العلامة المصلح القدوة الشيخ عمار مطاطلة

بقلم:أ. عبد الحميد عبدوس -

انتقل إلى رحمة الله العلامة المجاهد، المربي الزاهد، الشيخ عمار مطاطلة، الرئيس الشرفي لجمعية العلماء إمام عبد الحميد المسلمين الجزائريين، آخر تلاميذ الإمام عبد الحميد بن باديس، الذي سار على نهجه، ودافع عن مبادئه، ونشر رسالته منذ أن انتصب للتدريس في مدارس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين أواخر أربعينيات القرن الماضي، إلى أن لقي ربه راضيا مرضيا بإذن الله يوم الاثنين الماضي 03 جمادى الثانية 1436هـ. الموافق لـ 23 مارس 2015م. عن عمر ناهز المائة عام، فهو من مواليد 1915 ببلدية عين قشرة، دائرة القل، ولاية سكيكدة.

فالشيخ عمار مطاطلة نحسبه ممن ينطبق عليهم حديث رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: »خيركم من طال عمره وحسن عمله«.

كانت حياة الفقيد جهادا متواصلا من أجل الإسلام، والوطن، واللغة العربية، شعاره: إسلام ديننا، العربية لغتنا، الجزائر وطننا.

درس على الإمام عبد الحميد بن باديس في الجامع الأخضر بقسنطينة في سنة 1934، وبقي مع شيخه إلى سنة 1939 لأنه تعلق به تعلقا شديدا وهو يقول عنه: أحسست وكأني أمام ملك لا أمام بشر، واشتد حبي لهذا الرجل واشتدت رغبتي في سماع دروسه، فلم أستسيغ سماع غيره مما جعلني أعزف عن دروس بعض مساعديه، لقد كانت خير أيامي وأعزها تلك التي قضيتها أمام شيخنا في تلك الحلقات مما جعلني أستمر بالجامع أخضر حتى سنة 1939.

عرفت الشيخ الفاضل عمار مطاطلة في جمعية العلماء المسلمين الجزائريين عالما صادق الإيمان، راسخ العلم، جريئا في الحق، لا يخاف في الله لومة لائم، أنيق العبارة وكان مع ذلك كريم الخلق، شديد التواضع، والهندام.

زرته في بيته ببلدية الأبيار قبل شهر واحد من رحيله رفقة الأستاذ المحامي عبد الله عثامنية، فحرص رغم اعتلال صحته على الترحيب بنا وإكرامنا، وكان برفقة أحمد السيناتور السابق، وعبد الحميد ولديه الدكتور الجنرال المتقاعد، وهما من طلبة معهد عبد الحميد بن أستاذ باديس، وخريجي جامع الزيتونة، بينما كان ابنه الأستاذ المحامي نجيب غائبا في هذا اللقاء، كل أولاده يعتبرون مثالا في البر بوالدهم، والاهتمام بصحته، والحرص على راحته.

لقد نجح الشيخ عمار مطاطلة سليل العائلة المصلحة المجاهدة في تكوين أسرة شريفة، صالحة، مثمرة و بالبنين والبنات، والأحفاد، الذين مازالوا أبناء يساهمون بعلمهم وقدراتهم في بناء الجزائر التي أحبها الشيخ عمار مطاطلة، وسخر حياته لخدمتها والمساهمة في تنوير أبنائها.

دام لقاؤنا بالشيخ الفاضل أكثر من ساعتين، وكان رغم جسمه النحيل العليل متقد الذهن، قوي الذاكرة، عميق البصيرة، يسال باهتمام عن أحوال جمعية العلماء، ولسان حالها جريدة البصائر.

وكان كلامه يتراوح بين التحسر والتندر والت أثر على الأوضاع العامة ، وكلما هممنا بتوديعه إشفاقا على صحته ينطلق بنا مجددا في حديث الذكريات العامرة بالحنين إلى أيام الزمن البطولي فيتذكر أيامه بمدينة سبدو بولاية تلمسان التي كان حلوله بها أثناء السنة الدراسية 1953-1952 باكورة نهضة تعليمية وإصلاحية مباركة، إذ لم تمض سنة واحدة على تعيينه من طرف جمعية العلماء المسلمين الجزائريين في هذه المدينة حتى قام بمساعدة أهل سبدو بتأسيس مدرسة محترمة بكل المرافق الضرورية، وبناء مسجد بـجوار المدرسة، وكان الشيخ عمار مطاطلة يتولى تعليم البنين والبنات في تلك المدرسة بالإضافة إلى قيامه بالوعظ والإرشاد، وبث الوعي الديني والوطني في سكان القرية، ولم يصبر الاستعمار الفرنسي على هذه الشعلة التي أوقدها الشيخ عمار مطاطلة من أجل تبديد الجهل والتجهيل وأباطيل وضلالات تزييف الوعي الديني والوطني، فقام بغلق المدرسة والمسجد في سنة 1956 ،ووضع الشيخ عمار مطاطلة تحت رقابة الإقامة الجبرية، ولكن جيش التحرير الوطني استطاع تهريبه إلى مدينة وجدة المغربية، وهناك التقى بقادة الثورة من أمثال عبد الحفيظ بوالصوف وهواري بومدين اللذين طلبا منه تسخير إمكانياته العلمية لخدمة الثورة داخل المغرب الشقيق، وأصبح اسمه الثوري عبد الله زغلول، وكان من بين التلاميذ البارزين الذين تلقوا العلم على يد الشيخ عمار مطاطلة في مدرسة سبدو، والمؤرخ الجزائري المعروف محمد القورصو، الرئيس الأسبق لجمعية الثامن ماي 1945 ، لعالم الفاضل إمام وخطيب دار الحديث بتلمسان الشيخ بن يونس آيت سالم النائب الثالث لرئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، غير أنه من الذكريات التي ظلت مرارتها تجدد ولا تتبدد في نفسية الشيخ عمار مطاطلة، رغم توالي السنين وزوال الحكومات والرجال، ذكرى قرار الرئيس الراحل أحمد بن بلة –رحمه الله وغفر له- بمنع جمعية العلماء المسلمين من العودة بعد استرجاع الاستقلال وتحقق الآمال التي ناضلت من أجلها جمعية العلماء المسلمين لمواصلة رسالتها التعليمية والإصلاحية لتحصين استقلال الجزائر وتفكيك ألغام التغريب الثقافي والانحراف الفكري التي زرعها المحتل.

حظي الشيخ عمار مطاطلة خلال حياته العامرة بالعديد من التكريمات من المؤسسات الدينية والجامعية والإعلامية، أهدى مكتبته النفيسة المحتوية على مئات الكتب قبل عام من وفاته إلى جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية بقسنطينة، وهذه من الصدقات الجارية التي تضاف إلى دعاء ذريته الصالحة، كما سجل مذكراته وذكرياته في كتاب من جزئين، سنعود بإذن الله أيام إلى تقديمه للقراء.

وقد أبنه عند رحيله رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين سماحة الأستاذ الدكتور عبد الرزاق قسوم بكلمة بليغة، حافلة بخصال ومآثر الفقيد العلمية والخلقية والجهادية.

وكذلك استمع جمهور المشيعين من عائلة الفقيد وزملائه، أبنائه العلماء، والإطارات في قطاعات الدولة إلى الموعظة المؤثرة للدكتور الفاضل محمد إيدير مشنان، الإطار السامي بوزارة الشؤون الدينية، كما بعث السيد رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة ببرقية تعزية إلى عائلة الفقيد، وإلى أسرته الكبيرة في جمعية العلماء المسلمين.

نسأل الله تعالى أن يتغمد العالم المصلح الداعية الحكيم، الشيخ عمار مطاطلة بواسع الرحمة والرضوان، أن يسكنه أعالي الجنان مع النبيين، والصديقين، والشهداء، والصالحين، وحسن أولئك رفيقا.

آخر التغريدات:

    Message: Invalid or expired token., Please check your Twitter Authentication Data or internet connection.