الإمام الرئيس محمد البشير الإبراهيمي من خلال شعر محمد العيد آل خليفة – 4
بقلم: أ.د. محمد بن سمينة-
ويخلص الشاعر مما كان قد عالجه في قصيدته ( أبت النفس أن تراك عديما )من خلال وقوفه عند جملة من معالم شخصية الإبراهيمي- إلى تقديم آخر تعازيه، وتعازي الشعب الجزائري بأكمله، لأسرة الفقيد، مبينا أن ذلك المصاب لا يخص (آل الإبراهيمي) وحدهم، وإنما هو خطب يشمل الأمة بأجمعها .
ثم يأتي إلى نهاية قصيدته فيختمها ، مخاطبا الفقيد المغفور له بإذن الله ، منوها بمآثره ومواقفه النضالية من أجل الجزائر، والإسلام، والعروبة ، والوقوف وقفة دعاء وترحم على روح الطاهر :
يا أخي الحق إن قصرت عن القـو ل فما قصـر الفؤاد كليما
أنت بيضت وجـه شعبك فخـرا بيض الله منك وجها وسيما
فـلقد كـنت للعـروبـة فـينا ولدين الإسلام رمزا حكيما
ولـقد كنت للجـزائـر طـودا بين أطوادها تشق السديمـا
فـائت أخـراك مطمئنـا ففيها ضفت رحمان للعباد رحيما
وتـسنم فـردوسهـا وتـنسم روحهـا راويـا بها تسنيما
وتحسن الإشارة إلى أن هذا النموذج الأخير من القصيدة يتوفر على جملة من الألفاظ والتراكيب القرآنية، وقد وفق الشاعر في ذلك لملاءمة تلك القيم التعبيرية الدينية الجو النفسي الذي يغمر صدره ، وهو يترحم على صديق حميم، عزيز كريم.
ويمكن القول من نحو آخر، أن الشاعر ، على الرغم من قدرته على توفير قدر من وحدة الموضوع في هذه القصيدة ونجاحه في الإعراب عن شعوره بهذه الفاجعة، وتمكنه من تصوير أثرها على ضمير الأمة، فإنه لم يستطع أن يرقى فيها معنى ومبنى إلى ما يتطلبه المقام الذي أنشأت من أجله، والدوافع التي دفعت إليها، فبدت عاطفته فيها محدودة، مما جعل قارئها يحس ، وكأن الشاعر كان فيها مختنقا قلقا لم يجد نفسه في الجو الملائم الذي يساعده على أن يفصح عن كل ما أراد أن يفصح عنه، مما يمور في نفسه، فظل شيء من ذلك مخزونا بها. فبما يمكن تفسير هذه الظاهرة ؟ وهل لذلك من تعليل ؟؟
يمكن القول أن هذا الذي يسجله النقد الأدبي على هذه القصيدة من ضعف، قد يرجع إلى الظروف الموضوعية التي كانت سائدة يومئذ في محيط الشاعر ، وإلى إحساس الشاعر نفسه –وقد اشتهر بذكائه وشدة حذره- بالملابسات السياسية التي كانت تحيط بالإمام الإبراهيمي نفسه آنذاك، يبدو أن هذه الظروف كانت من بين أبرز العوامل، التي حدت من حرية الشاعر ، وأضعفت من ثم من قواه الإبداعية. وإن هذا ليس بالأمر الغريب، ذلك أنه من الطبيعي أن الإنسان يتأثر بما يجري في محيطه، ويؤثر ذلك عليه في توجهاته وتحديد مواقفه وتلوين كل ما يصدر عنه من أقوال وأفعال بألوان وشيات محيطه .
يمكن للمتلقي أن يقف على تفسير ذلك وتعليله، من خلال وقوفه عما جاء في قصيدة الشاعر اللاحقة (يارائد الشعب ) (ديوانه ص 501 ) تلك التي قالها بعد هذا التاريخ، وذلك في إحياء الذكرى الأولى لوفاة الإمام الإبراهيمي.
ويؤكد هذا الذي يسجل على هذه القصيدة، أن الشاعر نفسه يحس بهذا الذي أحس به الدارس الأدبي في هذه القصيدة، فألمع إلى شيء من ذلك، بقوله :
يا أخي الحق إن قصرت عن القـو ل فما قصر الفـؤاد كليمـا
وأما عمله السابع في الموضوع فهو قصيدة (يا رائـد الشعب)، ديوانه ص 501 .
وهي واحدة من مطولاته، إذ تقع في أربعة وثمانين بيتا، وقد نظمها إحياء للذكرى الأولى لوفاة الإبراهيمي، وألقاها في الحفل الذي أقيم لهذا الغرض بقاعة ابن خلدون بالجزائر العاصمة يوم 21 ماي 1966م.
وقد افتتحها بالإشادة بمآثر الفقيد النضالية وبآثاره العلمية والفكرية، تلك التي كانت- إلى جانب أعمال أمثاله من أعلام الأمة – إشراقة الشمس التي أضاءت الطريق أمام الشعب الجزائري، وكانت له من نحو آخر الأرضية الصلبة التي وقف عليها، وفجر من فوقها ثورته الخالدة، وقد عبر الشاعر عن هذه المعاني من خلال أسلوب تقريري يلائم موقف الإنشاد الذي وجد فيه نفسه، يقول مخاطبا الفقيد :
ذكـرى وفاتـك إ حيـاء لأعمـال من صنع عزمك أم بعث لأجيـال؟
أم نشر صحف جهاد ذدت عن قيم عليا بها ونضـال منك ذي بـال؟
أم عرض ثورة شعب كنت قـائدها بالرأي قبل أن يصلي بها صـالي؟
يا رائد الشعب للأهـداف سرت به دينـا ودينـا بفكر منـك جـوال