ذكرى العلامة الإبراهيمي..
بقلم: كمال أبو سنة -
من تواضع التقدير، وحسن نية التصوير، وَصْفُ العلامة محمد البشير الإبراهيمي -رضي الله عنه بـ«الإمام» ، بصيغة المفرد، وهو صاحب بسْطَةٍ في العلوم والمعارف، وغزارة إبداع أدبي وعلمي، وتبحر موسوعي في فنون شتى، وتاريخ نضالي طويل في ميادين عدة من أجل الوطن والدين… فمن حقه المكتسب عن جدارة أن يُلقّب بـ الأئمة فهو جمع غفير من الأئمة في بدن رجل فرد ألمعي أريحي أحوذي نسيج وحده لم يُولد مثله في الآخِرين، وليس بعزيز على الله أن يجمع العَالَم في عَالِم..
كان الإمام الليث أفقه من الإمام مالك -رحمهما الله بيد أن أهله ضيَّعوه، وأضاعوا علمه، بشهادة فقيه عصره -بل كل العصور- الإمام الشافعي –رحمه الله- وقديما قالوا: لا كرامة لنبي بين أهله» .. فكم من كريم قومنا،وكم من عظيم بلدنا، وكم من عبقري مولود في جزائرنا الولود، أغفلنا ذكره وذكراه، وأمتناه كرات بعد موتته الأولى، حتى كاد – يا لقومي- يصير نسيا منسيا، وهو الذي في حياته أحيا الأمة، وأنار لها الظلمة، ونزع عنها الغمة، وأشعل ذكرها في العالمين بعد انطفائه حينا من الدهر، فهل جزاء الإحسان إلا الإحسان.؟!
ولكن ما كان الله الرؤوف الرحيم ليضيع جهد وجهاد وأجر «الأئمة» الإبراهيمي، ورفاقه من عظماء الجزائر الأتقياء الأنقياء الأصفياء في الدنيا، وإنهم في الآخرة عند ربّهم لمن المصطفين الأخيار، بمشيئته وفضله، فقد كان هذا الرعيل الأول من سلفنا الصالح إخلاصا يمشي على قدمين، وما قُدِّم لله على طبق الإخلاص دام واتصل، وما قُدِّم على موائد الرياء انقطع وانفصل، ولهذا سخر الله للإبراهيمي –رضي الله عنه-أبناء بررة، وحفدة مهرة، ليسوا من صلبه، ولكن من روحه -والروح من أسرار الله-ليزيلوا عن ماضيه المشرق النوراني غبار العقوق في زمن الشقاق والنفاق وسوء الأخلاق، فهنيئا للعلامة الإبراهيمي على ما خلَّف من بعده…
إن الحياة العلمية والنضالية للإبراهيمي فخر الجزائر بلا منازع كما وصفه خليله وتوأمه الروحي الإمام المجدد عبد الحميد بن باديس رضي الله عنه تُعَدُّ لعمر الحق ملحمة ربانية سرمدية ستبقى مغروسة في نفوس كل الجزائريين المخلصين تباعا إلى يوم يبعثون، كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربّها، رغم ظلم بعض ذوي القربى من أبناء جلدتنا الناكرين للجميل والباخسين الناس أشياءهم، وضيم الأقربين أشد مضاضة من وَقْعِ الحسام المهند، ولكن يأبى الله والمؤمنون إلا أن تُنزع الغشاوة عن الأبصار، بأيد متوضئة نحسب أصحابها –إن شاء الله-من الأخيار، لترى الأعين مرة أخرى نور الفرقد بعد عُسر التغـييب ومديد انتظار.!
إن أي أمة من الأمم الإنسانية التي تحترم نفسها تتشرف بعظماء أفرادها، وتتزين بكرام أبنائها، وترفع من شأنها برفع شأنهم، فيعلو قدرها بعلو قدرهم، وتبلغ بهم قمم المجد العالية، ولا خير في أمة لا تعرف أقدار رجالها، ولا تضعهم في مواضع الإجلال والتوقير، خاصة إذا اعترفت الأمم الأخرى بعبقريتهم وفضلهم، وأنكرت هي وتغافلت عن ذلك..!
لهذا آن في الجزائر أوان ترك القسمة الضيزى، واعتماد ميزان العدل والإحسان وفاء للكيل إذا وُزن رجالها، ذلك خير وأحسن تقويما، وقائمة الذين ينتظرون التكريم بعد التعتيم طويلة… فاحتفي يا جزائر العظماء بأبنائك الحكماء، الأحياء منهم والأموات، فقد آن الأوان..