المنهج الباديسي في التفسير للنهوض الحضاري
بقلم: ليلى محمد بلخير -
لاشك أن الهدف الأساسي من إحياء فكر العلامة بن باديس هو تفعيل خطواته البناءة من جديد في واقعنا، وخاصة إن وجدنا وشائج وصلات ترفع من فهمنا وتصحح نظرتنا وتجعلنا نقبل على طريقته في تفسير القرآن كوسيلة للارتقاء بالفرد والمجتمع.
يعد منهج بن باديس في تفسير القرآن متميزا في أطره المعرفية والحركية وممتازا في استقلاله وشموليته حيث انطلق في مشروعه، من استبصار حذق للعدو الجائر الذي يظهر برأسين كتنين ينفث النار والخراب (الاستبداد المعنوي والمادي) أي (الجهل، والقهر). فتعاظم الشقاء والضنك من الركون للوهن والضعف والخيبة في قبول الاستعباد والرضا بكل ألوان القهر الفرنسي الغاشم يقول بن باديس مستشرفا واقعنا الراهن “ندين بالإسلام وهو دين السعادة الدنيوية والأخروية، ولكن حيثما كنا – إلا قليلا – لسنا سعداء لا في مظاهر تديننا ولا في أحوال دنيانا، ففي الأولى نأتي بما يبر أمنه الإسلام ونصرح بأنه من صميمه، وفي الثانية ترانا في حالة من الجهل والفقر والذل والاستعباد يرثى لها الجماد” تفسير مجالس التذكير ص 270. يشخص بن باديس بواطن العلل وظواهرها وهي في شكل متداخل، الجهل مكن فرنسا من إحكام قبضتها على الرقاب، فكان التنكيل وسفك الدماء وفرنسا المجرمة مكنت الجهل من الإجهاز على البقية الباقية لضرب الهوية وبث الفرقة، وروح الانهزام وبالتالي لا بد من تبديد ظلمة الجهل المطبق على العقول، ولا يتم ذلك إلا بالرجوع للهدي القرآني كمحطة وقود ضرورية للنهوض الحضاري وفي ذلك يقول “لا نجاة لنا من هذا التيه الذي نحن فيه والعذاب المنوع الذي نذوقه ونقاسيه إلا الرجوع إلى القرآن، إلى علمه وهديه وبناء العقائد والأحكام والآداب عليه” التفسير ص 286. هذه هي الخطوة الأساسية في المنهج الباديسي العودة إلى روح الدين الإسلامي وسيادة الإيمان بالله على مناشط الحياة لتثبيت بذور الإصلاح ومن ثم تعهدها بالرعاية والدعم لتزهر وتثمر إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
لقد بنى من تفسيره الفريد خطا ثوريا تحرريا مستقلا، في فهم كتاب الله فكان يغربل الآراء والأقوال والتفصيلات والزيادات الموجودة في بعض التفاسير ويصل بدوره للفهم البسيط والواقعي، الذي يصلح للتطبيق في شكل خطوات عملية، وقد فهمنا ذلك من خلال اعتداده بمقولة أستاذه “اجعل ذهنك مصفاة” وما أحوجنا لهذه المصفاة اليوم حيث كثرت الأغاليط والإشاعات والسفاسف، وتضاربت الأقوال واختلطت الأوراق وطغى الزيف والبهتان، أكيد هي دعوة لنقد الباطل وعدم التسليم بلا دليل لأي شيء, وبناء المعرفة على أصول من اليقين الجازم، وممارسة الدعوة إلى الله على بصيرة وفقه، وتفعيل للمصفاة في حياتنا، زعزعة كاملة لمظاهر الفساد ومجلبة للساخطين الحاقدين المستفيدين من بقاء الوضع على ماهو عليه، المهددين بهذه المصفاة بالزوال والسقوط والغربلة، مصفاة بن باديس دعوة للتفكر ورغبة في أخذ العلم والمعرفة من منابع الوضوح والدقة، ويمكن اختصار أبعاد المنهج الباديسي في تفسير القرآن في ثلاث خطوات 1 \بناء الثقة في الذات (بعث قوة الإيمان)، 2\ والثقة في مقومات الوجود (تثبيت الهوية) 3\ والثقة في التغيير للأفضل (تفعيل المصفاة) لمواجهة الحياة العريضة كل ألوانها وفصولها وأنماط البشر فيها.