أسانيد وإجازات الشيخ العلاّمة عبد الحميد بن باديس
بقلم: عبد المالك حداد-
في طور بحثي عن تراث العلاّمة الشّيخ عبد الحميد بن باديس وترجمته وقفت على إجازات مشايخه له وأسانيدهم المتصلة بالقرَّاء أو المحدِّثين أو أهل العلم عموماً، وهي بمثابة شهادات علمية موثَّقة من كبار العلماء، تشهد له بالعلم، وتتضمن الإذن له بتبليغه ونشره، وفيها شرفُ الاتصال بعلماء الإسلام، وغير ذلك من الفوائد الكثيرة.
ومما يتصل الكلام عن مشايخه، وذكر إجازاتهم له، واتصال سنده بسندهم، التنويهُ هنا إلى أن الشّيخ ابن باديس قد حظي وتفرَّد بإسناد عالٍ جدًا، لم يَحْظَ به كبار العلماء المعاصرين له. وكانت هذه الإجازات نتاج مسار علمي حافل بدأه في مسقط رأسه قسنطينة، ثم في تونس، ثم في رحلته إلى الحجّ وفيها النصيب الأوفر في حصد إجازاته، وواصل حصد المزيد حتى بعد انتصابه للتّعليم.
وقد كُتبت إجازاته في دفتر شهاداته (عدده 7245) بخط يد المشايخ المجيزين، وفي صلب الدفتر شهادة التّطويع بإمضاء مشايخ النظارة العلمية بجامع الزّيتونة، وله إجازة واحدة فقط على ورقة خاصة بخط المجيز في القراءَات السّبع، وفيما يلي إجازاته:
1- إجازة الشّيخ مُحَمَّد حمدان الونيسي الأولى: كان الشّيخ ابن باديس من جملة من قرأ عليه واستفاد وامتاز بصفة العلم والإدراك بين الأنداد، فأجازه مشافهة بقسنطينة قبل مبارحتها مهاجرًا إلى الحجاز حيث استقر بالمدينة المنورة وانتصب للتدريس بالمسجد النّبويّ منذ سنة 1328 ﻫ /1910 م حتى وفاته سنة1338 ﻫ/1920 م.
2- رتبة التطويع: أحرز الشّيخ ابن باديس رتبة التّطويع من جامع الزّيتونة، ومنحت له الشهادة يوم الثلاثاء 29 رجب 1329 ﻫ/25 جويلية 1911 م، وهي الإجازة العليا للدراسة في ذلك الحين، تؤهل صاحبها للتّدريس. وقد كتب له بذلك في دفتر شهاداته بإمضاء شيوخ المجلس الشرعي الذين تتكوّن منهم لجنة الامتحان، وهم المشايخ: أحمد بيرم شيخ الإسلام رئيس النّظارة العلميّة، وأحمد الشريف الباش المفتي المالكيّ، ومحمود بن محمود القاضي الحنفيّ، ومُحَمَّد القصّار القاضي المالكيّ.
3- إجازة الشّيخ الشريف بن السعيد المقراني: انتظم الشّيخ ابن باديس في سلك درسه رواية مدّة من الزّمان في جامع الزّيتونة، فقرأ عليه القرآن العظيم كلَّه رواية إفرادًا وجمعًا بقراءات الأئمَّة السّبع من طريق حرز الأماني وغيث النَّفع، ولما أن فرغ من هذا الفن الشريف الباب، وتمتّع من شميم عراره بما تتنعش به الألباب، طلب الإجازة، فأجازه في جميع ما قرأه ورواه بقراءات الأئمَّة السّبع، وكتب له الإجازة في دفتر شهاداته بتونس يوم 23 رجب 1331 ﻫ /27 جوان 1913 م.
4- إجازة الشّيخ مُحَمَّد حمدان الونيسي الثانية: في السنة التي جاء فيها الشيخ ابن باديس حاجًّا إلى بيت الله الحرام وزيارة قبره عليه الصّلاة والسّلام، مكث عند شيخه حمدان بالمدينة المنوّرة إلى مولده صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولما عزم على السّفر إلى مسقط الرأس (قسنطينة) حيث المستقر، طلب من شيخه أن يسطر له ما كان شفاهًا ليتمَّ له المقصود من الإجازة ويكمل بها بهاها، فأجازه (وكان ذلك في رباط سيّدنا عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه) في كل ما عنده في المعقول، والمنقول، والفروع، والأصول، إجازة عامة مطلقة بشرط أن يعطي من التأمّل والبحث كل مسألة حقها، ومن بيانها وتوضيحها واجبها ومستحقها، وأنّ يفوض العلم لله في كل ما لم يصل إليه علمه، عملا بقوله تعالى: ﴿ وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا﴾، ويروى شيخه حمدان التّفسير والحديث، والفقه، والأصول، وسائر العلوم الآلية عن شيخه العلاّمة عبد القادر المجاوي، عن شيخه صالح الشاوي، وخاتمة المحققين مُحَمَّد ﭬـنون الفاسيين بسندهما، وعن جميع مشيخة قسنطينة الذين أدركهم، وعن غيرهم من جلة المشايخ بالمغارب والمشارق، وخص منهم العلاّمة حافظ الحجاز الشّيخ فالح بن مُحَمَّد الظاهري الحجازي، الذي أجازه بجميع ما في ثَبْته المحتوي على أسانيد الكتب السّت، وغيرها من كتب الحديث، وعلى أسانيد الفقه إلى الأئمَّة الأربعة رضي الله تعالى عنهم، وعلى سند كتب من الأصول إلى أربابها، وكذلك الكثير من كتب العلوم الآلية، وحررها له في دفتر شهاداته، في 13 ربيع الأنوار عام 1332 ﻫ/8 فيفري 1914 م.
5- إجازة الشّيخ حسين أحمد الفيض آبادي خادم العلم بالمسجد النّبويّ: اجتمع به الشّيخ ابن باديس عام 1332 ﻫ/1914 م بالمدينة المنوّرة حين قدومه من الحجّ لزيارة سيد الرسل عليه الصَّلاة والسَّلام، فاستجازَه (طلب الإجازة) بالصحاح السّت وغيرها مما تجوز له روايته من كتب المعقول والمنقول، وأصر على ذلك مع تعلل فيه، ولما لم يجد المجيز بُدّا عن إسعاف مقاصده، أجازه بجميع ذلك حسبما أجازه مشايخه الكرام بالشروط المعتبرة المعروفة بين العلماء العظام، وإنه يروي العلوم والكتب عن مشايخ كثيرين من رؤوس علماء الهند وفضلاء دار الهجرة والبلد الأمين بسنده المذكور في الإجازة بدفتر شهاداته.
6- إجازة الشّيخ مُحَمَّد العزيز الوزير: رغب الشّيخ ابن باديس الإجازة منه على العادة المألوفة المستجازة، فلم تسعه إلا إجابته، وامتثال ما تحصل به رغبته، فأجازه بكل ما وصل إليه واتصل به روايته لديه من معقول ومنقول من فروع وأصول، مما أجازه به مشايخه الأعلام جهابذة الأنام، من حاضرة تونس، ومن مكة المكرمة، ومن المدينة المنوّرة، ومن الهند بسنده المذكور إجازة تامة مطلقة عامة حاوية لإثبات المشاهير، وأسانيد الْعُلَمَاءِ النَّحَارِيرِ. وحررها له في دفتر شهاداته، في 14 أشرف ربيعي 1332ﻫ/9 فيفري 1914 م.
7- إجازة الشّيخ أبو الفضل مُحَمَّد الجيزاوي شيخ علماء الإسكندرية: حضر لديه الشّيخ ابن باديس بالثغر الإسكندري (بمصر) وطلب منه أن يجيزه بما تلقاه من المعقول والمنقول عملا باتصال السند الذي هو من خصائص هذه الأمة المحمدية، فأجابه لذلك وأجازه بما تصح له رواية وتنقل عنه دراية من العلوم العقلية والنقلية. وحررها له بدفتر شهاداته في28 ربيع الأوّل1332ﻫ/23 فيفري 1914 م.
8- إجازة الشّيخ مُحَمَّد بخيت المطيعي الحنفي بالأزهر: زاره الشيّخ ابن باديس بداره بحلوان (بمصر) مع صديقه الأستاذ إسماعيل جغر المدرس بالأزهر آنئذ، حاملا إليه كتاب (رسالة) من شيخه حمدان وقد أجازه بكل مروياته من معقول ومنقول ومؤلفات إجازاته بسنده المذكور في الإجازة بدفتر شهاداته، ومَنّ الله تعالى عليه بهذه الإجازة ليلة السبت لليلة خلت من شهر ربيع الآخر عام 1332ﻫ/27 فيفري1914 م.
9- إجازة الشّيخ حسن ابن الحاجّ عمر بن عبد الله بن عمر السيناوني الغدامسي خادم القرآن العظيم والعلم الشريف: انتظم الشّيخ ابن باديس في سلك دروسه مدّة مديدة من الزّمان، قرأ عليه دراية شرح ابن القاصح رحمه الله على الشَّاطبيّة فحصل بذلك والحمد لله بلوغ الأمنية وذلك مع التحقيق والتحري وحسن التلقي لدى التقرير، واعتناء واجتهاد، وتلطف في المسألة حيث يحسن الاسترشاد، وقرأ رواية على العالم العامل الشّيخ الفاضل السيد مُحَمَّد الشّريف ابن السعيد بن مُحَمَّد الزواوي الحسنيّ القرآن العظيم كله بقراءات الأئمَّة السّبع من طريق حرز الأماني بما وافق غيث النّفع، فحصل بذلك والحمد لله تمام النّفع، فطلب منه الإجازة حسبما أجاز شيخه مُحَمَّد الشّريف المذكور في قراءات الأئمَّة السّبع البدور، لينتظم في سلك المشايخ العالمين..، فحمله صدق نيته على إجابة مطلبه وباعتبار حسن ظنه، لم يستحسن المطل به، لصلوحيته لذلك.. فأجازه في قراءات السّبع البدور، موصى فيه بتقوى الله والتثبت فيما رواه، كما أجازه ذلك ورواه عن شيخه بالسند المذكور. وكتب له الإجازة المباركة في 24 شعبان 1333 ﻫ/6 جويلية 1915 م.
10- إجازة الشّيخ مُحَمَّد بن يوسف المفتي الحنفي بالديّار التونسية: لازمه الشّيخ ابن باديس خلال فترة دراسته بجامع الزّيتونة في فنون عديدة وكتب عالية مفيدة. وبعد تخرجه من الزّيتونة عاد إليه، ورغب منه أن يجيزه ويرفع بالسند العلمي إبريزه، ولتمام أهليته وحسن نيته رأى بعد الاستخارة أن يبادر إلى أمنيته، فأجازه أن يروي عنه جميع ما تضمنه ثبت الشّيخ أحمد الصباغ الاسكندري، وثبت الشّيخ مُحَمَّد الأمير الكبير، ومجموع أحمد المكودي من الكتب، والفنون، والمسلسلات المذكورة في الثبتين، والمجموع بطرقها المتصلة بأصحابها، كما أجاز له رواية ما بالثبتين شيوخه بسنده المذكور، حررها له في دفتر شهاداته بالديّار التونسية في 15 شوال 1338 ﻫ/1 جويلية 1920 م.
11- إجازة الشّيخ سالم بوحاجب: ذكرها الشّيخ ابن باديس في أول إجازة صدرت منه أجاز بها الشّيخ أبي بكر شعيب بن عبد الله، وقال إنه يروي الجامع الصّحيح عن الشّيخ العلاّمة سالم بوحاجب، وكان ذلك بجامع الزّيتونة، بسنده المتّصل بالشّيخ أحمد بن المبارك تلميذ الشّيخ عبد العزيز الدّباغ، بسنده المذكور في ثبته المشهور.
12- إجازة الشّيخ أبي بكر شعيب بن عبد الله الجليلي التلمساني: ذكرها الشّيخ ابن باديس في أول إجازة صدرت منه أجاز بها الشّيخ المجيز الذي سأل الشّيخ ابن باديس الإجازة حين نزل عنده ضيفا أيام زيارته تلمسان، فأجازه يوم الأربعاء 3 جمادى الآخر 1337 ﻫ/5 مارس 1919 م، إجازة عامّة كتبها له بخطِّه بعدما قرأ عليه شيئا من أوّل البخاريّ في بيته.
المصدر: عبد المالك حداد: العلاّمة عبد الحميد بن باديس رائد النّهضة العلمية والإصلاحية بالجزائر، منشورات بونة للبحوث والدراسات 1436 ﻫ/2015 م.
د.عمار طالبي وعبد المالك حداد: من ابن باديس من خلال وثائق وتقارير المخابرات الفرنسية، الأصالة للنشر والدراسات والتدريب، 2017 .