حسن بولحبال مفتي وهران
بقلم: عبد القادر خليفي-
المفتي منصب ديني، يقع مقر صاحبه بالمسجد وبخاصة في المدن الكبرى خلال العهد الاستعماري، وقد قلد الفرنسيون في ذلك نظام الحكم العثماني الذي كان سائدا عند مجيئهم إلى الجزائر، وهناك مناصب دينية أخرى ملحقة بالمسجد، وهي الإمام والخطيب والمؤذن وقُراء القرآن (الحزابون)، وهؤلاء كلهم تحت مسؤولية المفتي.(1)
و"المفتي هو المجتهد...العارف بالأدلة العقلية المثبتة لوجود الله...وأن يكون(صاحبها) عارفا بأدلة الأحكام وأنواعها.. وأن يكون عدلا ثقة."(2) ويعرِّف أحمد العدوي هذا المنصب بأنه "من المناصب الشريفة في الدين لأنها من الخطط التي يستقيم بها أمر الأمة وتنتظم شؤونها وترعى مصالحها وتصان حقوقها."(3)
أي أن صاحب هذا المنصب مكلف بالإخبار عن حكم الدين لمن استفتاه من الناس. وأنَّ فتواه التي يصدرها تُحَل بها القضايا وتستقيم أمور الناس.
أما "ديبون" و "كوبولاني" فيبينان مكانة المفتي ومهامه فيذكران أن المفتي "يمثل أعلى درجة في السلم الديني، وهو الذي يدير الجامع الرئيسي، وهو رئيسه، ويؤدي صلاة الجمعة ويعلم التوحيد ويصدر الفتوى."(4) وعلى هذا النحو فإن منصب الإفتاء هذا جد هام، في الجزائر المستعمَرة، في إدارة المسجد؛ إذ يفرض عليه، بالإضافة إلى ما سبق، مراقبة مختلف الأشخاص المتواجدين في المسجد كالإمام والحَزّاب والمؤذن وغيرهم، ويقوم بمهام مادية كشراء الأفرشة والحصائر، ويقوم بدور الإمام في بعض الحالات؛ بحيث نجده يؤم صلاة الجمعة ويلقي خطبتها.(5)
أما خلال شهر رمضان فيلقي الدروس الدينية في المسجد وبخاصة قبل صلاة العشاء. وهو يجلس في مقصورة المسجد حيث يستقبل الزوار للإجابة عن استفساراتهم.(6)
وهو الذي يؤم الناس في صلاة الاستسقاء في فترة الجفاف، مما يعطي هيبة وأبهة على موكب المصلين، كما يذكر أحد الكتاب الفرنسيين Lucien Golvin.
كانت السلطات الإدارية الفرنسية هي التي تختار من يتولى هذا المنصب من بين المتعلمين الذين يخدمون القضية الفرنسية. وهو واقع بين الاستماع إلى ضميره ووطنه وبين تنفيذ رغبات من عينه ويمده براتب شهري ثابت. ولهذا فإن منصبه هذا يعتبر شرفيا أكثر منه واقعيا، لأنه مرتبط بخدمة من عيّنوه حتى لا يغضبهم، بل إنه قد يُغضب مواطنيه في مواجهة السلطات الفرنسية. ورغم أنه كان يُختار من بين الأئمة البارزين فإن سلطاته كانت محدودة، كما أن دائرة تصرفه كانت محدودة أيضا، إذ ليست له يد على الإمام المتواجد خارج المدينة أو الدائرة المحددة له.(7)
نستنتج مما سبق أن المفتي كان متواجدا في المدن الجزائرية الكبرى؛ فالجزائر العاصمة مثلا كان بها مفتيان (مالكي وحنفي) أحدهما بالجامع الكبير والآخر بالجامع الجديد، وفي قسنطينة كان بها مفتيان (مالكي وحنفي)، وبوهران مفتي واحد.
وقد بلغ عدد المفتين في آخر العهد الفرنسي خمسة وعشرون مفتيا و124 إماما، و21 مدرسا، و150 من الحزابين والمؤذنين. وهناك أشخاص آخرون غير هؤلاء يعملون بالمسجد(8).
كانت مدينة وهران تعد من المدن الهامة بِعَدَدِ سكانها وإشعاع مدارسها وبموقعها الاستراتيجي وباعتبارها عاصمة للغرب الجزائري كله. وكان بها مفتي واحد يقوم بمهامه في المسجد الكبير وهو مسجد الباشا، الذي بناه الباي بابا حسن سنة 1796، وكان يقع في شارع فِيليبْ(9) (شارع بن عمارة بوتخيل حاليا). وقد تداول على هذا المنصب عدة مفتين، كان من بينهم الشيخ حسن بولحبال.
فمن هو حسن بولحبال؟
يعرّفه محمد الهادي السنوسي الزاهري صاحب كتاب "شعراء الجزائر في العصر الحاضر" بأنه: "حسن أبو الحبال ابن محمد بن أحمد بن محمد اليدري نسبة إلى قبيلة أقامت منازلها على مقربة من جيجل"(10)
ولد حوالي سنة 1897 بمدينة خنشلة من عمالة قسنطينة -آنذاك- كان والده يمارس مهنة القضاء، وبذلك عاش شيخنا في وسط مثقف. تعلم على يد والده محمد، "فكانت لهذه المكانة الاجتماعية أهم العوامل التي ساعدت شيخنا بولحبال على رسم أوائل حياته العائلية التي اتسع أفقها وامتد نظرها إلى آفاق طفولته الأدبية واللغوية والدينية، التي كانت تمثل الاطراد الطبيعي لتنقله بين أحضان حفظة القرآن الكريم وشيوخ الفقه وأصول الشريعة وعلوم اللغة والدين..."(11) و استكمل بذلك نصيبا وافرا من القرآن الكريم ومبادئ اللغة العربية.
وفي سنة 1909 انتقل إلى تونس ليلتحق بجامع الزيتونة الذي كانت له شهرة دينية وثقافية في المغرب العربي كمعقل إسلامي عربي قديم. حيث بقي أربع سنوات، استغلها في الدرس والتحصيل والاطلاع في قسم علوم الشريعة وأصول الدين. وبذلك كان من الجزائريين السباقين إلى هذا المعهد الديني العالي، الذي سيتوافد عليه الكثير من الذين سيكونون رواد النهضة في الجزائر في النصف الأول من القرن العشرين. ومن الشيوخ الذين أخذ عنهم بولحبال هناك الشيخ النخلي والشيخ محمد بن يوسف وآل النيفر وغيرهم. ثم عاد إلى وطنه بين أهله وذويه، واستقر به المقام في مدينة باتنة، التي كان والده محمد بن أحمد قد عين بها قاضيا في الفترة (1895-1918) وقد توفي في السنة الأخيرة، أما الشيخ حسن فقد اشتغل هناك مدرسا لمدة أربع سنوات.(12)
وبعد وفاة والده عاد إلى مدينة خنشلة وإلى منزله الأول. هناك أنشأ بمعية بلقاسم شرفي مدرسة عربية لزرع نور العلم بين أطفال البلدة، بإحياء التراث وإيقاظ المجتمع الخامل وإخراجه من الجهل إلى العلم(13)، ولكن السلطات الفرنسية كانت بالمرصاد لكل ما يمت للثقافة العربية الإسلامية بصلة، فقامت بغلق المدرسة بأمر من الحاكم العام، وذلك بوشاية من واش بعد ثلاث سنوات من العمل، وتم إبعاد شيوخها وطرد تلامذتها.
لم يتوقف الرجلان عن العمل في سبيل خدمة مواطنيهما، فعملا على تأسيس مؤسسة للسيارات، لكن سرعان ما فشل المشروع في الاستمرار، وهكذا لم يساعدهما الحظ لمواصلة عملهما هذا، فوجه الشيخ وجهته نحو العلم والتعليم مرة أخرى(14).
انتقل الشيخ بولحبال بعد ذلك إلى بلدة عين البيضاء حيث مارس مهنة التدريس التي هي ضالته وميدان نجاحه، خاصة وأن هذه المدينة كانت ميدانا خصبا لأمثاله من أهل العلم والتعليم. ويرجع ذلك إلى أن المدينة كانت مقرا لزاوية آل خليفة التي كان يشرف عليها العالمان الشيخ محمد الكامل بن عزوز والشيخ أحمد بن ناجي، أستاذ الشاعر المعروف محمد العيد آل خليفة(15). وقد ذكر بن باديس الذي زار عين البيضاء سنة 1929 أنه لقي عددا من العلماء كان من بينهم حسن بولحبال، وكان من بين المدرسين بالمسجد هناك.(16)
بقي حسن بولحبال يُدرّس في عين البيضاء مدة سبع سنوات، تمكن فيها من تعليم أعداد هامة من أبناء المنطقة الذين سيكُونون لَبِنة من لبنات النهضة الجزائرية المعاصرة، منهم الشيخ الأخضر بوكفة الذي عمل هو نفسه مدرسا إلى مرحلة ما بعد الاستقلال، "فكان نعم التلميذ ونعم المتلقي، وكان تأثير الشيخ الشاعر واضحا وجليا في نفس تلميذه"(17). وقد ظل الشيخ الأخضر هذا يحفظ هذه النعمة في مخيلته ويذكرها إلى آخر أيامه، وهي الفرصة الثمينة التي منحها الله إياه بلقاء الشيخ الشاعر حسن بولحبال فلازمه وظل معه سبع سنوات(18).
و بهذه المدينة وفي هذه الفترة من حياته "استلهم التأليف في المنظوم والمنثور، واستكمل رؤيته في اللغة والفقه والآداب القديمة وعلوم الدين، "(19) منها بعض المختصرات في الفقه واللغة.
بـولحبال المفـتي
في سنة 1931 دخل الشيخ بولحبال ميدانا آخر غير التدريس ولكنه لا يقل أهمية عنه، إنه ميدان الإفتاء الذي سينهي به حياته، لقد أجرت السلطات الفرنسية في الجزائر آنذاك مسابقة لاختيار مفتين، فتقدم الشيخ حسن إلى المسابقة وهو متيقن من قدراته وبجدارته لهذا المنصب بما كان يملك من علم ومعرفة ومن تجربة طويلة في ميدان التدريس، فكان من الناجحين الأوائل، وعين مفتي بمدينة بجاية بعد إجرائه للمسابقة في مدينة قسنطينة.
وقد تحدثت مجلة الشهاب التي كان يصدرها الشيخ بن باديس عن هذه المسابقة، التي عنونتها بـ "امتحان الإفتاء لبلدة بجاية". فنوهت بالحدث وذكرت أنها تبتهج لقيام هذا الامتحان وتدعو السلطات الفرنسية إلى ضرورة اختيار المترشحين حسب الأهلية، وحتى لا يصل إلى هذا المنصب سوى الذين يستحقونه علما ومعرفة(20)؛ لأن الواقع يثبت أن السلطات الفرنسية كانت تختار لمثل هذه المناصب الدينية أشخاصا ليس لهم من الدين إلا الاسم، وكانت الوساطة لهذا أو ذاك من قِبَل رجال مقربين من السلطات الفرنسية هي التي تقرر من الفائز منهم بالمنصب، وكل يريد أن يعين صاحبه فيه.(21)
وفي مدينة بجاية كان إلى جانب بولحبال، اثنان من زملائه وهما المهدي البوعبدلي إماماً (ت سنة 1992) ومحمود بوزوزو مدرساً بمدرسة الحياة (على قيد الحياة في سويسرا). يُذكر أن المهدي غاب ذات مرة لمدة شهر بوهران فانقطع الاتصال بين الرجلين الآخرين، فلما عاد المهدي من سفره اجتمع الثلاثة، فأنَّب بولحبال صاحبه بوزوزو على الانقطاع عن زيارته وقال في ذلك بيتا شعريا يحتفظ به بعض المقربين منهم وهو:
غاب أبو عبدِ الإله فهَجَرْتَ المسجدَا كأنما أرصدت فيه نَمِراً أو أسدَا.(22)
وهذا يثبت للشيخ طاقة الارتجال والمقدرة الشعرية التي كان يتميز بها، والتي يشهد له بها كل من عرفه أو سمع عنه، وقد استمرت الصحبة بين الرجال الثلاثة إلى أن فرق بينهم الحَمَام. ويتداول بعض معارفهم بمنطقة وهران الكثير من الأخبار والنوادر التي وقعت بين الأصحاب الثلاثة.
وبعد عشر سنوات من ممارسة مهنة الإفتاء بمدينة بجاية رغب الشيخ حسن بولحبال في الانتقال إلى العاصمة، لا شك أن ذلك كان طموحا منه للخروج من المدن المنعزلة إلى المدن الكبرى حيث مجال البروز والشهرة، وحيث يتمكن الإنسان من تحقيق بعض أهدافه وطموحاته.
وتُبرِزُ إحدى الرسائل هذه الرغبة –أي التعيين بالعاصمة- وهي رسالة موجهة من بوديلمي بن بلقاسم من مسيلة إلى بوديلمي بن علي بالزاوية العلوية بتلمسان(23)، يخبره فيها أنه التقى بعدة شخصيات ببجاية، وأنه علم أن الشيخ بولحبال يرغب في مغادرة بجاية، وقد بذل جهودا كثيرة ليعين بالعاصمة كمُفتي، إلا أنه لم يوفق، وقد عُين في هذه الفترة بابا عمر في هذا المنصب (كمفتي للحنفية) وأّجبر بولحبال على طلب المنصب نفسه بمدينة وهران، وهكذا انتقل إلى هذه المدينة وخلفه في بجاية سي المهدي البوعبدلي. والرسالة مؤرخة في 30-07-1941، وهي بخط اليد.(24)
وقد تنافس بولحبال على المنصب الأخير مع شخصيات أخرى مدعمة من بعض رجالات الطرقية في الغرب الجزائري(25).
ويظهر أن الشيخ بولحبال وبعد فشله في الفوز بمنصب الإفتاء بالجزائر العاصمة ركز جهوده على مدينة وهران، وتمكن من ذلك. وقد اطلعنا على إحدى الرسائل (باللغة الفرنسية) الموجهة من مدينة بجاية إلى أحد الضباط الفرنسيين برتبة نقيب في مدينة وهران، يتوسط صاحبها لدى هذا الضابط كي يقبل تعيين رجل علم في وهران في منصب الإفتاء، وذلك بعد فشله في الحصول على هذا المنصب في العاصمة.
ويتحدث المرسِل عن شمائل هذا الرجل وخدماته الهامة للسلطات الفرنسية طيلة العشر سنوات التي قضاها في بجاية: يلقي الدروس في المساجد وينشر المقالات ويؤسس المدارس ويقدم المسرحيات، مثله في ذلك مثل الحركات المناوئة لفرنسا كجمعية العلماء وحزب الشعب ومنتخبي عمالة قسنطينة. ويؤكد أنه الرجل المناسب لمناوأة هؤلاء. ويقول عنه: إنه رجل علم، كاتب وشاعر من طراز رفيع وفارس "لفيف الشرف" حائز على "نيشان الافتخار"، وعضو بجمعية الأحباس… وأنه كان من المرشحين لمنصب الإفتاء بالعاصمة، ويرفق المرسل بكتابه هذا ترجمة لخطاب ألقاه هذا العالِم بمناسبة عيد العمال في بجاية بحضور السلطات المحلية، والرسالة مؤرخة في 03.05.1941.(26)
إلا أن الرسالة لاتحمل اسم الضابط الفرنسي الموجهة إليه بوهران ولا إسم المفتي المتوسط له، أما صاحب الرسالة فتوقيعه غير واضح في نهاية كتابه.
ومن قراءة متأنية لهذه الرسالة يتضح أن الرجل المفتي المُتحدَّث عنه هو بولحبال، وذلك للأسباب التالية:
بولحبال هو الذي قضى عشر سنوات ببجاية كمفتي (1931-1941).
بولحبال هو صاحب هذه الصفات: رجل علم، وكاتب وشاعر وعضو بجمعية الأحباس والحرمين الشريفين.
في هذه السنة نفسها التي كتبت فيها الرسالة (1941) كان بولحبال قد فشل في الحصول على منصب الإفتاء بمدينة الجزائر، وتمكن من الانتقال من بجاية إلى وهران كمفتي، ويظهر أن ذلك تم في 19-09-1941.
وقد حل بولحبال في هذا المنصب بوهران محل المفتي السابق له، الشيخ بن خلفة سيدي الحبيب بن مالك الذي توفى يوم 13 أكتوبر 1940.وقد قٌدِّمَتْ عدة اقتراحات لمن يخلفه، منها زيدور سي الطيب المهاجي المدعم من قبل كتلة باشطرزي ومن قبل الشيخ بن طكوك (لمقدمه سي الطيب المهاجي)، ومنها الحاج بلقاسم بن قابو مرشح الطريقة التجانية(27). إلا أن بولحبال هو الذي فاز بالمنصب. ويظهر أن الفترة الفاصلة بين وفاة الحبيب بن مالك وتعيين بولحبال لم يعين فيها أحد، وأن سي أحمد بن عيسى هو الذي مسك المنصب بصفته مفتي مؤقت، وهو الذي أشرف على احتفالات أول ماي بالمسجد الكبير، وذلك في اليوم الثاني من هذا الشهر(28).
أما الحزابون (قراء القرآن في المسجد) الذين عملوا مع الشيخ بولحبال فمنهم: أحمد نكروف والجيلالي بن زيان والحاج العيد والحاج اعمر وبن عيشة(29).
أخـلاق بولحبال ومكـانتـه
كانت للشيخ حسن بولحبال أخلاق سامية، وكان رجلا متواضعا حسب شهادة بعض معاصريه، كالشيخ عبد القادر بوجلال والشيخ المهدي بن شهرة والشيخ الميلود المهاجي والشيخ بلبشير محمد (بوجمعة)، والطاهر فضلاء(30). فهو يجالس الفقراء والأغنياء على السواء وكان يبهر العقول في مجالس العلم.
أخبر عنه الشيخ طاهر فضلاء فقال: "التقينا، أنا وأخي حسن مع بولحبال في مدرسة التربية والتعليم في باتنة، وكان متجولا، واستمعنا لكثير من قصائده فشكرناه شكرا جزيلا، وكانت له أفكار إصلاحية رغم ارتباطه بوظيفة الإفتاء. وكان الشيخ طاهر فضلاء نازلا عند أخيه حسن مدير هذه المدرسة، وكذلك كان الشيخ محمد النابلسي ابن الشيخ عبد الباقي يثني عليه كثيرا، وهو الذي أخبر مريديه وفقراءه، أن مدينة وهران ستستقبل عالما من أجلّ العلماء.(31)
وقد حاولنا الاتصال ببعض أئمة مساجد وهران المسنين الذين يعرفون حسن بولحبال، فلم نحصل سوى على شهادتين إحداهما من قبل بلبشير محمد(بوجمعة) إمام مسجد الإمام مالك بوهران، الذي يذكر أنه صلى خلفه بمسجد الباشا صلاة الجمعة وهو ابن ست عشرة سنة. ويقول عنه: "كان الشيخ بولحبال حجة في الدين وفصاحة في اللسان، وقوة في العلم والجسم."(32) والشهادة الثانية هي من قبل عبد القادر بوجلال الذي يتذكر الشيخَ بولحبال، وهو آنذاك تلميذ في المدرسة القرآنية بوهران، وأنه سمع بوفاته وهو مجند بفرنسا خلال الحرب العالمية الثانية، وله قصص عن المستوى العلمي العالي الذي كان يمتاز به الشيخ المذكور.(33)
"ولا تزال وهران إلى اليوم تسجله من أمجادها ونوابغ أعلامها في الفقه واللغة والشريعة وأصول الدين، بما امتاز به هذا الشيخ الجليل من روائع القول في الوعظ والإرشاد، عمت محيطه فخرا وحمدا، تناقلتها الأجيال بقرائح صافية ترفعه درجات من السمو".(34)
نـشاطـاتـه
عمل الشيخ حسن بولحبال في مجالات دينية عديدة أهمها: التدريس-الفتوى- الوعظ والإرشاد- إمامة صلاة الجمعة -إمامة صلاة الاستسقاء. كما كان يعتبر من بين الرجال الرسميين الذين يحضرون الاحتفالات الرسمية. وهي المهام نفسها التي قام بها في المسجد الكبير أو مسجد الباشا بوهران، ويسميه الناس اليوم بـ"جامع الترك"، وهذا بعد أن تمرّس سنين طوالاً في هذه المهام بمختلف المؤسسات التي عمل بها، سواء كان ذلك في مدينة باتنة أو خنشلة أو عين البيضا أو بجاية. كما أفادته دراسته في جامع الزيتونة في مرحلة شبابه عندما سافر إلى تونس كطالب للعلم.
لقد بلغ الشيخ حسن بولحبال قمة عطائه في هذه المرحلة الأخيرة من حياته، وبذلك سعدت وهران بتواجده بها حيا نشيطا وميتا دفين ثراها، وبذلك أصبح أحد أعلامها الكبار. ومن بين القصص التي تحكى عنه نسجل هذه : دعاه ذات مرة الشيخ النابلسي زعيم الطريقة الباقوية إلى عين تموشنت وكان الحاضرون فلاحين في غالبيتهم، تحدثوا عن الأرض والفلاحة فكان الشيخ بولحبال الرائد في هذا الحديث حتى ظن الجميع أنه لا يفهم سوى في الأمور الفلاحية. ودعاه مرة ثانية وكان الحاضرون من مريدي الطريقة في غالبيتهم، جاؤوا من البليدة ومستغانم ومازونة، فدار الحديث حول عدة مسائل دينية كان للشيخ بولحبال الباع الكبير فيها، وبخاصة في الموضوعات العَقَدية، حيث دارت المناظرة حول "الدور والتسلسل" فيما يتعلق بالقضايا الست، وقد جال فيها الشيخ وأفحم الحاضرين بعلمه مما أبهر العقول فقدره الجميع أحسن تقدير.(35)
وقد فاز بولحبال سنة 1926 (حسب جريدة النجاح عدد 307/ 18-6-1926) في مسابقة شارك فيها مائة وعشرون شاعرا من أدباء المغرب العربي حصل فيها على المرتبة الثالثة. وكانت المرتبة الأولى من نصيب الشيخ عبد الله بن المبروك من طولقة والمرتبة الثانية من نصيب الأديبة مريم القانونية من فاس.(36)
وكان الشيخ عضوا في "جمعية الأحباس والأماكن الإسلامية المقدسة" أو جمعية الحرمين الشريفين، (التي كان يرأسها سي قدور بن غبريط في ماي 1942 مثلا). إلا أن القائمة المطلع عليها تحمل اسم المولود بولحبال مفتي وهران(37).
ولـه مؤلفات نذكر منها:
"نبراس الحقيقة فيمن ادعى العلم والحقيقة" (مسجل في قوائم المكتبة الوطنية بالحامّة بالجزائر العاصمة، إلا أنه لا يحمل رقما، وبذلك لم نتمكن من الاطلاع عليه). ويظهر أن هناك نسخة أخرى في مقر الزاوية البوعبدلية ببلدة بَطِّيوَة.
ديوان شعري يحتفظ به ولده من أجل تحقيقه.
"تنبيه المسلم إلى فضائل زمزم" (عند الشيخ علي أمقران السحنوني، حسب سعد الله، تاريخ الجزائر الثقافي، ج04، ص:413).
"المحلى في مشروعية الخروج من المصلى"(38)
إلى جانب مقالات وقصائد منشورة في بعض الصحف(39)
زاره في السنة الأولى من تعيينه كمفتي بوهران أحدُ الأئمة المغاربة (من فاس) المدعو عبد القادر بن سودة (65 سنة)، وهو من عائلة مشهورة بالمغرب الأقصى، خدم العديد من أفرادها كموظفين في المخزن الشريفي. كما زار هذا الإمامُ بعضَ شيوخ الطرقية كالشيخ بن عـبو والشيخ النابلسي والشيخ زيدور الطيب، وزار عدة مدن جزائرية، وقد حرصت السلطات الفرنسية على تتبع حركة هذا الرجل وتنقلاته عبر الوطن وكتبت عنه عدة تقارير سرية. (أرشيف ولاية وهران).
أفكاره من خلال بعـض أشـعاره
أورد محمد الهادي قصيدة للشيخ حسن بولحبال تتكون من ستة وعشرين بيتا يناجي فيها القمر ويحذره من خطر تحويله إلى موطئ قدم لبني البشر. إنهم أولئك الغربيون الاستعماريون الذين لم تحد الأرض من أطماعهم فراحوا يبحثون للوصول إلى القمر لتدنيسه وتشويه هيبته وجلاله. منهـا هذه الأبيات:
أحَـقًّا يا جَمال الكون حقـا * ستصبح بعد عزك مسْتَرَقا
وتَعْلوكَ الأسافِـل مِن أناسٍ * رأيـت فِعالَهم غَربا وشَرقا
وتَرْضى أن تَسيرَ على بِساطٍ * منَ الأنوار أرْجلهم وترقى
أجلّ جبينَـكَ الدريّ عنهـم * وأرغب أن تكون عليه أتقى.
ويحذره من إجابة مسعاهم والرضوخ لمطالبهم، فيقول:
أجلك أن تكون لهـم مجيباً * أجلك أن تلينَ لهم فتشقى
وما ضاقت بهم أرض ولكن * لهم شَرَه به الآمال حَمْقى.
ويفضح الشاعر أفعال الاستعماريين من خلال رغبتهم في الوصول إلى القمر فيقول:
وللـسياسـة الشرهـا أنـاس * يرون الفتق في الأعراض رتقا
ويعتبـرون فعـل الشر خير * ويعتـقدون ضـر الغير رِفْقـا
فَلَوْ صَرَفوا ضِياءَكَ عنك قالوا * لتصـبح بعـده أنْقـى وأرْقَـى.
يتضح من هذه القصيدة، فكر حسن بولحبال، وذلك بكرهه للاستعمار وتشنيعه بأعماله الشريرة، ويوضح ذلك صاحب كتاب "شعراء الجزائر في العصر الحاضر" الذي أورد القصيدة سنة 1927، وهَمَّش لهذه الأبيات بما يلي- وهو الأدرى بمعاصريه وبمن ترجم لهم-: "هته هي دعوى الاستعمار في كل شيء، فإنه ما استرق الأمم الضعيفة إلا بدعوى اصطحابه التمدين والتعليم والتعمير. وآثار استعمارهم التي تقلب فيها البصر كل يوم تنذر بالتخريب والتجهيل"(40).
وينهي الشاعر القصيدة بتحذير القمر وسائر الكواكب الأخرى من الاستعمار ووجوب الدفاع عن النفس فيقول:
فاحذر أنْجماً واستعد شهبا * وصِحْ: بُعدًا لهم عنا وسحقا
ولا تكْرم لهم ضيفـاً ملما * فإنَّ ضيوفهم في اللؤم عَرْقَى
أمَا أبْصَرْتَهم طفلا وَشَيخا * أمـا خَبَرتهم خَلْقـا وخُلقـا.
ومما يؤكد ميل شيخنا إلى الحركة الإصلاحية في هذا الوقت المبكر (العشرينيات من القرن العشرين) هو ذمه للصوفية بمعناها الشائع المشوه في الجزائر آنذاك، وذلك من خلال هذين البيتين:
قيـل التصوف أصلـه * من بعض زهاد الهنود
قلنا تصوف عصرنـا * من شر أخلاق اليهـود.
وقد حَدَثت بين الشيخ بولحبال وبعض رجال الطرق الصوفية ما يشبه النقائض، ويدخل هذا فيما كان يقع بين الإصلاحيين ورجال الطرقية من منافرات ومناظرات، وقد دارت بين الشيخ بولحبال وشخص يدعى "رشيد" معركة حادة لمدة طويلة. يقول بولحبال (في صحيفة صدى الصحراء، 15 أكتوبر 1926) ما يلي:
رشيدكم السفيه فما يزيـد * وأنتم العصا طرّا عبيـد
ويومكم العصيب دنا وهذ * وضربي بالنعال لكم شديد.
ويتهكم الشيخ من الشِّعْر الطرقي ويقارن بينه وبين شَعَر لحية الشيخ في مقارنة مضحكة ويقول:
وشِعركم له شَعْر ولكن كشَعر الشيخ ينتفه المريد.
ويهجو هؤلاء هجاء مرا ويقول:
وهل من عصبة عمياء إلا * جماعتكم وشيخكم البليد
فارتنا من فوق سطـح * فجحشكم له منها نديـد.
"فهذه القصيدة تدل على أن الشعر الجزائري لم يخل من روح الفكاهة، وأنه لم يكن كله جادا في أسلوبه دائما، ولم يخل من السخرية أو من التعابير اللاذعة، وتمثل بشكل واضح في الشاعر بولحبال، فقد صارع الطرقيين بأسلوبه هذا الذي كان أشد وقعا عليهم من الحِجاج الفعلي والأدلة المنطقية أو الشواهد الدينية، فهو في قصيدة أخرى يبدو أكثر تفكها وسخرية إذ يقول:
أنا صاحب الحبل الطويل * أتيتكم شعري كحبل محكم وطويـل
مهما ألاقي جمعـكم ينتـابنـي * داء الحماس وعند ذاك أَصول."(41)
ولبولحبال رأي آخر في الموضوع نفسه، وذلك في قصيدة أخرى بمناسبة انعقاد "مؤتمر الزوايا والطرق الصوفية" سنة 1939 كما يلي:
وللناس في معنى التصوف * أوجه تعود إلى إخلاص عبد فيخدم
طريق سوي خوفـه ورجـاؤه * وصبر وشكر زهده وتنـدم
رضاء وحب صادق وتـوكـل * وتخلية من كل سوء تقدم...
لقد تغير الزمن وفعل فعلته في النفوس والأفهام، فبعد أن كان الشاعر بولحبال شابا نشيطا جريئا، أصبح كهلا متعقلا رزينا، يجادل بالتي هي أحسن ويدعو إلى الألفة والإلاف ونبذ الفرقة والخلاف.
وللشاعر قصائد عديدة، اعتذر صاحب كتاب "شعراء الجزائر في العصر الحاضر" عن عدم نشر ما كان لديه منها لضياعها أثناء الطبع، ووعد القراء بأنه سيستدرك ذلك في الجزء الثالث من كتابه، حيث سيظهر شاعرنا في أظهر مظهر من الأدب الحساس(42).
و ما يؤسف له هو عدم تمكننا من الحصول على إنتاجاته الصحفية أو الفقهية التي يُتلمس منها توجهاته الأخرى ومدى تأثيره في المجتمع تبعا لذلك. أما دوره في المجال الديني كمدرس ومفتي يقوم بدور التوجيه الخلقي والتربوي فهو لاشك حادث من خلال مسيرته الطويلة في المدن التي مر بها والمؤسسات التي اشتغل بها.
كما أن السؤال المحير هو كيف يمكن لموظف لدى السلطات الفرنسية في ذلك الوقت أن يكون إصلاحيا؛ أي كيف يمكنه التوفيق بين عمله ومهمته كمفتي يخدم السلطات التي عينته، وبين توجهه كإصلاحي يرفض الكثير من أمور الناس وأمور السلطة التي تحكم الجميع.
لقد كانت جمعية العلماء تنظر إلى رجال الدين الرسميين بعين الريبة والحذر، بل كانت تتهمهم بخدمة السلطة الاستعمارية. يقول البشير الإبراهيمي في هذا المجال: "إن وظيفة المفتي من أساسها تزوير على الإسلام، لأن الفتيا في الحلال والحرام حق على كل عالم بالأحكام، مستوف للشرائط المقدرة في الدين."(43) وأن "السيد السند من هؤلاء ( يقصد الموظفين الرسميين) هو الذي يّثبت أنه حكَمَ المسلمين حكما استبداديا وعرف كيف يّرهقهم وكيف يذلهم.. وكيف يستلب منهم العقل والإدراك، وكيف يروضهم على أن يقابلوا اللكم بالبكم والصفع بالشكر.."(44) وقد جاء هذا تعليقا على التقرير الذي قدمه محمد العاصمي، المفتي الحنفي بالجزائر العاصمة.
ويحذر الشيخ عبد الحميد بن باديس من العمل في المؤسسات الرسمية الفرنسية فيقول: "ونحن نرى حتما لزاما على كل من كان يعد نفسه لخدمة الإسلام بنشره والدعوة إليه وبيان حقائقه لأبنائه وغير أبنائه أن يبتعد عن كل وظيف..."(45)
أما التساؤل الآخر فهو كيف يزكيه شخص فرنسي لتولي منصب مفتي في رسالة موجهة إلى ضابط فرنسي بوهران، ويرفق برسالته هذه ملخصا لإحدى خطبه التي يمدح فيها فرنسا ويمجدها أحسن تمجيد. فهل هي الحيطة والتقية؟ لاشك أن الأمر كذلك، إذ أننا نجد أمثلة لهذه الحالة في جزائر الاستعمار، أي العمل في الوظائف الرسمية والدعوة إلى الإصلاح في الوقت نفسه.
وهاهو الأمين العمودي "يمثل الفكرة الوطنية المعتدلة، فكرة الطالب الإصلاحية، والتعاون مع فرنسا على تحقيقها، حسب البرنامج الذي يصدر به جريدته الصادقة المخلصة-الدفاع-."(46) فالشيخ محمد الأمين العمودي مثلا كان مصلحا عضوا مؤسسا لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين وموظفا لدى السلطات الفرنسية في مجال القضاء والعدالة والإدارة، كما كان صحفيا في المجال السياسي والأدبي في الوقت نفسه.(47)
لقد فرضت الظروف على البعض العمل بوجهين، وهذا لا يعني أن العمودي مثلا، كان يهادن السياسة الاستعمارية، بل كان لها ولأعوانها بالمرصاد. ويؤكد أحد رواد النهضة الثقافية في الجزائر هذا التوجه حين يقول: "ربما ينقل عن مثل هؤلاء من تصريحات أو مواقف تدل في ظاهرها على تعاون أو خضوع للمستعمرين، فهي حالة رأيناها، تقريبا، في جميع الأوساط الحزبية الدينية والسياسية، وقد يعتذَر لصاحبها عنها بأنها من باب الحكمة للنجاة من مكائد المستعمرين، وهي حقيقة تاريخية قد يُعذر بها من لا يعتنق الفكرة الثورية على وجه العموم."(48)
ومما يدل على اعتدال فكر بولحبال وتوسطه بين الطرفين ( العلماء والطرقيون)، ما جاء في مذكرات عبد الرحمن بن العقون الذي أورد أهم ما جاء في الخطاب الذي ألقاه بولحبال في المؤتمر الثالث لـ "جامعة اتحاد الزوايا والطرق الصوفية"، المنعقد بالعاصمة سنة 1939، وذلك نقلا عن جريدة الرشاد، لسان حال الجمعية بالعدد 42، بتاريخ 2 ربيع الثاني الموافق لـ 22 ماي 1939. حيث يقف بولحبال موقفا وسطا بين رجال الطرق والعلماء، ويحاول ردأ الصدع وربط اللحمة بين رجال العلم الجزائريين كافة(49).
يبدأ بولحبال خطابه بقصيدة شعرية تتكون من سبعة عشر بيتا، يبين فيها خصائص التصوف المثلى، ويدعو إلى الألفة والتعاون، من مثل قوله:
أمَا جاء أن المؤمنيـن وِدادهـ * ورحمتهم والعطف جِسم مُجسّم
إذا ما اشتكى عضو تداعى جميع * ويسهر باقيه بِضُـر ويَحْمُم...
ثم يعود إلى الخطاب النثري فيبين ضرورة الائتلاف، وأن "الدعوة إلى الاعتدال فكرة اختمرت في البلاد بعد نزاع طويل."(50) ويدعو إلى اعتراف كل طرف بمالَه وما عليه، "وليتق الله ربه فإنه سيقف بين يديه". ويذكر في خطابه هذا أنه راسل كلا من عمر إسماعيل عند شروعه في تأسيس جمعية العلماء، كما راسل مصطفى القاسمي يوم تأسيس جمعية الطرق، يدعوهما إلى الابتعاد عن الخصام والفرقة مستندا على ما جاء في القرآن والسنة، ويتأسف لظهور مقالات صحفية تحمل بين أجنحتها جراثيم الفحش والسب من هذا الطرف أو ذاك.
ويدعو في خطابه هذا إلى "ترك الخوض في المسائل الخلافية لأنها توقظ الفتن وتضيع الزمن."(51) ويشير إلى ما كان قد نبه إليه سابقا، من أن الزوايا يجب إصلاحها لا إعدامها. وأنْ يقوم رجالها بواجب العلم والإرشاد، ويتمنى أن يراها "معاهد علم وتربية تكيف فيها الكبار بكيفية مرضية، وتعلم فيها الصغار العلوم الدينية."(52)
هكذا يقف بولحبال بين الطرفين موقف الداعي إلى نبذ الخصام، والدعوة إلى الأخوة، والوقوف صفا واحدا كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا، حيث يقول في مقطع من مقاطع خطابه ما يلي: و"أثبت الآن وأنا على فكري داعيا إلى التصوف والإصلاح والصلح.."
وفاة الشيخ حسن بولحبال
توفى الشيخ حسن بولحبال في شهر مارس من سنة 1944 بمدينة وهران، وذلك بعد مرض عضال لازمه مدةً بعد عودته من البقاع المقدسة، ودفن في قبة سيدي الهواري بوهران بوصية منه، وكان آخر من تقلد منصب الإفتاء بمدينة وهران هو الشيخ سحنون امحمد المعروف بـ "بوكرسي" والذي بقي في هذا المنصب حتى الاستقلال.(53)
وقد حضر جنازة الشيخ بولحبال عدد من رفقائه من الأئمة ورجال الطرقية من زاوية عبد الباقي ومن مستغانم ومن الشلف ومن غيرها. وقد شهد عدد من الأئمة ومن شيوخ الطرق الصوفية بمنطقة وهران على صحة دفن بولحبال بقبة سيد الهواري(54)، عكس ما تظنه العامة من أن الضريح المتواجد بالقبة هو لسيد الهواري.
وإذا كانت المعلومات هنا قليلة وبخاصة ما يتعلق بإنتاج المترجم له، فإن هذا المقال يعتبر بادرة أولى وكشف عن شخصية جديدة لابد أن يعقبها بحث وتنقيب من قبل باحثين آخرين لحل ألغاز عديدة عن هذه الشخصية الفذة وعن غيرها من الشخصيات المنسية أو المغمورة.
الهوامش:
(1) أنظر: Lucien Golvin, la Mosquée : ses origines, sa morphologie, ses diverses fonctions, son rôle dans la vie musulmane, plus spécialement en Afrique du nord. Imprimerie la typo-litho et jules carbonel réunies, Alger 1960, p.15
(2) عبد الله بن عبد المحسن التركي، أصول مذهب الإمام أحمد، مؤسسة الرسالة، بيروت 1998. ص. 727.
(3) أحمد العدوي، نظرات في الفتيا وبعض أعلامها في المغرب على مذهب الإمام مالك، كتاب "ندوة الإمام مالك"، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، المملكة المغربية، فاس، من 25 إلى 28 أبريل 1980، ص. 167.
(4) أبوالقاسم سعد الله: تاريخ الجزائر الثقافي، الجزء الرابع، دار الغرب الإسلامي، ط:1، بيروت، 1998، ص.362.
(5) يقوم بذلك في المسجد الكبير، أي في الصنف الأول من المساجد ذات المنارة الكبيرة. أما المساجد من الصنف الثاني التي تحتوي على منابر الخطبة فيتواجد بها خطيب للجمعة والعيدين. وهناك ثلاثة أصناف أخرى من المساجد ذات أهمية أقل في نظر السلطات الرسمية.
(6) أنظر: Lucien Golvin...p 94.
(7) أ.سعد الله، المرجع السابق، ص. 352.
(8) المرجع نفسه، ص.386.
(9) المرجع نفسه، الجزء الخامس، ص.101.
(10) محمد الهادي الزاهري، شعراء الجزائر في العصر الحاضر، ج:2، مطبعة النهضة، تونس، 1927، ص.73.
(11) قدور ابراهيم عمار المهاجي، كتاب الإعلام بمن حل بوهران من الأعلام، دار الغرب، وهران 2002، ص.88.
(12) أنظر : Jean et André Brochier, Livre d'or de l 'Algérie, Dictionnaire des personnalités passées et contemporaines, Baconnier frères imprimeurs éditeurs Alger, 1937. P 75
(13) محمد الهادي السنوسي الزاهري، ص. 74
(14) المرجع نفسه، ص.75.
(15) أبو القاسم سعد الله، شاعر الجزائر محمد العيد آل خليفة، المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر 1984 ص. 90.
(16) أ.سعد الله: تاريخ الجزائر الثقافي، الجزء الثالث، ص. 157.
(17) الشريف شناتلية، التركة المغمورة، هؤلاء ... لهم أثر، مطبوعة بمناسبة الذكرى 35 لاندلاع الثورة التحريرية، عين البيضاء، أكتوبر 1989، ص. 33.
(18) نفسه، ص. 32.
(19) قدور ابراهيم عمار المهاجي، ص. 90
(20) مجلة الشهاب، المجلد السابع، السنة السابعة، أبريل 1931، طبع دار الغرب الإسلامي، بيروت 2001، ص.269.
(21) يتضح ذلك من خلال التقارير الفرنسية ورسائل هؤلاء المتواجدة في أرشيف ولاية وهران التي اطلعنا على بعضها. أنظر: Questions Religieuses، cote 2260. –Affaires musulmanes .cote 4476. Archives de la wilaya d'Oran
(22) عياض بوعبدلي ابن أبي عبد الله الرزيوي، الأخ الأصغر للمهدي المذكور، 80 سنة، شيخ زاوية سيدي بوعبد الله ببلدة بطيوة دائرة آرزيو، المقابلة في فيفري 2003.
(23) علي البوديلمي: عالم متصوف، درس في زاوية أبيه بالمسيلة ورحل إلى زاوية الهامل، درس أيضا على بن باديس، وزار تونس والمغرب، تولى التدريس بزاوية المسيلة، وأسس زاوية بتلمسان بعد أن تولى التدريس بجامعها على اثر مسابقة شارك فيها بوهران سنة 1942 (عن أ. سعد الله، ت.ج.ث. ج:7، ص. 23.)
(24) - Section musulmane N°3533 TB cote 2260, Archives de la w. d'Oran.
(25) رسالة من عمالة وهران، مركز الإعلام والدراسات CIE، مؤرخة في 29/5/1941، المصدر نفسه
(26) أنظر - - Archives de la W. d'Oran : Affaires Musulmanes, Questions Religieuses, cote 2260.
(27) أنظر: - Questions Religieuses. Ibid.
(28) المرجع نفسه.
(29) عبد القادر بوجلال، 87 سنة، إمام متقاعد من مسجد حي بدر بوهران، الذي عاش عشرية الأربعينيات بمدينة وهران وهو طالب علم، وقد حضر بعض المناظرات التي كانت تقع خلال بعض الجلسات، وشارك فيها هو نفسه، خاصة وأن بعض هؤلاء الموظفين الرسميين كانوا يتعالون على غيرهم في هذه الجلسات، ولا يستطيع أن يكبحهم إلا من كان ذا اطلاع ومعرفة.
(30) نقلا عن الباحث بليل حسني، عضو مخبر المخطوطات بقسم الحضارة الإسلامية، جامعة وهران، الذي لقيهم وسجل عنهم أشرطة مصورة. وأغلب هؤلاء هم أئمة ومدرسون، وبعضهم كانوا أعضاء في جمعية العلماء.
(31) عن الباحث نفسه. أما الطاهر فضلاء فكان عضوا في جمعية العلماء، يقيم حاليا في العاصمة. وأما الشيخ عبد الباقي فهو شيخ طريقة متوفى بوهران.
(32) شهادة بلبشير محمد (بوجمعة)، 78 سنة، عضو سابق بجمعية العلماء المسلمين الجزائريين، عمل إماماً بمسجد الفلاح حتى سنة 1975 ثم عين في مسجد الإمام مالك بشارع تلمسان بوهران في الوظيفة نفسها حتى اليوم، المقابلة في أكتوبر 2002.
(33) عبد القادر بوجلال، السابق الذكر، والذي كان أحد تلاميذ الشيخ الطيب المهاجي وعضوا بجمعية العلماء المسلمين الجزائريين. ويمتاز بذاكرة قوية وعلم غزير رغم سنه المتقدم (87 سنة). المقابلة بمنزله في وهران شهر ديسمبر 2002.
(34) قدور ابراهيم عمار المهاجي، ص. 92.
(35) رواية عبد القادر بوجلال السابق الذكر عن حفيد النابلسي بن زيان عبد الرحمن ناظر الشؤون الدينية لولاية وهران حاليا (2002) عن أبيه الشيخ المدني عن جده النابلسي.
(36) سليمان الصيد، نفح الأزهار عما في مدينة قسنطينة من الأخبار، المطبعة الجزائرية للمجلات والجرائد، الجزائر 1994، ص. 233.
(37) أنظر: -Archives de la wilaya d' Oran، cote 2260
(38) حسب ما جاء في مخطوطة الباحث بليل حسني
(39) أورد محمد الهادي الزاهري ترجمة لحسن بولحبال وبعض القصائد والمقطوعات في كتابه المذكور آنفا، ص.ص. 73-78.
(40) محمد الهادي الزاهري، القصيدة، ص.ص. 76-77.
(41) عبد الله ركيبي، الشعر الديني الجزائري الحديث، ش و ن ت، الجزائر، 1981، ص.ص. 604- 605.
(42) المرجع نفسه، ص.78، ذكرنا سابقا أن ابنه رشيد، الموجود بفرنسا، يحتفظ بديوان شعري لوالده لم يسمح لأحد بالاطلاع عليه حسب علمنا. أما الجزء الثالث المذكور فلا ندري أصدر أم لم يصدر.
(43) آثار محمد البشير الإبراهيمي، الجزء الثاني، المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر، 1987، ص. 73. وقد نشر المقال في العدد 58 من البصائر لعام 1948.
(44) المرجع نفسه، ص. 70.
(45) عبد الحميد بن باديس، قيمة الرجل من قيمة قومه، مجلة الشهاب، المجلد 11، السنة 11، (شعبان 1354ه/ نوفمبر 1935)، دار الغرب الإسلامي، بيروت2001، ص. 501.
(46) مجلة الشهاب، المجلد الخامس عشر، السنة 15، (1936-1937)، دار الغرب الإسلامي، بيروت، 2001، ص. 203.
(47) محمد الأخضر عبد القادر السائحي، محمد الأمين العمودي الشخصية المتعددة الجوانب. دار هومة، الجزائر 2001، ص. 74.
(48) عبد الرحمن بن العقون، مذكراتي، منشورات دحلب، الجزائر، 2000. ص. 139 و140.
(49) المرجع نفسه
(50) نفسه، ص. 153.
(51) نفسه، ص. 154.
(52) نفسه، والصفحة نفسها.
(53) رواية بن امحمد محمد بن الفُضيل، 76 سنة، تاجر بحي سيد الهواري، المقابلة في 10جوان 2003. كان يَحْضر دروس الشيخ بوكرسي (ت1975)، والذي يذكر أن بوكرسي أخبره أنه درس في جامع الزيتونة إلى جانب بوخروبة محمد (الرئيس الراحل هواري بومدين). وقد حدثت له واقعة بعد الاستقلال أنقذه منها هذا الأخير.
(54) منهم: الشيخ المدني بن زيان (على قيد الحياة)، الشيخ عبد القادر بوجلال (على قيد الحياة)، الشيخ المهدي بن شهرة (ت2001)، الشيخ الميلود المهاجي (ت2001)، الحاجة خديجة الحمراوية صديقة خديجة أخت بولحبال (على قيد الحياة)، وكلهم قد تجاوز عمرهم الثمانين سنة.
(55) الصورة حصل عليها الباحث حَسْنِي بَليل من الزاوية البوعبدلية بِبَطِّيوَة، وهي من مخلفات الشيخ المهدي البوعبدلي.