ابن باديس شخصية متعددة الجوانب
بقلم: أ.د. عمار طالبي-
من أبرز شخصية إصلاحية في النصف الأول من القرن العشرين إنما هي شخصية ابن باديس التي لمع نجمها الساطع في أفق الجزائر، وغيرها من آفاق المغرب الإسلامي، وأضاء ضمائر الناس بالقيم الخلقية الإسلامية العليا، وأنار عقولهم بقيم العقل والعلم، وأرواحهم بالنور الرباني، إذ وهب حياته في شبابه وكهولته إلى الأمة لإحياء ما اندثر في النفوس من معالم دينها وأصوله وما أصابه من طمس وغبار التاريخ...
فأيقظ العقول بمحاربة الخرافة، وأحيا النفوس التي بليت بالجمود فعني بالقرآن وتفسيره وهو منبع النور وأساس وجودنا الحضاري، وعني بالسنة وشرحها وتعليمها فختم القرآن تفسيرا كما ختم الموطأ شرحا فبين مقاصد القرآن ومعانيه، وبسط فقه الحديث ومبانيه، وأقام العقائد على طريقة القرآن. وترك منهج المتكلمين والفلاسفة.
علم لطلابه أصول الفقه ومناهج الاستدلال، وأملي فيه وفي الفقه، وسيرة السلف الصالح، ونبه طلابه إلى قيمة مقدمة ابن خلدون في علم الاجتماع، وفلسفة الحضارة. وأصدر صحفا، وطبع بعض الرسائل والكتب وكان شعاره : "الحق فوق كل أحد والوطن قبل كل شيء". وأحيا اللغة العربية وأساليب النثر والشعر في تلاميذه ومريديه فظهر شعراء مثل محمد العيد، وكتاب مثل: "السعيد الزاهري" وانشأ المطبعة الإسلامية الجزائرية.
واعتمد منهج الحركة والواقعية فكان منهجا نقديا للأوضاع الدينية والاجتماعية والسياسية أيضا فأصدر "المنتقد" سنة 1925 وبعده "الشهاب" وكل من هذين العنوانين دال على هذا المنهج ويمتاز منهجه الحركي بالواقعية والصلة بالمجتمع بكل طبقاته فهو لا يعنى بالنخبة فقط كما فعل جمال الدين الأفغاني في منهجه السياسي، ولا ينهج طريقة محمد عبده في العناية بالثقافة وعزوفه عن الحركة السياسية وإنما جمع ابن باديس بين ذلك كله فبلغ صوته كل طبقات الأمة وكان ينتقل إلى مختلف أرجاء الوطن لبث الوعي، ونشر الدعوة الإسلامية، لإحياء النفوس وتغيير الأوضاع، وخلاصة القول إنه شخصية لها مناشط غنية متعددة فهو مفسر ومحدث، ومرب، وصحافي، ومصلح ديني واجتماعي وسياسي بطريقته الخاصة، وقبل ذلك كله مجدد للعقائد، ومقاوم للبدع والخرافات ومحرر للعقول والأرواح على أساس من القرآن والسنة ومنهج السلف الصالح من هذه الأمة.