أبو يعلا الزواوي … النفس الأمازيغي في حركة الإصلاح
بقلم: محمد بغداد –
كتبت جريدة البصائر في شهر جوان 1952، نعيا جاء فيه (البصائر تساهم في المصاب بفقد العلامة الزواوي، شيخ المصلحين في هذه الديار الذي طالما رفع صوته على صفحاتها بالنكير على المبتدعين والمبطلين)، لقد شكل الشيخ أبو يعلا الزواوي، علامة فارقة في مخيال جمعية العلماء المسلمين، لما مثله من ثقل معرفي ومساهمة ميدانية، كان لها تأثيرها الأدبي في مسيرتها وعلاقاتها بالرأسمال الرمزي الاجتماعي، استثمرته الجمعية في تثبيت ركائزها الواقعية في مساحة الثقافة الإصلاحية، ولهذا رفعت من سقف رثائها للشيخ الزواوي أثناء وفاته.
فالشيخ أبو يعلا الزواوي، التحق بجمعية العلماء، وهو قد تجاوز السبعين من العمر، وكان قد حاز مسيرة إصلاحية نضالية طويلة، مما جعله أكبر أعضاء الجمعية، الذين كان أغلبهم في مرحلة الشباب، فالشيخ أبو يعلا الزواوي، كسب خبرات واسعة من خلال سفرياته المتعددة، إلى كل من تونس وفرنسا ومصر وسوريا، التي كان له فيها أثر كبير سياسيا وإعلاميا، وما ظفر به من علاقات سياسية مهمة، مع الشخصيات المؤثرة في صناعة مشهد العالم العربي آنذاك، أمثال محمد الخضر حسين وشكيب أرسلان، ومحب الدين الخطيب ورشيد رضا ومحمد كرد، على زيادة على المكانة المرموقة التي حظي بها في مسقط رأسه تيزي وزو، التي شرع في تعليم العربية وآدابها وتدريس الفقه بها، في بداية شبابه، الأمر الذي جعل منه شخصية مرموقة في المنطقة، وأحد أهم المراجع الدينية والثقافية بها.
بالرغم من المكانة الكبيرة التي احتلها الشيخ أبو يعلا الزواوي، في مخيال جمعية العلماء، إلا أنه لم يتمكن من الوصول إلى هيئاتها القيادية، ولم يظفر بذلك الموقع الذي يمكن أن يجعل منه من القيادات البارزة للجمعية، فأقصى ما وصل إليه الشيخ أبو يعلا الزواوي، تمثل في رئاسة اللجنة الدائمة المسيرة للجمعية، في الجمعية الانتخابية الثانية للجمعية، وهي اللجنة التي عوضت اللجنة الدائمة الأولى، التي انسحب أعضاؤها من الجمعية، وذهبوا لتأسيس جمعية (علماء السنة الجزائريين)، وهي الجمعية الدائمة والمسيرة لجمعية العلماء، التي كانت قد فقدت في الجمعية العامة الانتخابية الثانية مكانتها ودورها، وأصبحت مجرد هيكل رمزي، لا يقوم بأي مهمة، وذلك بعد أن تمكنت جمعية العلماء، من كسبت الأدوات والفضاءات المناسبة، لتنفيذ أعمالها إلا أنها استفادت من رمزية الشيخ أبو يعلا الزواوي، باستمالة شخصيات أخرى بمنطقة زواوة بمنطقة القبائل.
ولهذا، فقد جاء تعيين الشيخ أبو يعلا الزواوي، في رئاسة اللجنة الدائمة الثانية المسيرة لجمعية العلماء، في إطار المجاملات الأدبية، واحتواء بعض الشخصيات التي بقيت على الهامش، في المرحلة الأولى والحاسمة لتأسيس الجمعية، كما تضمن هذا القرار احتواء تيار مهم في الساحة، تمثل في التيار الأمازيغي وإدماجه في هياكل الجمعية، حتى تكون له الفرصة المناسبة للتمثيل والحضور، ولهذا كان في عضوية اللجنة الدائمة الثانية المسيرة للجمعية، شخصيات موجودة في الساحة أمثال، رودوس محمود، ومحمد بن مرابط، ورشيد بطحوش، ومحمد بن الباي، وهي الشخصيات التي لم يحفل بهم تاريخ جمعية العلماء المسلمين بهم، سوى من الجانب الرمزي والحضور المخيالي، دون أن يلتفت إلى أعمالهم، بالرغم من مكانتهم المرموقة في عصرهم.
فالشيخ أبو يعلا الزواوي، قبل بالمهمة التي كلفته بها جمعية العلماء، برئاسة لجنة الفتوى، التي تولاها لفترة طويلة، وهي المهمة التي كانت تتطلب مستوى من العلم الغزير، وتتناسب مع السن المتقدمة التي تقتضي الرزانة والتثبت، ومعرفة الظروف القائمة والمذاهب المنتشرة، وخاصة الوسطية التي تفرض أحداث التوازن بين المذاهب والتيارات المشكلة لهيكلة الجمعية، وقد تمكن الشيخ أبو يعلا الزواوي، من النجاح في مهمته، عن طريق الالتزام بالوسطية والاعتماد على التراث الفقهي التراكمي الجزائري، دون أن يجنح إلى الشطط أو إثارة الخلاف، وقد كانت الفتاوى التي أصدرها الشيخ أبو يعلا الزواوي، متناسقة مع التكوين الفقهي الجزائري، الذي ساهم الشيخ أبو يعلا الزواوي، في تعزيز نموذج التدين الجزائري، وهو النموذج الذي سيطلق عليه لاحقا، بالمرجعية الوطنية.