الشيخ إبراهيم بيوض بن عمر.. علم من أعلام الأباضية في الجزائر 1899 – 1981
بقلم: إبراهيم بن ساسي-
القرارة مدينة من مدن وادي ميزاب قيل إن نشأتها تعود إلى سنة 1040 هـ وهي كغيرها من مدن واد ميزاب السبع محاطة بواحات النخيل طيبة الماء نقية الهواء زكية التربة وهو ما أهلها لتكون ينبوعا آخر من ينابيع القرآن العلم والقرآن في ربوع هذا الوطن، ولعل من أبرز وأظهر علمائها الأعلام الذين علا قدرهم وذاع صيتهم الشيخ إبراهيم بن عمر بن بابه بن إبراهيم بيوض المعروف اختصارا بالشيخ بيوض رحمه الله المولود سنة 1899 م الموافق لـ ذي الحجة 1316 هـ.
دراسته الأولية كغيره من أبناء بلدته تربى على مائدة القرآن فحفظه على يد شيخه الحاج محمد بن يوسف بهون ليتلقى العلم الشرعي بعد ذلك بداية من حلقة إيروان التي تشترط حفظ القرآن وكان من أبرز شيوخه إبراهيم بن عيسى وعمر بن يحيى وعبد الله بن إبراهيم وبكير بن إبراهيم وغيرهم كما اهّتم الشيخ بيوض بتعلم العربية وفنونها وقد كان لعصاميته دور في ثقافته وتفتق مواهبه وتنوع مشاربه.
صلاته بالعلماء
لقد كان الشيخ بيوض رحمه الله عظيم التأثر بالعلماء والأعلام كالشيخ اطفيش والإمام المجدد محمد عبده كما كانت له اهتمامات بالمجلات والنشريات الصادرة في الأردن وإيران وليبيا ومصر ولبنان والمشرق والمغرب ومن خلالها كان متواصلا مع مصطفى الزرقاء وعلي يحيى معمر وموسى الصدر وحمزة الرفاعي وغيرهم من أساطين العلم والصحافة والبيان.
معهد الحياة
قد حرص الشيخ بيوض على بناء جيل مصلح مؤهل للتغيير ورأى أن أنجع وسيلة لهذا المقصد النبيل هو تأسيس معهد الحياة في قلب القرارة بتاريخ 18 شوال 1343 ه الموافق ل 21 ماي 1925 م رفقة الشيخ أبي اليقظان إبراهيم والشيخ عدون فكان معهد الحياة منارة علمية تخرجت منها قوافل الطلبة التي صنعت حياة العلم في ربوع وادي ميزاب، ومن قلب المعهد كانت ترسل البعثات العلمية إلى الزيتونة والقاهرة وغيرها .
الشيخ بيوض و نشاطه الإصلاحي
لقد ارتبط الشيخ بيوض بموضوع الإصلاح الاجتماعي والأخلاقي في بلاد الميزاب كلها وهو الذي وُفق ليلج باب الاصلاح من خلال عدة محاور فكان المرشد المصلح صاحب البداهة الفائقة والذكاء الحاد والاسلوب المقنع الحاضر المتواجد في مناسبات الأفراح والأقراح والزيارات والأسفار كما كان برنامجه حافلا في المساجد التي أمها وقد استطاع بحنكته أن يطفئ نيران الفتنة التي كان يوقدها أويتسبب فيها بعض المتعصبين في المذهبين عندنا الذين يحاولون الصيد في الماء العكر، فكانت الصراعات الداخلية والمذهبية تتأجج كل مرة مخلفة الآثار السلبية، وستظل كذلك إن لم تجد مفاتيح الخير أمامها.
دوره العلمي في وادي ميزاب
لقد تعددت عطاءات الشيخ بيوض تعدد نشاطاته العلمية والاجتماعية فبالإضافة إلى خدمة عشيرته وأبناء بلدته فقد كان ممثلهم في أكبر الهيئات والمؤسسات العلمية كجمعية العلماء المسلمين الجزائريين التي أسندت له ساعة تأسيسها نيابة أمين المال كما ساهم مع زمرة من أقرانه في تأسيس النواة الأولى لجمعية الحياة سنة 1937 م وفي سنة 1948 م كان من بين الأربعة الذين أمضوا على برقيات القضية الفلسطينية باسم "اللجنة الجزائرية الفلسطينية في الجامعة العربية". عمله السياسي رغم كون الشيخ بيوض رجل علم وتربية إلا أنه ساهم بقدر واسع في المعترك السياسي مما أوغر صدر الاستدمار الفرنسي فحكم عليه بالإقامة الجبرية لا يغادر بلدة القرارة مدة أربع سنوات بداية من سنة 1940 م تاريخ وفاة رائد النهضة الإمام إبن باديس رحمه الله، وفي سنة 1948 م انتخب عضوا في المجلس الجزائري وأعيد انتخابه سنة 1951 م كما كان له دور في الثورة التحريرية بالحث على الجهاد والرباط في القتال وخدمة المجاهدين وأسرهم، وبعد اتفاقيات ايفيان التاريخية التي شهدت انتفاضات شعبية رافضة تقسيم الجزائر والإبقاء على الصحراء الجزائرية تحت السيطرة الاستدمارية منها مظاهرة 27 فبراير سنة 1962 م بورقلة التي كانت آخر مسمار تدقه الثورة في نعش فرنسا وهو ما عجل بإنهاء المفاوضات لصالح جبهة التحرير الوطني ووقف القتال شكلت لجنة تنفيذية مؤقتة كان الشيخ بيوض أحد أعضائها وهو الذي أسندت له مهمة وزارة التربية إلى غاية تشكيل أول حكومة جزائرية بعد الاستقلال، كما انتخب الشيخ رئيسا لمجلس عمي السعيد وهو كبرى الهيئات الأباضية في وادي ميزاب وورقلة من سنة 1963 م إلى وفاته رحمه الله، كما كان حاضرا في المناسبات له علاقات وطيدة مع كبار العلماء في الجزائر وكثيرا ما كان يتردد على ورقلة خصوصا عند المناوشات التي كان يتسبب فيها بعض غلاة المذهبين الأباضي والمالكي، وقد حدثني الحاج عمر طواهير، أنه حضرسنة 1963 م حفلاً بهيجا بعين إبراهيم في الرويسات أقامه أهالي ورقلة على شرف ضباط من الخليج العربي بمناسبة احتفالات الشعب الجزائري بالاستقلال المجيد ألقى فيه الشيخ بيوض كلمة طيبة أشاد فيها بخصال الحاج سليمان بن إبراهيم بن عبد القادر معتبرا إياه حاتما الثاني لكرمه رحمه الله.
وفاته
بعد عمر ناهز 83 سنة لقي الشيخ بيوض ربه مساء يوم الأربعاء 08 ربيع الأول 1401 هـ الموافق ل 14 يناير 1981 م فرحمه الله رحمة واسعة.
آثاره
لقد عاش الشيخ بيوض مع القرآن قارئاً وحافظاً و مفسراً وهائماً في معانيه تاركا جملة من الجولات المميزة تحت عنوان في رحاب القرآن، وقد فسّر من خلالها سور : الإسراء – الكهف - مريم - طه الأنبياء - الحج - النور، كما ترك عدة مؤلفات بها بعض فتاويه، ومن أبرزها :
- حديث الشيخ الإمام.
-المجتمع المسجدي.
- ثبوت الهلال.
- روح الشريعة.
- واقع التشريع في العالم الإسلامي اليوم.
كما قام زمرة من تلاميذه بتحقيق وطبع العديد من محاضراته وآرائه وفتاويه كما تفضل العديد منهم بالكتابة عنه كعلم فذ من أفذاذ الأباضية في الجزائر .
الخاتمة
وككل الأعلام الوضاءة فإن الخاص والعام يقر بخدمته لدينه ووطنه وهو الذي أثرى المذهب الأباضي بما يخدم تيار الإصلاح في هذا المذهب ويحقق له الانفتاح والبعد عن التعصب المذهبي حفاظاً على الوحدة الفكرية والمذهبية التي تضمن للمجتمع قوته وعزته وتقوي شوكته وترهب أعداءه، فرحمه الله وجميع علماء المسلمين آمين.