هل الجزائر اليوم في حاجة إلى جمعية العلماء…؟
بقلم: أ.محمد العلمي السائحي -
إن المتأمل في حال الجزائر اليوم، يجد أوضاعها لا تختلف في كثير عما كانت عليه في بدايات القرن العشرين، مع فارق واحد هو أن الأوضاع التي كانت تسودها في نهاية القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين ولّدها الاحتلال الفرنسي، الذي جثم على صدر البلاد والعباد، أما اليوم فإنها بما كسبت أيدينا نحن، فما نحن عليه من ترد للأوضاع السياسية، والاقتصادية والاجتماعية..
مرده إلى ما شاب الدين من اختلال، فساءت الأخلاق، واختل العدل، وتفشى العدوان، وعمت البطالة، واستوطن اليأس في النفوس، وساءت الظنون بالعباد ورب العباد، إلى درجة أن الانتحار الذي كان في الجزائر يمثل ظاهرة شاذة لا تحدث إلا حينا بعد حين، تحول إلى حدث يومي مألوف ومعتاد، وتسابق الناس إلى ركوب ثبج البحر، شبانا وشبات، رجالا ونساء، بل فيهم حتى الشيوخ والعجائز، فرارا بأنفسهم من أوضاع الجزائر التي باتت لا تطاق ولا تحتمل، وما كان الجزائري الصميم ليئد حياته، أو يهجر وكره، لولا يأسه المطلق من تحسن الأحوال، وانحسار المصائب والأهوال، وما كان ذلك ليحدث لولا افتقاد الشعب الجزائري الأبي لتنظيم يعالج جراحه، ويوجه نضاله وكفاحه، ويحمله على مقاومة اليأس، ويحدوه إلى التمسك بالأمل، ويستثير فيه دواعي العمل، تماما كما فعل الإمام عبد الحميد بن باديس في سالف الأيام، حيث بادر إلى جمع إخوانه العلماء الذين تخرجوا من المشرق والمغرب وهيأ لهم إطار تنظيميا أخذ على عاتقه دراسة أوضاع الجزائر في تلك الحقبة الغابرة، والاتفاق على منهج واضح يتكفل بعلاجها وتصحيحها، وبالاعتماد على الوسائل المتاحة التي تتوفر لهم، وقد وفقهم الله أيما توفيق، فاستطاعت جمعية العلماء المسلمين الجزائريين التي تأسست في تلك الحقبة، أن تصحح الأفكار وتقاوم الدمار، وتنشأ المدارس وتؤسس النوادي والجمعيات، وأن تصدر الصحف والمجلات، وأن ترسل البعثات الطلابية من بنين وبنات، إلى الخارج لينهلوا من معارف مختلف الجامعات.
إن الجزائر اليوم هي أحوج ما تكون إلى جمعية العلماء المسلمين لتتكفل بإصلاح الأخلاق، وتفعيل العزائم والإرادات، والقضاء على اليأس الذي عشش في النفوس، وانتزاع الأفكار الفاسدة التي استقرت في الرؤوس.
إن الجزائر اليوم أحوج ما تكون إلى جمعية العلماء المسلين الجزائريين، لتجنيد العلماء في جميع الاختصاصات، ليضعوا أنفسهم من خلالها في خدمة الجزائر في جميع المجالات، والجزائر في حاجة إليها للتكفل بشبابها الذي عبثت به الأهواء، واستغله الأعداء، وشذت أخلاقه، واشتد عليه إملاقه، وخبت جذوة الوطنية فيه، وبات يضرب في الأرض على غير هدى.
إن الجزائر اليوم في حاجة إلى جمعية العلماء لتصحح لها بوصلة التعليم الذي جنح إلى الفرنسة والتغريب، والتنكر من جديد للإسلام والتعريب.
إن الجزائر اليوم بكل تأكيد في حاجة إلى جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، لترميم الوحدة الوطنية التي رثت حبالها وتفككت عراها، لتفكك الأسر التي عبثت بها القوانين المقتبسة عن الغير، والتشريعات المستلهمة من هنا وهناك، والتي لا هدف لها آخر إلا إضعاف أثر الإسلام في النفوس، حتى يسهل عليهم غزو البلاد وزج الرؤوس.
نعم بكل تأكيد الجزائر في حاجة ماسة إلى جمعية العلماء المسلمين الجزائريين اليوم، لأن الحاجة التي دعت إلى تأسيسها بالأمس، هي نفسها التي تدعو إلى عودتها إلى العمل والنشاط اليوم ...