخ اختطافه وحتى لقبه الحقيقي، نحن ندرك أن تاريخ الشيخ هو ملك لكل الجزائريين وليس لأسرته فقط، ولكننا نتساءل لماذا لا يتم الاتصال بنا، فبإمكاننا أن نقدم لهؤلاء المجتهدين مخطوطات ومعلومات موثقة، لقد دهشنا من أناس يقولون إن الشيخ لا دشرة ولا دوار له، وكأنه جاء من المريخ، للأسف الشهيد تعرّض للإساءة وللظلم الاجتماعي بعد 56 سنة من رحيله، وألحقت هذه الجمعية في كل ملتقى تعقده بأسرته أضرارا معنوية، وهي تقول أنها تقدم وثائق وشهادات نادرة، كلها من نسج الخيال.

 دعنا نبدأ بمعرفة عائلة العربي التبسي؟

المراسلات التي كان يبعثها الشيخ الشهيد، أثناء تواجده طالبا في الأزهر لصديقه عبد الحميد بن باديس كان يمضيها بالعربي بلقاسم التبسي، ويمكن ملاحظة ذلك مثلا في عدد 82 الصادر في 3 فيفري 1927 في الصفحة 14، فالوالد هو بلقاسم بن مبارك وهو من دوار السطح قنتيس وتوفي عام 1906، والأم هي يمينة ابنة عبيد بن فرحات.

 العربي التبسي عاش اليتم صغيرا؟

للشيخ العربي التبسي أخت واحدة من الأب والأم، هي المرحومة فاطمة توفيت حوالي عام 1923، والدي عمار وهو شقيق والد العربي التبسي تزوّج من أرملة شقيقه أي والدة العربي التبسي السيدة يمينة، رغم أنه متزوج، وتكفّل طبعا بابن أخيه العربي التبسي الذي بقي في بيته، إلى أن توفي والدي عمار بن مبارك بن فرحات عام 1951.

حدثنا عن إخوة الشهيد الذين عاش بينهم؟

الأخ الأكبر هو الحفصي، وكنا نسميه سيدي الحفصي وتوفي عام 2007 وكان إماما معروفا في منطقة تبسة، وحمّه الذي توفي عام 2000 في مدينة تبسة، والأخت جامعة توفّيت بالجزائر العاصمة منذ ست سنوات، والزهرة التي غادرتنا أيضا في السبعينات، والهادي مدني الذي استشهد بعد استشهاد العربي التبسي عام 1958 في بئر مقدم بولاية تبسة، وبلقاسم الذي استشهد وكان عسكريا في جبهة التحرير الوطني، وقتله الاستعمار قبل 15 يوما فقط من توقيف القتال بنواحي ششار بولاية خنشلة، في عملية انتقامية مريعة، ووالدي أنجب أيضا من والدة العربي التبسي مريم التي توفيت منذ خمس سنوات والسيدة غزالة التي مازالت على قيد الحياة، بمعنى أن من إخوة الشيخ من مازالوا على قيد الحياة، أنا والسيدة غزالة فقط.

يعني أن في عائلة التبسي ثلاثة شهداء؟

الشيخ عبدالمجيد: أنامن مواليد 1942ورغم أنني لم أعش مع الشيخ العربي الذي كنا نناديه سيدي العربي سوى 15 سنة، إلا أن استشهاده ثم استشهاد شقيقي بلقاسم والهادي مدني جعلاني أنضم إلى مسارهم وأنا دون العشرين، فكنت مناضلا في جبهة التحرير الوطني، منذ عام 1958 وتعرضت للتعذيب وأنت ترى عطبي على مستوى قدمي الذي يعود إلى الحقبة الاستعمارية.

قليلون في الجزائر من يعرف اللقب الحقيقي للعربي التبسي؟

العربي التبسي من مواليد 1889 لقبنا الحقيقي هو فرحات، وأنا عذبوني عدة مرات ظنا منهم أننا من عائلة فرحات عباس، أما الشيخ العربي فكان منذ نعومة أظافره يريد أن يعيش بعيدا عن الأضواء، يتفادى الخدمة العسكرية، ولم يحدث أن كتب لقبه في الكتابات التي صدرت له سواء في الجزائر أو في تونس ومصر، فقد منحه أحد سكان تبسة من عائلة جدري لقبه حتى يتمكن من التحرك، وهو ما مكّن الشيخ من النشاط والتنقل دون أن يتم توقيفه.

ما الذي جعل الشيخ يعيش بعيدا عن عائلته في منطقة سيڤ بغرب البلاد؟

بالعكس، هو عاش في كل مدن الجزائر، وأنهى حياته المهنية مسؤولا في مدرسة الشيخ عبد الحميد بن باديس ومساهما في تطور مدرسة التربية والتعليم الباديسية في قسنطينة في منتصف الخمسينات وكان إلى جانبه رضا حوحو والشيخان صادق وأحمد حماني والشيخ عبد الرحمان شيبان، وتخرج منها رجالات علم ودين وثقافة مثل زهور أونيسي وشقيقها عبد الحميد، وعبد السلام بن عيسى. ما أعلمه، أنه أثناء تواجده في مدينة سيڤ قرب وهران يمارس التدريس ويحارب الشعوذة والطرقية التي خنقت منطقة الغرب الجزائري، توجه إليه جماعة من تبسة من عشيرته، وقالوا له إنهم أولى بعلمه ويريدون الاستفادة من هذا العلم الذي أخذه من الزيتونة والأزهر، فقال لهم إنه تحت تصرفهم لا يطلب أي امتياز سواء سكنا أو منحة تدريس، وإنما يطلب منهم أن يبنوا في منطقتهم المدرسة وسيتطوع مجانا لتعليم أهل المدينة، وعاد سريعا إلى مسقط رأسه بعد أن سارع الأهالي لبناء المدرسة، حيث أنشأ مدرسة البنين والبنات بمدينة تبسة، وهذا بعد ثلاث سنوات من تأسيس جمعية العلماء المسلمين التي زرعت الجزائر بالمدارس، ثم أسس مدرسة العلم والنور في خنشلة ومدرسة التربية والأخلاق.

يكاد يكون العربي التبسي من قلائل جمعية العلماء الأزهريين؟

بدأ الشيخ العربي التبسي الدراسة عند والده بلقاسم، ثم تكفل بتعليمه والدي، وفي سن العاشرة توجه لحفظ القرآن الكريم في زاوية في خنشلة، وحفظ القرآن الكريم كاملا في خنقة سيدي ناجي في بسكرة، ولم يزد عمره عن 13 سنة، ومن مدينة بسكرة سافر إلى تونس، إلى مدرسة سيدي الحفناوي، وانضم للزيتونة وعمره 18 سنة وبعد حصوله على ما يسمى الشهادة بعد عامين من التحصيل، انتقلللدراسة في الأزهر الشريف

كيف تعرّف على الشيخ بن باديس؟

لا علم لي بالتاريخ وبالمناسبة، ربما في تونس، المهم أن حب وتقدير العربي التبسي للشيخ بن باديس لا يضاهيه تقدير، والمتصفح لجريدة الشهاب يلاحظ أن الشيخ عبد الحميد بن باديس، كان يحوّل كل رسائل أخي التي تصل من القاهرة على صفحات الجريدة، حتى التي لها بعد غير فكري، وكان بن باديس يكتب بالحرف الواحد قبل نشر الرسالة مايلي: هذه الرسالة من أخي الأزهري من جيرة الأزهر الجزائريين العربي بلقاسم التبسي، نشكره على غيرته على دينه وتعلقه بوطنه حامدين الله تعالى على ما نحققه لمستقبل الجزائر على يد هؤلاء الأبطال المجاهدين في سبيلالعلم والدين. وقد أنجب العربي التبسي ابنا سماه أحمد تيمّنا برسول الإسلام ولكنه كان يدعوه وندعوه نحنأيضا عبدالحميد وفاء للصديق الحميم للشيخ التبسي.

أين وصل في تعليمه في الأزهر الشريف؟

دون سن العشرين وصل أخي إلى الأزهر الشريف، ودرس خمس سنوات، نال خلالها شهادة التحصيل، وعاد عام 1927 إلى الجزائر، ما أعلمه، أنه تعرف عن قرب وصاحب المفكر الإسلامي الكبير جمال الدين الأفغاني، كما أن الصور تؤكد أنه تعرّف عن قرب على جمال عبد الناصر، الشيخ لم يكتب مذكراته، وسفرياته بين البلدان والمدن، جعلت في حياته الخاصة الكثير من نقاط الظل، أذكر أنه كان يكرر مقولة أن الأفغان يمتازون بفهمهم عن جهل الإسلام، لم أكن أفهم معنى هذه الجملة، لكن الشيخ الشهيد كان يكرّرها باستمرار، أما عن علاقته بجمعية العلماء المسلمين وبأفرادها، فهو من مؤسسيها الـ16 فكانت بالمختصر المفيد كالبنيان المرصوص والجسد الواحد.

نعلم أنه جمعته بمالك بن نبي علاقة قوية لكنها، اهتزت بعد سفر رجالات جمعية العلماء المسلمين إلى باريس؟

الشيخ العربي تبسي، كان يقول عن مالك بن نبي إنه مفكر وعقل مدبر، كانا لا يفترقان، أما ما حدث في باريس فإن رائد النهضة، شرحه في وقته عندما علم أن فرنسا دعتهم إلى باريس في محاولة لضم جمعية العلماء المسلمين لجمعية الأديان الفرنسية، التي تنشط تحت قبعة وزارة الداخلية الفرنسية، ولكنه رد عليها بأنه جاء إلى باريس كملاحظ، ولا يحمل رأي الشعب الجزائري، ثم قال مقولته الشهيرة في باريس التي نقلها عنه رفقاؤه: والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري لن أتخلى عن مبادئي أبدا، وعندما عاد الشيخ العربي التبسي مع العائدين إلى الجزائر، هرع إلى بيته الذي كان داخل مدرسة تهذيب البنين والبنات في تبسة، وكان مسكنا مبنيا بالحجر مازال قائما لحد الآن، الناس من كل المناطق يسألون عن مغزى الزيارة، فشرح لهم أهداف السفرية وما حدث فيها منذ أن استقلوا الباخرة نحو ميناء مارسيليا، وأقنع الجميع،وقالكلمةمازالتتردّدلحدالآن: في فرنسا هناك دين بلا إسلام، وهنا في الجزائري وجد إسلام بلا دين، ما قاله صار موضوعا خاض فيه الكثير من المفكرين.

كيف تزوّج الشيخ العربي التبسي؟

الشيخ العربي التبسي تزوّج مرتين، الزواج الأول كان بعد عودته بشهادة التحصيل من الأزهر الشريف من عائلة خباب، وهي عائلة معروفة في تبسة، وأنجب من زوجته يمين ويمينة ومبارك، وهذا الأخير مازال على قيد الحياة، وهو حاليا رئيس مؤسسة العربي التبسي التي تنشط بالجزائر العاصمة، وصراحة نجحت هذه المؤسسة في الاحتفال بطريقة حضارية بالذكرى الخمسين والواحدة والخمسين والثانية والخمسين لاستشهاده، حيث حضر الكثير من المفكرين الكبار، وهي ليست مؤسسة مدعمة من طرف الدولة وتنشط بميزانية ضعيفة ولكن عملها مهم جدا ما نتمناه أن تتواجد في كل الولايات، لا أعرف لماذا طلق أخي زوجته الأولى، لكن ما أعرفه أن زوجته بعد طلاقها منه، تقدم الكثيرون من الأعيان للزواج منها، ولكنها رفضت وقالت إنها تمتنع أن يمسسها إنس بعد الشيخ العربي التبسي، ثم تزوج من السيدة فاطمة وهي أم السيدة زينب زوجة ابن مبارك الميلي التي مازالت على قيد الحياة، ورقية زوجة السيد بوغابة الذي كان إماما في فرنسا وتوفيت في مستشفى بن باديس بقسنطينة، وعبد الحميد واسمه الحقيقي أحمد الذي كان ملحقا عسكريا في السفارة الجزائرية في بغداد، وبعد اندلاع الحرب على العراق عام 2003 عاد إلى أرض الوطن وتوفي في قسنطينة، بعد صراع مع المرض وهو مدفون حاليا في المقبرة المركزية بقسنطينة.

الشيخ التبسي سمى ابنه عبد الحميد، وزوّج ابنته بابن مبارك الميلي؟

كنت ضمن من حضر خطبة السيدة زينب بحضور والدها العربي التبسي، عائلة مبارك الميلي حضرت للخطبة من ميلة من دون كبيرها العالم مبارك الميلي، وأخي كلّف أخي حمّه بإجراءات الخطبة التقليدية، وبقي هو في استقبال الضيوف، كان يحمل عصاه المتميزة، التي اختفت ولا أحد يعلم أين هي، عبارة عن خرزانة بها مسمار أشبه بالسلاح، حدث نقاش خفيف عن مهر ابنته زينب، ظل صامتا يتابع في هدوء ثم تقرر أن يقدم أهل العريس مهرا بـ 500 دج حسب العملة المتداولة في ذلك الوقت، وضعوه على الزربية التقليدية، كنت حينها صبيا أتابع الشيخ في رهبة، عندما تقدم من الجمع، وقبل هذا المهر،ثم أخرج من محفظته قرابة 2500دج، وأضافه على المبلغ وقال هذا المال حق ابنتي، وأكمل يشرح وجهة نظره، في أن تتصرف ابنته بالمال كيف ما شاءت.

وبعد مغادرة أهل العريس نحو منطقة ميلة، سئل الشيخ عن وضعه لمبلغ هام جدا تحت تصرّف ابنته الصغيرة زينب، فقال إنها ستسافر إلى مدينة بعيدة، وقد تأخذ وقتا طويلا في التأقلم مع المكان ومع الأهل الجدد، والمال كفيل بحل بعض مشاكلها.

كيف انضم العربي التبسي للثورة التحريرية؟

يعلم أهل تبسة أن الشيخ ثوري قبل عام 1954، فعندما جاءه أهل المدينة عام 1943 ليخبروه بأنهم حصلوا على السلاح من طرف الألمان، والسلطات الفرنسية الاستعمارية تجبرهم على تسليمه، قال لهم: احتفظوا بالكثير واعطوهم القليل، وكان الناس يدفنون السلاح، ويخبئونه في شبه ردوم بعيدة عن أنظار المستعمر، وفعلا مرّت السنوات وتم استعمال ذلك السلاح بعد اندلاع الثورة التحريرية، بمعنى أن الثورة سكنت عقل الشيخ منذ أمد بعيد، لأجل ذلك عندما اندلعت وهب حياته لمبادئها، وضحى بنفسه في سبيل الله، واستشهد اثنان من إخوته.

 

يتبع

تقرأون في الجزء الثاني والأخير كيف اختطف الشيخ من السفاح الجنرال ماسو، وأعدم بعيدا عن الناس، وكيف بقي قبره مجهولا لحد الآن، وأسرار عنحياته الخاصة، وعلاقته بكبار المجاهدين في زمن الثورة.


آخر التغريدات:

    Message: Invalid or expired token., Please check your Twitter Authentication Data or internet connection.